مشاهدة النسخة كاملة : علم الدعاة .... وعلم العلماء


مسترسمير إبراهيم
06-07-2010, 08:42 PM
علم الدعاة وعلم العلماء

كثيرٌ من الدعاة يضخِّمون معنى العلم، وقد يظلمونه!
إنَّ العلم لا يعني فقط التبحُّر في معاني الألفاظ ومشتقَّاتها ومقاصدها! بل إنَّ الأمر أبسط من ذلك بكثير! والأدلَّة على ذلك كثيرة، فكلُّ آيات الدعوة إلى الله وإلى الإسلام، وأحاديثها بسيطةٌ سهلةٌ واضحة! ألم يقل الله تعالى: (ولتكن منكم أمَّةٌ يدعون إلى الخير)، فكلُّ خيرٍ تدعو إليه هو نوعٌ من العلم..
فمجرَّد دعوة غيرك لإتقان عمله أو لبرِّ والديه أو لصلة أقاربه أو للاهتمام بجيرانه أو لإكرام ضيفه أو لغير ذلك من أخلاق الإسلام، فهذه درجةٌ من درجات العلم التي تحملها لغيرك. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلِّغوا عنِّي ولو آية… الحديث)رواه البخاري
فإذا لم تعرف إلا آيةً واحدةً فأنت إذن تحمل قدرًا من العلم يفرض عليك قدر استطاعتك -والله محاسبك على هذه الاستطاعة يوم القيامة– أن تدعو غيرك له، وتثاب إذا بلَّغتها وتأثم إذا قصرت فيها دون عذر، كما يظهر من صيغة الأمر الواردة في الحديث.
ألم يقل الله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة)؟ فكلُّ تفكيرٍ من الداعي في استغلال أفضل الوسائل لتوصيل إسلامه للناس سواء بالخدمة أو بالزيارة أو الهدية أو السؤال أو بالموعظة أو بالمشاركة في الأفراح والأحزان، يُعدُّ درجةً من درجات العلم. ألم يقل سبحانه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة)؟ فكلُّ اقتداءٍ بالرسول صلى الله عليه وسلم من الداعي في غضِّ بصره، أو حفظ لسانه، أو عون الآخرين، أو نحو ذلك من الأخلاق الحسنة التي تجعله قدوةً للآخرين ليقتدوا به، هو درجةٌ من درجات العلم.
ولا تعجب من ذلك -أخي الكريم-، ألم تر كثيرًا من الدعاة يحفظون كثيرًا من العلم، وهم ناجحون فيه لكنَّهم يفشلون كثيرًا في التعامل مع الآخرين أو دعوتهم للإسلام، بل أحيانًا بعضهم يكون منفرًا! وما جعله علمه هذا الذي لا يطبِّقه إلا طبعةً زائدةً من كتاب علم!
إنَّ الصحابة رضوان الله عليهم قد أحسنوا فهم معنى العلم، فقد كان أحدهم –مثلاً- يبكي لما يقرأ سورة الزلزلة، ويستشعر أنَّ الله سيحاسب على مثقال الذرة، فهذا قد علم وفَقِه بحقٍّ معنى الحساب يوم القيامة والاستعداد له، والآخر يخرج بنفسه وماله ولا يرجع بشيء، فهذا قد علم وفقه بحقٍّ معنى الدفاع عن الإسلام والمسلمين وقيمة وثواب الاستشهاد في سبيل ذلك، والثالث يكفل الأرامل واليتامى، فهذا قد علم وفقه بحقٍّ معنى التكافل.. وهكذا.
إنَّ هذا هو العلم العملي الذي قال الله تعالى فيه: (وقل ربِّ زدني علمًا)، وقال أيضًا: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
أخي الكريم؛ علينا أن نفرِّق بين علم عموم الناس، وعلم الدعاة، وعلم العلماء. – فأمَّا علم عموم الناس، فهو الذي سبق ذكره.. كالعلم بوجود الله، والملائكة، والشياطين، والجنَّة، والنار، والحساب، والعقاب، ومعرفة أخلاق الإسلام الأساسيَّة.. كالصدق، والأمانة، والوفاء، والتعاون، ونحو ذلك، وفرضيَّة تنظيم كلّ شئون الحياة بها لتسعد، وهذه العلوم الأساسيَّة هي فرضٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ معرفتها، وهي التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم)رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني.
- وأمَّا علم الدعاة فهو مثل علم عموم الناس لأنَّ كلَّ فردٍ من عموم الناس هو داعٍ إلى الله على قدر طاقته وعلى قدر ما يحمل من علمٍ كما سبق وبيِّنَّا، لكن عليهم أن يجتهدوا في الارتقاء في ذلك باستمرار.
- وأمَّا علم العلماء، وهو الذي لا يُطالَب به كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ لأنَّه ليس في طاقة الجميع، والله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وإنَّما يطالب به مجموعة منهم لهم استعداد له، ليلجأ إليهم الناس عند احتياجهم له، كبعض المعاملات الماليَّة الحديثة، أو المواريث، أو أنواع الطلاق، أو أنواع الجهاد، أو صور الخروج على الحاكم، أو معاملة الأسرى والمعاهدين والمستأمنين، وما شابه ذلك، كما يقول تعالى: (فلولا نفر من كلِّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقَّهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلَّهم يحذرون).
هذا، وتجدر الإشارة إلى أنَّه أحيانًا قد يحتاج بعض الدعاة إلى معرفة بعض هذه العلوم المتخصِّصة إذا كانت ظروف المدعوِّين حولهم تحتاجها، وهذه الظروف تختلف باختلاف الأماكن، والأزمنة، والمفاهيم، والثقافات، والبيئات، وعليهم أن يتعلَّموها ويتقنوها لينقلوها إليهم بأنفسهم، أو على الأقلِّ يستطيعون توجيه مدعوِّيهم إلى العلماء المتخصِّصين الذين سيوضِّحونها لهم. فليس المطلوب أن يكون كلُّ المسلمين علماء بكلِّ تفاصيل الإسلام، فهذا أمرٌ غير واقعيٍّ.. إذ من سيكون لتعمير الأرض والانتفاع بخيراتها الحلال من المهندسين والأطباء والتجاريين والزراعيين ونحو هؤلاء؟!
إنَّ هؤلاء يقومون بإسقاط فرض العين عن المسلمين في تخصُّصاتهم، كما يقول تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعملون)، وفروض الكفاية هي الفروض التي لو قام بها بعض المسلمين قيامًا تامًا بحيث يكفون بقية المسلمين أثيبوا وسقط الإثم عن الجميع، وإن لم يقم به أحدٌ أثِم الجميع ويتحول إلى فرض عين على الجميع حتى يُخرجوا من بينهم من يقومون به، تمامًا كما يقوم علماء الشريعة بإسقاط فرض العين عن المسلمين في تخصُّصهم وهو التبحُّر ومعرفة التفاصيل الدقيقة للإسلام، والتي لا تستخدم كثيرًا في المعاملات اليوميَّة.
ولكن المطلوب على سبيل الفرض من كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ أن يكون داعيًا لله تعالى ولإسلامه على قدر طاقته، كما يقول تعالى بصيغة الأمر: (ادع إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة). إنَّ أمور معاملة الوافدين من الخارج، أو الخروج على الحاكم، وما شابهها رغم أهمِّيَّتها إلا أنَّها لا تستخدم كثيرًا، وليست أهمَّ من معرفة الناس بربِّهم وجنَّته وناره، وحبِّهم له، وارتباطهم به، وتوكُّلهم عليه، وتمسُّكهم بإسلامهم ليسعدوا به..
ومعرفتهم كيف يسعد الإسلام الزوجين، ويعين الوالدين على تربية أبنائهم، ويعين الأبناء على برِّهم، ويعين المتعلِّم على مزيدٍ من العلم، والصانع على الإتقان، ونحو ذلك من أخلاق الإسلام الأساسيَّة والتي يحتاجها المسلمون في معاملاتهم اليوميَّة والتي يفرض عليهم معرفتها وتعلُّمها.
فإذا ما طبقوا أساسيَّات الإسلام هذه، وسعدوا بها فسيسعون تدريجيًّا لمعرفة بقيَّة أحكامه عند احتياجهم لها، وسيأخذ كلّ حكمٍ حجمه الطبيعي في حياتهم دون إفراطٍ أو تفريط فيزدادوا يسرًا وسعادةً في الدنيا ثمَّ الآخرة.
أخي الكريم؛ إنَّ على الدعاة المعتدلين الذين فهموا معاني العلم فهما صحيحًا واجب توضيح ذلك للآخرين، من خلال كلِّ الوسائل المتاحة، بدءًا بالدعوة الفرديَّة بين الجيران والأقارب والزملاء من خلال الكلمة والشريط والكتيب والخدمة والزيارة والرحلة ونحو ذلك، ومرورًا بالدعوة في أماكن التجمُّعات كالنوادي والمؤسَّسات والمساجد وغيرها، وانتهاءً باستغلال وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والفضائيَّات وما شابهها، فهذه هي أفضل معالجةٍ للوضع الحالي، وهي معالجةٌ أكيدةٌ بإذن الله –رغم طولها واحتياجها إلى جهودٍ كثيرةٍ.. بشريَّةٍ وفكريَّةٍ وماليَّةٍ ووقتيَّةٍ وغيرها– لأنَّها مُقاسةٌ على أساليب الرسول صلى الله عليه سلم التي كان يستخدمها والتي كانت متاحةً في عصره.
أخي الكريم؛ إذا كان البعض من أصحاب الفكر غير المعتدل ذوي أصوات مرتفعة، فليجعل أصحاب الفكر المعتدل أعمالهم هي صوتهم العالي!! بمعنى أنَّ عليهم مزيدًا من الانتشار بفكرهم المعتدل، والذي هو الإسلام أصلاً كما وضَّح ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين أرادوا التشديد قائلاً لهم: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوَّج النساء، فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي) رواه البخاري ومسلم.
فكلَّما انتشر هذا الفكر كلَّما تقلَّص الفكر المتشدد تدريجًا لأنه ببساطة لن يجد من يعتنقه! وببساطة أيضًا لن يحدث خلافٌ بين المعتدلين والغلاة غالبًا، وذلك إذا ما قام المعتدلون بنصح الذين يغالون بأدب الإسلام، وتمَّ توضيح الصواب والخطأ لهم، ثمَّ انطلقوا لنشر اعتدالهم بكلِّ الوسائل الدعويَّة المتنوِّعة، ولم يتشاجروا مع أحدٍ من أجل العمل الدعوي داخل مسجد مثلاً.. لأنَّهم لهم وسائل كثيرة غيره، ولم يتشاجروا مثلاً على ضمِّ فردٍ لهم لأنَّ لهم ملايين غيره ينشرون اعتدالهم لهم!
ثمَّ هم يتعاونون مع غيرهم فيما يمكن التعاون فيه من أجل توصيل الإسلام ويحبُّونهم ويحرصون على الأخوة بينهم وحسن العلاقات معهم. هذا، والزمن جزءٌ من العلاج، فكثيرٌ من الغلاة اعتدلوا مع الوقت من تأثير الأحداث حولهم ورؤيتهم عدم مناسبة فكرهم مع الواقع الذين يعيشونه. وفقكم الله وأعانكم وأسعدكم . ولكم ثوابكم العظيم. ولا تنسونا من صالح دعائكم.

ايه كمال
06-07-2010, 10:47 PM
http://rtoosh.com/up/images/92862462492478939491.gif

مسترسمير إبراهيم
07-07-2010, 11:27 AM
بارك الله لكم..... مروركم اسعدنا
وجزاكم الله كل الخير