مشاهدة النسخة كاملة : الثورة المصرية تسقط الغطرسة الصهيونية


جهاد2000
27-08-2011, 11:56 AM
د. سامح عباس يكتب الثورة المصرية تسقط الغطرسة الصهيونية

فجَّر حادث الهجوم الغادر لقوات جيش الاحتلال الصهيوني على الجنود المصريين المرابطين على الحدود كثير من القضايا الشائكة التى كان مسكوت عليها بفعل فاعل طوال الـ30 عاماً الماضية، وأخرج المارد المصري من قنينته التى ظل حبيساً بداخلها خلال هذه الفترة، وجاء رد الفعل المصري، على هذه الجريمة البشعة، على عكس توقعات قادة الكيان الصهيوني، وخلافاً لما اعتادوه من القيادة المصرية قبل ثورة 25 يناير المجيدة.

وبعيداً عن ملابسات الهجوم الصهيوني الجبان وتداعياته، فلا يمكننا التعامل معه بمنأى عن أبعاده ودلالاته التى يحملها بين طياته، وربما يمكن اعتباره بمثابة الاختبار الأول الذي تضعه "إسرائيل" لمصر ما بعد الثورة، حيث يلجأ الكيان الصهيوني كعادته إلى استخدام أسلوب بلونات الاختبار ليقف على شكل مستقبل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب فى أعقاب ثورة 25 يناير، خاصة وأن قادته لم يشعروا بالارتياح حيال مستقبل هذه العلاقات طوال الشهور الستة الماضية، رغم تعهد المجلس العسكري المصري بالتزامه باتفاقيات مصر الدولية، ومن بينها إتفاقيات كامب دافيد.

لقد سعت تل أبيب فى السابق لجس نبض النظام المصري الجديد واختباره حيالها، من خلال عدة مواقف سياسية واقتصادية كان أبرزها مسألة استئناف ضخ الغاز الطبيعي المصري لها، لكن ذلك لم يكن كافياً لمعرفة ما تريده وتصبو إليه، لذا جاء حادث الاعتداء الأثيم ضد جنودنا البواسل على الحدود، ليكون البروميتر الحقيقي لقياس قوة العلاقات بين البلدين ومدى حدودها ومساحتها. لكن الصدمة الصهيونية تجاوزت كافة التوقعات، وجاء رد الفعل المصري سريعا وقوياً وحازماً، على المستويين الرسمي والشعبي؛ فمطالبة مصر الرسمية -للمرة الأولى منذ التوقيع على اتفاقيات كامب دافيد- بضرورة تقديم "إسرائيل" لإعتذار رسمي، واتخاذ قرار بسحب السفير من تل أبيب - وإن لم يتم- وتعليق المفاوضات حول تصدير الغاز، كلها أمور غير مسبوقة، ولم يعهدها الكيان الصهيوني طوال الثلاثين عاماً الماضية فى ظل حكم الرئيس المصري المخلوع.

الموقف المصري

ولكي ندرك مدى قوة وصرامة الموقف المصري حيال الكيان الصهيوني فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة يجب أن نعقد مقارنة بين الموقف المصري والموقف التركي بشأن مطالبة "إسرائيل" بتقديم اعتذار رسمي، فيتبين لنا أن قوة الموقف المصري وصرامته مع اللحظة الأولى لإندلاع الأحداث فى منطقة الحدود هو الذي أجبر قادة الكيان الصهيوني على المسارعة لاسترضاء مصر وتقديم اعتذار رسمي لها، سواء شفهياً من خلال بيان وزير الحرب الصهيوني، إيهود باراك، أو من خلال الاعتذار الكتابي الذي قدمه سفير الكيان السابق لدى القاهرة، شالوم كوهين لوزارة الخارجية المصرية؛ وهو ما لم يحدث مع تركيا حتى الآن، حيث يرفض قادة الكيان الصهيوني تقديم اعتذار عن ***هم لنشطاء أتراك على متن السفينة التركية الشهيرة، مرمرة. وهذا ما ألمح إليه، ناحوم برنيع، المحلل السياسي بصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية فى معرض تعليقه على الأحداث الأخيرة على الحدود بين مصر و"إسرائيل"، مشيراً إلى ضرورة استفادة تل أبيب من الدرس التركي فى السنوات الأخيرة، وألا يقع قادتها فى فخ التعالي والتكبر على الاعتذار للمصريين، مشدداً فى الوقت ذاته على أن "إسرائيل"، يمكن أن تسمح لنفسها أن تخسر تركيا، لكن الثمن الذى ستتكبده ازاء توتر العلاقات مع مصر سيكون أكثر فداحة، لذا يجب أن تسارع بتقديم الاعتذار لها.

إعتذار باراك

ويتفق معه فى ذلك خبير الشئون العربية بصحيفة هاآرتس، تسيفى برئيل، الذي أكد فى تقرير له بعنوان"يجب الإسراع فى حل المشكلة مع مصر" قائلاً لقيادات الحكومة الصهيونية:" إن الإعتذار عن *** الجنود المصريين لا يتعلق بمسألة هيبة،"إسرائيل" لكنه أمن قومي، وليس من المبالغ فيه أيضا التقدير العلني لجهود حكومة مصر في العمل ضد المنظمات المتطرفة في سيناء، وهي الجهود التي دفعتها حتى لمطالبة "إسرائيل" بالسماح بإدخال قوات إضافية إلى سيناء على عكس ما تنص عليه إتفاقيات كامب دافيد."

ومن جانبه أكد الخبير الاستراتيجي "الإسرائيلي" رون بن يشاي، أن اعتذار تل أبيب لمصر ضروري ومهم فى هذه المرحلة من العلاقات بين البلدين، مؤكداً أنه لا ينبغي على "إسرائيل" أن تشعر بغضاضة في الإستجابة للطلب المصري بتقديم اعتذار عن م*** الجنود. مشيراً إلى إن الدبلوماسية مثل الطريق السريع، ينبغي أحيانا أن تكون ذكي وليس صادقا فقط، خاصة حين تكون المصلحة مهمة، لا سيما عندما يكون السلام مع مصر والتنسيق الأمني معها على المحك. وأوضح أن بيان الاعتذار الذي نشره وزير الحرب إيهود باراك يستحق الثناء. فالإعراب عن الأسف بدون تحمل المسئولية – هذا تماما ما تحتاجه "إسرائيل"وما ينبغي أن تفعله حالياً.

بجاحة صهيونية

ورغم الاعتذار الصهيوني، لكن الحكومة المصرية، ومعها الشارع المصري بكل أطيافه، لم تراه كافياً، ملمحة إلى ضرورة تعديل المحلق العسكري لإتفاقية السلام المصرية –"الإسرائيلية" بالشكل الذي يضمن زيادة عدد أفراد القوات المسلحة المصرية على المنطقة الحدودية، لمنع تكرار مثل هذا الحادث الأثيم. لكن يبدو أن تل أبيب تدرك ذلك تماماً ولا تعتزم فتح هذا الملف مطلقاً وهو ما أكده عاموس جلعاد، رئيس الدائرة السياسية –الأمنية بوزارة الحرب الصهيونية الذي قام بزيارة القاهرة مؤخراً. وعلى الأرجح أن "إسرائيل" قد بدأت فى شن هجوم مضاد لإجهاض المطالب المصرية بتعديل اتفاق السلام، ففى بجاحة وصلافة معهودة أوصى عدد من المحللين والخبراء "الإسرائيليين" الحكومة الصهيونية بضرورة مطالبة مصر بالسماح لقوات جيش الاحتلال الدخول لأراضي سيناء لتعقب العناصر التى تخترق الحدود لتنفيذ عمليات داخل العمق الصهيوني، على الأقل حتى يتم الانتهاء من بناء الجدار الحدودي، وذلك رداً على موافقة "إسرائيل" بدخول قوات عسكرية مصرية لسيناء لمطاردة العناصر الخارجة عن القانون. وطالبت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية فى سياق تقرير لأحد محلليها بضرورة الاستعانة بالأمريكيين للضغط على المجلس العسكري المصري لقبول الطلب "الإسرائيلي".

الحرب مع مصر

أما صحيفة معاريف فقد تمادت فى التطاول والتبجح وطالب محللها السياسي ، مناحم بن، عودة حالة الحرب مع مصر لأن ذلك الضمان الوحيد لأمن "إسرائيل" وحدودها، كما هو الحال مع الحدود السورية، مشيراً إلى أن الكيان الصهيوني خسر كثيراً من اتفاق السلام مع مصر، وأنه يجب حالياً الاستعانة بالضغط الأمريكي على مصر من خلال التهديد بقطع المساعدات العسكرية والاقتصادية عنها، وتأهيل قوات عسكرية خاصة استعداداً للقيام بأي عمل عسكري فى سيناء، فى ظل السياسة "الإسرائيلية" الجديدة للتعامل مع مصر بعد ثورة 25 يناير. اختتم مناحم بن تقريره أن "إسرائيل" لا يمكنها بعد الآن الاعتماد على مصر فى حماية أمنها واصفاً إياها بأنها " سند متهاوي" .

الثورة المضادة

فى هذا السياق حري بنا أن نشير إلى أن الكيان الصهيوني منذ خسارته لكنزه الاستراتيجي، "حسني مبارك"، يسعى وبشتى الطرق للعمل ضد ثورة 25 يناير، وكانت "إسرائيل" أول دولة تقود الثورة المضادة لإفشالها من خلال الترويج لأكاذيب ومزاعم بشأن إنهيار الاقتصاد المصري، بهدف تطفيش المستثمرين والسائحين منها، بزعم غياب الأمن وعدم نجاح السلطات الحاكمة فى مصر السيطرة على الأوضاع الداخلية. ويبدو أن الدراسة الصادرة عن مركز أبحاث الأمني القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب لخير دليل على ذلك والتي تؤكد أن هناك مخططاً سرياً "إسرائيلياً" يتم إعداده بعناية فى الوقت الراهن لإفشال الثورة المصرية من خلال إشاعة الفوضى والترويج لحالة عدم الاستقرار لمنع تكرار النموذج المصري فى عدد آخر من الدول العربية، وهو ما يراه قادة تل أبيب أكبر خطر يهدد مستقبل الكيان الصهيوني فى منطقة الشرق الأوسط.

كما أشارت دراسة معهد أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي" إلى إن التطورات الأخيرة التى تشهدها سيناء، تستلزم من قيادات تل أبيب الأمنية والعسكرية إجراء فحص معمق للوضع، وذلك في ضوء احتمال حدوث تحول استراتيجي في العلاقات بين "إسرائيل" ومصر، والذي من شأنه أن يؤدي إلى اتخاذ إجراءات وتدابير عسكرية وأمنية جديدة على الجبهة الجنوبية "لإسرائيل" والتى ظلت الأكثر هدوءً طوال ثلاثين عاماً هي فترة حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك.

المصدر

http://elmokhalestv.com/index/details/id/6767