مشاهدة النسخة كاملة : الدكتور أسامة يحيى يكتب: الرجل المعجزة


abomokhtar
23-03-2012, 12:50 AM
منذ طفولته المبكرة، قبل أن يعرف ما ستحمله له الأيام من هموم ثقال مجهدة، ومن تبعات جسام متعبة، ولأجل التدريب على الذود عن العرض والأرض ونشر الدعوة وإقامة الدين انتقى من لعبه سيارة أو بندقية أو سيف أو كرة، انتقى ما يدربه على المنافسات والصراعات والمغالبات المتكررة، يقضي مع لعبه العنيفة وقته وينعش بهم حماسته، ويستشرف بهم ومعهم مستقبل رجولته، ويتدرب على ما سيجد من تحديات ومسئوليات بمستقبله... معجزة.



كبر قليلاً واهتم كثيرًا بالبأس والقوة، فازداد خشونة* وغلظة، وودع الوداعة والرقة... معجزة.



كبر قليلاً وصار فتى لم يهتز لوجود بنات من حوله، فلم يعبأ بالتفكير في الزواج ولا خطبه، بل كان يستمتع بإلحاق الأذى بهن والتفنن في ضربهن وركلهن ودفعهن بالقوة... معجزة.



ولما بلغ وأصبح مراهقًا أرهق من ربَّاه في صولاته وجولاته وغدواته ورواحه، تمرد وعاند وشك وتاه، غضب وأحجم وأطاع وعصى هكذا دنياه... معجزة.



وانتبه إلى وجود البنات، فانجذب إليهن ثم تاب، فغض البصر مرة ولم يغض مرات، وراودته نفسه بالتعرف على إحداهن وكأنه خاب، ولكنه لم يفكر بعد في الزواج... معجزة.



والتفت إلى ما يبني مستقبله، وأقبل على ما يفيده في غده، فمضى قدمًا في دراسته، حتى أنهى ما ناءت به كواهله، واستقرت نفسه باستلام شهادته... معجزة.



وجد عملاً يأكل منه لقمته، ويدخر بعضًا من أجرته، ليوم حديث عهد بأجندته، يوم دفعته إليه أمه وجدته، يوم زواجه وانتهاء وحدته... معجزة.



بحث عنها من بين بنات حواء ببلدته، واختارها بعينه وقلبه وخبرته، وسأل عنها جارها وقريبته، واستخار ربه العليم بحالته، وطرق بابها مصطحبًا أسرته، طالبًا يدها لتكون في الحياة شريكته، لم يتحرج من إعلان محبته، ولم يخجل من طلبه لها كزوجته... معجزة.



سرعان ما خطبها وقدم إليها شبكته، وزارها كثيرًا لتتعرف على شخصيته، وتحدث معها طويلاً لتألفه، وقدم لها الهدايا مظهرًا حسن نيته، وانساب منه عذب الحديث وروعته، حتى ألفته وارتضت بكلامه وطريقته، ووثقت في حسن خلقه وطيب خلته، وتم كتب كتابه وأتبعه بدخلته... معجزة.



أصبح زوجًا رحيمًا شفوقًا بزوجته، وجعل راحتها ورعايتها همه ومسئوليته، وسقاها الأمن والأمان والحب والوئام فتلك مهمته ووظيفته، وأطفأ فيها تعبه وجنى منها راحته، وصرف عليها من ماله وغلته، بكل سخاء وطيب نفس فذاك من شيمته... معجزة.



يشقى النهار كله وشطرًا من ليلته، ويضع بكرم ما كسب بين يدي زوجته، شاعرًا أن ذلك رمز رجولته، وعنوان مسئوليته وقوامته... معجزة.



كم كتم بصدره مشاكله العظام كي لا يشغلها، فشغلها، ولم يفصح عن آلامه كي لا يؤلمها، فآلمها، فاعتبرته غامضًا غامقًا لعميق صمته، وطول انشغاله وعميق فكره، وهي لا تعلم أنه بالصمت في مشاكله يُفكِّر، وفي أحواله وأحوالها يتدبر، آملاً أن تسكن هي وتهدأ هي ولا تشعر، بما يجول في عقلة وتموج به نفسه فيشتعل غضبها ويستعر... معجزة.



كم غضب حين أهدرت رجولته، بعصيانها أو تجاهلها في خدمته، وتقصيرها في تلبية حاجته، وكم هدأ حينما بأنوثتها غلبته، وبدلالها أخضعته، وتلك أسلحتها الرائعة التي إليها جذبته، وباستخدامها صرعته، وبه أيضًا أعادته إلى رشده وجميل طبيعته، ولو استعملت أنوثتها دومًا لاستراحت وأراحته... معجزة.



إن رجولته دفعته ليصد ويحمي وينفق ويتحمل ويرعى ويحفظ ويستر ويتفضل ويضحي... معجزة.



كم حسم أمرًا طالت هلاميته، واسترد حقًّا أكلته غيبته، ودافع عن حمى بيته بكل قوته، ومنح اهتمامًا تحتاجه زوجته... معجزة.



كم *** من فأر أطل بهيبته، وقضى على صرصار حرَّك من شواربه، وكذلك فعل بكل من أفزع حبيبته... معجزة.



جاءه رزقه من الأطفال فقرَّت به عينه واستيقظت بهم ولهم أبوته، فسعى الليل والنهار ليتكسب مالاً يسد به احتياجاتهم وحاجته، وتنازل عن حقوقه وراحته، وتغيرت بالكامل معايير سعادته، فأمسى فرحًا حينما يعمل ويشقى لتستريح قبيلته، فرزقه البارئ بقدر أرزاقهم ما تستقر به قناعته، وما حافظ به على سعادة أهله وراحة أسرته... معجزة.



وقف بجوار أولاده صاحبًا ناصحًا موجهًا معاتبًا معاقبًا بكل قوته، اجتهد في تربيتهم ليفخر بهم وكذلك شريكته، فاحتضنهم بحب ولين وحنان وعطف وقليل من جفاء فتلك أبوته، رأهم يكبرون وتتبلور لكل منهم شخصيته، كم أخذوا من أعصابه وصحته، واقتطعوا من عمره وقوته، ليكبروا ويتمايزوا ويشق كل منهم طريقه بطريقته، فملئوا عليه الدنيا صلاحًا ونجاحًا حتى لاحت شيبته... معجزة.



أقبل الشباب يخطبون ابنته، فقبل منهم من استراح لرجولته، ومن اطمأن لخلقه ودينه وأسرته، فأضاف ابنًا جديدًا إلى قبيلته، ابنًا لم يتعب في تربيته، ولم يغرم في تعليمه وكلفته... معجزة.



صاحب ابنه في طريقه إلى خطيبته، واتفق مع أهلها لكي ينشئ ولده أسرته، ووضع العروس في قلبه كفرد من قبيلته... معجزة.



عاد شابًا صغيرًا عندما رأي أولاده يتزوجون، ومع أزواجهم وزوجاتهم يتمتعون ويتحملون، ومنهم ومنهن ينجبون، وما حدث له ولزوجته منذ زمان يكررون، وصار جَدًّا كطفل كبير يلهو بأحفاده وعليه يركبون... معجزة.



كبر عمره ورقَّ عظمه فانقلب حاله، تحول صمته إلى ميل للكلام وتكراره، ولان حاله وازدادت عواطفه، واستجاشت أحاسيسه وفاضت مدامعه، وقد كان من قبل صامتًا قاسيًّا لا يدمع... معجزة.



كان قبل هرمه سيد قومه، والآن امتطاه حفيده فكان حماره... معجزة.



وهو شاب تسولت منه زوجته حديثه، فلما كبر تمنى منها حديثه... معجزة.



كم استجاشت زوجته عواطفه في صغره، فأمسى بعد كبره على بابها يشحذ... معجزة.



يا ويح رجل لم يقدم لهذا اليوم ويستعد، فهو يوم عن كل رجل ليس ببعيد.



من اتعظ واعتبر من الرجال فهو معجزة،



ومن لم يتعظ ويعتبر فهو أيضًا، معجزة!!