مشاهدة النسخة كاملة : سقوط بغداد


abomokhtar
17-09-2012, 05:15 PM
إنه الحادث العظيم والخطير الذي وقع بأرض العراق وكشف عن مدى ضعف الخلافة العباسية، بحيث يقوم رجل واحد بقيادة مجموعة من الخونة والمتآمرين والحاقدين، فيستولي على بغداد عاصمة الخلافة ويقبض على الخليفة العباسي وينفيه خارج البلاد، إنها مؤامرة «البساسيري» العميل الشيعي الرافضي للدولة الفاطمية والذي قام بدور مخلب القط لضرب الخلافة العباسية السنية. تبدأ فصول المؤامرة منذ أن سقطت الخلافة العباسية فريسة النفوذ البويهي، وكانت الدولة البويهية شيعية رافضية، مما أفسح لانتشار التشيع داخل العراق عمومًا وبغداد خصوصًا، وظلت دولة الرفض قائمة ومتحكمة في الأوضاع داخل العراق حتى دب الضعف فيها ووقع الخلاف بين أمرائها واقتتلوا على السلطان، ولم تستطع الخلافة العباسية انتهاز فرصة هذا الصراع بسبب ضعفها الشديد، وظلت الأوضاع مضطربة ومتردية حتى ظهرت على ساحة الأحداث دولة جديدة قوية وفتية هي دولة السلاجقة السنية التي سيطرت على شرق العالم الإسلامي، فوجد الخليفة العباسي «القائم» فيها طوق النجاة والتخلص من نير الدولة البويهية الشيعية، وبالفعل استجاب السلطان «طغرلبك» لدعوة الخليفة العباسي وجاء إلى بغداد سنة 447هـ وأسقط الدولة البويهية.
كانت الدولة الفاطمية على علاقة وثيقة بالدولة البويهية للاتفاق في المذهب والعقيدة، فلما سقطت الدولة البويهية في العراق أخذت الدولة الفاطمية في التحضير لتحل محلها بالعراق والقضاء نهائيًا على دولة الخلافة السنية، وذلك عن طريق أحد عملائها بالعراق وهو «البساسيري»، فمن هو «البساسيري»؟
اسمه أبو الحارث أرسلان بن عبد الله التركي، لُقب بالبساسيري نسبة إلى بلدة «بسا» وكان من مماليك بهاء الدولة البويهي، وكان شجاعًا قويًا عالي الهمة في وقت عزت فيه هذه الخصال، فترقى في خدمة الأمراء حتى أصبح من قادة الجند الكبار، واصطنع الرجال بالمكارم واكتسب الأتباع بالعطايا حتى صار يدعو له الخطباء يوم الجمعة بعد الخليفة العباسي والسلطان البويهي، وكان البساسيري رافضيًا غاليًا، ولكنه كان يخفي غلوه حتى يعلو شأنه بين الناس، حتى صار هو معقد الحل والربط لا يقطع الخليفة العباسي أمرًا دون مشورته خاصة وأن هذه الفترة كان سلاطين البويهيين ضعفاء ومنشغلين بالقتال الداخلي على السلطان.
كلَّف الخليفة الفاطمي «المستنصر» «البساسيري» الخائن بالتحرك من أجل القضاء على الخلافة العباسية، فوضع البساسيري خطة محكمة تقوم على مرحلتين: الأولى استدراج السلاجقة إلى خارج بغداد وإشغالهم في قتال بالجزيرة أو الشام، والثانية الهجوم على بغداد عاصمة الخلافة وإعلان قيام خلافة فاطمية رافضية تابعة لمصر وذلك بالتعاون مع شيعة وروافض بغداد.
وبدأ البساسيري خطته الشيطانية بإظهار العصيان والخلاف للخليفة والجهر بعقيدته الرافضية وولائه للفاطميين، ثم الفرار إلى الموصل حيث اتفق مع أحد الأمراء الشيعة هو «نور الدين دبيس» واستولى على الموصل وخطب على منابرها للفاطميين، وذلك في أواخر سنة 448هـ، ونجحت هذه الخطوة في استدراج السلاجقة وزعيمهم «طغرلبك» الذي خرج بجيوشه من بغداد واتجه إلى الموصل، ففر منها البساسيري وعمل على الإيقاع بين طغرلبك وأخيه لأمه «إبراهيم»، وكانت بينهما خلافات قديمة وحزازات شخصية، فإبراهيم يحقد على طغرلبك تقدمه وزعامته للسلاجقة، وبالفعل نجح البساسيري في الإيقاع بينهما وحاصر «إبراهيم» أخاه «طغرلبك» وكان في قلة من فرسانه بالموصل، فأسرعت جيوش طغرلبك الموجودة ببغداد لنجدة سلطانها، وخلت بغداد تمامًا من أي قوة تحميها.
وبسرعة تحرك البساسيري لتنفيذ المرحلة الثانية من خطته فتحالف مع أحد أمراء الأعراب الجناة القساة الذين لا همَّ لهم إلا المال والغنيمة، واسمه «قريش بن بدران» للهجوم على بغداد، وفي يوم الأحد 8 من ذي العقدة سنة 450هـ دخل البساسيري بغداد بمساعدة الشيعة في حي الكرخ، حيث فتحوا له أبواب بغداد من ناحيتهم، فدخلها ومعه الرايات البيض شعار الدولة الفاطمية، ومكتوب عليها اسم الخليفة العبيدي المستنصر «أبو تميم»، وجمع البساسيري اللصوص وقطاع الطرق والفساق وأباح لهم دور أهل السنة ودار الخليفة، وابتهج الشيعة بذلك أشد الابتهاج، وأعادوا الأذان بخير العمل، وهمَّ البساسيري ب*** الخليفة العباسي «القائم»، ولكنه فشل لأن أمير الأعراب «قريش بن بدران» قد أجار الخليفة، وغضب البساسيري من ذلك الأمر بشدة، ولكنه خاف من الخلاف مع الأعراب، فتوصلوا لحل وسط وهو نفي الخليفة العباسي إلى مدينة «حديث عانة».