مشاهدة النسخة كاملة : معركة سومنات


abomokhtar
17-09-2012, 05:18 PM
كانت سنة 388هـ إيذانًا بظهور واحد من أعظم أبطال الإسلام وأكثرهم جهادًا ونشرًا لدين الإسلام في قلب قارة آسيا الكبرى، وهو السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي، والذي بدأ نشاطًا جهاديًا واسعًا أثبت فيه أنه من أعاظم الفاتحين في تاريخ الإسلام، حتى قال المؤرخون: إن فتوحه تعدل في المساحة فتوح الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكانت فتوحات محمود بن سبكتكين مركزة كلها نحو شبه القارة الهندية، وقد بدأ حملاته الجهادية بحملة كبيرة على شمال الهند سنة 392هـ، حيث انتصر على أكبر ملوك الهند واسمه «جيبال» على الرغم من ضخامة جيوش الهندوس، وبعد هذا النصر الكبير فتح السلطان محمود أقاليم «ويهنده»، و«الملتان»، و«بهاتنده» ثم حارب «أناندابال بن جيبال» ونشر الإسلام الصحيح في كل نواحي السند إلى حوض البنجاب، ثم انتصر على تحالف أمراء شمال الهند الذين حاولوا استعادة السند وذلك سنة 398هـ، وفتح أحصن قلاع الهند «بيهيمنكر» على جبال الهيملايا، وفي سنة 408هـ فتح السلطان محمود إقليم «كشمير» أعظم أقاليم الهند، وعبر محمود نهر «الجانج» بجيوشه المسلمة وهدم نحو عشرة آلاف معبد هندوسي، وأزال شعائر الكفر عنها وبنى بأحجارها المساجد والجوامع، وبلغت فتوحاته إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية، ولم تتل به قط سورة ولا آية.
استمر السلطان الكبير محمود في فتوحاته لبلاد الهند، ولكنه لاحظ شيئًا غريبًا، أنه كلما فتح بلدًا أو هدم صنمًا أو حطم معبدًا قال الهندوس: إن هذه الأصنام قد سخط عليها الإله «سومنات»، ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء، ولم يعر السلطان محمود الأمر اهتمامه بادئ الأمر حتى كثرت القالة وأصبحت يقينًا عند الهندوس، فسأل عن «سومنات» فقيل له: إنه أعظم معبودات الهندوس ويعتقد الهندوس أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على عقيدة التناسخ فيعيدها فيمن شاء، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر له، فسأل محمود عن موقعه فقيل له على بعد مائتي فرسخ من مصب نهر الجانج بإقليم الكوجرات، ولهذا الصنم وقف عشرة آلاف قرية، وعنده ألف كاهن لطقوس العبادة وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس ولحى زواره، وثمانمائة رجل وامرأة يغنون ويرقصون على باب الصنم.
وعندها عزم السلطان «محمود» على غزو هذا الصنم وتحطيمه وفتح معبده، ظنًا منه أن الهندوس إذا فقدوه ورأوا كذب ادعائهم الباطل دخلوا في الإسلام، فهو لا يبغي بجهاده سوى خدمة الإسلام ونشره بين الناس، فاستخار الله عز وجل وخرج بجيوشه ومن انضم إليه من المتطوعين والمجاهدين وذلك في 10 شعبان سنة 416هـ، واخترق صحارى وقفارًا مهلكة لا ماء فيها ولا ميرة، واصطدم بعدة جيوش حاولت إيقاف مسيرته لسومنات، ذلك لأنه أعلم الجميع بوجهته وهدفه ليرى الهندوس إن كان سومنات سيدفع عن نفسه أو غيره شيئًا.
وفي يوم الخميس 15 من ذي القعدة 416هـ وصل محمود ومن معه إلى سومنات، فرأوه حصنًا حصينًا على ساحل النهر وأهله على الأسوار يتفرجون على المسلمين وهم واثقون أن معبودهم سيهلك المسلمين، وفي يوم الجمعة 16 من ذي القعدة وعند وقت الزوال ـ كما هي عادة المسلمين الفاتحين ـ زحف المسلمون الأبطال على سومنات وأتباعه وقاتلوا الهنود بمنتهى الضراوة، وصعق الهنود من هول الصدمة القتالية بعدما ظنوا أن إلههم الباطل سيمنعهم ويهلك عدوهم، واقتحم المسلمون الحصن وانحدروا كالسيل الجارف داخل المدينة، وحاول الهندوس منع تقدمهم ولكن دون جدوى، وكانوا يدخلون جماعات إلى الصنم فيعتنقونه ويعفرون وجوههم ويبكون ويسألونه النصرة ثم يخرجون لقتال المسلمين، في***هم المسلمون حتى قُتل منهم خمسون ألفًا، وفر الباقي في مراكب خلال النهر.
وأثناء القتال الشرس حول الصنم «سومنات» تقدم بعض عقلاء الهند إلى السلطان محمود بطلب: أن يترك سومنات فلا يهدمه وذلك نظير أموال طائلة لا تعد ولا تحصى، فجمع محمود قواده واستشارهم، فأشار بعضهم بقبول الفدية لتعويض التكاليف الباهظة للحملة، فبات محمود ليلته يصلي ويستخير، ثم قرر في الصباح أن يهدم الصنم وقال مقولته الشهيرة التي تدل على حقيقة الجهاد في سبيل الله وأنه لنشر الإسلام وإزالة الطواغيت، وأنه ليس للدنيا أو شهواتها قال: «إني فكرت في الأمر الذي ذكر، فرأيت إذا نوديت يوم القيامة أين محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إليَّ من أن يقال: الذي ترك الصنم من أجل ما يناله من الدنيا». العجيب أن المسلمين عندما كسروا الصنم وجدوا فيه أموالاً طائلة أضعاف أضعاف ما عرضه الهندوس وقد أخذ السلطان محمود أحجار الصنم وبنى بها جامعًا كبيرًا في غزنة.