مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة السيرة النبوية المطهرة


صوت الحق
25-06-2008, 09:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد وعلى أهله وصحبه أجمعين
هذه موسوعة السيرة النبوية المطهرة
منقولة من دار الأفتاء المصرية
العنـــــوان:
صفة النبي صلى الله عليه وسلم
وذكر أخلاقه الشريفة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميل الخلقة، أزهر اللون (أي: أبيض مشربًا بحمرة)، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، عظيم الرأس، عظمًا مناسبًا لبقية أعضائه، شعره بين الجعودة والسبوط ، كأنه مُشِّط فتَكسَّر قليلًا ، لا يتجاوز شعره شحمة أذنيه إذا لم يقصره، وكان واسع الجبين ، أزج الحواجب بدون اقتران، في وسط أنفه ارتفاع قليل من غير طول فيه، ليس بضيق الفم ولا واسعه، رقيق الأسنان مفلجه ، أسيل الخدين (أي: غير مرتفع الوجنتين)، غزير شعر اللحية ،جميل العنق، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، وموصول ما بين اللبة (المنحر) والسرة بالشعر، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، وليس على ثدييه وبطنه شعر غير ما ذكر. قال البراء: كان أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خلقًا. وكان معتدل الأعضاء في سمن معتدل، ليس بمسترخي اللحم، وكان طويل الزندين، رحب الراحتين، ممتلئ الكفين والقدمين، متجافي الإخمصين (أي: أن باطن قدميه لا يصل إلى الأرض عند وضعهما عليها)، ليس في قدميه غضون (أي: تكاميش)، ولا تشقق، بحيث إذا أصابهما الماء لم يبق له أثر بهما. وكان متوسط القامة لا هو بالطويل ولا بالقصير، إذا مشي رفع رجليه بنشاط، وأوسع في خطاه، ومال إلى سنن المشي برفق ووقار، وكأنما هو في مشيته ينزل من مكان منحدر. وكان خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، وإذا التفت التفت جميعًا، جل نظره الملاحظة ، يتأخر عن أصحابه في المشي، ويبدأ من لقيه بالسلام. وكان صلى الله عليه وسلم مقتصرًا من ضروريات الحياة كالأكل والنوم على قدر الحاجة ، وكان وافر العقل، ذكي اللب، قوي الحواس ، فصيح اللسان ، بليغ القول ، حليمًا عفوًّا ، صبورًا على ما يكره، لا يغضب إلا لله ولا ينتصر لنفسه، ولم يضرب بيده شيئًا إلا أن يجاهد في سبيل الله فلم يضرب غلامًا ولا امرأة. وكان شجاعًا ذا نجدة وفتوّة، لا يهاب أحدًا، ولا يفر حيث تفر الأبطال، وكان جوادًا كريمًا سمحًا سخيًا. وكان أشد الناس حياء، وأكثرهم عن العورات إغضاءًا لا يشافه أحدًا بما يكره، فلم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخّابًا بالأسواق ولا عيابًا، ولا يجزي بالسيئة سيئة بل يعفو ويصفح. وكان حسن العشرة، كامل الأدب، واسع الخلق، دائم البِشْر، لين الجانب، رؤوفًا رحيمًا، يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، يتواضع في غير منقصة، ويتفقد أصحابه، ويعطي كل جلسائه نصيبـه، لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه. من جالسه أو فاوضه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول. قد وسع الناس خلقه فصار لهم أبًا، وصاروا عنده في الحق سواء. وكان إذا أتى إلى مجلس جلس حيث ينتهي به المجلس، أي في أقرب مكان يصادفه، صلى الله عليه وسلم. وكان يجيب من دعاه ولو عبدًا أو أمة ، ويقبل الهدية ويكافئ عليها. وكان يخالط أصحابه ويحادثهم ، ويعود مرضاهم ، ويمازحهم أحيانًا ولا يقول إلا حقًا. وكان من خلقه الوفاء وحسن العهد والعدل والأمانة والعفة والصدق والمروءة. وهذه الخلال المذكورة خطوط قصار من مظاهر كماله وعظيم صفاته، أما حقيقة ما كان عليه من الأمجاد والشمائل فأمر لا يدرك كنهه، ولا يسبر غوره، ومن يستطيع معرفة كنه أعظم بشر في الوجود بلغ أعلى قمة من الكمال، استضاء بنور ربه، حتى صار خلقه القرآن؟!! (1)

صوت الحق
25-06-2008, 09:13 AM
العنـــــوان:
البيت النبوي
1- كان البيت النبوي في مكة قبل الهجرة يتألف منه عليه الصلاة والسلام، ومن زوجته خديجة بنت خويلد، تزوجها وهو في خمس وعشرين من سنه، وهي في الأربعين، وهي أول من تزوجه من النساء، ولم يتزوج عليها غيرها، وكان له منها أبناء وبنات، أما الأبناء ، فلم يعش منهم أحد ، وأما البنات فهن ‏:‏ زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، فأما زينب فتزوجها قبل الهجرة ابن خالتها‏,‏ أبوالعاص بن الربيع، وأما رقية وأم كلثوم فقد تزوجهما عثمان بن عفان رضي الله عنه الواحدة بعد الأخرى، وأما فاطمة فتزوجها على بن أبي طالب بين بدر وأحد، ومنها كان الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم‏.‏ 2- سودة بنت زمعة، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة عشر من النبوة، بعد وفاة خديجة بنحو شهر، وكانت قبله عند ابن عم لها يقال له‏:‏ السكران بن عمرو، فمات عنها‏.‏ توفيت بالمدينة في شوال سنة54هـ ‏.‏ 3ـ عائشة بنت أبي بكر الصديق، تزوجها في شوال سنة إحدى عشرة من النبوة، بعد زواجه بسودة بسنة، وقبل الهجرة بسنتين وخمسة أشهر، وكانت بكرًا ولم يتزوج بكرًا غيرها، وكانت أحب الخلق إليه، وأفقه نساء الأمة، وأعلمهن على الإطلاق، توفيت في 17رمضان سنة 57هـ أو 58 هـ ودفنت بالبقيع‏.‏ 4- حفصة بنت عمر بن الخطاب، مات عنها زوجها خنيس بن خذافة السهمي بين بدر وأحد ،فلما حلت تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة 3هـ توفيت في شعبان سنة 45هـ بالمدينة ،ولها ستون سنة،ودفنت بالبقيع‏.‏ 5- زينب بنت خزيمة من بنى هلال بن عامر بن صعصة، وكانت تسمى أم المساكين، لرحمتها أياهم ورقتها عليهم، كانت تحت عبد الله بن جحش، فاستشهد في أحد، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 4 هـ،‏ ماتت بعد الزواج بنحو ثلاثة أشهرفي ربيع الآخر سنة 4هـ ، فصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ودفنت بالبقيع‏.‏ 6- أم سلمة هند بنت أبي أمية، كانت تحت أبي سلمة ، وله منها أولاد، فمات عنها في جمادى الآخر سنـة 4 هـ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال بقين من شوال السنة نفسها، وكانت من أفقه النساء وأعقلهن‏.‏ توفيت سنة 59هـ، دفنت بالبقيع، ولها 84 سنة‏.‏ 7- زينب بنت جحش بن رباب من بنى أسد بن خزيمة، وهي بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة‏.‏ وقيل‏:‏ سنة 4هـ، وكانت أعبد النساء وأعظمهن صدقة، توفيت سنة 20هـ ولها 53 سنة‏.‏ وكانت أول أمهات المؤمنين وفاة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى عليها عمر بن الخطاب، ودفنت بالبقيع. 8- جويرية بنت الحارث سيد بنى المصطلق من خزاعة، كانت في سبي بنى المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها، وتزوجها في شعبان سنة 6 هـ‏.‏ وقيل‏:‏ سنة 5هـ، فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بني المصطلق، وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أعظم النساء بركة على قومها‏.‏ توفيت في ربيع الأول سنة 56هـ، ولها 65 سنة‏.‏ 9- أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، كانت تحت عبيد الله بن جحش، فولدت له حبيبة فكنيت بها، وهاجرت معه إلى الحبشة، فارتد عبيد الله وتنصر، وتوفي هناك، وثبتت أم حبيبة على دينها وهجرتها، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أميه الضمري بكتابه إلى النجاشي في المحرم سنة 7 هـ‏.‏ خطب عليه أم حبيبة فزوجها إياه وأصدقها من عنده أربعمائة دينار، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة‏.‏ فابتنى بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من خيبر‏.‏ توفيت سنة 42 هـ، أو 44هـ، أو 50هـ‏.‏ 10- صفية بنت حيي بن أخطب سيد بن النضير من بنى إسرائيل، كانت من سبي خيبر، فاصطفاها رسول الله صلى الله وعليه وسلم لنفسه، وعرض عليها الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها بعد فتح خيبر سنة 7هـ، توفيت سنة 50 هـ، ودفنت بالبقيع‏.‏ 11- ميمونة بنت الحارث، أخت أم الفضل لبابة بنت الحارث، تزوجها في ذي القعدة سنة 7 هـ، في عمرة القضاء، بعد أن حل منها على الصحيح‏، توفيت بسرف سنة 61 هـ ، ودفنت هناك، ولا يزال موضع قبرها معروفا‏.‏ فهؤلاء إحدى عشرة سيدة تزوج بهن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبنى بهن وتوفيت منهن اثنتان في حياته : خديجة، وزينب أم المساكين ، وتوفي هو عن التسع البواقي‏.‏ وأما السراري فالمعروف أنه تسرى باثنتين، إحداهما: مارية القبطية، أهداها له المقوقس، فأولدها ابنه إبراهيم، الذي توفي صغيرًا بالمدينة في حياته صلى الله عليه وسلم، في 28 / أو 29 من شهر شوال سنة 10 هـ ‏.‏ والسرية الثانية هي: ريحانة بنت زيد النضرية أو القرظية، كانت من سبايا قريظة، فاصطفاها لنفسه، وقيل‏:‏ بل هي من أزواجه صلى الله عليه وسلم، أعتقها فتزوجها‏.‏ ومن نظر إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم عرف جيدًا أن زواجه بهذا العدد الكثير من النساء في أواخر عمره بعد أن قضى ما يقارب ثلاثين عامًا من ريعان شبابه وأجود أيامه مقتصرا على زوجة واحدة تكبره بخمسة عشر عامًا عرف أن هذا الزواج لم يكن لأجل أنه وجد بغتة في نفسه قوة عارمة من الشبق، لا يصبر معها إلا بمثل هذا العدد الكثير من النساء؛ بل كانت هناك أغراض أخرى أجل وأعظم من الغرض الذي يحققه عامة الزواج‏.‏ فاتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصاهرة أبي بكر وعمر بزواجه بعائشة وحفصة، وكذلك تزويجه ابنته فاطمة بعلي بن أبي طالب، وتزويجه ابنتيه رقية ثم أم كلثوم بعثمان بن عفان - يشير إلى أنه يبغي من وراء ذلك توثيق الصلات بالرجال الأربعة، الذي عرف بلاءهم وفداءهم للإسلام في الأزمات التي مرت به، وشاء الله أن يجتازها بسلام‏.‏ وكان من تقاليد العرب الاحترام للمصاهرة، فقد كان الصهر عندهم بابا من أبواب التقرب بين البطون المختلفة، وكانوا يرون مناوأة ومحاربة الأصهار سبة وعارًا على أنفسهم، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بزواج عدة من أمهات المؤمنين أن يكسر عداء القبائل للإسلام، ويطفئ حدة بغضائها، كانت أم سلمة من بنى مخزوم - حي أبي جهل وخالد بن الوليد - فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقف خالد من المسلمين موقفه الشديد بأحد، بل أسلم بعد مدة غير طويلة طائعًا راغبًا، وكذلك أبو سفيان لم يواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة، وكذلك لا نرى من قبيلتي بني المصطلق وبني النضير أي استفزاز وعداء بعد زواجه بجويرية وصفية؛ بل كانت جويرية أعظم النساء بركة على قومها، فقد أطلق الصحابة أسر مائة بيت من قومها حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا‏:‏ "أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم"‏.‏ ولا يخفي ما لهدا المنّ من الأثر البالغ في النفوس‏.‏ وأكبر من كل ذلك وأعظم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتزكية وتثقيف قوم لم يكونوا يعرفون شيئًا من آداب الثقافة والحضارة والتقيد بلوازم المدينة، والمساهمة في بناء المجتمع وتعزيزه‏.‏ والمبادئ التي كانت أسسًا لبناء المجتمع الإسلامي، لم تكن تسمح للرجال أن يختلطوا بالنساء، فلم يكن يمكن تثقيفهن مباشرة مع المراعاة لهذه المبادئ، مع أن مسيس الحاجة إلى تثفيفهن مباشرة لم يكن أهون أوأقل من الرجال، بل كان أشد وأقوى‏.‏ وإذن فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم سبيل إلا أن يختار من النساء المختلفة الأعمار والمواهب ما يكفي لهذا الغرض، فيزكيهن ويربيهن، ويعلمهن الشرائع والأحكام، ويثقفهن بثقافة الإسلام حتى يعدهن؛ لتربية البدويات والحضريات، العجائر منهن والشابات، فيكفين مؤنة التبليغ في النساء‏.‏ وقد كان لأمهات المؤمنين فضل كبير في نقل أحواله - صلى الله عليه وسلم - المنزلية للناس، خصوصًا من طالت حياته منهن كعائشة، فإنها روت كثيرًا من أفعاله وأقواله‏.‏ وهناك نكاح واحد كان لنقض تقليد جاهلي متأصل، وهو مسألة التبني، وكان للمتبني عند العرب في الجاهلية جميع الحرمات والحقوق التي كانت للابن الحقيقي سواء بسواء، ومن ضمنها أن الأب لا يتزوج امرأة من تبناه بعد وفاته أو طلاقه لزوجته ‏، فجاء الإسلام وحرم قضية التبني هذه .‏ وقدر الله أن يكون هدم تلك القاعدة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذاته الشريفة، فقد كانت ابنة عمته زينب بنت جحش تحت زيد بن حارثة وتعذر بقاء الحياة الزوجية بينهما على الوجه المطلوب ، وزيد هذا كان الرسول صلى الله عيه وسلم قد تبناه، فجاء الإسلام وأبطل التبني الذي من آثاره أن الأب لا يتزوج امرأة من تبناه بعد وفاته أو طلاقه لزوجته ، فاختار الله تعالى لهذه المهمة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم و أمره بالزواج من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد . هذا، وكانت عشرته صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين في غاية الشرف والنبل والسمو والحسن، كما كنّ في أعلى درجة من الشرف والقناعة والصبر والتواضع والخدمة والقيام بحقوق الزواج‏,‏ مع أنه كان في شظف من العيش ‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 09:15 AM
العنـــــوان:
مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته
في أوائل صفر من السنة الحادية عشرة للهجرة مرض النبي صلى الله عليه وسلم بالحمى، واستمر ثلاثة عشر يومًا يتنقل في بيوت أزواجه ، ولما اشتد عليه مرضه استأذن منهن أن يتمرض في بيت عائشة فأذنَّ له، ولما تعذر عليه الخروج إلى الصلاة قال: "مروا أبا بكر فليصلّ بالناس" ، ولما رأى الأنصار اشتداد مرضه أطافوا بالمسجد قلقين ، فخرج إليهم عليه الصلاة والسلام معصوب الرأس، متوكئًا على عليّ والفضل يتقدمهم العباس ، حتى جلس وأحاط به الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم. هل خلد نبي قبلي فيمن بعث الله فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق بهم وإنكم لاحقون بي ، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرًا وأوصى المهاجرين فيما بينهم" إلى أن قال :"ألا وأني فَرَط لكم (أي: سابق) وأنتم لاحقون بي ، ألا فإن موعدكم الحوض ، ألا فمن أحب أن يَرِده علي غدا فليكف يده ولسانه إلا فيما ينبغي". وبينما المسلمون في صلاة الفجر يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول؛ وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بهم؛ إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة رضي الله عنها ، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة وتبسم، فظن أبو بكر أن رسول الله يريد أن يخرج للصلاة فتقهقر إلى الصف، وكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم فرحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر، ثم حضرته الوفاة ورأسه الشريف على فخذ عائشة رضي الله عنها، فقال: "اللهم في الرفيق الأعلى"، ولم تأت ضحوة ذلك اليوم حتى فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحياة الدنيا ولحق بربه عز وجل. ولم يكن أبو بكر رضي الله عنه موجودًا في ذلك الوقت بالقرب من منزل عائشة، فلما حضر وأخبر الخبر دخل بيت عائشة وكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل يقبله ويبكي ويقول : صلوات الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حيًا وميتًا. ثم خرج إلى الناس وقال: ألا إن من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ثم مكث عليه الصلاة والسلام في بيته بقية يوم الاثنين وليلة الثلاثاء ويومه وليلة الأربعاء، حتى انتهي المسلمون من إقامة خليفة لهم، وتفرغوا لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه، فغسله علي بن أبي طالب بمساعدة العباس وابنيه الفضل وقثم وأسامة بن زيد وشقران مولَيَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كُفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة ، ووُضع على سريره في بيته، فدخل الناس يصلون عليه فرادى لا يؤمهم أحد ، ثم حفر اللحد في موضع وفاته من حجرة عائشة ورُش بالماء، وأنزله فيه علي والعباس وولداه الفضل وقثم، وقد رفع قبره الشريف عن الأرض قدر شبر. وقد بلغ عمره الشريف ثلاثًا وستين سنة، مكث منها بمكة ثلاثة وخمسين سنة، وبالمدينة المنورة عشر سنين، صلى الله عليه وسلم. http://www.dar-alifta.org/images/ar-EG/top-page.gif (http://www.dar-alifta.org/ViewIslamicHistory.aspx?ID=50#)

صوت الحق
25-06-2008, 09:19 AM
نسب النبي صلى الله عليه وسلم وأسرتهه
و محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَيِّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكَة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بن عَدْنان. هذا هو النسب المتفق على صحته، كما اتفق على أن النسب المحمدي الشريف يتصل بسيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم عليهما الصلاة والسلام . فالجد الأول للنبي صلى الله عليه وسلم هو عبد المطلب بن هاشم وكان شيخًا معظمًا في قريش يحترمونه ويرجعون إليه في مهمات أمورهم. وأبوه هو عبد الله ، أمه فاطمة بنت عمرو بن عائذ ، وكان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب وأعفهم وأحبهم إليه. وأمه هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ، وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وأبوها سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا. وأجداده من جهة أبيه وأمه كلهم سادة كرام، وكل اجتماع بين أجداده وزوجاتهم كان شرعيًا بحسب الأصول العربية، فلم يكن في نسبه الشريف شيء من سفاح الجاهلية فهو نسب شريف طاهر من آباء طاهرين وأمهات طاهرات والحمد لله رب العالمين.

صوت الحق
25-06-2008, 09:20 AM
حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم
بعد عودة حليمة السعدية به صلى الله عليه وسلم من مكة إلى ديار بني سعد بأشهر، بعث الله تعالى مَلَكين لشق صدره الشريف وتطهيره، فوجداه صلى الله عليه وسلم مع أخيه من الرضاع خلف البيوت، فأضجعاه وشقا صدره الشريف وطهراه من حظ الشيطان، وكان ذلك الشق بدون مدية ولا آلة بل كان بحالة من خوارق العادة ، ثم أطبقاه، فذهب ذلك الأخ إلى أمه حليمة وأبلغها الخبر، فخرجت إليه هي وزوجها فوجداه صلى الله عليه وسلم منتقع اللون من آثار الروع ، فالتزمته حليمة والتزمه زوجها حتى ذهب عنه الروع ، فقص عليهما القصة كما أخبرهما أخوه. وقد أحدثت هذه الحادثة عند حليمة وزوجها خوفًا عليه، فعادت به صلى الله عليه وسلم إلى أمه وأخبرتها الخبر، وتركته عندها مع ما كانت عليه من الحرص على بقائه معها.

صوت الحق
25-06-2008, 09:21 AM
العنـــــوان:وفاة أمه صلى الله عليه وسلم
وكفالة جده وعمه لهبعد أن عادت حليمة السعدية به صلى الله عليه وسلم إلى أمه - وكان إذ ذاك في السنة الرابعة من عمره الشريف - بقي مع أمه وجده عبد المطلب بن هاشم بمكة في حفظ الله تعالى، ينبته الله نباتًا حسنًا ، ثم سافرت به أمه إلى المدينة المنورة لزيارة أخواله هناك من بني عدي بن النجار ، فتوفيت وهي راجعة به من المدينة إلى مكة بجهة (الأبواء) بالقرب من المدينة ودفنت هناك، فقامت به إلى مكة حاضنته أم أيمن وقد بلغ من العمر يومئذ ست سنين، ولما وصلت إلى مكة كفله جده عبد المطلب بن هاشم، وحن إليه حنانًا زائدًا وعطف عليه عطفًا بليغًا، حتى توفي عبد المطلب وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين. وكان جده عبد المطلب يوصي به عمه أبا طالب -الذي هو الأخ الشقيق لأبيه- فلما مات عبد المطلب كان صلى الله عليه وسلم في كفالة عمه أبي طالب يشب على محاسن الأخلاق، متباعدًا عن صغائر الأمور التي يشتغل بها الصبيان عادة ، وقد بارك الله تعالى لأبي طالب في الرزق مدة وجوده صلى الله عليه وسلم في كفالته وفي وسط عياله.

صوت الحق
25-06-2008, 09:22 AM
سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام
لما أراد أبو طالب أن يسافر إلى الشام في تجارة له رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرافقه، فأخذه معه وسنه إذ ذاك اثنتا عشرة سنة ، ولما وصلوا بصرى وهي أول بلاد الشام من جهة بلاد العرب قابلهم بها راهب من رهبان النصارى اسمه (بحيرا) – كان يقيم في صومعة له هناك – فسألهم عن ظهور نبي من العرب في هذا الزمن، ثم لما أمعن النظر في النبي صلى الله عليه وسلم وحادثه عرف أنه النبي العربي الذي بشر به موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام ، وقال لعمه أنه سيكون لهذا الغلام شأن عظيم، فارجع به واحذر عليه من اليهود ، فلم يمكث أبو طالب في رحلته هذه طويلًا بل عاد به إلى مكة حين فرغ من تجارته، وبقي صلى الله عليه وسلم في مكة مثال الكمال، محفوظًا من معايب أخلاق الجاهلية، شهمًا شجاعًا حتى إنه حضر مع أعمامه حرب (الفجار) و (حلف الفضول)، وسنه إذ ذاك عشرون سنة. أما (الفجار) فهي حرب كانت بين قبيلة كنانة ومعها حليفتها قريش وبين قبيلة قيس، وقد ابتدأت هذه الحرب فيما بين مكة والطائف ووصلت إلى الكعبة، فاستحلت حرمات هذا البيت الذي كان مقدسًا عند العرب ولذلك سميت حرب (الفجار)، وقد حضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ينبل على عمومته ، أي يجهز لهم النبل. وأما (حلف الفضول) كان عقب هذه الحرب، وهو تعاقد بطون قريش على أن ينصروا كل من يجدونه مظلومًا بمكة سواء كان من أهلها أو من غير أهلها، وهذا الحلف روحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية تثيرها .

صوت الحق
25-06-2008, 09:23 AM
العنـــــوان:رحلته إلى الشام مرة ثانية
في تجارة لخديجة بنت خويلدتوالت الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرعى غنمًا في بني سعد، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين شب ، فقد ورد أنه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له، لا يدارى ولا يمارى، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال‏:‏ مرحبًا بأخي وشريكي‏.‏ وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجرًا إلى الشام في مال السيدة خديجة بنت خويلد، وكانت امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي، تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قومًا تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، مع غلام لها يقال له‏:‏ ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام‏.‏ وقد شاهد ميسرة في هذه الرحلة كثيرًا من بركات النبي صلى الله عليه وسلم وإكرام الله تعالى له، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قدم الشام نزل في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب هناك، فقال هذا الراهب لميسرة أنه ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، وكان ميسرة يشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مظللًا من حر الشمس وهو يسير على بعير بدون أن تكون معه مظلة.

صوت الحق
25-06-2008, 09:24 AM
زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة بنت خويلد
لما قدم ميسرة إلى سيدته خديجة ، وأخبرها بما شاهده من بركات النبي صلى الله عليه وسلم في الرحلة التي صاحبه فيها إلى الشام ، بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا ابن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك وأمانتك وصدق حديثك، وعرضت عليه أن يتزوجها. وكانت خديجة مرغوبا فيها لشرف نسبها ورفعة قدرها بين قومها، فعرض النبي صلى الله عليه وسلم الأمر على أعمامه فوافقوه على زواجه بها وتوجهوا معه إليها، وأتموا عقد الزواج بينهما ، وكان سن السيدة خديجة أربعين سنة وسنه صلى الله عليه وسلم خمسًا وعشرين سنة ، ولم يتزوج عليها النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفيت رضي الله عنها، وكانت متزوجة قبله صلى الله عليه وسلم برجل اسمه (هند)، ولدت منه ولدًا اسمه (هالة)، فكان ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد مكث صلى الله عليه وسلم بعد زواجه بالسيدة خديجة يشتغل بالتجارة والتنسك، حتى بعثه الله رحمة للعالمين.

صوت الحق
25-06-2008, 09:25 AM
شهوده صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة
الكعبة هي أول بيت وضع في الأرض للعبادة، وقد بناها سيدنا إبراهيم الخليل مع ولده سيدنا إسماعيل عليهما وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم جُدد بناؤها من بعده ثلاث مرات، وكان بناؤها من الصخر وارتفاعها فوق القامة. وعندما بلغ سن النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة، اتفق أن نزل سيل عظيم بمكة أثر في جدران الكعبة فأوهنها -على ما كانت عليه من الضعف بسبب حريق أصابها من قبل، فاجتمعت قبائل قريش وشرعوا في هدمها وبنائها بناء مرتفعًا، وكان الأشراف منهم يتسابقون في نقل الحجارة وحملها على أعناقهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يحمل الحجارة وينقلها إلى مكان البناء، مع عمه العباس رضي الله عنه. بنيت الكعبة حينئذ بارتفاع ثماني عشر ذراعًا، بحيث يزيد عن أصله تسعة أذرع، وقد رفع الباب بحيث لايصعد إليه إلا بدَرَج. و لما تم بناء الكعبة وأرادت قريش وضع الحجر الأسود في موضعه، اختلف أشرافهم فيمن يضعه، وظلوا مختلفين أربعة أيام، فأشار عليهم أبو أمية الوليد بن المغيرة - وهو أكبرهم سنا - بأن يحكِّموا بينهم من يرضون بحكمه، فاتفقوا على أن يكون الحكم لأول قادم من باب الصفا. فكان أول داخل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتاحوا جميعا لما يعهدونه من أمانته وحكمته وصدقه وإخلاصه للحق، وقالوا: هذا الأمين رضيناه، هذا محمد، فلما وصل إليهم وأخبروه الخبر بسط رداءه، وتناول الحجر فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بطرف من الرداء ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا حتى وصلوا به إلى موضعه؛ فوضعه فيه بيده صلى الله عليه وسلم، وبذلك انتهت هذه المشكلة التي كادت تؤدي إلى الحرب والقتال فيما بينهم.

صوت الحق
25-06-2008, 09:26 AM
سيرته صلى الله عليه وسلم
في قومه قبل النبوةنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم ممتازًا بكمال الأخلاق، متباعدًا في صغره عن السفاسف التي يشتغل بها أمثاله في السن عادة، حتى بلغ مبلغ الرجال فكان أرجح الناس عقلًا، وأصحهم رأيًا، وأعظمهم مروءة، وأصدقهم حديثًا، وأكبرهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش، وقد لقبه قومه (بالأمين)، وكانوا يودعون عنده ودائعهم وأماناتهم. وقد حفظه الله تعالى منذ نشأته من قبيح أحوال الجاهلية، وبَغَّض إليه أوثانهم حتى إنه من صغره كان لا يحلف بها ولا يحترمها ولا يحضر لها عيدًا أو احتفالًا، وكان لا يأكل ما *** على النُّصُب، و النصب هي: حجارة كانوا ينصبونها ويصبون عليها دم الذبائح ويعبدونها. ولقد كان صلى الله عليه وسلم لين الجانب يحن إلى المسكين، ولا يحقر فقيرًا لفقره، ولا يهاب ملكا لملكه، ولم يكن يشرب الخمر مع شيوع ذلك في قومه، ولا يزني ولا يسرق ولا ي***، بل كان ملتزمًا لمكارم الأخلاق التي أساسها الصدق والأمانة والوفاء. وبالجملة حفظه الله تعالى من النقائص والأدناس قبل النبوة كما عصمه منها بعد النبوة.

صوت الحق
25-06-2008, 11:35 AM
تعبده صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
كان من العرب قبل الإسلام من ينتمي إلى دين اليهودية، ومنهم من يدين بالنصرانية، والباقون عبدة أصنام وأوثان، وكان على ذلك عامة قريش إلا نفرًا قليلا منهم كانوا يعيبون على قومهم عبادة هذه التماثيل. وقد فطر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم على طهارة القلب؛ ليكون على تمام الصلاحية لتلقي شريعته المطهرة وإيصالها إلى الخلق على أتم وجه وأكمله. ونشأ صلى الله عليه وسلم مقبلا على الله تعالى بقلبه، خالصًا لله تعالى، حنيفا لم يعرف الشرك، فكان بأصل فطرته مبغضًا لهذه الأوثان، نافرًا من هذه المعبودات الباطلة، فلم يكن يحضر لها عيدًا ولا يتقرب إليها ولايحفل بها، وإنما كان يعبد خالق الكون وحده، مقبلا عليه سبحانه بما هو مظهر العبودية والإخلاص من تفكير وتمجيد. والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يختلي في غار حراء من كل سنة شهر (وكان يوافق ذلك شهر رمضان)، يعبد الله تعالى بالتفكر، ويطعم المساكين مما كان يتزود به في مدة خلوته ، وكان إذا انتهي من خلوته ينصرف إلى الكعبة فيطوف بها سبعًا أو ماشاء الله من ذلك قبل أن يرجع إلى بيته. ويسمى حراء: جبل النور، وهو على يسار السالك إلى عرفة، وبه ذلك الغار الذي كان يتعبد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ضيق المدخل، ومساحته من الداخل تقرب من ثلاثة أمتار، وبه نزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم لأول مرة. وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب العزلة والخلوة من زمن طفولته إلى أن بعثه الله تعالى رحمة للعالمين. وقبيل مبعثه كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح، أي واضحة وصريحة كوضوح ضوء الصباح وإنارته، أي أنها تتحقق في اليقظة مثل ما يراها في المنام، فكان ذلك مقدمة لنبوته صلى الله عليه وسلم.

صوت الحق
25-06-2008, 11:37 AM
بدء الوحي
لما كمل سنه صلى الله عليه وسلم أربعين سنة-وهو سن الكمال، أكرمه الله تعالى بالنبوة والرسالة رحمة للعالمين. فبينما هو صلى الله عليه وسلم في خلوته بغار حراء، وكان ذلك في شهر رمضان على أصح الروايات، إذ جاءه جبريل الأمين عليه السلام بأمر الله تعالى، ليبلغه رسالة ربه عز وجل، وقد تمثل جبريل عليه السلام في هذه المرة بصورة رجل. فقال له: اقرأ، فقال له عليه الصلاة والسلام: ما أنا بقارئ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أميًا لم يتعلم القراءة، فضمه جبريل عليه السلام وعصره بشدة في فراشه، ثم أرسله فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فضمه ثانية ثم أرسله وقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، ثم ضمه الثالثة وأرسله فقال له: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ اْلإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ اْلأَكْرَمِ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ اْلإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرف عنه جبريل عليه السلام وهو يقول: يامحمد أنت رسول الله وأنا جبريل. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله يرجف فؤاده مما أدركه من الروع لشدة مقابلة الملك فجأة وشدة الضم التي اقتضاها الحال. ولما رجع عليه الصلاة والسلام إلى أهله، ودخل على زوجه خديجة رضي الله عنها قال: زَمِّلوني زَمِّلوني (أي: اطرحوا عليَّ الغطاء ولفوني به - ليذهب عنه الروع)، فلما ذهب عنه الروع أخبر خديجة رضي الله عنها بما كان، فقالت له: أبشر يا ابن عم واثبت، فإني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم ذهبت خديجة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان شيخا كبيرا يعرف الإِنجيل وأخبار الرسل، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رآه، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، أي أن هذا الملك الذي جاءك هو الناموس؛ أي صاحب سر الوحي الذي نزله الله تعالى على نبيه موسى عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يعرف من الكتب القديمة وأخبارها أن جبريل هو رسول الله إلى أنبيائه. ثم تمنى ورقة أن لو كان شابا يقدر على نصرة النبي صلى الله عليه وسلم عند ظهوره بأمر الرسالة ومعاداة قومه له؛ لأنه يعرف من أخبار الرسل أن قومهم يعادونهم في مبدأ أمرهم، ثم توفي ورقة بعد ذلك بزمن قريب.

صوت الحق
25-06-2008, 11:38 AM
الدعوة إلى الإسلام سرًا
بعد عودة الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الانقطاع، قام عليه الصلاة والسلام بأمر الدعوة إلى ما أمره الله تعالى به من إرشاد الثقلين: الإنس والجن جميعا إلى توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة دون سواه من الأصنام والمخلوقات، وأرشد الله تعالى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أن يبدأ بالدعوة سراَّ؛ فكان يدعو إلى الإسلام من يطمئن إليه ويثق به من أهله وعشيرته الأقربين ومن يليهم من قومه وفي مقدمة من آمن به زوجة السيدة خديجة بنت خويلد، وصديقه أبو بكر الصديق‏، ‏وابن عمه علي بن أبي طالب ، ومولاه زيد بن حارثة ، أسلم هؤلاء في أول يوم الدعوة . ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام، وكان رجلًا لينًا ذا خلق ، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يجلس إليه، فأسلم بدعوته عثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله ‏.‏ فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الأول وطليعة الإسلام‏.‏ ثم تلا هؤلاء آخرون وصل عددهم إلى حوالي مائة وثلاثين رجلًا وامرأة ، عرفوا بالسابقين الأولين. وقد كان أهل مكة الذين بُعِثَ فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما جفاة متخلقين بأخلاق تغلب عليها العزة والأنفة، وفيهم سدنة الكعبة، أي خدمها وهم القابضون على مفاتيحها، والقوَّام على الأوثان والأصنام، التي كانت مقدسة عند سائر العرب: يعبدونها ويتقربون إليها بالذبائح والهدايا، ولا يعرفون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا ينقادون إليه بسهولة، فكان من حكمة الله تعالى أن تكون الدعوة إلى دين الإسلام في مبدأ أمرها سرية؛ لئلا يفاجئوا بما يهيجهم وينفرون منه ويكون سببًا لشنّ الغارات والحروب وإهراق الدماء. ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ناصر ولا معين من خَلْق الله، فلم يأمره الله تعالى بالجهر بالدعوة من قبل أن يهيئ له أسباب النصر والفوز على من يقاومه في ذلك، خصوصًا أن قومه الذين بُعث فيها بينهم كانوا أشد الناس تمسكا بمعبوداتهم وحرصًا على ما كان عليه آباؤهم. وقد استمرت هذه الدعوة السرية ثلاث سنين، أسلم فيها جماعة لهم شأن في قريش وتبعهم غيرهم، حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به الناس، فجاء وقت الجهر بالدعوة.

صوت الحق
25-06-2008, 11:39 AM
مبدأ الجهر بالدعوة
بعد أن مضى على الإسرار بالدعوة ثلاث سنين كثر دخول الناس في دين الإسلام من أشراف القوم ومواليهم: رجالهم ونسائهم، وفشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به الناس، فأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة وأنزل عليه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) [الحجر :94] ، وقال تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) [الشعراء :214] ، فبادر بامتثال أمر ربه؛ وأعلن لقومه الدعوة إلى دين الله تعالى ، وصعد على الصفا ونادى بطون قريش. فلما اجتمعوا قال لهم: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ. قالوا: نعم ما جربنا عليك كذبا، فقال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقام أبو لهب من بينهم وقال: تبا لك ألهذا جمعتنا، فأنزل الله تعالى في شأنه: (تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ وَتَبَّ  مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ  سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ  وَامْرَأَتُهُ حَمَّاَلةَ الْحَطَبِ  في جِيدِها حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ) [المسد1- 5]، .وقال لجمع من بني عبد مناف: "ما أعلم إنسانًا جاء قومه بأفضل مما جئتكم به؛ قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، والله لو كَذَبْتُ الناسَ جميعًا ما كذبتكم، ولوغررت الناس جميعًا ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة. والله لتموتن كما تنامون؛ ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحسانًا وبالسوء سوءًا إنها لجنة أبدًا أو لنار أبدًا". فتكلم القوم كلاما لينًا، وقام أبو لهب وقال: شدَّ ما سحركم صاحبكم، خذوا على يديه قبل أن تجتمع عليه العرب. فقال أبو طالب: والله لنمنعه –أي: نحميه- ما بقينا، وتفرق الجمع.

صوت الحق
25-06-2008, 11:40 AM
ما تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إيذاء لجهرهم
بدعوتهملما استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعلان الدعوة إلى الله وتوحيده كان قومه ينكرون عليه فيما بينهم فيقولون إذا مر عليهم: "هذا ابن أبي كبشة يكلم من السماء، هذا غلام عبد المطلب يكلم من السماء"، وأبو كبشة كنية لزوج حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أن المرضعة بمنزلة الأم كذلك صاحب اللبن بمنزلة الأب. وكانوا يريدون بذلك تنقيص النبي صلى الله عليه وسلم عنادا واستكبارًا. ولما استتبع إعلان الدعوة عيب معبودات المشركين الباطلة، وتسفيه عقول من يعبدونها، نفروا منه وأظهروا له العداوة غيرة على تلك الآلهة التي يعبدونها كما كان يعبدها آباؤهم، وقرروا ألا يدخروا جهدًا في محاربة الإسلام وإيذاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وإيذاء أتباعه فيه والسخرية منهم وتحقيرهم. وقد روي أن أبا لهب كان يجول خلف النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج والأسواق لتكذيبه، وكان يضربه بالحجر حتى يدمي عقبيه. وكانت امرأة أبي لهب تحمل الشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى بابه ليلًا، وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها وتكثر من الافتراء عليه. وكان جيرانه صلى الله عليه وسلم يؤذونه في بيته منهم عقبة بن أبي معيط والحكم بن أبي العاص، وكان أحدهم يطرح عليه الأقذار وهو يصلي . وقد صح أن أبا جهل أراد أن يطأ على رقبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ويعفر وجهه الشريف، فلما همّ بذلك أخذ يجري، فلما سئل قال: إن بيني وبينه خندقًا من نار وهؤلاء أجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا. وانقلبت هذه الحرب إلى تنكيل وسفك دم بالنسبة إلى المستضعفين من المؤمنين، فمن ليست له عصبية تدفع عنه لا يعصمه من الهوان وال*** شيء، بل يحبس على الآلام حتى يكفر أو يموت أو يسقط إعياء. من هؤلاء عمار بن ياسر، وهو من السابقين الأولين في الإسلام، وكان مولى لبني مخزوم، أسلم أبوه وأمه، فكان المشركون يعذبونهم ، ومر بهم النبي عليه الصلاة والسلام وهم يعذبون فقال: "صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة" فمات "ياسر" في العذاب، وامرأته "سُميَّة" وهي أول شهيدة في الإسلام، وشدّدوا العذاب على عمار بالحرِّ تارة، وبوضع الصخر على صدره أخرى، وبالتغريق أخرى، وقالوا: لا نتركك حتى تسب محمدًا أو تقول في اللات والعزّى خيرًا ففعل، فتركوه فأتى النبي صلَّى الله عليه وسلم يبكي فقال: ما وراءك؟ قال شرٌّ يا رسول الله، كان الأمر كذا وكذا!!! قال: فكيف تجد قلبك؟ قال: أجده مطمئنًا بالإيمان. فقال: يا عمار إن عادوا فعد. ومن هؤلاء "بلال بن رباح" كان سيده أمية بن خلف -إذا حميت الشمس وقت الظهيرة- يقلِّبه على الرمال الملتهبة ظهرًا لبَطن، ويأمر بالصخرة الجسيمة فتلقى على صدره ثم يقول له. لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فما يزيد بلال عن ترديد: أحد، أحد ... ولما اشتدت ضراوة قريش بالمستضعفين ذهب أحدهم وهو خباب بن الأرت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يستنجد به،و قال له: ألا تستنصر لنا. ألا تدعو لنا؟؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: "قد كانَ مَنْ قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعله نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليُتمَّنَّ الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون". وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يبث عناصر الثقة في قلوب رجاله، ويفيض عليهم ما أفاضه الله على فؤاده من أمل رحيب في انتصار الإسلام، وانتشار مبادئه، وزوال سلطان الطغاة. وظن المشركون أن بطشهم بالمستضعفين ونيلهم من غيرهم سوف يصرف الناس عن الاستجابة لداعي الله، وظنوا أن وسائل السخرية والتهكم التي جنحوا إليها ستهدّ قوى المسلمين المعنوية فيتوارون خجلًا من دينهم ويعودون كما كانوا إلى دين آبائهم، غير أن ظنونهم سقطت جميعًا، فإن أحدًا من المسلمين لم يرتد عن الحق الذي شرفه الله به بل كان المسلمون يتزايدون! فرأت قريش أن تجرِّب أسلوبًا آخر تجمع فيه بين الترغيب والترهيب، فلترسل إلى محمد صلَّى الله عليه وسلم تعرض عليه من الدنيا ما يشاء، ولترسل إلى عمه الذي يحميه تحذره عاقبة هذا التأييد، حتى يكلم هو الآخر محمدًا أن يسكت. فأرسلت قريش "عتبة بن ربيعة" -وهو رجل رزين هادىء- يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا. وإن كنت تريد شرفًا سوّدناك علينا فلا نقطع أمرًا دونك. وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع ردَّه عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ. فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بآيات من الوحي المبارك يعرفه فيها بحقيقة الرسالة والرسول وعاقبة الإعراض عن اتباع وحي الله. وذهب وفد من قريش إلى أبي طالب يطلب منه أن يكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يفعل أو يخلي بينهم وبينه، فقال لهم أبو طالب قولًا جميلًا، وردَّهم ردًّا رفيقًا فانصرفوا عنه. ومضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بما هو عليه، ثم استشرى الأمر بينه وبينهم فمشَوا إلى أبي طالب مرة أخرى وهددوه إن لم يكف ابن أخيه صلى الله عليه وسلم فسيعاديانهما معًا فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم له، فقال له رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: "يا عماه، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته"، ثم بكى رسول الله وقام، فلما ولَّى ناداه عمه أبو طالب فأقبل عليه وقال: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا.

صوت الحق
25-06-2008, 11:41 AM
الهجرة إلى الحبشة
لما اشتد إيذاء المشركين للرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه في أواسط السنة الخامسة من النبوة وضاقت عليهم الأرض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم من الفتن لما قد علم أن ملك الحبشة واسمه "النجاشي" ملك عادل لا يظلم عنده أحد. فهاجر أول فوج من الصحابة إلى هناك مكونا اثني عشر رجلا وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا هناك في أحسن جوار. ثم بعدهم في نفس السنة هاجر من الرجال حوالي ثلاثة وثمانون، ومن النساء حوالي ثمان عشرة امرأة. فعز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمنًا لأنفسهم ودينهم فاختارا رجلين منهم وأرسلاهما بالهدايا إلى النجاشي وبطارقته وحاولوا تأليبه على ضيوفه المسلمين فأتي المسلمين وقال المتكلم عنهم وكان جعفر بن أبي طالب: "أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم،وقذف المحصنات،وأمرنا أن نعبد الله وحده،لا نشرك به شيئًا،وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك"‏.‏ فقال له النجاشي‏:‏ هل معك مما جاء به عن الله من شيء‏؟‏ فقال له جعفر‏:‏ نعم‏.‏ فقال له النجاشي‏:‏ فاقرأه على، فقرأ عليه صدرًا من‏:‏ سورة مريم، فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته ، ثم قال لهم النجاشي‏:‏ إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما. فأخفقت حيلة المشركين وفشلت مكيدتهم.

صوت الحق
25-06-2008, 11:42 AM
المقاطعة العامة
لما وجد المشركون بني هاشم وبني المطلب مصممين على حفظ النبى صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه، اجتمعوا وتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للقـتل، وكتـبوا بذلك صحيـفـة فيها عهود ومواثيق ‏(‏ألا يقبلوا من بني هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه لل***‏)‏‏.‏ تم هذا الميثاق وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة، فحبس بنو هاشم وبنو المطلب، مؤمنهم وكافرهم ـ إلا أبا لهب ـ في شعب أبي طالب، ولم يكن المشركون يتركون طعامًا يدخل مكة ولا بيعًا إلا بادروه فاشتروه، حتى بلغهم الجهد، والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم من الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرًا، وكانوا لا يخرجون من الشعب لاشتراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم، وكانوا يشترون من العير التي ترد مكة من خارجها، ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى لا يستطيعون شراءها‏.‏ مر عامان أو ثلاثة أعوام والأمر على ذلك، وفي المحرم سنة عشر من النبوة نقضت الصحيفة وفك الحصار؛ وذلك أن قريشًا كانوا بين راض بهذا الميثاق وكاره له، فسعى في نقض الصحيفة من كان كارهًا لها‏.‏ وجاء عمه أبو طالب يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن الله تعالى أرسل على الصحيفة الأرضة –وهي دويبة تأكل الخشب- فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر الله عز وجل، وقال لهم أبو طالب: إن كان كاذبًا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقًا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، فوافقوا، وقاموا إليها فوجدوا الأرضة قد أكلتها إلا ‏(‏باسمك اللهم‏)‏، وما كان فيها من اسم الله فإنها لم تأكله‏.‏ ثم نقض الصحيفة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب، وبالرغم من هذه الآية الدالة على صدق نبيه التي أراها الله تعالى للمشركين، إلا أنهم أعرضوا عنها وازدادوا كفرًا إلى كفرهم ‏.‏ وبعد ذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعب، واستمر في دعوته، وقريش وإن كانوا قد تركوا القطيعة، لكنهم لم يزالوا عاملين على شاكلتهم من الضغط على المسلمين والصد عن سبيل الله ، وأما أبو طالب فهو لم يزل يحوط ابن أخيه، لكنه كان قد جاوز الثمانين من سنه، وكانت الآلام والحوادث الضخمة المتوالية منذ سنوات ـ لاسيما حصار الشعب ـ قد وهنت وضعفت مفاصله وكسرت صلبه، فلم يمض على خروجه من الشعب إلا أشهر معدودات، وإذا هو يلاحقه المرض ويلح به، وحينئذ خاف المشركون سوء سمعتهم في العرب إن أتوا بعد وفاته بمنكر على ابن أخيه، فحاولوا مرة أخرى أن يفاوضوا النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه، ويعطوا بعض ما لم يرضوا إعطاءه قبل ذلك‏.‏ فقاموا بوفادة هي آخر وفادتهم إلى أبي طالب‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 11:43 AM
عام الحزن
وفي العام العاشر من النبوة توفي أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد أِهر معدودات من نقض المقاطعة التي فرضها الكفار على المسلمين، وقد كان مدافعًا عن الدعوة الإسلامية من هجمات الكبراء والسفهاء، ولكنه بقى على ملة الأشياخ من أجداده، فلم يفلح كل الفلاح‏.‏ وبعد وفاة أبي طالب بقليل توفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي الله عنها، ولها خمس وستون سنة على أشهر الأقوال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك في الخمسين من عمره‏.‏ وكانت السيدة خديجة من نعم الله الجليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقيت معه ربع قرن تحن عليه ساعة قلقه، وتؤازره في أحرج أوقاته، وتعينه على إبلاغ رسالته، وتشاركه في مغارم الجهاد المر، وتواسيه بنفسها ومالها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ "‏آمنت بى حين كفر بى الناس، وصدقتنى حين كذبني الناس، وأشركتنى في مالها حين حرمنى الناس، ورزقنى الله ولدها وحرم ولد غيرها‏"‏ وقد وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه‏.‏ فإنهم تجرأوا عليه وكاشفوه بالنكال والأذى بعد موت أبي طالب، فازداد غمًا على غم، حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجـاء أن يستجيبوا لدعوتـه، أو يؤووه وينصـروه على قومــه، فلم يـر مـن يؤوى ولم يـر ناصرًا، بل آذوه أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينله قومـه‏.‏ ولأجل توالى مثل هذه الآلام في هذا العام سمى بعام الحزن، وعرف به في السيرة والتاريخ‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 11:44 AM
الإسراء والمعراج
بينما أخذت الدعوة تشق طريقًا بين النجاح والاضطهـاد ، وبـدأت نجـوم الأمل تتلمح في آفاق بعيدة ، وقع حادث الإسراء والمعـراج، وذلك بعد عودته صلى الله عليه وسلم من الطائف. وقد أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكبًا على البُرَاق، وهو دابة يقال إنها تضع حافرها عند منتهى بصرها، صحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إمامًا، وربط البراق بحلقة باب المسجد‏.‏ ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبريل ففتح له، فرأي هنالك آدم أبا البشر، فسلم عليه، فرحب به ورد عليه السلام، وأقر بنبوته، وأراه الله أرواح السعداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره‏.‏ ثم عرج به إلى السماء الثانية، فاستفتح له، فرأي فيها يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم، فلقيهما وسلم عليهما، فردا عليه ورحبا به، وأقرّا بنبوته‏.‏ ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فرأي فيها يوسف، فسلم عليه فرد عليه ورحب به، وأقر بنبوته‏.‏ ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فرأي فيها إدريس، فسلم عليه، فرد عليه، ورحب به، وأقر بنبوته‏.‏ ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فرأي فيها هارون بن عمران، فسلم عليه، فرد عليه ورحب به، وأقر بنبوته‏.‏ ثم عرج به إلى السماء السادسة، فلقى فيها موسى بن عمران، فسلم عليه، فرد عليه ورحب به، وأقر بنبوته‏.‏ فلما جاوزه بكى موسى، فقيل له‏:‏ ما يبكيك ‏؟‏ فقال‏:‏ أبكى؛ لأن غلامًا بعث من بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتى‏.‏ ثم عرج به إلى السماء السابعة، فلقى فيها إبراهيم عليه السلام، فسلم عليه، فرد عليه، ورحب به، وأقر بنبوته‏.‏ ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون‏.‏ ثم أدخل الجنة، فإذا فيها حبائل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك‏.‏ وعرج به حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صوت الأقلام‏.‏ وفرض الله تعالى في هذه الليلة الصلاة على المسلمين. وفي هذه الرحلة عرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل‏:‏ هديت الفطرة أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك‏.‏ ورأى مالكًا خازن النار، وهو لا يضحك، وليس على وجهه بشر ولا بشاشة، وكذلك رأي الجنة والنار‏.‏ ورأى أكلة أموال اليتامى ظلمًا لهم مشافر (المشفر في الإبل هو ما يقابل الشفة عند الإنسان) كمشافر الإبل، يقذفون في أفواههم قطعًا من نار ، فتخرج من أدبارهم‏.‏ ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن أماكنهم، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم‏.‏ ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب، إلى جنبه لحم غث منتن، يأكلون من الغث المنتن، ويتركون الطيب السمين‏.‏ ورأى النساء اللاتى يدخلن على الرجال من ليس من أولادهم، رآهن معلقات بثديهن‏.‏ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له، حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وكان قد رأى عيرًا من أهل مكة في الإياب والذهاب فأخبرهم عنها، وعن وقت قدومها، وكان الأمر كما قال، فلم يزدهم ذلك إلا نفورًا، وأبي الظالمون إلا كفورًا ‏.‏ ويقال‏:‏ إن أبا بكر رضي الله عنه سمي الصديق؛ لتصديقه هذه الوقعة حين كذبها الناس‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 11:44 AM
بيعة العقبة الأولى
في السنة الحادية عشرة من النبوة أسلم ستة نفر من أهل يثرب وذلك في موسم الحج و كانوا قد وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبلاغ رسالته في قومهم‏. وكان من جَرّاء ذلك أن جاء في موسم الحج التالي اثنا عشر رجلًا، فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد التقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في العام السابق وسبعة سواهم، فالتقى هؤلاء برسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة بمنى فبايعوه على ألا يشركوا بالله شيئًا، ولا يسرقون، ولا يزنون، ولا ي***وا أولادهم، ولا يعصون النبي صلى الله عليه وسلم في معروف. وبعد أن تمت البيعة وانتهى الموسم بعث النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المبايعين أول سفير في يثرب؛ ليعلم المسلمين فيها شرائع الإسلام، ويفقههم في الدين، وليقوم بنشر الإسلام بين الذين لم يزالوا على الشرك، واختار لهذه السفارة شابًا من شباب الإسلام من السابقين الأولين، وهو مُصْعَب بن عُمَيْر العبدرى رضي الله عنه‏، والذي أحرز نتائج طيبة في هذا الصدد.

صوت الحق
25-06-2008, 11:45 AM
بيعة العقبة الثانية
‏في موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من النبوة حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفسًا من المسلمين من أهل يثرب، جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشركين، فلما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم اتصالات سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولى من منى، وأن يتم الاجتماع في سرية تامة في ظلام الليل‏.‏ وبعد أن تكامل المجلس بدأت المحادثات لإبرام التحالف الديني والعسكري بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أول المتكلمين هو العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، تكلم ليشرح لهم خطورة المسئولية التي ستلقى على كواهلهم نتيجة هذا التحالف‏، فأجابوا بإصرارهم على ما عزموا عليه من نصرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعزاز دينه. فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بيانه، ثم تمت البيعة، وقد روي الإمام أحمد في مسنده عن جابر أنهم قالوا‏:‏ يا رسول الله ، علام نبايعك‏؟‏ قال‏: "على السمع والطاعة في النشاط والكسل‏، وعلى النفقة في العسر واليسر‏، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏، وعلى أن تقوموا في الله ، لا تأخذكم في الله لومة لائم‏، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة‏"‏‏.‏ وبعد أن تمت البيعة طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختاروا اثنى عشر زعيمًا يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسئولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة. فكانت هذه هي بيعة العقبة الثانية ـ التي تعرف ببيعة العقبة الكبرى ـ وقد تمت في جو تعلوه عواطف الحب والولاء، والتناصر بين أشتات المؤمنين، والثقة والشجاعة والاستبسال في هذا السبيل‏.‏ فمؤمن من أهل يثرب يحنو على أخيه المستضعف في مكة، ويتعصب له، ويغضب من ظالمه، وتجيش في حناياه مشاعر الود لهذا الأخ الذي أحبه بالغيب في ذات الله ‏.‏ ولم تكن هذه المشاعر والعواطف نتيجة نزعة عابرة تزول على مر الأيام، بل كان مصدرها هو الإيمان بالله وبرسوله وبكتابه، إيمان لا يزول أمام أي قوة من قوات الظلم والعدوان، إيمان إذا هبت ريحه جاءت بالعجائب في العقيدة والعمل.

صوت الحق
25-06-2008, 11:47 AM
طلائـع الهجـرة
بعد أن تمت بيعة العقبة الثانية ونجح الإسلام في تأسيس وطن له وسط صحراء تموج بالكفر والجهالة أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى هذا الوطن‏.‏ ولم يكن معنى الهجرة إلا إهدار المصالح، والتضحية بالأموال، والنجاة بالشخص فحسب، مع الإشعار بأنه مستباح منهوب قد يهلك في أوائل الطريق أو نهايتها، وبأنه يسير نحو مستقبل مبهم، لا يدرى ما يتمخض عنه من قلاقل وأحزان‏.‏ وبدأ المسلمون يهاجرون وهم يعرفون كل ذلك، وأخذ المشركون يحولون بينهم وبين خروجهم بوسائل متعددة فتارة بالتفريق بين المرء وزوجه كما حدث مع أبي سلمة وأم سلمة رضي الله عنهما، وتارة بمصادرة المال كما حدث مع صهيب الرومي رضي الله عنه، وتارة بالإذاية البدنية كما حدث مع عياش بن أبي ربيعة وبالرغم من هذا فقد خرج الناس في جماعات يتبع بعضهم بعضًا‏.‏ وبعد شهرين وبضعة أيام من بيعة العقبة الكبرى لم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلى ـ أقاما بأمره لهما ـ وإلا من احتبسه المشركون كرهًا، وقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج، وأعد أبو بكر جهازه‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 11:48 AM
تدبير قريش ل*** النبي صلى الله عليه وسلم ونجاته
لما رأى المشركون أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا إلى المدينة، وحملوا معهم أولادهم وأموالهم أصابتهم الكآبة والحزن، وساورهم القلق والهم بشكل لم يسبق له مثيل، فقد تجسد أمامهم خطر حقيقي عظيم، أخذ يهدد كيانهم الوثني والاقتصادي‏.‏ فقد كانوا يعلمون ما في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم من قوة التأثير مع كمال القيادة والإرشاد، وما في أصحابه من العزيمة والاستقامة والفداء في سبيله، ثم ما في قبائل الأوس والخزرج من القوة والمنعة.‏ كما كانوا يعرفون ما للمدينة من الموقع الاستراتيجي بالنسبة إلى التجارة التى تمر بساحل البحر الأحمر من اليمن إلى الشام‏،‏ وقد كان أهل مكة يتاجرون إلى الشام بقدر ربع مليون دينار ذهب سنويًا، سوى ما كان لأهل الطائف وغيرها‏،‏ ومعلوم أن مدار هذه التجارة كان على استقرار الأمن في تلك الطريق‏.‏ فأخذوا يبحثون عن أنجح الوسائل لدفع هذا الخطر ، فبعد شهرين ونصف تقريبًا من بيعة العقبة الكبرى عقد برلمان مكة ‏[‏دار الندوة‏]‏ في أوائل النهار أخطر اجتماع له في تاريخه، وتوافد إلى هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية؛ ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعًا على حامل لواء الدعوة الإسلامية؛ وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائيًا‏. وأسفر هذا الاجتماع عن رأي تقدم به كبير مجرمي مكة أبو جهل بن هشام‏، وهو أن يُأخَذ من كل قبيلة شابًا ومعه سيف صارم، ثم يعمدوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيضربوه بسيوفهم ضربة رجل واحد، في***وه، ويتفرق دمه في القبائل جميعًا، فلا يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فيضطروا إلى قبول الدية‏.‏ فوافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع، ورجع النواب إلى بيوتهم وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فورًا

صوت الحق
25-06-2008, 11:49 AM
هجـرة النبـي صلى الله عليه وسلم
بعد أن عزم كفار قريش على *** النبي صلى الله عليه وسلم نزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه تبارك وتعالى فأخبره بمؤامرة قريش، وأن الله تعالى قد أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة، وبين له خطة الرد على قريش وقال له‏:‏ لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه‏.‏ فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه ليبرم معه مراحل الهجرة ورجع إلى بيته ينتظر مجىء الليل‏‏، واستمر في أعماله اليومية حسب المعتاد حتى لم يشعر أحد بأنه يستعد للهجرة، أو لأي أمر آخر اتقاء مما قررته قريش‏.‏ وأمر عليًّا رضي الله عنه تلك الليلة أن يضطجع على فراشه، ويتغطى ببرده الحضرمي الأخضر، وأخبره أنه لا يصيبه مكروه‏.‏ فلما كانت عتمة من الليل وساد الهدوء، ونام عامة الناس جاء الكفار إلى بيته صلى الله عليه وسلم سرًا، واجتمعوا على بابه يرصدونه، وهم يظنونه نائمًا حتى إذا قام وخرج وثبوا عليه، ونفذوا ما قرروا فيه‏.‏ وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل في وقت خروجه صلى الله عليه وسلم من البيت للتعبد والصلاة في المسجد الحرام، فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر؛ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت، واخترق صفوفهم، وأخذ حفنة تراب فجعل يذره على رءوسهم، وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه، فلم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، ومضى إلى بيت أبي بكر، فخرجا من باب صغير في دار أبي بكر ليلًا حتى لحقا بغار ثَوْر في اتجاه اليمن‏.‏ وبقى المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، وقبيل حلولها تجلت لهم الخيبة والفشل، فقد جاءهم رجل ممن لم يكن معهم، ورآهم ببابه فأخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا‏:‏ والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم‏، و نظروا داخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأوا عليًا، فقالوا‏:‏ والله إن هذا لمحمد نائمًا، عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا‏.‏ وقام علىٌّ عن الفراش، فسقط في أيديهم، وسأ لوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ لا علم لي به‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 11:50 AM
العنـــــوان:من الدار إلى الغار
غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة، ولما كان يعلم أن قريشًا سَتَجِدُّ في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالًا، فسلك الطريق الذي يضاده تمامًا، وهو الطريق الواقع جنوب مكة، والمتجه نحو اليمن، سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثَوْر وهو جبل شامخ، وَعِر الطريق، صعب المرتقى، ذو أحجار كثيرة، فحفيت قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل‏:‏ بل كان يمشى في الطريق على أطراف قدميه كى يخفي أثره فحفيت قدماه، وأيا ما كان فقد حمله أبو بكر حين بلغ إلى الجبل، وطفق يشتد به حتى انتهي به إلى غار في قمة الجبل عرف في التاريخ بغار ثور‏، فدخلا الغار وكَمُنَا فيه ثلاث ليال. أما قريش فقد جن جنونها وقررت قريش في جلسة طارئة مستعجلة استخدام جميع الوسائل التي يمكن بها القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فوضعت جميع الطرق النافذة من مكة ‏في جميع الجهات‏ تحت المراقبة المسلحة الشديدة، كما قررت إعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما إلى قريش حيين أو ميتين، كائنًا من كان‏.‏ وحينئذ جدت الفرسان والمشاة وقُصَّاص الأثر في الطلب، وانتشروا في الجبال والوديان، والوهاد والهضاب، لكن من دون جدوى وبغير عائدة‏.‏ وقد وصل المطاردون إلى باب الغار، ولكن الله تعالى أعماهم عن رؤية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، ورجع المطاردون حين لم يبق بينهم وبين مطلوبهم إلا خطوات معدودة‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 12:08 PM
العنـــــوان:

في الطريق إلى المدينة
لما توقفت دوريات التفتيش عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وهدأت ثائرات قريش بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاثة أيام بدون جدوى، تهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه للخروج إلى المدينة‏.‏ وكانا قد استأجرا عبد الله بن أريقِط الليثي، وكان رجلًا ماهرًا بالطريق ـ و لكنه كان على دين كفار قريش، إلا أنهما أمناه على ذلك، وسلما إليه راحلتيهما ، فكان وأول ما سلك بهم بعد الخروج من الغار أنه أمعن في اتجاه الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غربًا نحو الساحل، حتى إذا وصل إلى طريق لم يألفه الناس، اتجه شمالًا على مقربة من شاطئ البحر الأحمر، وسلك طريقًا لم يكن يسلكه أحد إلا نادرًا‏.‏ وأثناء سيره في الطريق مر بخيمتى أم مَعْبَد الخزاعية، وكان موقعهما على بعد نحو 130 كيلو مترًا من مكة، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها شاة هزيلة، فاستأذن أم معبد في حلبها، ومسح بيده الشريفة ضرعها، وسمى الله ودعا، فأخذت تدر اللبن، فدعا بإناء فحلب فيه حتى علته الرغوة، فسقاها، فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب، وحلب فيه ثانيًا، حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها فارتحلوا‏.‏ فما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق عنزات عجافًا هزيلات، فلما علم بما حدث عرف أن هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، وعزم أن يصحبه ما وجد إلى ذلك سبيلا. وكان ممن تبعهما في الطريق طمعًا في جائزة قريش سُرَاقة بن مالك‏.‏ فلما أدركهم ودنا منهم، عَثَرَتْ به فرسه فوقع عنها ، ثم حاول مرة أخرى فغاصت يدا فرسه في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلاص على ألا يدل عليه، ففعل صلى الله عليه وسلم وكتب له أمانًا، ثم أسلم سراقة هذا فيما بعد يوم الفتح. وفي الطريق لقى النبي صلى الله عليه وسلم بُريْدَة بن الحُصَيْب الأسلمي ومعه نحو ثمانين بيتًا، فأسلم وأسلموا، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة فصلوا خلفه، وأقام بريدة بأرض قومه حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أُحُد‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 12:10 PM
العنـــــوان:


النزول بقباء
وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء يوم الاثنين 8 ربيع الأول في السنة الرابعة عشرة من النبوة، وهي السنة الأولى من الهجرة . فلما علم المسلمون بقدومه خرجوا للقائه، وتلقوه مكبرين وحيوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله، والسكينة تغشاه، والوحي ينزل عليه‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ الله َ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏4‏]‏‏.‏ وكانت المدينة كلها قد زحفت للاستقبال، وكان يومًا مشهودًا لم تشهد المدينة مثله في تاريخها. وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء أربعة أيام‏:‏ الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس‏.‏ وأسس مسجد قباء وصلى فيه، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، فلما كان اليوم الخامس ـ يوم الجمعة ـ ركب بأمر الله له، وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى بني النجار ـ أخواله ـ فجاءوا متقلدين سيوفهم، فسار نحو المدينة وهم حوله.

صوت الحق
25-06-2008, 12:12 PM
العنـــــوان:

دخول المدينة
ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم بعد الجمعة حتى دخل المدينة ـ ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعبر عنها بالمدينة مختصرًا ـ وكان يومًا مشهودًا ، فقد ارتجت البيوت والسكك بأصوات الحمد والتسبيح. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت الصحابي الجليل أبي أيوب‏ الأنصاري. ودعا الرسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا البلد المبارك وقال‏:‏ "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها، وبارك في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجُحْفَة‏"‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 12:14 PM
العنـــــوان:


بناء المسجد النبوي والحياة في المدينة
شرع النبي صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته، فاشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه، فكان ينقل اللبن والحجارة بنفسه. وبني بجانبه بيوتًا بالحجر واللبن، وسقفها بالجريد والجذوع، وهي حجرات أزواجه صلى الله عليه وسلم، وبعد تكامل الحجرات انتقل إليها من بيت أبي أيوب‏.‏ ولم يكن المسجد موضعًا لأداء الصلوات فحسب، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته، ومنتدى تلتقي وتتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها، وقاعدة لإدارة جميع الشئون وبث الانطلاقات، وبرلمان لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية‏.‏ وكان مع هذا كله دارًا يسكن فيها عدد كبير من فقراء المهاجرين اللاجئين الذين لم يكن لهم هناك دار ولا مال ولا أهل ولا بنون‏.‏ قام النبي صلى الله عليه وسلم بعمل من أروع ما يأثره التاريخ، وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يكون أساس الولاء والبراء إلا الإسلام‏.‏ وكما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد هذه المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها ما كان بينهم من حزازات في الجاهلية، وما كانوا عليه من نزعات قبلية جائرة، واستطاع بفضلها إيجاد وحدة إسلامية شاملة‏.‏ بهذه الحكمة وبهذا التدبير أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد مجتمع جديد قائم على التعليم والتربية، وتزكية النفوس، والحث على مكارم الأخلاق، ويؤدبهم بآداب الود والإخاء والمجد والشرف والعبادة والطاعة‏.‏ سأله رجل‏:‏ أي الإسلام خير‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف‏"‏‏.‏ وكان يقول‏:‏ "‏لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه‏"، أي: شروره‏ . ويقول‏:‏ "‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‏". ويقول‏:‏ ‏"‏لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏". ويقول‏:‏ ‏"‏المؤمنون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله‏". ويقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" . ويقول: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". ويقول: "ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جانبه". وبمثل هذه القيم استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبني في المدينة مجتمعًا جديدًا رائعًا شريفًا متكامل العناصر بما يجعله قادرًا على مواجهة كل تيارات الزمان.

صوت الحق
25-06-2008, 12:16 PM
العنـــــوان:الغزوات –
أسبابها ومشروعيتها
بعد أن استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وكان بها اليهود من بني قينقاع وقريظة والنضير، أقرهم عليه الصلاة والسلام على دينهم وأموالهم، واشترط لهم وعليهم شروطًا، وكانوا مع ذلك يظهرون العداوة والبغضاء للمسلمين، ويساعدهم جماعة من عرب المدينة كانوا يظهرون الإسلام وهم في الباطن كفار؛ وكانوا يعرفون بالمنافقين، يرأسهم عبد الله بن أبي بن سلول، وقد قبل صلى الله عليه وسلم من هاتين الفئتين (اليهود والمنافقين) ظواهرهم، فلم يحاربهم ولم يحاربوه. وكان صلى الله عليه وسلم يدعو إلى دين الله ويجاهد في سبيله بإقامة ساطع الحجج وقاطع البراهين. ولكن لما كانت قريش أمة معادية له، مقاومة لدعوته، معارضة له فيها، وقد آذته وآذت المسلمين وأخرجتهم من ديارهم، واستولت على ما تركوه بمكة من الأموال، وآذت المستضعفين الذين لم يقدروا على الهجرة مع رسول الله وأصحابه، أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بقتالهم وقتال كل معتد وصادٍّ عن الدعوة. فأول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك مصادرة تجارة قريش التي كانوا يذهبون بها إلى الشام والتي يجلبونها منه. وكان بعد ذلك - عندما تدعو الحال لقتال من يقف في وجه الدعوة من قريش أو غيرهم - يخرج إلى القتال بنفسه ومعه المقاتلون من المسلمين، وتارة يبعث مع المقاتلين من يختاره لقيادتهم، وقد سمى المؤرخون ما خرج فيه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه (غزوة) سواء حارب فيها أم لم يحارب، وسموا ما بعث فيها أحد القواد (سرية).

صوت الحق
25-06-2008, 12:18 PM
العنـــــوان:

غزوة بدر الكبرى
كان من عادة قريش أن تذهب بتجارتها إلى الشام لتبيع وتشتري فتمر في ذهابها وإيابها بطريق المدينة، ففي شهر جمادى الثانية من السنة الثانية للهجرة بعثت قريش بأعظم تجارة لها إلى الشام خرج بها أبو سفيان بن حرب في بضعة وثلاثين رجلا من قريش، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم في مائة وخمسين رجلا من المهاجرين فلم يدركهم، وتسمى هذه غزوة (العشيرة)، باسم واد من ناحية بدر. ولما علم برجوعهم من الشام خرج إليهم في العشر الأوائل من شهر رمضان في ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا من المهاجرين والأنصار، معهم فرسان وسبعون بعيرا، وسار حتى عسكر بالروحاء، وهو موضع على بعد أربعين ميلا في جنوب المدينة. وكان أبو سفيان حين قرب من الحجاز يسير محترسًا، فلما علم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الطريق المسلوكة وسار بساحل البحر، ثم بعث رجلا إلى مكة ليخبر قريشًا ويستنفرهم لحفظ أموالهم، فقام منهم تسعمائة وخمسون رجلا فيهم مائة فارس وسبعمائة بعير، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروج هذا الجمع استشار أصحابه فأشاروا بالإقدام، فارتحل بهم حتى وصل قريبًا من وادي بدر، فبلغه أن أبا سفيان قد نجا بالتجارة وأن قريشًا وراء الوادي، لأن أبا جهل أشار عليهم بعد أن علموا بنجاة العير ألا يرجعوا حتى يصلوا بدرًا فينحروا ويطعموا الطعام ويسقوا الخمور فتسمع بهم العرب فتهابهم أبدًا. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى نزلوا بجانب الوادي الأقرب إلى المدينة، وسار جيش المشركين حتى نزلوا بالجانب الأقصى من الوادي، ولم يكن بمكان المسلمين ماء فأرسل الله تعالى الغيث حتى سال الوادي فشرب المسلمون وملئوا أسقيتهم، وتلبدت لهم الأرض حتى سهل المسير فيها، أما الجهة التي كان بها المشركون فإن المطر أوحلها، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه حتى نزل بأقرب ماء من القوم، وأمر ببناء حوض يملأ ماء لجيشه؛ كما أمر بأن يغوّر ما وراءه من الآبار حتى ينقطع أمل المشركين في الشرب من وراء المسلمين، ثم أذن لأصحابه أن يبنوا له عريشًا يأوي إليه، فبني له فوق تل مشرف على ميدان القتال. فلما تراءى الجيشان، وكان ذلك في صبيحة يوم الثلاثاء 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة قام النبي صلى الله عليه وسلم بتعديل صفوف جيشه حتى صاروا كأنهم بنيان مرصوص، ونظر لقريش فقال: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني". ثم برز ثلاثة من صفوف المشركين، وهم عتبة بن ربيعة وابنه الوليد وأخوه شيبة وطلبوا من يخرج إليهم، فبرز لهم ثلاثة من الأنصار، فقال المشركون: إنما نطلب أكفاءنا من بني عمنا (أي: القرشيين)، فبرز لهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، فكان حمزة بإزاء شيبة وكان عبيدة بإزاء عتبة وكان عليّ بإزاء الوليد، فأما حمزة وعليّ فقد أجهز كل منهما على مبارزه، وأما عبيدة فقد ضرب صاحبه ضربة لم تمته وضربه صاحبه مثلها، فجاء علي وحمزة فأجهزا على مبارز عبيدة وحملا عبيدة وهو جريح إلى صفوف المسلمين، وقد مات من آثار جراحه رضي الله عنه. ثم بدأ الهجوم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش يشجع الناس ويقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)، وأخذ من الحصباء حفنة رمى بها في وجوه المشركين قائلا: شاهت الوجوه (أي: قبحت)، ثم قال لأصحابه: شدوا عليهم ، فاشتد القتال. وأمد الله تعالى المسلمين بملائكة النصر، فلم تك إلا ساعة حتى انهزم المشركون وولوا الأدبار، وتبعهم المسلمون ي***ون ويأسرون، ف***وا منهم سبعين رجلا وأسروا سبعين، ومن بين ال***ى كثيرون من صناديدهم، ولم يستشهد من المسلمين سوى أربعة عشر رجلا رضي الله عنهم. بعد أن انتهي القتال في بدر ودفن الشهداء وال***ى؛ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمع الغنائم فجمعت، وأرسل من يبشر أهل المدينة بالنصر، ثم عاد عليه الصلاة والسلام بالغنائم والأسرى إلى المدينة، فقسم الغنائم بين المجاهدين ومن في حكمهم من المخلَّفين لمصلحة، وحفظ لورثة الشهداء أسهمهم، وأما الأسرى فرأى بعد أن استشار أصحابه فيهم أن يستبقيهم ويقبل الفداء من قريش عمَّن تريد فداءه، فبعثت قريش بالمال لفداء أسراهم، فكان فداء الرجل من ألف درهم إلى أربعة آلاف درهم بحسب منزلته فيهم، ومن لم يكن معه فداء وهو يحسن القراءة والكتابة أعطوه عشرة من غلمان المسلمين يعلمهم، فكان ذلك فداءه. وهذه الغزوة الكبرى التي انتصر فيها المسلمون ذلك الانتصار الباهر، مع قلة عَددهم وعُددهم وكثرة عَدد العدوّ وعُدده، من الأدلة الكبرى على عناية الله تعالى بالمسلمين الصادقي العزيمة الممتلئة قلوبهم طمأنينة بالله تعالى وثقة بما وعدهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الفوز والنصر. ولقد دخل بسببها الرعب في قلوب كافة العرب، فكانت للمسلمين عزًا وهيبة وقوة، والحمد لله رب العالمين.

صوت الحق
25-06-2008, 12:20 PM
العنـــــوان:

غزوة أُحُد
بعد أن مضى على غزوة بدر عام كامل؛ وكانت عير قريش لم تزل موقوفة بدار الندوة؛ اجتمع من بقي من عظمائهم إلى أبي سفيان، واتفقوا على أن يتركوا ربح أموالهم في تلك العير استعدادًا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ربحها نحو خمسين ألف دينار، فاجتمع منهم ثلاثة آلاف رجل ومعهم حلفاؤهم من بني المصطلق وغيرهم، وخرجوا بااجواري والدفوف والخمور، ومعهم هند امرأة أبي سفيان وخمس عشرة امرأة ليشجعنهم ، وساروا حتى وصلوا إلى ذي الحليفة بالقرب من المدينة. وقد كان العباس بن عبد المطلب بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب يخبره فيه بخروج القوم، فجمع عليه الصلاة والسلام أصحابه وأخبرهم الخبر، واستشارهم في البقاء بالمدينة حتى إذا قدم القوم إليها قاتلوهم، فكان رأى الأكثرين الخروج للقاء العدو، ففي يوم الجمعة لعشر خَلَوْن من شوال في السنة الثالثة للهجرة صلى الجمعة بالناس، وحضّهم في خطبتها على الثبات والصبر، ثم دخل حجرته فلبس درعين وتقلد السيف وألقى الترس وراء ظهره، ولما خرج للناس بعُدَّته هذه قال بعض من أشار بالخروج: نتبع ما عرضته من البقاء، فقال: "ما كان لنبي لبس سلاحه أن يضعه حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه". ثم عقد الألوية واستعرض الجيش وسار بألف رجل حتى منتصف الطريق بين المدينة وجبل أُحُد، وهو جبل في شمال المدينة، فرجع عبد الله بن أبي بن سلول رئيس المنافقين في ثلاثمائة من أصحابه، ثم سار الجيش حتى نزل الشِّعب من أُحُد وجعل ظهره للجبل ووجهه للمدينة؛ وقد نزل المشركون ببطن الوادي بالقرب من أُحُد، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرماة؛ وكانوا خمسين رجلا؛ فجعلهم خلف الجيش على ظهر الجبل، وأمرهم ألاّ يبرحوا مكانهم، ثم عَدَّل الصفوف وخطب في الجيش بالنصائح والمواعظ، ثم خرج رجل من صفوف المشركين فبرز له الزبير بن العوام ف***ه؛ و*** حملة لواء المشركين، وخرج من صفوف المشركين عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق يطلب المبارزة فهمَّ أبو بكر أن يبرز إليه، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم التقت الصفوف، وجعلت نساء قريش يضربن الدفوف وينشدن الأشعار تهييجًا لرجالهن، فدارت رحا الحرب، وكانت الغلبة للمسلمين، إلا أن الرماة لما رأوا انكشاف المشركين ترك أكثرهم مكانهم الذي أُمروا ألا يتحولوا عنه، وتحولوا إلى العسكر، وخلوا ظهر المسلمين للعدو، واشتغل بعض الجيش بالغنائم، فاختلت الصفوف، فتحولت فرسان المشركين بقيادة خالد بن الوليد وجاءوهم من خلفهم، فأصابوا فيهم، وأُذيع *** رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأضعف ذلك من عزائم الجيش، وانهزم جماعة من المسلمين، وانكشف مكان النبي صلى الله عليه وسلم للعدو فأصابته الحجارة، وأصيبت رباعيته (السن التي بين الناب والثنية)، وجرح وجهه وشفته، ودخلت حلقتان من المغفر في وجنته، والمغفر هو زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، وقد عالج أبو عبيدة بن الجراح نزع هاتين الحلقتين من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزعهما، وكسرت في ذلك ثنيتاه –السنتان الأماميتان- رضي الله عنه. وأحاط به الكفار فدافع دونه خمسة من الأنصار، وعاد إليهم فئة من المسلمين حتى أبعدوا الكفار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ممن امتاز بالمدافعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت: سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو طلحة الأنصاري الذي نثر كنانته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو دجانة الذي كان النبل يقع في ظهره وهو منحن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعد أن أجلى الكفار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه كعب بن مالك الأنصاري، فشرع ينادي: يا معشر المسلمين أبشروا، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اسكت، ثم سار عليه الصلاة والسلام بين سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة، ومعه أبو بكر وعمر وعليّ وطلحة والزبير وغيرهم، وجاءت فاطمة الزهراء رضي الله عنها فغسلت عنه الدم وضمدت جروحه، وأقبل أَبَيّ بن خلف من المشركين يقول: أين محمد؟ لا نجوتُ إن نجا، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم بحربة فوقع عن فرسه، وأصيب في عنقه، ومات بسبب ذلك، ولم ي*** بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد غيره، لا في هذه الغزوة ولا في غيرها. ثم أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلو صخرة لينظر جماعة المشركين فلم يتمكن من القيام بنفسه، فأعانه طلحة بن عبيد الله حتى أصعده على الصخرة، فرأى جماعة المشركين على ظهر الجبل فقال: لا ينبغي لهم أن يعلونا. فأرسل إليهم عمر بن الخطاب في جماعة فأنزلوهم، وقد صعد أبو سفيان ربوة ونادى بأعلى صوته: إن الحرب سجال، يوم بيوم بدر، اعْلُ هُبَل (اسم صنم لهم)، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يجيبه، فأجابه عمر رضي الله عنه بقوله: الله أعلى وأجلّ لا سواء، ***انا في الجنة و***اكم في النار. فلما سمع أبو سفيان صوت عمر قال: هلمَّ إلي ياعمر، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه، فقال أبو سفيان: أنشدك الله ياعمر أ***نا محمدًا ؟ فقال عمر: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن. ثم نادى أبو سفيان: إن موعدكم بدر العام المقبل، فأجيب من قبل المسلمين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، هو بيننا وبينك موعد، وقد أخلف أبو سفيان موعده فلم يخرج في العام التالي، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد خرج في ذلك العام إلى بدر ولم يلق أحدًا، وسميت تلك الغزوة غزوة بدر الأخرى أو الصغرى. ثم انصرفوا، وتفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ال***ى وأمر بدفنهم، وعاد إلى المدينة في منتصف شوال. وقد بلغ عدد ***ى المسلمين في هذه الغزوة سبعين شهيدًا، منهم أربعة من المهاجرين والباقون من الأنصار، و*** من المشركين اثنان وعشرون. وجعلت زوجة أبي سفيان ومن معها من النساء يمثلن بالشهداء، فقطعن الآذان والأنوف، واتخذن منها قلائد، وبقرت زوجة أبي سفيان بطن حمزة، ولاكت كبده تشفيًا من نكايتهم في غزوة بدر. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وصوله إلى المدينة بليلة واحدة أن يخرج معه كلُّ من حضر هذه الغزوة لتعقب العدو، فلما شعر أبو سفيان بذلك همَّ أن يعود بالمشركين للقاء المسلمين، فقيل له: إن محمدًا قد أقبل في جميع أصحابه، فخاف وانثنى عن عزمه، واستمر راجعا إلى مكة، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه في حمراء الأسد، وهو موضع على ثمانية أميال من المدينة في طريق مكة، أقام هنالك ثلاثة أيام، ثم عاد إلى المدينة بعد أن تأكد من انصراف المشركين إلى مكة.

صوت الحق
25-06-2008, 12:21 PM
العنـــــوان:

غزوة بني النضير
كان اليهود يتحرقون على الإسلام والمسلمين إلا أنهم لم يكونوا أصحاب حرب وضرب، بل كانوا أصحاب دس ومؤامرة، فكانوا يجاهرون بالحقد والعداوة، ويختارون أنواعًا من الحيل ؛ لإيقاع الإيذاء بالمسلمين دون أن يقوموا للقتال مع ما كان بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق، ولكنهم بعد وقعة أحد أخذوا يتصلون بالمنافقين وبالمشركين من أهل مكة سرًا، ويعملون لصالحهم ضد المسلمين ‏.‏ ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين ***هما عمرو بن أمية الضَّمْرِي ـ وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة ـ فقالوا ‏:‏ نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتى نقضي حاجتك‏.‏ فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وجلس معه أبو بكر وعمر وعلي وطائفة من أصحابه‏.‏ وخلا اليهود بعضهم إلى بعض، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم، فتآمروا ب***ه صلى الله عليه وسلم، فنزل جبريل من عند رب العالمين على رسوله صلى الله عليه وسلم يعلمه بما هموا به، فنهض مسرعًا وتوجه إلى المدينة. وما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعث محمد بن مسلمة إلى بني النضير يقول لهم ‏:‏ ‏‏"‏اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرًا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه"‏‏.‏ فلم يجد اليهود مناصًا من الخروج، فأقاموا أيامًا يتجهزون للرحيل، لكن رئيس المنافقين عبد الله بن أبي بعث إليهم ألا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم ، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان‏.‏ وهناك عادت لليهود ثقتهم، وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون‏:‏ إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك‏.‏ فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابهم، سار إليهم، وفرض عليهم الحصار‏، فالتجئوا إلى حصونهم، فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عونًا لهم في ذلك، فأمر بقطعها وتحريقها. واعتزلتهم قريظة، وخانهم عبد الله بن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فلم يحاول أحد أن يسوق لهم خيرًا، أو يدفع عنهم شرًا . واستمر الحصار ست ليال فقط، وقيل ‏:‏ خمس عشرة ليلة حتى تهيأوا للاستسلام ، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نحن نخرج عن المدينة‏.‏ فأنزلهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم وذراريهم، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح‏.‏ وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاح بني النضير، واستولي على أرضهم وديارهم وأموالهم وكانت أموالهم وأرضهم وديارهم خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يضعها حيث يشاء ، فقسمها بين المهاجرين الأولين خاصة، إلا أنه أعطي أبا دُجَانة وسهل بن حُنَيف الأنصاريين لفقرهما‏،‏ وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في عدة الحرب. وكانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة 4 من الهجرة، وقد أنزل الله في هذه الغزوة سورة الحشر بأكملها، فوصف طرد اليهود، وفضح مسلك المنافقين، وبين أحكام الفيء، وأثني على المهاجرين والأنصار، وبين جواز القطع والحرق في أرض العدو للمصالح الحربية، وأن ذلك ليس من الفساد في الأرض، وأوصي المؤمنين بالتزام التقوي والاستعداد للآخرة، ثم ختمها بالثناء على نفسه وبيان أسمائه وصفاته‏.‏

صوت الحق
25-06-2008, 12:23 PM
العنـــــوان:


غزوة الأحزاب أو غزوة الخندق
بعد غزوة ني النضير لم يقر لهؤلاء اليهود قرار بعد ذلك فذهب جمع منهم إلى مكة، وقابلوا رؤساء قريش واتفقوا معهم ومع قبيلة غطفان على حرب المسلمين، فتجهزت قريش ومن تبعهم من كنانة، وتجهزت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، وتحزبوا جميعًا على محاربة المسلمين، حتى بلغ عدد جميعهم عشرة آلاف محارب قائدهم العام أبو سفيان. فلما سمع رسول الله صلى عليه وسلم بتجمعهم لذلك استشار أصحابه فيما يعمل لمقاومتهم، فأشار سلمان الفارسيّ رضي الله عنه بحفر خندق في شمال المدينة من الجهة التي تؤتى منها المدينة، فحفروه وجاءت قريش ومن معها من الأحزاب ونزلوا خلف الخندق، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من المسلمين أمام الخندق، واستمروا على هذه الحالة يترامون بالنبل بضعًا وعشرين ليلة، وقد رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم حراسًا على الخندق لئلا يقتحمه الأعداء ليلا، وكان يحرس بنفسه أصعب جهة فيه، ولما طالت المدة اقتحم جماعة من المشركين الخندق بخيلهم، فمنهم من وقع فيه فاندقَّ عنقه، ومنهم من برز له بعض شجعان المسلمين ف***ه، وقد استمرت هذه المعركة يوما كاملا.

صوت الحق
25-06-2008, 12:25 PM
العنـــــوان:

غزوة بني قريظة
لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن يهود بني قريظة القاطنين بجوار المدينة يريدون نقض ما بينهم وبينه من العهود، فاسترجع من جيشه خمسمائة رجل لحراسة النساء والذرية، وقيَّض الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من انبث بين الأعداء يفرق جموعهم بالخديعة والحيلة، حتى استحكم الفشل بينهم، وخاف بعضهم بعضًا، وأرسل الله تعالى عليهم ريحًا باردة في ليل مظلم أكْفَأت قدورهم وطرحت آنيتهم، فارتحلوا من ليلتهم، وأزاح الله تعالى هذه الغُمَّة التي تحزَّب فيها الأحزاب من قبائل العرب واليهود على المسلمين. وكانت هذه الحادثة بين شهري شوال وذي القعدة من شهور السنة الخامسة للهجرة، واستشهد فيها من المسلمين ستة، و*** من المشركين ثلاثة. ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخلع لباس الحرب حتى حاصر بني قريظة لخيانتهم ونقضهم للعهد، واستمر محاصرًا لهم خمسًا وعشرين ليلة، حتى كادوا يهلكون ولم يروا بدًّا من التسليم لما يحكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضوا بأن ينزلوا على حكم سيدهم سعد بن معاذ، فحكم ب*** رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم وأخذ غنائمهم، فحبس الرجال في دور الأنصار حتى حفرت لهم خنادق ضربت أعناقهم فيها، وكانوا نحو سبعمائة رجل، وبذلك أراح الله المسلمين من شر مجاورة هؤلاء الأعداء، والله عزيز ذو انتقام.

صوت الحق
25-06-2008, 12:28 PM
العنـــــوان:

غزوة بني المُصطلق أو غزوة المريسيع
كانت هذه الغزوة في شعبان سنة خمس ، وسببها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغه أن رئيس بني المصطلق الحارث بن أبي ضِرَار سار في قومه ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث بُرَيْدَة بن الحصيب الأسلمي لتحقيق الخبر، فأتاهم، ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر‏.‏ وبعد أن تأكد لديه صلى الله عليه وسلم صحة الخبر ندب الصحابة، وأسرع في الخروج، وخرج معه جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها، وكان الحارث بن أبي ضرار قد وجه عينًا ؛ ليأتيه بخبر الجيش الإسلامي، فألقي المسلمون عليه القبض و***وه‏.‏ ولما بلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم و***ه عينه، خافوا خوفًا شديدًا وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المُرَيْسِيع ـ بالضم فالفتح مصغرًا، اسم لماء من مياههم في ناحية قُدَيْد إلى الساحل ـ فتهيأوا للقتال‏.‏ وَصَفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وراية المهاجرين مع أبي بكر الصديق، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملوا حملة رجل واحد، فكانت النصرة وانهزم المشركون.

صوت الحق
25-06-2008, 12:29 PM
العنـــــوان:

غزوة الحديبية وصلحها
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة يقصد العمرة في السنة السادسة من الهجرة، وخرج معه من المهاجرين والأنصار ألف وخمسمائة، وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لم يخرج محاربًا، وأمر أصحابه ألا يستصحبوا معهم من السلاح إلا السيوف مغمدة في قُرُبها، حتى لايدخلوا المسجد الحرام بسيوف مجردة، فسار عليه الصلاة والسلام بهذا الجمع حتى وصلوا عسفان، وهو موضع قريب من مكة، فجاءه من أخبره أن قريشًا اتفقت على صد المسلمين عن مكة، وتجهزت للحرب، وأخرجت خالد بن الوليد في مائتي فارس ليصدوا المسلمين عن التقدم، فسار المسلمون من طريق آخر تملك مكة من أسفلها، حتى وصلوا إلى مهبط الحديبية، وهي بئر بقرب مكة سمي الموضع باسمها، فبركت ناقته صلى الله عليه وسلم، فأمر أصحابه بالنزول، وهناك جاء رسول من قريش يسأِل عن سبب مجيء المسلمين، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بمقصده، فلما رجع إلى قريش لم يثقوا به، فأرسلوا آخر، فلما رأى الهدي وسمع التلبية رجع وقال لقريش: إن القوم جاءوا معتمرين، وما ينبغي أن يُصَدُّوا، وما ينبغي أن تحج لخم وجذام وحمير ويمنع عن البيت ابن عبد المطلب، فلم تسمع قريش لقوله، وبعثوا آخر فرأى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم احترامهم لنبيهم ومحبتهم إياه، فرجع إلى قريش وحدثهم بما رأى وقال : إني والله ما رأيت ملكا في قومه مثل محمد في أصحابه. فتكلم القوم فيما بينهم، وقالوا: نرده عامنا ويرجع إلى قابل. ثم أرسل رسول الله صلى الله عيه وسلم إليهم عثمان بن عفان رضي الله عنه في جوار رجل من بني أمية ليعلمهم بقصده، وخرج معه عشرة من المسلمين لزيارة أقاربهم بمكة، فقالت قريش: إن محمدًا لا يدخلها علينا عنوة أبدًا، ثم منعوا سيدنا عثمان رضي الله عنه ومن معه من الرجوع، وشاع بين المسلمين أنه قد ***، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للبيعة على القتال، فبايعوه على ذلك، وكان ذلك تحت شجرة سميت بعد بشجرة الرضوان، وسميت هذه البيعة أيضًا بيعة الرضوان، وبعث المشركون طلائعهم فأسر المسلمون منهم اثني عشر رجلا. ولما سمعت قريش بهذه البيعة خافوا أن تدور عليهم الدائرة؛ فأرسلوا أحدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للمكالمة في الصلح، وبعد أن أطلقوا سبيل سيدنا عثمان ومن معه، وأطلق المسلمون من أسروهم، اتفق معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قواعد الصلح، وهي أربعة أمور: 1- ترك الحرب بين الفريقين عشر سنين. 2- أن يرجع رسول الله والمسلمون من عامهم دون أن يدخلوا مكة؛ فإذا جاء العام الثاني دخلوها بدون سلاح سوى السيوف في القُرُب وأقاموا بها ثلاثة أيام بعد أن تخرج منها قريش. 3- من أتى إلى المسلمين من قريش ردوه إليهم، ومن جاء إلى قريش من المسلمين لا يلزمون برده. 4- من أحب أن يدخل في عهد المسلمين دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل فيه. وأملى النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب، فكتب بذلك وثيقة، وقد رضي المسلمون بما رضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تحلل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من عمرتهم وعادوا إلى المدينة.

صوت الحق
25-06-2008, 12:31 PM
العنـــــوان:

مراسلة رسول الله صلى الله عليه وسلم للملوك
شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة وتعميمها بعد الهدنة التي تمت بصلح الحديبية وأصبحت طرق المواصلة مع سائر الجهات متيسرة، فكاتب ملوك الأرض يدعوهم وأممهم إلى الإسلام، واتخذ له خاتمًا نقشه : (محمد رسول الله). فبعث دحية الكلبي بكتاب إلى قيصر ملك الروم وكان بالقدس، فلما وصله الكتاب، وكان أبو سفيان بالشام في تجارة، فاستدعاه وسأله عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو سفيان: هو فينا ذو نسب. فسأله: هل تكلم بهذا القول أحد قبله؟ فقال: لا. فسأله هل كنتم تتهمونه بالكذب؟ فقال: لا. فسأله: هل كان من آبائه ملك؟ فقال: لا. فسأله: هل أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم. فسأله: فهل يزيدون أم ينقصون؟ فقال: بل يزيدون. فسأله: فهل يرتدُّ أحد منهم كراهية في دينه؟ فقال: لا. فسأله: هل يغدر إذا عاهد؟ فقال: لا. فسأله: هل قاتلتموه وكيف حربكم وحربه؟ فقال: حاربناه، وكانت الحرب بيننا وبينه سجالا، مرة لنا ومرة علينا. فسأله: بم يأمركم؟ فقال: يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهي عما كان يعبده آباؤنا، ويأمر بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. فاستنتج ذلك الملك مما ذكر أنه نبي، وقال لأبي سفيان: إن كان ما كلمتني به حقا فسيملك موضع قدميّ هاتين، ثم جمع عظماء الروم وحادثهم في اتباع هذا النبي، فنفروا وقد غلب عليه حب ملكه فلم يسلم، ولكنه رد دحية ردا جميلا. وأرسل عليه الصلاة والسلام الحارث بن عمير بكتاب إلى أمير بصرى، فلما بلغ مُؤْتَة من قرى الشام تعرض له شرحبيل العسالي ف***ه، ولم يُ*** لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره. وأرسل عليه الصلاة والسلام كتابًا إلى أمير دمشق التابع لملك الروم، فلما وصله الكتاب وقرأه رمى به واستعد لحرب المسلمين، واستأذن ملكه في ذلك فلم يأذن له. وأرسل عليه الصلاة والسلام حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى المقوقس أمير مصر من قبل ملك الروم، وكان بالإسكندرية، فلما قرأه قال لحاطب: ما منعه إن كان نبيا أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده؟ فقال له حاطب: ألست تشهد أن عيسى رسولَ الله هو ابنُ الله ؟ فلِمَ لَمْ يمنعه الله حين أخذه قومه لي***وه؟ فقال المقوقس لحاطب: أحسنت، ولقد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضار، ولا بالكاهن الكذاب، وسأنظر. ثم كتب ردًا لجواب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكـلام لا اعتراف فيه ولا إنكار، وأهدى له جاريتين، إحداهما مارية التي تسرى بها عليه الصلاة والسلام وأتى منها بولده إبراهيم عليه السلام. وأرسل عليه الصلاة والسلام كتابًا إلى النجاشي ملك الحبشة، فلما قرأه قال للرسول: إني أعلم والله أن عيسى بَشَّر به، ولكن أعواني بالحبشة قليل. وأرسل إلى كسرى ملك الفرس فاستكبر ومزق الكتاب، فمزق الله تعالى ملكه كل ممزَّق. وأرسل إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، فأسلم وأسلم معه بعض قومه، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم أميرًا من قبله على جهة البحرين. وأرسل إلى جعفر وعبد الله ابني الجلندي ملكي عمان، فأسلما بعد أن سألا عما يأمر به النبي وينهي عنه، فقال لهما رسول النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأمر بطاعة الله عز وجل وينهي عن معصيته، ويأمر بالبر وصلة الرحم، وينهي عن الظلم والعدوان والزنا وشرب الخمر؛ وعن عبادة الحجر والوثن والصليب. وأرسل عليه الصلاة والسلام إلى هوذة بن على ملك اليمامة، فطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل له بعض الأمر فلم يجبه -أي أنه كان يطلب أن يجعله النبي خليفة له من بعده-.

صوت الحق
25-06-2008, 12:33 PM
العنـــــوان:

غزوة خيبر
بعد أن تم صلح الحديبية واستراح المسلمون من غزوات قريش، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستريح أيضًا من أعدائه القريبين الذين يتربصون به الشر، وهم أهل خيبر الذين حزبوا الأحزاب على المسلمين في غزوة الخندق، فخرج صلى الله عليه وسلم إلى خيبر في أول السنة السابعة للهجرة، وكانت خيبر محصنة بثمانية حصون، فعسكر المسلمون خارجها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم ليرهبهم، فلما رآهم مصرين على القتال بدأهم بالمراماة، واستمروا في المناوشة سبعة أيام، ثم حمل المسلمون على اليهود حتى كشفوهم عن مواقفهم، وتبعوهم حتى دخلوا أول حصن، فانهزم الأعداء إلى الحصن الذي يليه، فقاتلوا عنه قتالا شديدًا حتى كادوا يردون المسلمين عنه، ولكن المسلمين اقتحموا عليهم هذا الحصن حتى ألجأوهم إِلى الحصن الذي يليه، وحاصروهم فيه ومنعوا عنهم جداول الماء، فخرجوا وقاتلوا حتى انهزموا إلى حصن آخر، وهكذا حتى لم يبق غير الحصنين الأخيرين فلم يقاوم أهلهما، بل سلموا طالبين حقن دمائهم، وأن يخرجوا من أرض خيبر بذراريهم، لايأخذ الواحد منهم إلا ثوبا واحدًا على ظهره، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، وغنم المسلمون من خيبر غنائم كثيرة من دروع وسيوف ورماح وأقواس وحلي وأثاث ومتاع وغنم وطعام. وقد *** من اليهود في هذه الغزوة ثلاثة وتسعون قتيلا، واستشهد من المسلمين خمسة عشر شهيدًا. وبعد فتح خيبر أرسل صلى الله عليه وسلم إلى يهود فدك، فصالحوا على أن يتركوا له أموالهم ويحقن دماءهم، فأجابهم لذلك. وبعد رجوع المسلمين من خيبر قدم من الحبشة بقية من كان فيها من المهاجرين، منهم جعفر بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري وقومه، بعد أن أقاموا بها عشر سنين. وقد أسلم بعد غزوة خيبر ثلاثة من عظماء الرجال: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعثمان بن طليحة العبدري.

صوت الحق
25-06-2008, 12:35 PM
العنـــــوان:

غزوة ذات الرِّقَاع
قام النبي صلى الله عليه وسلم بعدة حملات تأديبية لأعراب نجد الذين كانوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين آونة وأخري‏. ولم يكن يجمع هؤلاء البدو بلدة أو مدينة، ولم يكونوا يقطنون الحصون والقلاع، فكان هناك صعوبة في فرض السيطرة عليهم وإخماد نار شرهم، ولما تجمعوا للإغارة على أطراف المدينة ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحملة تأديبية عرفت بغزوة ذات الرقاع‏، والأغلب أنها وقعت في شهر ربيع الأول سنة 7 هـ‏، وسميت ذات الرقاع ؛ لأن الصحابة كانت تلف على أرجلها الخرق بسبب الجروح. كان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة، وإذا نظرنا إلى تفاصيل السرايا بعد الغزوة نري أن هذه القبائل من غطفان لم تجترئ أن ترفع رأسها بعد هذه الغزوة، بل استكانت شيئًا فشيئًا حتى استسلمت، بل وأسلمت، وساد المنطقة الأمن والسلام.

صوت الحق
25-06-2008, 12:37 PM
العنـــــوان:

عمرة القضاء
ولما حال الحول على صلح الحديبية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى الحديبية الذين صُدُّوا معه عن البيت عام الحديبية، ليقضوا تلك العمرة التي صُدُّوا عنها حسب عهدة الحديبية، فلما وصلوا إلى مكة خرجت منها قريش ودخلها المسلمون وقضوا عمرتهم، وأقاموا بمكة ثلاثة أيام وانصرفوا إلى المدينة بسلام.

صوت الحق
25-06-2008, 12:38 PM
العنـــــوان:

معركة مؤتة
وهذه المعركة أعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقعت في جمادي الأولي سنة 8 هـ. ومؤتة ‏(‏بالضم فالسكون‏)‏ هي قرية بأدني بلقاء الشام، بينها وبين بيت المقدس مرحلتان‏.‏ وسببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصْرَي‏.‏ فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني ـ وكان عاملًا على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر ـ فأوثقه رباطًا، ثم قدمه، فضرب عنقه‏.‏ وكان *** السفراء والرسل من أشنع الجرائم، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نقلت إليه الأخبار، فجهز إليهم جيشًا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب‏.‏ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا البعث زيد بن حارثة وأوصاهم وأن يدعوا مَنْ هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم، وقال لهم‏:‏ "‏اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا ت***وا وليدًا ولا امرأة، ولا كبيرًا فانيًا، ولا منعزلًا بصومعة، ولا تقطعوا نخلًا ولا شجرة، ولا تهدموا بناء‏"‏‏.‏ وتحرك الجيش الإسلامي في اتجاه الشمال حتى نزل مَعَان، من أرض الشام، مما يلي الحجاز الشمالي، وحينئذ نقلت إليهم الاستخبارات بأن جيش العدو قوامه مائتا ألف مقاتل‏.‏ لم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش الضخم ـ الذي بوغتوا به في هذه الأرض البعيدة لكن استقر رأيهم على الاستمرار فإما النصر وإما الشهادة ، فتحركوا إلى أرض العدو بعد أن قضوا ليلتين في معان ، حتى لقيتهم جموع هرقل بقرية من قرى البلقاء يقال لها‏:‏ ‏"‏َشَارِف‏"‏ ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى مؤتة، فعسكروا هناك، وتعبأوا للقتال، ثم التقي الفريقان .. ثلاثة آلاف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل وتولى زيد بن حارثة إمارة الجيش فأصيب، ثم تولاها جعفر بن أبي طالب فأصيب، ثم تولاها عبد الله بن رواحة فأصيب ثم تولاها خالد بن الوليد فأظهر مهارته ونبوغه في قيادة الجيش ، ونجح في الصمود أمام جيش الرومان طول النهار، في أول يوم من القتال‏.‏ فلما أصبح اليوم الثاني غير أوضاع الجيش، وعبأه من جديد، فجعل مقدمته ساقه، وميمنته ميسرة، وعلى العكس، فلما رآهم الأعداء أنكروا حالهم، وقالوا‏:‏ جاءهم مدد، فرعبوا، وصار خالد ـ بعد أن تراءي الجيشان، وتناوشا ساعة ـ يتأخر بالمسلمين قليلًا قليلًا، مع حفظ نظام جيشه، ولم يتبعهم الرومان ظنًا منهم أن المسلمين يخدعونهم، ويحاولون القيام بمكيدة ترمي بهم في الصحراء‏.‏ وهكذا انحاز العدو إلى بلاده، ولم يفكر في القيام بمطاردة المسلمين ونجح المسلمون في الانحياز سالمين، حتى عادوا إلى المدينة‏.‏ وهذه المعركة وإن لم يحصل المسلمون بها على الثأر، الذي عانوا مرارتها لأجله، لكنها كانت كبيرة الأثر لسمعة المسلمين، إنها ألقت العرب كلها في الدهشة والحيرة، فقد كانت الرومان أكبر وأعظم قوة على وجه الأرض، وكانت العرب تظن أن المجازفة بالدخول معها في قتال يعني هلاك المجازف، فكان لقاء هذا الجيش الصغير مع ذلك الجيش الضخم ثم الرجوع عن الغزو من غير أن تلحق به خسارة تذكر من عجائب الدهر، وكان يؤكد أن المسلمين من طراز آخر غير ما ألفته العرب وعرفته، وأنهم مؤيدون ومنصورون من عند الله، وأن صاحبهم رسول الله حقًا‏.‏ ولذلك نري القبائل اللدودة التي كانت لا تزال تثور على المسلمين جنحت بعد هذه المعركة إلى الإسلام، فأسلمت بنو سُلَيْم، وأشْجَع، وغَطَفَان، وذُبْيَان، وفَزَارَة، وغيرها‏.‏ وكانت هذه المعركة بداية اللقاء الدامي مع الرومان، فكانت توطئة وتمهيدًا لفتوح البلدان الرومانية.

صوت الحق
25-06-2008, 12:40 PM
العنـــــوان:

سرية ذات السَّلاسِل‏‏
لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموقف القبائل العربية ـ التي تقطن مشارف الشام ـ في معركة مؤتة وانضمامهم إلى الرومان ضد المسلمين، بعث "عمرو بن العاص" ليؤدب هذه القبائل ، فخرج عمرو إلا أنه خشي من كثرة عدوه، فأرسل إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم يطلب مددًا، وانحاز إلى ماء يسمى السلاسل حتى يجيئه العون. فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلم جيشًا من المهاجرين الأولين يقوده أبو عبيدة بن الجراح. وأخذ عمرو يطارد القبائل الموالية للروم، فتوغل في بلاد بَليّ، وعُذْرة، وبَلْقَين، وطيء. وكلما انتهى إلى موضع قيل له كان هنا جمع فلما سمعوا بك تفرقوا، وظفر مرة بواحد من هذه الجموع فاقتتلوا، وحمل عليهم المسلمون فهُزموا، وأعجزوهم هربًا في البلاد. ومع أن عَمْرًا دوَّخ أولئك الأعراب وشتّت شملهم؛ إلا أنه لم يلقهم في معركة حاسمة، وعلى أية حال فإن سمعة المسلمين انزاح عنها غبار كثير بهذا.

صوت الحق
25-06-2008, 12:41 PM
العنـــــوان:

فتح مكة
كان من بنود معاهدة الحديبية أن من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، وأن القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين تعتبر جزءًا من ذلك الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من تلك القبائل يعتبر عدوانًا على ذلك الفريق‏.‏ فدخلت خُزَاعَة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وصارت كل من القبيلتين في أمن من الأخري، وقد كانت بين القبيلتين عداوة وتوترات في الجاهلية، فلما جاء الإسلام، ووقعت هذه الهدنة، وأمن كل فريق من الآخر ـ اغتنمها بنو بكر، وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فأغاروا عليها ، وكان ذلك في شهر شعبان سنة 8 هـ ، وساعدتهم قريش بالسلاح والأنفس وقاتلوهم، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من خزاعة وأخبروه بنقض قريش للعهد، فلما أحست قريش بما فعلت جاء منهم أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقوي العهد ويزيد في المدة فلم يجبه إلى ذلك، وتأكد المسلمون من نقض قريش للعهد، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتجهزوا وكتم عنهم الوجه، فاجتمع لذلك عشرة آلاف من المسلمين من المهاجرين والأنصار وطوائف من العرب، وخرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر مضت من شهر رمضان في السنة الثامنة للهجرة، وساروا حتى نزلوا بمرِّ الظهران بقرب مكة بدون أن تعلم قريش بوجهتهم. وقد كان العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرًا إلى المدينة بأهله، فقابله عليه الصلاة والسلام في الطريق فأرجعه معه، وبعث بعياله إلى المدينة. وبينما جيش المسلمين بمر الظهران إذ خرج أبو سفيان ومعه آخران يتجسسون الأخبار، لما كانوا يتوقعونه من عدم سكوت المسلمين على نقض العهد، فظفرت بهم جنود المسلمين، وكان أول من لقي أبا سفيان العباس بن عبد المطلب، فأخذه معه حتى وصل به إلى خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمنه وسلمه للعباس. فلما أصبح أسلم وشهد شهادة الحق، فقال العباس: يارسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئًا، فقال عليه الصلاة والسلام: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. ثم أمر العباس أن يقف بأبي سفيان حيث يسير الجيش حتى ينظر إلى المسلمين، فجعلت القبائل تمر عليه كتيبة كتيبة حتى انتهت، وانطلق أبو سفيان إلى مكة مسرعًا ونادى بأعلى صوته : يامعشر قريش، لقد جاءكم محمد بما لا قبل لكم به. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بـ"الحجون" -وهو جبل بمعلاة مكة-، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل مكة بمن معه من "كُدَي" -وهو جبل بأسفل مكة من جهة اليمن-، ودخل صلى الله عليه وسلم ومن معه من "كداء" -وهو جبل بأعلى مكة-، ونادى مناديه: من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. واستثنى من ذلك جماعة أهدر دماءهم لشدة ما ألحقوا بالمسلمين من الأذى، منهم عبد الله بن سعد بني أبي سرح وعكرمة بن أبي جهل وكعب بن زهير ووحشي قاتل حمزة وهند بنت عتبة زوج أبي سفيان وهبار بن الأسود والحارث بن هشام، وهؤلاء قد أسلموا. وقد صادف جيش خالد بن الوليد في دخوله مقاومة من طائشي قريش فقاتلهم و*** منهم أربعة وعشرين، واستشهد من فرقته اثنان. وأما فرقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تصادف مقاومة، وقد دخل عليه الصلاة والسلام راكبًا راحلته، وهو منحن على الرحل تواضعًا لله تعالى، وشكرًا له عز وجل على هذه النعمة العظمى، وكان ذلك صبح يوم الجمعة لعشر خلت من رمضان. نصبت له عليه الصلاة والسلام قبة في الموضع الذي أشار بأن تركز فيه الراية، فاستراح في القبة قليلا، ثم سار وهو يقرأ سورة الفتح وبجانبه أبو بكر، حتى دخل البيت وطاف سبعًا على راحلته، واستلم الحجر بمحجنه –عصا معقوفة الرأس كالصولجان-، وكان حول الكعبة أصنام كثيرة؛ فكان يطعنها بعود في يده ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل، وما يبدئ الباطل وما يعيد". بعد أن أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافه أمر بالاصنام فأزيلت من حول الكعبة، وطهر الكعبة من هذه المعبودات الباطلة، ثم أخذ عليه الصلاة والسلام مفتاح الكعبة من حاجبها عثمان بن طلحة الشيبي، ودخلها وكبر في نواحيها ، ثم خرج إلى مقام إبراهيم وصلى فيه ، ثم جلس في المسجد والناس حوله ينتظرون ما هو آمر به في شأن قريش، فقال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا: خيرًا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". وردَّ مفتاح الكعبة لخادمها، ثم خطب في الناس خطبة أبان فيها كثيرًا من أحكام الدين، وبعد أن أتمها شرع الناس يبايعونه على الإسلام ، فأسلم كثير من قريش. وممن أسلم في ذلك الوقت معاوية بن أبي سفيان ، وأبو قحافة والد الصديق ، وأسلم بعض من أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه في ذلك اليوم، وبايع فقبلت بيعته ، وبعد أن تمت بيعة الرجال بايعه النساء. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أن يؤذن على ظهر الكعبة، وكانت هذه أول مرة ظهر فيها الإسلام على ظهر البيت. وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها تسعة عشر يومًا، أرسل في أثنائها خالد بن الوليد في ثلاثين فارسًا لهدم هيكل (العُزَّى) ، وهو أكبر صنم لقريش، وأرسل عمرو بن العاص لهدم (سواع) وهو أعظم صنم لهذيل ، وبعث آخر لهدم (مناة) وهي صنم لخزاعة.

صوت الحق
25-06-2008, 12:43 PM
العنـــــوان:

غزوة حُنَين
بعد فتح مكة دانت للإسلام جموع العرب، ودخلوا في دين الله أفواجًا. غير أن قبيلتي هوازن وثقيف أخذتهم العزة والأنفة وتجمعوا لحرب المسلمين في مكة، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لهم في اثني عشر ألف مقاتل ، فلما وصل جيش المسلمين إلى وادي حنين كان العدو كامنًا في شعابه، فقاموا على المسلمين قومة رجل واحد قبل أن يتمكن المسلمون من تهيئة صفوفهم ، فانهزمت مقدمة جيش المسلمين ، وكاد جيش المسلمين يتفرق مع كثرة عدده ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس أن ينادي في جيش المسلمين بالثبات ، فاجتمعوا واقتتل الفريقان ، ولم تمض ساعات حتى انهزم الأعداء هزيمة شديدة ، وقد *** من ثقيف وهوازن نحو سبعين، وغنم المسلمون ما كان مع العدو من مال وسلاح وإبل. ثم توجه رسول الله صلى عليه وسلم إلى ثقيف بالطائف فحاصرها مدة ولم يفتحها ، وبعد رجوعه منها أتاه وهو بـ"الجعرانة" وفود من هوازن يلتمسون منه رد نسائهم وأبنائهم الذين سباهم المسلمون، فقال عليه الصلاة والسلام: ما كان لي ولبني عبد المطلب فقد رددته إليكم. فقال المهاجرون والأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فرُدَّت إلى هوازن نساؤهم وأبناؤهم. ثم قام عليه الصلاة والسلام من الجعرانة إلى مكة معتمرًا، فأدى العمرة وعاد بعد ذلك إلى المدينة ، فوصلها لست بقين من ذي القعدة.

صوت الحق
25-06-2008, 12:45 PM
العنـــــوان:

غزوة تبوك
أقام عليه الصلاة والسلام بالمدينة إلى منتصف السنة التاسعة للهجرة، ثم بلغه أن الروم يتجهزون في تبوك لحربه بعد ما كان بينهم وبين المسلمين في حادثة مؤتة، فتجهز عليه الصلاة والسلام لغزوهم في ثلاثين ألف مقاتل ، وكان المسلمون إذ ذاك في زمن عسرة وجدب، فلم يعقهم ذلك عن التأهب لقتال الأعداء ، وتصدق أبو بكر لذلك بجميع ماله؛ وعثمان بن عفان بمال كثير، فخرج عليه الصلاة والسلام حتى وصل تبوك فلم يجدهم بها، فأقام بضع عشرة ليلة، ثم عاد إلى المدينة، وهذه آخر غزواته صلى الله عليه وسلم.

صوت الحق
25-06-2008, 12:46 PM
العنـــــوان:

عام الوفود
كانت الدعوة إلى الإسلام في مبدئها سرًا وخفية، ولم يدخلها إلا أفراد قليلون، وبعد الجهر بالدعوة أخـذ عددهم يزداد قليلًا قليلًا، إلى أن أُذِنَ له صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، فازداد عددهم بدخول عرب المدينة ومن حولها في الدين أفرادًا وجماعات، ولكن الدعوة لم تصل إلى الدرجة المطلوبة من الانتشار والعموم حتى تم صلح الحديبية بين قريش والمسلمين، فكان ذلك الصلح سببًا كبيرًا من أسباب فشوّ الدعوة وعمومها حيث أمنت الطرق وتمكن الرسول عليه الصلاة والسلام من إرسال الرسل والكتب إلى الملوك والأمم والقبائل ، ثم تم الأمر بفتح مكة ودخول أعاظم قريش في الإسلام، وانتشار القرآن بأسلوبه البديع وحكمه البالغة المؤثرين في عقول العرب بما جعلهم يَفِدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أفواجًا، وقد كان أكثر ذلك في السنة التاسعة للهجرة. فمن ذلك وفد (ثقيف) جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عقب مقدمه من تبوك يريدون الإسلام ، وطلبوا أشياء أباها عليهم وأشياء أعطاها لهم. ووفد (نصارى نجران) ، وهؤلاء لم يسلموا بل رضوا بدفع الجزية. ووفود (بني فزارة) قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين. ووفد (بني تميم) جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أشرافهم ، وبعد تبادل الخطب وإنشاد الشعر بين خطبائهم وشعرائهم وخطباء المسلمين وشعرائهم أسلموا وعادوا إلى أوطانهم. ووفد (بني سعد بن بكر) يؤمهم ضمام بن ثعلبة ، الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أسئلة كثيرة وأجابه عنها ، فأسلم وعاد إلى قومه فما بقي منهم أحد إلا أسلم من يومه. ووفد (كندة) في مقدمته الأشعث بن قيس ، وقد أسلموا بعد أن سمعوا أوائل سورة الصافَّات. ووفد (بني عبد القيس بن ربيعة) وكانوا نصارى فأسلموا جميعًا. ووفد (بني حنيفة بن ربيعة) فأسلموا ، وكان فيهم مسيلمة بن حنيفة، الذي لقب بالكذاب لادعائه النبوة بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدار الآخرة. ووفد (طيء من قحطان) يقدمهم زيد الخيل، وقد أسلموا جميعًا. ووفد (بني الحارث بن كعب) فيهم خالد بن الوليد جاءوا مسلمين. ووفود آخرون من قبائل شتى من (بني أسد) و (بني محارب) و(همدان) و(غسان) وغيرهم ، منهم من جاء مسلمًا ، ومنهم من جاء للإسلام وأسلم، ورسل من ملوك حمير وغيرهم، جاءوا يخبرون بإسلامهم. وهكذا دخل الناس في دين الله أفواجًا ، حتى بلغ من كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة أكثر من مائة ألف، والذين لم يحضروا حجة الوداع من المسلمين كانوا أكثر من ذلك.

صوت الحق
25-06-2008, 12:48 PM
العنـــــوان:

حجة الوداع
بعد أن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه في ذي القعدة إلى مكة سنة تسع من الهجرة ليحج بالناس ، وفي أواخر ذي القعدة من السنة العاشرة قام عليه الصلاة والسلام إلى مكة في جمع عظيم، وأحرم للحج عندما سارت به راحلته وقال: لبيك الله اللهم لبيك . لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك. ولم يزل سائرًا حتى دخل مكة ضحوة يوم الأحد لأربع خلون من ذي الحجة ، وكان دخوله من ثنية "كداء" ، فطاف بالبيت سبعًا ، واستلم الحجر الأسود ، وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم ، وشرب من ماء زمزم ، وسعى بين الصفا والمروة سبعًا راكبًا على راحلته ، وفي الثامن من ذي الحجة توجه إلى "منى" فبات بها ، وفي التاسع منه توجه إلى "عرفة" وخطب خطبته المشهورة بخطبة الوداع. ابتدأها بعد الثناء على الله تعالى بقوله: "أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا"، ثم قال: "أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها"، ثم قال: "أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقًا ولكم عليهن حقًا ، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم ، ولا يُدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يأتين بفاحشة. أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ، فلا ترجعُنَّ بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله. ألا هل بلغت ، اللهم اشهد"، ثم قال: "أيها الناس إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. أكرمكم عند الله أتقاكم. ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى. ألاهل بلغت ، اللهم اشهد ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب". وقد اشتملت هذه الخطبة العظيمة على غير ذلك من أحكام الله تعالى وحدوده. وقد أنزل الله عليه في ذلك اليوم قوله سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا) [المائدة: 3]. وبعد أن أدَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك الحج: من رمي الجمار والنحر والحلق والطواف ، أقام بمكة عشرة أيام ثم عاد إلى المدينة.

صوت الحق
25-06-2008, 12:50 PM
العنـــــوان:

مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته
في أوائل صفر من السنة الحادية عشرة للهجرة مرض النبي صلى الله عليه وسلم بالحمى، واستمر ثلاثة عشر يومًا يتنقل في بيوت أزواجه ، ولما اشتد عليه مرضه استأذن منهن أن يتمرض في بيت عائشة فأذنَّ له، ولما تعذر عليه الخروج إلى الصلاة قال: "مروا أبا بكر فليصلّ بالناس" ، ولما رأى الأنصار اشتداد مرضه أطافوا بالمسجد قلقين ، فخرج إليهم عليه الصلاة والسلام معصوب الرأس، متوكئًا على عليّ والفضل يتقدمهم العباس ، حتى جلس وأحاط به الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم. هل خلد نبي قبلي فيمن بعث الله فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق بهم وإنكم لاحقون بي ، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرًا وأوصى المهاجرين فيما بينهم" إلى أن قال :"ألا وأني فَرَط لكم (أي: سابق) وأنتم لاحقون بي ، ألا فإن موعدكم الحوض ، ألا فمن أحب أن يَرِده علي غدا فليكف يده ولسانه إلا فيما ينبغي". وبينما المسلمون في صلاة الفجر يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول؛ وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بهم؛ إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة رضي الله عنها ، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة وتبسم، فظن أبو بكر أن رسول الله يريد أن يخرج للصلاة فتقهقر إلى الصف، وكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم فرحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر، ثم حضرته الوفاة ورأسه الشريف على فخذ عائشة رضي الله عنها، فقال: "اللهم في الرفيق الأعلى"، ولم تأت ضحوة ذلك اليوم حتى فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحياة الدنيا ولحق بربه عز وجل. ولم يكن أبو بكر رضي الله عنه موجودًا في ذلك الوقت بالقرب من منزل عائشة، فلما حضر وأخبر الخبر دخل بيت عائشة وكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل يقبله ويبكي ويقول : صلوات الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حيًا وميتًا. ثم خرج إلى الناس وقال: ألا إن من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ثم مكث عليه الصلاة والسلام في بيته بقية يوم الاثنين وليلة الثلاثاء ويومه وليلة الأربعاء، حتى انتهي المسلمون من إقامة خليفة لهم، وتفرغوا لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه، فغسله علي بن أبي طالب بمساعدة العباس وابنيه الفضل وقثم وأسامة بن زيد وشقران مولَيَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كُفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة ، ووُضع على سريره في بيته، فدخل الناس يصلون عليه فرادى لا يؤمهم أحد ، ثم حفر اللحد في موضع وفاته من حجرة عائشة ورُش بالماء، وأنزله فيه علي والعباس وولداه الفضل وقثم، وقد رفع قبره الشريف عن الأرض قدر شبر. وقد بلغ عمره الشريف ثلاثًا وستين سنة، مكث منها بمكة ثلاثة وخمسين سنة، وبالمدينة المنورة عشر سنين، صلى الله عليه وسلم.

صوت الحق
25-06-2008, 12:55 PM
تمت بفضل من الله سبحانه وتعالى
وباذن الله سوف أوالى سلسلة أسلامية
ربنا يتقبل هذا العمل خالص لوجهه الكريم
اللهما صلى على سيدنا محمد وعلى أهله وصحبه أجمعين..
منقولة من دار الأفتاء المصرية
مع أرق التحيات
صوت الحق
25/6/2008

الاهلاوى 2007
26-06-2008, 02:17 PM
يسعدنى ويشرفنى ان اكون اول المهنئية على هذا العمل الجليل
الف شكر على هذا المجهود واتمنى التثبيت لكى تتم الفائدة للجميع

صوت الحق
02-07-2008, 09:06 PM
يسعدنى ويشرفنى ان اكون اول المهنئية على هذا العمل الجليل
الف شكر على هذا المجهود واتمنى التثبيت لكى تتم الفائدة للجميع
بارك الله فيك ابنى الغالى
وربنا يتقبل هذا العمل لوجه الكريم يارب

Mohamed_AmeesH
02-07-2008, 09:31 PM
جزاك الله كل خير

صوت الحق
16-07-2008, 09:08 AM
جزاك الله كل خير
ولك مثل ما قلت
الف شكر على المرور العطر

MohammeD el_SadaT
16-07-2008, 09:29 AM
جزاك الله يا أستاذ عصام
و
جعله الله لك فى ميزان حسناتك
إن
شاء الله
بجد مجهود رائع بارك الله لنا فى حضرتك
و
جعلك الله من السباقين إلى الخير دائماً وأبداً

bob92
16-07-2008, 10:28 AM
جزاك الله عنا أحسن الجزاء وصلى اللهم على سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم

بنت دمنهور
18-11-2009, 06:33 PM
تنشيط لوجود اخر مكرر
جزاكم الله خير الجزاء