مشاهدة النسخة كاملة : نهاية التاريخ ............نهاية العالم


رونالدينهوو
23-09-2008, 02:16 PM
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
كتاب لفضيلة الشيخ/سلمان بن فهد العوده
ويقول فى كتابه:
سلامُ الله تعالى عليكم و رحمتُه و بركاتُه أجمعين
هذه الَّليلة ، هي ليلُة الاثنينِ السَّادسِ من شهرِ ربيعِ الأوَّلِ مِن
سنة ١٤١٤ ه من هجرةِ اُلمصطفى عليه الصَّلاة و السَّلام .
و هذا الدرسُ هو السَّادسُ و التِّسعون من سلسلةِ الدروسِ
العلميَّةِ العامَّةِ و عنوانُهُ ( ﻧﻬايَةُ التَّاريخ ) .

نعم
! ﻧﻬايُة التَّاريخ ! وهذا العنوان مستعارٌ من كتابٍ أحدث

ضجًة كبيرة ، ُ طبِع في أمريكا و وُزِّعَ في أنحاء العالم و تُرجِمَ إلى
اللغاتِ الحيَّة بما في ذلك الُّلغة العربيَّة.
مؤلِّفُ الكتابِ رجل يابانيُّ الأصل أميركيُّ الجنسيةِ و المولِد ،
اسمُهُ فرانسيس فوكوياما ، أما المترجِمُ العربيُّ فهو د. حسين
الشَّيخ ، و قد ُ طبِعَت الترجمُة العربيُة للكتاب في دار العلومِ
العربيَّةِ في بيروت ، في ُقرابةِ ثلاثمائةِ صفحَة .
و قد ُأتيحَ لي أن أقرَأ مجموعًة من التَّحاليل و التَّقاريرِ و
الدِّراساتِ حو َ ل هذا الكتاب ، ثم أن أطَّلِعَ عليه بترجمته العربيَّة .
فكرُة هذا الكتاب
( ﻧﻬاية التاريخ ) فكرٌة بسيطٌة إلى حد

السذاجة كما يقول أحدُ المحلِّلين ، و هي تعتمدُ على أنَّ المؤلفَ
يقول وهو يحتفل بسقوط الشيوعية واﻧﻬزامها ودفنها : إنَّ
الديموقراطيَة الغربيَة قد انتصرَتْ ، و انتصرَتْ معها أمريكا و
الغرب ، ولم يعد أمامَ العاَلم ما ينتظرونه من جديد ، لقد حدث
الجديدُ فعلا ، و هو اﻧﻬيار الماركسية وتفكك الاتحاد السوفييتي و
انتشار الديموقراطيِّ الليبراليِّ الحرِّ في العاَلم ، بما في ذلك الدول
الشرقيَّة التي كانت تابعًة للمنظومة الشيوعية ، ولهذا فقد أُغلقَ
بابُ التاريخ فلا جديدَ بعدَ اليومِ إلاَّ في حدودِ بعض الإصلاحاتِ
و التغييراتِ الطَّفيفةِ هنا أو هُناك .
هذه فكرة الكتاب
!

يقول المؤلف
: " ليس هناك آديولوجية أو عقيدة يمكن أن تحلَّ

محلَّ التحدِّي الديموقراطيِّ الغربيِّ الذي يفرض نفسَهُ على الناس ،
لا اَلمَلكية ،ولا الفاشيَّة ولا الشيوعيَّة ولا غيرِها .
حتى أولئك الذين لم يؤمنوا بالديموقراطيَّة و لم يتبنوها كمنهاجٍ
ُ لحكمِهِم أو حياتِهِم أو عملِهِم ، سوف يَضطرُّون إلى التحدُّث
بلغةٍ ديموقراطيَّةٍ ، ومجاملة التيار من أجل تبريرِ الانحراف و
الدكتاتوريَّة و التسلُّطِ الذي يمارسونه " .
أمَّا الإسلام ، فإنَّ المؤلِّفَ يتحدَّث عنه بلغةٍ مختلفةٍ بعضَ الشيء ،
فهو يقول : " يمكن أن نستثني الإسلامَ من هذا الحكمِ العامِّ وهذا
الكلام ، فهو دينٌ متجانس ، دينٌ منتظم ، و هو قد هزم
الديموقراطيَةفي أجزاءٍ كثيرةٍ من العالم الإسلاميِّ ، و شهدَتْ
ﻧﻬايَة الحرب الباردة بين الغرب و الشرق تحديًَّا سافرًا للغربِ على
يَدِ العراق".
فهو إذن يعتبرُ التحدِّي العراقيِّ يتضمَّنُ تحديًَّا إسلاميًَّا باعتبار
الموروثاتِ الإسلاميةِ في منطقةِ الشرقِ الأوسط .
هذا الدين الإسلاميُّ
– يقو ُ ل المؤلف – : " على رغم جاذبيتِهِ

العالميةِ و قوتِهِ إلا أنه ليس له جاذبيٌة خارجَ المناطقِ ذاتِ الثقافة
الإسلامية ، فالشباب مثلا في برلين أو طوكيو أو موسكو أو
واشنطن لا يجذﺑﻬم الإسلام ، و إن كان يؤمن به أعدادٌ من الذين
يعانون ظروفًا صعبًة أو من السَّاخطين على الأوضاعِ العامَّةِ هنا
أو هناك ".
إذن يقول
: " أصبح من الممكن أن نخترقَ العاَلمَ الإسلاميَّ

بالأفكارِ التحرريةِ الغربيةِ ، و أن نكسبَ أنصارًا داخل المسلمين
مِمَّن يؤيدون الليبراليََّة الغربيََّة أو العلمنَة الغربيَّة " .
هذا التوقُّعُ الذي طرحَهُ المؤلِّفُ في كتابه
( ﻧﻬايُة التاريخ ) هو

مجرَّدُ حلمٌ لذيذ ، أو توقُّعٌ محتمَل على أحسنِ الأحوالِ في ظنِّه !
أما الآخرون فيقولون خلافَ ذلك ، فإنَّ هذا الكلام الذي قاله،
قاله من قبله هتلر حينما تحدَّث عن الرايخ الثَّالثِ الَّذي سيعيشُ
ألفَ عامٍ على حدِّ زعمه ! ولكن هذا التوقُّع اصطدم بالواقعِ
المخالفِ تمامًا لما يقول .
ومثل ذلك الماركسيَّة التي كانت تتحدث عن انتصار اليوتوبيا و
قيامِ جنَّةٍ دنيويةٍ و فردوسٍ ينتظم العاَلمَ كلَّه تحت ظل الشيوعية ،
فإذا بالشيوعية لا تعيشُ أكثرَ من سبعين سنةٍ و هي عمرُ إنسانٍ
عاديّ ليست عمرَ دولةٍ أو أمَّةٍ أو معتَقد ، ثم في ظلِّ السنوات
القصيرة يعيش العاَلم الشرقيُّ تحت الشيوعية حياة بئيسًة كئيبًة .
و مثل ذلك نبوءة شفلنجر عن اﻧﻬيارِ الغَرب
.

إذن هي مجرد ظنونٍ أو أوهامٍ أو أحلامٍ لذيذةٍ مخدِّرةٍ يتوقعها
هؤلاء الكاتبون .
و كما ذكرتُ ، فقد أشار وأثار هذا الكتابُ زوبعًة كبيرًة ،
وكتبَتْ عنه مئاتُ الصُّحُفِ في أمريكا وبريطانيا وفرنسا ،
وكتب عنه كاتبون كثيرون ، بعضهم قسس و بعضهم مفكِّرون
اجتماعيُّون أو سياسيُّون انتقدوا هذا الطرح الأمريكي المتطرِّف
واعتبروا أن الكاتبَ بسيط إلى حد السَّذاجةِ و أنَّ ما قاله لا يعدو
أن يكون احتفالا بسقوطِ الشيوعيَّة و لا يملك مقوِّمات النظريَّة
العلميَّة الصحيحة .
سؤال
: ماذا يعني سقوط الحضارةِ الغربيَّةِ ؟ أو الحضارةِ

الأمريكيَّةِ على وَجهِ الخصُوصِ؟ ماذا يعني تحديدًا ؟؟
البعض يتصورون مثلا أنَّنا حين نتحدث عن سقوطِ الغربِ أو
أمريكا أو الحضارةِ الغربيِّة ، يعنون معنىً عامًَّا شاملا يترتَّبُ عليه
تدميرُ جميعِ المنجَزَاتِ الحضاريَّةِ ، وعودَة الإنسانِ كما يقولو َ ن
إلى العصورِ البدائيَّةِ بعيدًا عن كلِّ ما تمتَّع به في هذا العصر !
هناك مثلا طرحٌ
.. عبارٌة عن فيلم اسمُهُ ( مقاتل على الطريق )

لجورج ميلر ، هذا الروائيُّ يتنبَّأ ﺑﻬذه النهايةِ المرعبَةِ للعاَلمِ الغرْبِيّ
، والبؤسِ الذي سوف يلفُّ العاَلمَ هناك ، ويقضي على كلِّ
المنجزاتِ الحضاريَّةِ التي يتمتَّع ﺑﻬا الناسُ اليومَ سواءً من
الاتصالاتِ المختلفةِ أو المتعةِ أو الرفاهيةِ أو النَّقلِ أو الكهرباءِ أو
غيرِ ذلك .
وهكذا رواياتُ الخيالِ العلميَّ كما يسموﻧﻬا ، التي تصوِّرُ تدميرَ
الحضارةِ التكنولوجيَّة الحديثة والعودَة المفاجئَة للعصورِ البدائيَّة .
ولذلك فإن البعضَ يُبدون انزعاجًا من الحديثِ عن سقوطِ
الغرب ، لأﻧﻬم يظنون أنَّ سقوط الغربِ سوف يترتَّبُ عليه زوال
هذه الفُرَصِ و الامكانياتِ التي يتمتَّعون ﺑﻬا ، حتى إني قرأت
لكاتبٍ إسلاميٍّ في جريدةِ ( الحياةِ ) يقول : " ينبغي ألاَّ نطرحَ
هذا الأمرَ بتفاؤلٍ ، لأنَّ هذه الأشياءَ مصلحٌة مشتركٌَة بين الأمم
كلِّها ".
و هذا في الواقع ليس مقصودًا لنا حينما نتحدث عن سقوطِ
الغرب أو سقوطِ أمريكا ، و إن كان هذا مطروحًا لدى بعض
الغربيين ، فهناك جماعاتٌ من العلماءِ المتخصِّصين يتوقعون
أحوال سيئًة سوف تكون إليها البشريُة حتى و إن كان هناك
نظرٌة متفائلٌة ومثاليٌُّة للمستقبل قبل عشراتِ السنوات ، كانت
هي السائدة .
حينذاك كتَبَ فيلسوفٌ ألماني اسمُهُ سبيكر ، كتابًا عن تدهورِ
الحضارةِ الغربيَّةِ و توقَّعَ مستقبلا مظلِمًا للغرب و للعاَلمِ كلِّه من
وراء الغرب .
ثم جاء العالِمُ الانجليزي جورج اروين و كتب كتابًا اسمُهُ
( العاَلم

عام ٨٤ ) ، وكان كاتبًا متشائمًا و توقَّعَ أوضاعًا سيئًة لكنَّ
الواقعَ كان أكثرَ تشاؤمًا منه ، فإنَّ الأوضاعَ التي مرَّ ﺑﻬا العاَلمُ
عام ٨٤ و ما بعدَه كانت أكثرَ سوءًا وسوداويًة وقتامًة مما
تصوَّرَه أو ظنَّهُ ذلك العالِمُ الانجليزي .
ثم كتب الفيلسوفُ الإنجليزي الآخرُ أيضًا هولن ويلسون سقوط
الحضارةِ الغربيةِ ضمنَ منظومةٍ متسلسَِلةٍ من البحوثِ و الكُتُبِ و
الدراساتِ القديمةِ ،التي كانت تتحدَّث عن سقوطٍ وشيكٍللعاَلمِ
الغربيِّ .
هناك أيضًا علماءُ الَفَلكِ في هذا الزمان ، الذين يكتبون ﻧﻬاياتٍ
مفزِعَةٍ عن الكونِ بسببِ زيادةِ طاقةِ الشمسِ و حرارتِها مثلا ،
وتمزُّقِ أو وجود ثقبٍ ضخمٍ لطبقةٍ عُليَا معروفةٍ يسموﻧﻬا ( طبقَة
الأوزون ) ويقولون : إنَّ هذا الثقب ، إذا ظلَّ يكبرُ بالمعدَّلاتِ
التي تحدُث الآن فإنه سوفَ يترتَّبُ عليه أخطارٌ ﺗﻬدِّدُ الحياَة
البشريََّة كلَّها، منها مثلا زحفُ الماءِ على الكرةِ الأرضيَّةِ و تغطيةِ
مُدُنٍ بأكملِها و غمرِها بالمياه ، وابتلاعُ هذه المدن بسكانِها و
إمكانياتِها ، وتلوث البيئةِ والجوِّ وانتشارُ أمراضٍ منها سرطان
الجلدِ ، إلى أشياءَ أخرى كثيرةٍ مترتِّبةٍ على هذا الخطرِ الذي
يُسمَّى ثقبُ الأوزون .
علماءُ الطبِّ أيضًا يتحدَُّثون بنفسِ النظرةِ و يتكلَّمون عن
الأخطارِ و الأمراضِ التي سوف تحدُ ُ ث للبشريَّةِ من جرَّاءِ هذا
الثقبِ الذي أصبَحَ مرئيًَّا وملاحظًا الآن وهو يتزايدُ بسببِ كثافةِ
الاستهلاكِ التصنيعيِّ خاصًَّة في الدولِ الغربيَّة .
إضافًة إلى ذلك فعلماءُ الطبِّ يدقُّون نواقيسَ الخ َ طرِ من الأمراضِ
التي أصبحَتْ تفتِكُ بالبشريَّة ، لم يَعُد مَرَضُ السَّرَطَان هو
أخطرُها ، بل أصبحَ مرضُ الإيدز الذي ضحاياه يعدَّون بعشراتِ
الملايين ، وحاملو الجراثيمِ مئاتُ الملايين ،ويُتوقَّعُ أن تزدادَ النسبُة
بكثرةٍ في السنواتِ القادمة ، ويقفُ الطبُّ عاجزًا عن إيقافها ،
وهذا يهدِّدُ السلالاتِ البشريََّة ويهدِّدُ الحياَة على وجهِ الأرض .
أما علماءُ البيئةِ فهم يرسمون صورًة مكبَّرًة لما حدث في المعمل
النوويِّ في الاتِّحادِ السوفييتي ، اسمه ( تشرنوبل ) و قد تسرَّبَ
من هذا المعمل بعضُ الإشعاعات النوويَّةِ فدمَّرتِ الحياَة هناك
وأثَّرَتْ وَقتََلتْ وغيَّرَتْ أشياءَ كثيرًة وانتقلتْ آثارُها عبرَ
مأكولاتٍ وفواكه وخضروات وغيرِها إلى العاَلمِ العربيِّ و
الإسلاميِّ ،بل إلى العاَلمِ كلِّه .
فهم يقولون مثلا
: ماذا لو حدث زلزال في َأحَد المواقع التي تُقامُ

عليها مفاعلاتٌ أو معامل نوويَّة ؟ و ترتَّبَ على ذلك تسرُّبٌ
خطيرٌ في هذه المواد و الإشعاعات القاتلةِ للناس ؟
بل ماذا لو حدث حربٌ نوويَّة أو حربٌ جرثوميَّة بين دولتين من
دول العالم ؟
إذن لكان ذلك يمتدُّ أَثرُهُ و ضرُرُه إلى مواقعَ كثيرة !
بل ماذا لو تملَّكتْ بعضُ ما يسموﻧﻬا بالجماعاتِ الارهابيةِ أو
عصاباتِ المافيا، أو اﻟﻤﺠموعاتِ التخريبيَّةِ في العاَلم ، و بطبيعةِ
الحالِ أنا لا أقصدُ ﺑﻬذا المسلمينَ إنَّما يُقصد بشكلٍ عامٍّ تلك
الجماعاتُ التي تتاجرُ بكلِّ شيءٍ في الشرقِ و الغربِ ، وهي
جماعاتٌ إرهابيٌَّة همُّها تحصيل المالِ و الثراءِ و الكسب ، ماذا لو
تملَّكتْ بعضُ هذه العصابات السلاحَ النوويَّ ؟!
فضلا عن أن المصانعَ و النفاياتِ و الإشعاعات النوويََّة التي تُدفنُ
غالبًا في بلادِ المسلمين أو تُصدَّرُ بطريقةٍ أو أخرى ، حتى أنَّ آخرَ
ذلك أنَّ الصومال وُضِعَ في مياهها بعضُ النِّفايات النوويَّة ، وهذا
يهدِّدُ الحياَة البشريََّة على وجهٍ آَخَر .
إذن هؤلاء يتوقعون ﻧﻬايًة حادًَّة وحاسِمًة للحياةِ البشريَّةِ ، وأن
سقوط الحضارةِ لا يعني فقط تأخُّرًا أو تراجُعًا بقدرِ ما يعني
ﺗﻬديدًا للحياةِ البشريَّةِ على وجه الأرض أو على الأقل ﺗﻬديدًا
للمنجزاتِ الحضاريَّةِ التي يتمتَّعُ ﺑﻬا الإنسان في العاَلمِ كلِّه .
و هؤلاء العلماءُ يتَّفُقون على أنَّ العاَلمَ يسيرُ إلى كارثةٍ محقََّقةٍ لا
مهرَبَ منها .
يقول مث ً لا كاتبٌ رومانيٌّ شهير
: " إنَّ محاولَة إنقاذِ العاَلمِ حينئذٍ

هي مث ُ ل محاولةِ الفئرانِ أن ﺗﻬربَ من سفينةٍ على وشكِ الغرق ،
ﺗﻬرب نعم من السفينةِ لكن لتغرقَ في البحر ،فهي بين حرق أو
غرق! ".
هذه التوقعاتُ أو الظنون مع أﻧﻬا الآن لا تؤخذ بعينِ الجديَّةِ إلا
أنَّه يُنظرُ إليها على أنَّها من الطرائفِ العلميَّة ، و مع ذلك يجبُ
ونحن نتحدث عنها ،أن نتنبَّهَ إلى خمسةِ نقاط :
أو ً لا
: هذه الأشياءُ هي احتمالاتٌ قائمٌة وواردٌة ، وليست أمورًا

في دائرةِ المستحيلِ وغيرِ اُلممكِن ، والمعتادُ أن مراكزَ التَّحليلِ
الغربيَّةِ تضعُ لكلِّ احتمالٍ حسابًا ، فينبغي أن توضعَ هذه الأشياءُ
في الاعتبارِ و ألا تُستبعدَ استبعادًا كليًَّا أو ﻧﻬائيًَّا .
ثانيًا
: من المعلومِ أن ثمََّة حضاراتٍ كثيرةٍ سادت ثم بادت ، وقد

ذكر اللهُ تعالى لنا في القرآنِ الكريمِ أخبارَ أُمَمٍ كثيرةٍ مكَّنَ اللهُ
تعالى لها وبوََّأهَا في الأرضِ ثم حَكمَ عليها بالهلاكِ و الفناءِ فلم
يُغنِ عنهم بأسُهُم من عذابِ اللهِ تعالى شيئًا .
قال اللهُ تعالى
: {َفكَأيِّن مِّن َقرْيَةٍ َأهَْلكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمٌَة َفهِيَ

خَاوِيٌَة عََلى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطََّلةٍ وََقصْرٍ مَّشِيدٍ ٤٥ َأَفَلمْ يَسِيرُوا
فِي الَْأرْضِ َفتَكون َلهُمْ قُلُوبٌ يَعْقُِلوَن بِهَا َأوْ آذَاٌن يَسْمَعُون بِهَا
َفإِنَّهَا َلا تَعْمَى اْلَأبْصَارُ وََلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ٤٦
وَيَسْتَعْجُِلونَكَ بِالْعَذَابِ وََلن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ
رَبِّكَ كَألْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون ٤٧ وَكَأيِّن مِّن َقرْيَةٍ َأمَْليْتُ َلهَا
وَهِيَ ظَالِمٌَة ُثمَّ َأخَذتُهَا وَإَِليَّ الْمَصِيرُ ٤٨ } .الحج .
تأمَّ ْ ل
! أو ً لا {وَكَأيِّن} ، قرى كثيرٌة كانت ممكَّنٌَة وذاتُ حضارةٍ

وآبارٍ وقصورٍ مشيدةٍ وقوَّةٍ وعروشٍ ثم خَوَتْ على عروشِها
وعُطَِّلتْ آبارُها و قصورُها المشيدة .
فهذا الأمرُ عبرٌة للذين يعقلون ويدركون سُنَنَ اللهِ تعالى في عبادِهِ
أفرادًا وأُمَمًَا وجماعاتٍ ولا يغفل عن هذهِ العِبَرِ إلاَّ أولئكَ العميان
الذين ليسَ لهم قلوبٌ يعقلون ﺑﻬا !
ثم هم يستعجلون بالعذابِ فيقولون
:

متى ذلك ؟
! هاهو العالم الغربيُّ ممكَّنًا منذ عشراتِ السنين و أنتم

تقولون سََقط الغربُ سَقط الغرب ! ونحن لا نرى الغربَ إلا
يزداد قوًة و رسوخًا و تمكُّنًا و تغلغلا و سيطرًة على العلمِ و
بعضُهُم يقول و على الطبيعةِ ! فأين أقواُلكم و زعومُكم التي
ملأتم ﺑﻬا آذاننا على حينِ أن الغربَ لا يزال يتمكنُ يومًا فيومًا !!
ونقول
:

قال الله تعالى
: {وَيَسْتَعْجُِلونَكَ بِالْعَذَابِ وََلن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ

.{
وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ َكَألْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون ٤٧

ثم هذا التمكينُ الذي يعيشونه هو مرحلُة الإملاءِ و الإمهالِ
،{وأملي لهم إن كيد متين } ، { وَكَأيِّن مِّن َقرْيَةٍ َأمَْليْتُ َلهَا
! {
وَهِيَ ظَالِمٌَة ُثمَّ َأخَذتُهَا وَإَِليَّ الْمَصِيرُ ٤٨

فأيُّ ظُّلمٍ أعظمُ من الظُّلمِ الذي يعيشه الغربُ اليومَ وهو يكيل
بمكيالين و يزن بميزانين في قضايا كثيرةٍ جدًا معلومة .
ثالثًا
: ثمة نصوصٍ شرعيَّةٍ و أحاديث نبويَّةٍ عن النبي صلى الله

عليه و على آله وسلم توحي وتدلُّ على أنَّ العالم سوفَ يعودُ
إلى العصورِ البدائيَّةِ في آخرِ الزمان ، و سوف يُستخدمُ السلاحُ
الأبيضُ ، فمثلا في صحيح مسلمٍ لما تكلَّمَ النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم عن الملاحمِ الكبرى التي تقع قُرْبَ الساعةِ وقبل
ظهورِ المسيحِ الدجَّالِ ، ذكر النبي صلى الله عليه و على آله و
سلم الفرسان الذين يفتحون القسطنطينيَة ويعلِّقون سيوَفهم على
شَجَرِ الزيتون ، إذن فهم يحملون السيوفَ !
و قال
: " إني لأعرفُ أسماءَهم و أسماءَ آبائهم و ألوا َ ن خيولهم "

، إذن فهم يقاتلون حسبَ ظاهرِ النصِّ النبويِّ عبرَ الخيول ،
ويحملون السلاحَ الأبيض ، يحملون السيوفَ و الخناجرَ و نحوَها
ويقاتلون ﺑﻬا .
و هذا قد يدلُّ و الله تعالى أعلم على أن ما توقَّعَهُ العلماءُ و
الخبراءُ من نكسةٍ للحضارةِ الغربيَّةِ أمرٌ واردٌ و واقعٌ !
قل متى ؟ الله تعالى أعلم
! بعد عشر سنين .. أو مائة سنة .. أو

مائتي سنة .. أو ثلاثمائة أو أق ّ ل أو أكثر ، هذا مما لا يطيق البشرُ
له تحديدًا أو ضبطًا بل هو غيبٌ من غيب اللهِ جَلَّ و علا .
و بعض المحلِّلين و الدارسين للنصوصِ النبويَّة قالوا
: إنَّ ما أشار

إليه النبي صلى الله عليه و سلم لا يلزم أن يكون مقصودًا به
السيفُ ذاتُهُ أو الخيل نفسُه بل قد يكون هذا تعبيرًا عن السلاحِ
الذي يستعملونه أيًَّا كان ، و لكن النبي صلى الله عليه و سلم
عبَّر عن اللغةِ التي يفهمها المخاطبون يومئذ .
رابعًا
: أنَّ المسلمين يؤمنون ، بل وغيرِ المسلمين من أهلِ

الديانات السماويَّة ، يؤمنون بالساعةِ و أﻧﻬا ستقع ، والقيامة وأﻧﻬا
ستحقُّ ، فهي الصاخَُّة والحاقَُّة والقارعُة التي أخبر اللهُ تعالى عنها
وهي التي سوف تدمِّرُ الحياَة الدنيويََّة ونظامَها المعتاد ، وتنقل
الناسَ إلى العاَلمِ الأخرويِّ .. عالم الجزاءِ و الحساب .
{
إَِذا الشَّمْسُ كوِّرَتْ ١ وَإَِذا النُّجُومُ ان كدَرَتْ } ، {إَِذا السَّمَاء

انشَقَّتْ} ..
ذلك هو يومُ الجزاءِ و الحساب ،
{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَاَلمِينَ

٦}، وقبل ذلك الساعُة التي هي تدميرُ الحياةِ الدنيويَّةِ والقضاءِ
على البشرِ و موتِهِم عن آخرِهم .. حتى مََلكُ الموتِ يموت .
خامسًا
: أمريكا بالذات برَزَتْ بسرعة ، فبروزها كقوةٍ عالميَّةٍ

وقيادةٍ دوليَّةٍ كان بعد الحربِ العالميَّةِ الثانيةِ وخلال تقريبًا خمسين
سنة ، تبوأتْ هذا المنصبَ الكبيرَ العظيمَ كشرطيٍّ للعاَلمِ اليوم .
والغربُ ربما احتمى ﺑﻬا واستعان ﺑﻬا خوفًا وذعرًا من الشيوعية
التي كانت ﺗﻬدِّدُهُ بل سيطرتْ على جزءٍ كبيرٍ من أوروبا الشرقيةِ
كما هو معروف ، ولذلك فإن العالم الغربيَّ الآن يريدُ أن يخلعَ
نيرَ السيطرةِ الأمريكيَّةِ عنه من عنقِهِ ويتخلَّصَ من هيمنتِهَا عليه .
ولهذا فهناك تناقضٌ صارخٌ وواضحٌ بين أمريكا وأوروبا الموحَّدة
و بين أمريكا ودول اوروبا على حِدَة ، كبريطانيا أو ألمانيا أو
فرنسا ، وبين أمريكا والصِّين وبين أمريكا واليابان وبينها وبين
دولٍ أخرى .
إذن أمريكا برزَت بسرعة ولهذا لا غرابة أن يكون اﻧﻬيارُها سريعًا
أيضًا كما تتوقَّع بعضُ الدِّراساتِ وبعض التحَّاليل ، وسوف أشير
إلى شيءٍ منها الآن .
إذن هذه صورٌة
تتوقَّعُ أن يكون سقوط العاَلمِ الغربيِّ سقوطًا

متداعيًا وسريعًا يأخذ بعضُه برقابِ بعضٍ وتنهارُ دفعًة واحدًة ،
وربما يخسرُ البشرُ جميعَ المُنجزاتِ الحضاريَّةِ بسبب ذلك السُّقوط
.
أما الصُّورة الثانيُة
للاﻧﻬيارِ وهي التي غالبًا ما يرسمها السياسيُّون

الغربُ فهي لا تعدو أن تكو َ ن انكفاءَ العاَلم الغربيِّ على نفسِهِ و
انكماشِهِ و انشغالِهِ ﺑﻬمومِهِ الخاصَّة ومشاكلِهِ الداخليَّةِ وكفِّ يده
عن العالم الخارجيّ .
و هذا الأمر أصبح يمثل تيَّارًا في السياسةِ الأمريكيَّةِ يطالب بعدم
التَّدخُّلِ في الدول الأُخرى و الاﻧﻬماكِ والانشغالِ بالهمِّ الداخليِّ ،
و أنَّ علاقَة أمريكا بالعالمِ وما يتطلبَّه ذلك من تدخُّلٍ و إرسالٍ
القوَّاتِ ودفع المساعداتِ إلى غيرِ ذلك ، هو من أهمِّ أسبابِ
الاﻧﻬيارِ الاقتصاديِّ الذي يهدِّدُها ، و لهذا عليها أن تقلِّ َ ل من
حجمِ تدخِّلِها العالميِّ .
حتَّى في بعضِ الصُّوَر الديموقراطيَّةِ الغربيَّة ، يُخشى أيضًا أن
تتحوَّل إلى خَطرٍ يهدِّدُ أمريكا في نظرِ السياسيِّين ، فإنَّ
مستشارَالأمنِ القوميِّ السابقِ، واسمُهُ (بريجنسكي ) ألَّفَ كتابًا
اسمُهُ ( خارجَ نطاقِ السَّيطرة ) ، هذا الكتاب يقول فيه : إنَّ
العالم الذي جاءَ بعدَ الشيوعيَّة ، عاَلمٌ خَطِرٌ ، عاَلم قلقٌ و متوتِّرٌ
ويجبُ أن نُدرِكَ المخاطِرَ النَّاجمَة عن الديموقراطيَّة الغربيَّة حيث
سيوجدُ في أمريكا نوعٌ من ال*****َّةِ اُلمطلقة ، كلُّ شيءٍ مسموحٌ
وكلُّ شيءٍ مباحٌ، وبالتَّالي سوفَ تتعارضُ مصالح الأفرادِ و
سوف يوجدُ هناك قدرٌ كبيرٌ من الأنانيَّة بينهم توجدُ انشطارًا في
اﻟﻤﺠتمع و خطرًا عظيمًا .
إنَّه عالمٌَ يعيش
– كما يقول بريجنسكي – حالَة غليان بعد اﻧﻬيار

الشيوعية .
و من الجدير بالذِّكر أنَّ هذا الرجل وهو بريجنسكي قد توقَّعَ
سقو َ ط الشيوعيَّة ، عام ١٩٨٧ م تقريبًا في كتاب سمَّاه ( السُّقوط
العظيم ) ، توقَّع فيه سقوط الشيوعية كما حدث فعلا .
هذا أسلوبٌ أو نموذجٌ لهذا الأمر ، وينبغي أن أشيرَ في هذا اﻟﻤﺠال
إلى أنَّ هؤلاء أيضًا ، أنَّ هذا الأمر يشمل رجال الاقتصاد الغربيِّ
، فإنَّ الاقتصادَ الأمريكي الآن يعيش ما يسمونه بمرحلة النكبة ،
نكبة الاقتصاد الأمريكي .
على سبيل المثال هذا كتابٌ أيضًا جديدٌ ومهمٌّ ، اسمه
( الإفلاس

عام ٩٥ ) مؤلِّفُ هذا الكتاب باحث و مؤرِّخٌ أمريكيٌّ اسمه (
هاو إي فيكي
) ، هذا الكتاب الذي نشرته دارٌ أمريكية ( لتل

باور ) يرسم مسلسلا متلاحقًا للاﻧﻬيارات الأمريكية التي سبَّبها
الاقتصاد المثقل بالديون على الخزينة الأمريكية ، و الغريب أنَّ
صحيفة نيويورك تايمز اعتبرت هذا الكتاب ضمن قائمة الكتب
الأكثر رواجًا و انتشارًا في العالم .
هذا الكتاب يحدد بالضبط عام ١٩٩٥ م
- يعني بعد أقلِّ من

سنتين ١- أنَّه عامَ السُّقوط و الاﻧﻬيار الأمريكي ، و يحدِّد أنَّ
الاﻧﻬيارَ سوف يتمُّ من خلال الاقتصاد الأمريكي المتردي .
و هناك دراسة اقتصاديٌة رصينٌة جدًا، بل دراساتٌ اطَّلعتُ عليها
ولا يسعفني الوقت أن أعرضها لكم ، لكن على سبيل المثال
تقول إحدى هذه الدراسات و هي دراسة علميٌَّة دقيقٌة ، تقول :
إنَّ الاقتصادَ الحكوميَّ الأمريكي الآن محمَّل بحوالي أربع
تريليونات من الديون ، و هو رقمٌ خيالي فلكيٌّ لا يمكن للعقل
١
راجع تاريخ المحاضرة !

أن يتصوره ، و أنَّ هذا الرقم سوف يزداد إلى ﻧﻬاية العقد الحالي
،يعني خلال ست سنوات ، إلى حوالي ١٣ و نصف تريليون
دولار أمريكي !!
و هذا الرقمُ الخطير سوف يجعل أمريكا أمام عدة خيارات لا
مخلص لها منها ، هذه الخيارات :
أولها
: خفضُ المرتبات للموظفين بنسبةٍ ربَّما تصل إلى أكثر من

٣٠ % ، للموظف العادي ، و بالمقابل زيادة الضرائب عليهم إلى
%
نحو ٥٠ % ، و ماذا تتصور من رجلٍ خُفِضَ مرتبه بنسبة ٣٠

!
؟ % و زيد في الضريبة بنسبة ٥٠

هذا أمرٌ لا يُحتمل و لا يُطاق !
و الَّذين يعرفون العقليَة و النفسيَة الغربيَة يُدركون أنَّ هذا الأمر
لا يمكن أن يعمله رئيسٌ مهما كان في الظروف العادية .
هذا الاحتمال إذن لا يمكن أن يعملوه من أجل التطوير و الحفاظِ
على اقتصادهم من الاﻧﻬيار .
الحلُّ الثاني
: هو أن يعلنوا العجزَ عن سدادِ الديون وهذا معناه

إعلان الإفلاس، وهو لا يعني سقوط الاقتصاد الأمريكي فقط ،
بل يعني سقوط الدولار الأمريكي و سقوط اقتصاد جميع الدُّول
التي ربطت نفسها بالدولار، ومع الأسف الدُّول العربية هي جزءٌ
من هذا العالم الذي ربط اقتصادَه بالدولار الأمريكي .
الحلُّ الثالث
: - وهو المتوقع - أن تقومَ الحكومة هناك بما

يسمونه بتسييل الدولار، وهو يعني طباعة كميَّاتٍ هائلةٍ من
الأوراق النقدية ليس لها رصيد يقابلها، ﻟﻤﺠرَّدِ إغراق الأسواق ﺑﻬا
و سدِّ الحاجة ، و هذا الأمر سوف يؤدي إلى اﻧﻬيارٍ اقتصاديٍّ
فعلا ، بمعنى أنَّ الدولار سيفقد قيمته بالتدريج ، حتى إنه في
النهاية لا يساوي إلا قيمة الورقة التي طبع عليه فقط !!
و هذا أيضًا هو اﻧﻬيارٌ كالذي قبله، ولكنه بد ً لا من أن يكون
اﻧﻬيارًا مفاجئًا سوف يكون اﻧﻬيارًا بطيئًا أو تدريجيًا .
هذه الدراسات ليست مجرد أوهام أو خيالات، إنَّها دراساتٌ
علميٌَّة من مراكز متخصِّصة غربية وشرقية تدقُّ نواقيسَ الخطرِ، و
لذلك فإنَّ أمريكا نفسها بدأت تشنُّ حربًا اقتصاديًة ضدَّ اليابان
مثلا و ضد أوروبا و ضد الصين ، وهي حربٌ مكشوفٌة
وأخبارها تعلن يوميًا وأيُّ متابعٍ للصحف أو الملاحق الاقتصادية
مثلا يدرك ذلك جيدًا .
و على سبيل المثال، فإنَّك تجد أنَّ أمريكا تضغط على اليابان من
أجل أن تفتحَ أسواقها للمنتجات الأمريكية ، و بالمقابل تحاول أن
تحدَّ من وجود المنتجات اليابانية في الأسواق الأمريكية ، وكذلك
أنَّها تضغط على بعض الدول من أجل توقيع معاهداتٍ للتبادل
التجاريِّ، سواءً مع فرنسا أو مع أوروبا أو غيرها تكون في
النهاية لمصلحة أمريكا .
و كذلك تنافسها على الأسواق الآسيوية وهي الأسواق الرئيسة
في العالم اليوم ، سواءً في ذلك أسواق العالم الإسلامي أو بقية
الدول الآسيوية المعروفة .
و العجيب أنَّه في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصادُ الأمريكي
والغربيُّ من التضخُّمِ و التراجُعِ في معدلات النموِّ فإنَّك تجدُ أنَّ
الدُّول الأخرى كالصِّين واليابان ، بل والدول النَّامية كماليزيا
وكوريا وغيرها، تجد أنَّ معدَّلات النموِّ فيها ترتفع باطِّراد ،
أحيانًا بنسبة ٧% و أحيانًا بأكثر من هذا ، و هذا أمرٌ تحدَّث
عنه بعضُ الخبراء على أنه أمرٌ يشبه المعجزة في ظنهم ، لأنَّه ليس
له تفسيرٌ واضحٌ مكشوف .
يُتوقَّعُ أنَّه في ظلِّ التراجُعِ و التردِّي الاقتصادي الأمريكي ، أنَّ
أمريكا سوف تجدُ نفسها مضطرًة إلى التدخُّل المباشر لحماية
اقتصادها ومصالحها ونفطها وصناعاﺗﻬا، سواءً كان ذلك في
اليابان كما توقَّعت إحدى الدراسات أو في مناطق أخرى من
العالم كالخليج العربيِّ أو غيره .
إذن هذا الَّلو ُ ن من الدِّراسات السياسيَّة و الاقتصاديَّة يتوقَّعُ أو
يتصوَّرُ انحسارًا للوجود الأمريكيِّ والغربيِّ بشكلٍ عامٍّ على نمط
ما حدث لبريطانيا، فقد كانت بريطانيا يومًا من الأيام
امبراطورية لا تغيب عنها الشمس كما يقال، ثم اضطرَّت إلى
التخلِّي عن مستعمراﺗﻬا ومحمياﺗﻬا وعادت أدراجها إلى الوراء إلى
بلادها، ولكنها ظلَّت محتفظًة بتقدمِّها العلميِّ والعسكري
وتفوِّقها ومركزها الدولي على ما هو معروف الآن ، و هذا بحدِّ
ذاته كاف ، فإنَّه سوف يعطي المسلمين فرصة أن يرتِّبوا أوراَقهم
وأن يعرفوا مصالحهم وأن يتعاملوا مع من يكون التعام ُ ل معه
أصلحَ لهم وأضمنَ لنجاحهم وحفظِ اقتصادهم .
أما الَّلون الثَّالث
من الدراسات الغربيَّة فهي الدراسات التي ترسم

تصورًا آخرَ لنهاية الحضارة الغربيَّة ، و هو يتمثل في نوع مما
يسمونه بالصِّراع الحضاريِّ ، صراعٌ أو حربٌ ، أحيانًا مكشوفًة
وأحيانًا مخفيًة وغيرَ معلنةٍ بين الحضارات المختلفة، وهذا يمثُِّله
كتابٌ يُعتبرُ تقريبًا أحدث كتابٍ صَدَرَ هناك، وقد ُأعدَّتْ عنه
دراساتٌ في جريدة الحياة قبل بضعة أيَّام ، هذا الكتاب اسمه (
صِدامُ الحضارات
) مؤلِّفهُ ( صمويل منجتنجتون ) ويعتقدُ هذا

المؤلِّفُ أنَّ ثمَّة صدامًا وصراعًا سوف يحدث بين حضاراتٍ
مختلفةٍ، ويرشِّحُ هو ستَّ حضاراتٍ في العالم إضافًة إلى الحضارةِ
الغربيَّة .
ما هذه الحضاراتُ الستُّ المرشَّحُة لدخول المعركة ؟
أو ً لا : الكنفوشية / الصين .
ثانيًا
: اليابانية .

ثالثًا
: الإسلامية .

رابعًا
: الهندية .

خامسًا
: الأرثوذكسيَّة السلافيَّة .

سادسًا
: الأمريكية اللاتينية .

و يرشِّحُ بالدَّرجةِ الأولى الحضارَة الإسلامية والحضارَة الصينيَّة
للمستقبل القريب باعتبارها أعظمَ خَطرٍ يهدِّدُ الحضارَة الغربيَّة.
وقد حشد هذا المؤلِّفُ كلَّ ما يحتاج إليه من الأدلة والشواهد
والاثباتات على أنَّ الصِّراعَ الحضاريَّ هو القادم وعلى أنَّ
الحضارَة الإسلاميََّة و الصينيَّة هي أخطر ما يهدِّدُ الغربَ اليوم .
مع أنَّ المؤلِّفُ أيضًا توقَّعَ وجودَ نوعٍ من التعاون بين المسلمين
وبين الصينيين ، وقال إنَّ هذا يهدِّدُ الحضارَة والقيمَ والمصالح
الغربيَّة .
هذه الدراسُة
( صدامُ الحضارات ) تعطي الدِّينَ أهميًَّة ُقصوى في

الصِّراع بين الحضارات ، و لذلك ين ُ ظرُ المؤلِّفُ إلى الصِّراع
العربيِّ اليهوديِّ على أنَّه صراعٌ بين دينين ، بين الإسلامِ
واليهوديَّة ، و مثل ذلك الصِّراعُ بين الجمهوريات السوفييتيَّة،
يعتبره صراعًا دينيًا ، و ربَّما الصراعَفي البوسنة و الهرسك يدخل
في هذه القائمة أيضًا .
إذن هناك صراعٌ حضاريٌّ ، منوَّعٌ في كلِّ اﻟﻤﺠالات ، صراعٌ
فكريٌّ ، صراعٌ دينيٌّ و عقائديٌّ ، صراعٌ علميٌّ ، صراعٌ سياسيٌّ
، صراعٌ اقتصاديٌّ ، صراعٌ حضاريٌّ شموليٌّ .
أمام هذا الصراع هُناك عدَُّة احتمالات
:

الاحتمال الأوَّل
: هو تغريبُ العالم، يعني تحويل العاَلمِ إلى عاَلمٍ

تابعٍ للغربِ مسلِّمٍ بنظرياتِه وقيمِهِ وأخلاقياتِه وحضارتِه .
وهذا غيرُ ممكِنٍ و لا واردٍ
.

الاحتمال الثَّاني
: هو الصدامُ الحضاريُّ ، الصِّدامُ بين الحضارات

و المواجهُة بينها ، وهو ما توقَّعَهُ المؤلِّفُ وذهب إليه .
الاحتمال الثَّالث
: هو كما قال المؤلِّفُ انتصارُ قيَمِ التسامحِ

الثقافيِّ والحوارِ بين الحضارات والمبادئ المشتركة التي تجمعُ الأممَ
كلها ، و هذا الأمر مستبعدٌ جدًا .
إذن المؤلِّفُ رجَّح ورشَّح أنَّه سوف يكون هناك صراعٌ بين
الحضارات ولذلك أوصى المؤلِّفُ ، وانظر! هذا المؤلِّف وضع
نفسه في الخندقِ الغربيِّ ، لأنَّه رجل أمريكيٌّ ، يقول كما قال
الذي قبله فوكوياما : " أنا أمريكيٌّ مائًة بالمائة ، و إن كنتُ من
أصلٍ يابانيٍّ إلا أنِّي لا أعاني من عقدةِ ازدواجيَّة في الانتماء كما
يقول ، فأنا أمريكيٌّ ١٠٠ % ، وهو يقدِّمُ أمريكا بل يقول إنَّني
أشعر أنني سوف أقدِّمُ دورًا عظيمًا لأمريكا قد يكون هذا الدور
في البيت الأبيض "! هكذا يقول فوكوياما !!
و مثله أيضًا
( منجتنجتون ) فهو يقول مثل ذلك ويضع نفسه في

الخندق الغربي ثم يقول :" يجب أن نرصَّ الصفوفَ الغربيََّة أمامَ
التحدِّي الإسلامي والتحدي الصيني ، يجب أن نطوِّرَ نوعًا من
الوحدة بين أمريكا وأوروبا، يجب إيجادُ علاقَة تعاونٍ على أقلِّ
تقديرٍ بين أمريكا وروسيا وبين أمريكا واليابان ، يجب ألاَّ نذهبَ
بعيدًا في تخفيض الُقدرة العسكريَّةِ الغربيَّة ".
هذه الأشياء التي يطالب ﺑﻬا لأنَّه يقول هناك عدوٌّ منتظرٌ استعِدُّوا
له ، ووحِدُّوا صفوفكم ، وتعاونوا مع أصدقائكم الآخرين ، لا
تخفضوا أسلحتكم كثيرًا ولا تذهبوا بعيدًا في ذلك لأنَّكم سوف
تحتاجوﻧﻬا !
انظر الوعيَ والعمقَ والإدراكَ ، والتخطيط للمستقبل ، وأنت
حين تأتي للمسلمين تجد أنَّه على رغم الضعف والذُّلة والقِلَّة
والتأخُّرِ إلاَّ أنَّ الخلافاتِ الشَّرسَة تعصف ﺑﻬم فلا تبقي أحدًا مع
أحد ، وإلى الله تعالى المشتكى وهو وحده المستعان .
هذا الكتابُ
( صدامُ الحضارات ) قد يكون ردََّة فِعلٍ للمدِّ

الأصوليِّ العالميِّ والتوجُّهات الدينيَّة الموجودة في الإسلام و في
بقية الديانات الأخرى ، وكأنَّه يدعو أمريكا إلى أن تعتصمَ
بمعطياﺗﻬا وخصائصِها في مواجهةِ قومٍ مسلمين يؤمنون بدينٍ
وينتمون إليه انتماءًا عريقًا .
كما أنَّ هذا الكتاب يتحدث ويكشفُ حرجَ القوى الغربيةِ
أمريكا وغيرِها إزاءَ ما يسمونه بالديموقراطيةِ في العالم العربي و
الإسلامي .
فهو يقول لك إنَّ الديمقراطيَة مع أنَّها هي البديل الذي يقدِّمُهُ
الغربُ، وهي الشيءُ الذي يتحدثون عنه وهي دينُ الغربِ
وعقيدتُهُ ومنهجُهُ وسياستُه، إلاَّ أنَّه يقول إنَّ الديموقراطيَة خَطرٌ في
العالم العربيِّ والإسلاميِّ ، لأنَّ الديموقراطيَة الحقيقَة لو ُ طبَِّقت
هناك فإنَّها سوفَ تدعَمُ قوىً معاديًة للغربِ ، على نَمَطِ ما
حدث في الجزائرِ و الأردُن و اليَمَنِ وما يمكن أن يجري في مصر
وأيِّ بلدٍ آخرٍ، أي أنَّها سوفَ تدعم التوجُّهاتِ الأصوليَّةِ التي
تكتسحُ الشَّارعَ العربيَّ و الإسلاميَّ .
و بالمقابلِ فإنَّ رفضَ الديموقراطيَّةِ في العاَلمِ الإسلاميِّ سوف
يكرِّسُ التدمُّر والتوتُّر والقلقَ الاجتماعيَّ و السياسيَّ ويجعل
الرَّفضَ و الغَضَبَ الشعبيَّ يزدادُ ويتفاقمُ و يتَّسِعُ يومًا بعدَ يوم .
هذا الطَّرحُ ، طرحُ الصِّراعِ الحضاريِّ هو طرحٌ معقول في نظري
في الجملة ، و إن كان مقلقًا للعلمانيين لأنَّه يقتضي الاعتصامَ
بالدِّين و سوفَ يجعل كلَّ أمَّةٍ تعودُ إلى دينها وعقيدﺗﻬا وتراثها
الصَّحيح ، تعتصمُ به أمامَ من يحاربوﻧﻬا بدينٍ مختلفٍ و عقيدةٍ
مختلفةٍ و تراثٍ متغيرٍ و أمورٍ وخصائصَ تاريخيَّةٍ مميَّزة .
و لذلك يقول البعض إذا صحَّ هذا التوقَّعُ في صدامِ الحضاراتِ
فإنَّ النصرَ في جميع الدِّياناتِ وفي جميعِ الأمَمِ وفي جميعِ الدُّول فإنَّ
النَصرَ سوفَ يكون لأكثرِ التيَّاراتِ تشدُّدًا وانغلاقًا في جميعِ
الحضاراتِ وسوفَ يكون النَّصر بالنسبةِ للمسلمين مثلا، حليفًا
لما يسموﻧﻬا بالتيَّاراتِ الأصوليَّة التي تدعو إلى رجعةٍ صادقةٍ
وكاملةٍ إلى الدِّينِ في جميع ميادين الحياة .
و مثل ذلك الديانات الأخرى فالنصرانيَّة مثلا ، سوف يكون
النَّصرُ للتيَّارات الأصوليَّة المتشدِّدة ﺑﻬا ، و الهندوس يكون النصرُ
للتيَّاراتِ الهنودكيَّة المتشدِّدة التي تؤمنُ بالحديدِ والنارِ في مقاومة
خصومِها و أعدائِها ، ومثل ذلك بالنسبةِلليهودِ أو غيرِهم و
خاصًَّة إذا كانت تلك التيَّاراتُ تملك قوَة الاستقطابِ والتأثير في
الجماهيرِ .
هذه ثلاثُة توقُّعات ، يُمكن أن يتمَّ من خلالها سقوط الحضارةِ
الغربيَّة ، وبالجملةِ فهناك قائمة طويلة جدًا من الأمراضِ الفتَّاكةِ
المزمنةِ التي تنخرُ في الجسمِ الغربيِّ عامًَّة والجسم الأمريكي خاصَّة.
هناك على سبيل المثال
: الأمنُ واختلاله،فسادُ الأسرة وتفكُّكها ،

ضياعُ الشباب ومشكلاتُهم ، الإجهاضُ وهو قضيٌة خطيرٌة ،
المخدِّراتُ وانتشارُها وعصاباتُها ، الشذوُذ الأخلاقيُّ والجنسيُّ ،
الفقرُ المدقِعٌ في تلك الدُّول الغنيَّة حتى إنَّك تجدُ أنه عام ١٩٧٧
أو ١٩٧٨ م ، كان عددُ الفقراء الذين لا يجدون قوتَ اليوم أي
دون مستوى الإعدامِ، كان عددُهم فقط ٨٠٠ مليون إنسان ،
وبعد عشر سنوات تحوَّ َ ل هذا الرقمُ إلى .. هل تتوقَّع أنَّه انخفض ؟ كلا ! بل ارتفع إلى مليارين من النَّاس !!
مليارا إنسان ، دون مستوى الحياة الإنسانية العادية من شدَّةِالفقر
!

حتى في أرقى المدنِ الغربيَّة والأمريكية ينامون على الأرصفةِ
ويأخذون أطعمتَهم من صناديقِ القمامة، وقد رأيت بعيني مثل
هذه المشاهد وهم يعدُّون في بعض الولايات بالملايين !
أيضًا البطالة وانتشارُ معدَّلاﺗﻬا وارتفاعها في أمريكا وغيرها ،
عصاباتُ الإجرام كالمافيا وغيرها وهي عصاباتٌ خطيرٌة للخطف
وللسرقة ولل*** للاغتيال ، لتعاطي وبيعِ كلِّ الأشياء بلا استثناء!
أيضًا الديون الفرديَّة
! كلُّ الأفرادِ مدينون في أمريكا ! والديون

الفرديَُّة تزيدُ الآن على ٤،٤ تريليون دولار على الأفرادِ من
الشَّعب الأمريكي ! فكلُّ فردٍ مدينٌ وهو يقضي حياته كلَّها في
تسديد الديون ، دينٌ للسيارة و دينٌ للبيت ، ودينٌ للزَّواج ودينٌ
لكلِّ شيء ، وهو أمرٌ خطيرٌ بدأ يتسرَّبُ أيضًا إلى البلاد
الإسلامية .
التعليمُ واﻧﻬيارُه حتى إنَّ هناك كتابًا انتشر ودرِّسَ عنوانُه
( ُأمٌَّة

معرَّضٌة للخَطر )، أظنِّي سبق أن تحدثتُ عنه، يتكلمُ عن اﻧﻬيارِ
التَّعليم في أمريكا .
الإعلامُ و خطرُه أيضًا ، التجسُّسُ على الأفراد أو على الدُّول أو
على المؤسسات ، والتجسُّسُ المضادُّ أيضًا.
النَّعَرَات العنصريُة في أمريكا ، و الصِّدامُ بين البيض والسُّودِ مثلا
، وقد حدث كما تعرفون أحداث كثيرٌة من هذا القبيلِ في العامِ
الماضي وراحَ ضحيَّتَها عشراتُ الأفرادِ وملياراتٌ أحيانًا من
الأموال .
تلوُّث البيئة ، وهو أحدُ الأمراضِ الفتَّاكة كما أسلفتُ
.

الفشل السياسيُّ و الفضائحُ الكثيرُة التي تلاحقُ البيتَ الأبيضَ
وجميعَ مراكزِ الإدارةِ والسياسةِ في فرنسا ، وإيطاليا وبريطانيا
وألمانيا وفي غيرها .
و على سبيل المثال هناك عشرات بل مئات المقالات موجودٌة
عندي تتحدَّث فقط عن الَفشَل السياسيِّ في أمريكا ومشكلاتٍ
داخل البيتِ الأبيضِ وقضايا تتعلَّقُ بشخصِ الرئيس هناك
وفضائحَ عن ذاته وعن علاقاته وعن إخوانه وأخواته ومن الذي
سُجِن بالمخدِّرات أو السرقة ومن ومن .. و بعضِ القضايا
المتعلقةِ به وأشياءَ شخصيَّةٍ تدلُّ على أنَّ هناك فع ً لا إخفاقاتٍ
كثيرًة و فشلا في الإدارة وتأخُّرًا في الإنتاجية .
الفضائحُ التي تلاحقُ الإيطاليين اليوم ، يوميًا فضائحُ تُكشف عن
رجالِ الحكم هناك ، وكثيرٌ من رجال السياسة هناك لم يعودوا
لامعينَ لشعوﺑﻬم بما فيه الكفاية .
هذه قائمٌة طويلٌة وعندي كما قلت لكم معلومات كثيرة فيها
لعلَّ جلسًة خاصًَّة إن شاء الله تخصَّصُ لمثل هذه الأمور لأﻧﻬا لا
تخلو أيضًا من عبرةٍ وطرافةٍ في بعض الأحيان .
وبغضِّ النظر عن هذا كلِّه ، إلاَّ أنَّ الجميعَ يتفقون على وجود
صعوبات جمَّةٍ تنتظرُ المسيرَة الغربيَة عامًَّة والمسيرَة الأمريكيََّة على
وجه الخصوص ، لقد كنَّا يومًا من الأيام نقرأ كلامًا كهذا عن
اﻧﻬيار الحضارة الغربية ، و أذكر أنَّه وقع في يدي كتابٌ، للأستاذِ
سيِّد قطب رحمه الله تعالى اسمه ( اُلمستقب ُ ل لهذا الدِّين ) ، فقرأت
فيه فص ً لا عنوانه ( انتهى دورُ الرجُل الأبيض ) ، و هو يتكلَّمُ
كلامًا شبيهًا ﺑﻬذا ، عن أنَّ دورَ الغربيين قد انتهى وجاء دورُ
المسلمين الذين يجب أن يحملوا ويقدموا للعالم الحلَّ .
فكلنَّا نعلم أنَّ ذلك حقٌّ و لكنَّ الإنسان يراوده شيءٌ مما يرى
من هيمنةِ الغربِ ،ومما يسمعه من المستغربين الذين كانوا يعدُّون
هذا الكلام أضحوكًة يسخرون ﺑﻬا و يتلهَّون ﺑﻬا ، بل حتى
الصالحون داخلتْهُمُ الظُّنون في ذلك ، وصار إيمانُهم أحيانًا نظريًا
، فهم يقولون : نعم صحيح ..ولكن !
إذن عندهم شكٌّ و يتوقعون أنَّ العاَلمَ الغربيَّ سيظلُّ مهيمنًا في
فترةٍ طويلةٍ غيرِ منظورة ، حتى المفكِّرُ الجزائري مالك بن نبي
رحمه الله ، و هو مفكِّرٌ عميقٌ واجتماعيٌّ متخصِّصٌ ، إلا أنَّه مع
ذلك كان يتوقَّعُ أو يميل إلى القولِ بخلودِ الحضارةِ الغربيَّةِ و
أبديَّتِها في الدُّنيا ، ثم تراجَعَ عن ذلك و أعلنَ خلافه .
نحن إذن نفرحُ ونُسرُّ بكلِّ حديثٍ عن سقوطِ أمريكا أو الحضارةِ
الغربيةِ لأنَّنا وإن جاءنا بعضُ إنتاج@د؟ً8@„#‚ضُ تيسيراتِها الماديَّة
والحضاريَّة إلا أنَّنا صُلِينا بنارِها في مجتمعاتِنا وأممنا، ونحن وإن ُ كنَّا
كأفرادٍ في نعمةٍ إلاَّ أنَّنا كأمَّةٍ في خَطر ، ولا يجوزُ أبدًا أن ننظُرَ
إلى النَّاحية المادية أو الأنانيَّة أو الفرديَّة فحسب !
و أردِّدُ و تردِّدون مع الشَّاعر هذه الأبيات
:

أنا ضدُّ أمريكا
..! إلى أن تنقضي هذي الحياُة ويُوضَعُ الميزان

أنا ضدَّها حتى وإن رَقَّ الحصى يومًا وسال الجلمدُ الصُوَّا ُ ن
بُغضي لأمريكا لوِ الأكوان ضَمَّتْ بَعضَهُ لاﻧﻬارتِ الأكوان
هي جَذْرُ دَوحِ الموبقاتِ وكلُّ ما في الأرض من شرٍّ ه والأغصان
من غيرَها زَرَعَ الطُّغاَة بأرضنا وبمن سواها أثمرَ الطغيان
حَبَكتْ فصول المسرحيَّةِ حَبْكًة ، يعيا ﺑﻬا المتمرِّسُ الفنَّان
هذا يكرُّ وذا يفرُّ و ذا ﺑﻬذا يستجيرُ و يبدُأ الغليان
حتى إذا انقشعَ الدُّخان مضى لنا جُرحٌ وحلَّ محلَّه سرطان
و إذا ذئابُ الغربِ راعيًة لنا ، وإذا جميعُ رجالنا خرفان
و إذا بأصنامِ الأجانبِ قد رَبَتْ وبلادُنا ورجاُلها القربا ُ ن !
إذن لا نلامُ حينما نبغضُ هذا الصنمَ الذي مارَسَ ألوا َ ن التسلُّطِ
على المسلمين في مشارقَ الأرض و مغارﺑﻬا .
أيها الأحبَّة ، إنَّ سنََّة التغيير قطعيَّة ، و التَّاريخُ ما توقَّف لغير
فوكوياما حتى يتوقَّف له ، أما الشَّرعُ فإنَّ الله تعالى بيَّن لنا في
القرآن أنَّ الأيامَ دول ، قال تعالى : {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوُِلهَا بَيْنَ
النَّاسِ } ، وهذا نصٌّ قطعيٌّ في ثبوتِه ، فهو قرآن ، و قطعيٌّ في
دلالته ، على أنَّ الأيامَ دول حتى بين المؤمنين و الكفار : { إِن
يَمْسَسْكمْ قَرْحٌ َفَقدْ مَسَّ القَومَ قَرْحٌ مِْثُله وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوُِلهَا بَينَ
النَّاسِ } .
وقال سبحانه
: {وََلوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ َلَفسَدَتِ

الأَرْضُ } .
إذن الدَّهرُ دول ، وحتى الدُّول الإسلامية، دولة الخلافة تدرَّجَت
ﺑﻬا الأمور والليالي والأحوال حتى سقطت وحلَّ محلَّها دول
أخرى ، فما بالك بالدُّول الماديَّة التي قامت على أساسٍ لا ديني
هي أحق وأولى بالسُّقوط من دول إسلامية ؟!
هذا من الناحية الشرعية
.

أمَّا من الناحية التاريخية ، فإنَّ التاريخَ كلَّه كتابٌ يثبتُ لنا أنَّ
الأممَ تتناوبُ وأنَّ سنََّة اللهِ تعالى جاريًة والتاريخُ شاهدٌ ماثل
للعيان على ذلك،لم تثبت دولٌة مهما كانت في قوتِها وصولتها
واقتصادها ورجالها وكثرﺗﻬا وكثافتها، إنَّها تسود ثم تبيد !
أمَّا من ناحيةِ الفطرة، فإنَّك ترى أنَّ الإنسان وهو بَشَرٌ يبدُأ
صغيرًا ثم يكبُرُ و تستمرُّ قوته ، ثم تبدُأ فيه عوامل الهرَم و
الشيخوخة، وهكذا بالنسبة للنبات وهكذا الحيوان.
و إذا كان هذا في الأفراد، فالأممُ و الجماعاتُ عبارٌة عن
مجموعةٍ من الأفراد ، ومن الطريف أنَّه حتى معدلات النمو
البشريِّ في الغربِ تدلُّ على كثرةِ الشيوخ وقلَّةِ الشَّباب وهذا ما
يعبَّرُ عنه بالهرم الاجتماعي في الغرب ، بمعنى أنَّ نسبَة الشباب
تقلُّ بسبب قِلَّةِ المواليد ، تحديد النسل ، وأحداث معينة ، والكبار
والشيوخ يكثرون ، وهذا يهدِّدُ أيضًا بالانقراض .
أما العالم الإسلامي فهو يتجدَّدُ وينمو ويتكاثر، والنسبُة الشبابيُة
فيه أكثر بكثيرٍ من الشيوخ .
إذن فنظريُة الصُّمود الغربيّ، لا يمكن أن تصمدَ للنقد العلميِّ بحالٍ
من الأحوال ، والنظرية القائلة بسقوط الغرب نظرياتٌ صحيحة
١٠٠ % لُغًَة وشرعًا وتاريخًا وواقعًا وفطرًة ولكن ، كيف ومتى ؟
هذا علمُهُ عند ربي!
لماذا هذا الموضوع المهم ؟؟
ربَّما يكو ُ ن هذا السؤال متأخِّرٌ في هذه الجلسة ، حينما أطرح
لماذا نتحدَّث عن هذا الموضوع ، لكنَّ الكلامَ يجرُّ بعضَه بعضًا .
أولا
/ نتحدَّث عن هذا الموضوع لأنَّني أعتقد أنَّ الذي يتكلَّمُ

اليومَ عن الغرب هو كمن يحمل معوَله ويحطِّمُ الأصنامَ ، وقد
كان إبراهيم أب الحنفاء عليهم الصلاُة و السلامُ سنَّ لنا هذه
السنََّة فأخذ معوَله و قام إلى كبيرِ الأصنامِ فضربَه حتى جعَلهُ
رُفاتًا كما هو مذكورٌ في كتاب الله تعالى .
فالَّذي يتحدَّث عن سقوط الغرب اليوم هو كمن يحطِّمُ الأصنامَ
ويكشفُ لعابديها زيَفها وأنَّها لا تضرُّ ولا تنفعُ !
معظمُ المثقَّفين اليومَ الدنيويين مبهورون بما عند الغربِ ولا
يملكون أيَّ شيءٍ متميِّز .
ولما سقطت الشيوعيَُّة سقطت دُوُلها في العاَلم الإسلاميِّ ،
وسق َ طت أحزابُها القائمُة في بلاد المسلمين ، وسقط مفكِّروها ،
فإننا بحاجةٍ إلى من يؤكِّدُ للذين ربطوا أنفسهم بالغرب ، فجعلوا
سياستهم من سياسة الغرب ، واقتصادَهم من اقتصادِه وقراراتِهم
مرهونًة برغبته وشهوته ورضاه، وعملوا على تلمُّسِ إشارتِه قبل
عبارتِه ، فأحيانًا هم يسبقونه إلى ما يريد ، ويحقِّقون له ما يتمنى
قبل أن تنبُسَ به شفتاه ، و أصبحوا غربيين أكثرَ من الغربِ نفسه
، وأصبحوا عبئًا على بلاد المسلمين وعلى أمم الإسلام أكثرَ من
الغرب نفسه ، وقدَّموا له ما كان عاجزًا عن أن يقومَ به بنفسه
وذاته ، فنحن بحاجةٍ إلى أن ننبَّه هؤلاء إلى قول الله تعالى :
{َفعَسَى اللهُ َأن يَأتِيَ بالَفتْحِ َأوْ َأمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ َفيُصْبِحُوا عََلى مَا
َأسَرُّوا فِي َأنُْفسِهِم نَادِمِينَ } .
نعم
! أولئكَ المنافقون الذين باطنُهم مع الغرب ، و قلوﺑﻬم قلوب

الذئاب ، وعقولهم غربية هي مستعمراتٌ لأمريكا أو غيرها من
الدول، تفكِّرُ بالطريقة الأمريكية وإن كانت تتكلَّم بالحروف
العربية أو تلبس الثياب العربية ، أو تعيش في مجتمعاتٍ عربية أو
إسلامية !
نحن بحاجةٍ إلى أن نؤكِّدَ لهؤلاء بل لجميع المسلمين ، أنَّه ليس
أمام الجميع إلا أن يعتصموا بالله جلَّ وعلا كما أمر سبحانه،
وأن يعتصموا بالحلِّ الإسلاميِّ الذي شرعه ربُّنا تبارك وتعالى ،
وأنَّه لا مخرج لهم أفرادًا أو حكوماتٍ أو شعوبٍ أو أممٍ إلا بذلك
.
وما هو الحل الإسلامي ؟
!

ليس الحلُّ الإسلامي إلاَّ الجهدَ البشريَّ في توصيفِ ذلك وتتريل
الواقع عليه، وهو اجتهادُ الناس في تطبيق شريعة الله تعالى على
الواقع، وتصويب ذلك على قدر المستطاع .
ثانيًا
: وهذا يقودنا أيضًا إلى أمرٍ آخر وهو أنَّ المسلمين يملكون

الحل من خلالِ دينهم ومنهجهم المترل ، الوحي المعصوم والوحي
الوحيد الموجود على ظهر الأرض ، فإنَّ جميعَ الشرائع السماوية
قد لُعِبَ ﺑﻬا وحُرَِّفت فضلا عن أنَّها منسوخة ، أمَّا الإسلام فهو
الحقُّ الوحيدُ الباقي على ظهر الأرض .
المسلمون يملكون إقامَة النظام الدولي على أساسِ العدالةِ
الإسلامية كما شرحتُ ذلك في محاضرة ( تحريرُ الأرض أم تحريرُ
الإنسان ) ، والمسلمون يملكون إصلاحَ الإقتصاد واستبدال الرِّبا
بالإقتصاد الشرعي كما دعا إلى ذلك مجموعٌة من الخبراء
اليابانيون.
المسلمون يملكون حمايَة اﻟﻤﺠتمعات الغربية والشرقية من الفساد
وتحطيم الأسرة وضياع الشباب .
المسلمون يملكون قبل ذلك كلِّه وبعد ذلك كلِّه، العقيدة الربانية
التي تملأ قلبَ الإنسان وعقَله فيطمئنّ لها ويؤمن ﺑﻬا وإذا حاد
عنها أو ابتعد أصابه الهمُّ والغمُّ والكربُ والتردُّدُ .
قال الله تعالى
: { بَل كذَّبُوا بِالحَقِّ َلمَّا جَاءَهُم َفهُم فِي َأمْرٍ مَرِيجٍ

} .
وقال : {َفمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ َفلا يَضِلُّ وَلا يَشَْقى * وَمَنْ

َأعْرَضَ عَن ذِكرِي َفإِنَّ َلهُ مَعِيشًَة ضَنْكًا ، وَنَحْشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ
َأعْمَى } .
المسلمون يملكون منهجَ التعليم والإعلام والإدارة والحياة البشرية
بشكلٍ عامٍّ، وعليهم أن يقدِّموا ذلك عمليًَّا من خلال النماذج
الواقعية، والنَّظرية من خلال الدراسات ، أمَّا اليومَ فالواقع أنَّ
المسلمين حجبوا ذلك كلَّه بسوآﺗﻬم العظام ، بتأخرِّهم العلميِّ ،
بتفريطهم في الدِّين، بإهمالهم الدعوة إلى الله تعالى ، بالخلاف
المستشري بينهم ، بسيرهم في ركاب الغرب ، فقد آمن الغربُ
أنَّ المسلمين لا يملكون شيئًا ، إذ لو كانوا يملكون ما جاءوا
يتطفَّلون على موائده ، و يأخذون من حضارته ويقلِّدونه في
الدَّقيق والجليل .
ثالثًا
: نحن نطرحُ هذا الموضوع من أجل حماية المصالح الإسلامية

المرتبطة بالغرب اقتصادًا وسياسًة وإدارًة وإعلامًا وتعليمًا، فعلى
المسلمين أن يدركوا الهوََّة التي يتِّجه الغربُ إليها حتى يفتكُّوا
أنفسهم من ركابه ومن قيوده .
في مجلة اليمامة كتب د
. المالك قبل أعدادٍ مقالا عنوانه ( أمريكا

للبيع .. تجربٌة للاعتبار ) وتحدَّث عن بعض المخاطر التي ﺗﻬدِّدُ
الاقتصاد الأمريكي، وغرضُهُ الاعتبار ﺑﻬا والاستفادة منها .
وهناك دراساتٌ عديدٌة حذَّرَت من ربط الاقتصاد العربيِّ
والخليجي والإسلاميِّ بالدولار الأمريكي ، وحذَّرَت من احتمال
التدخُّل المباشر في العالم الإسلامي وعودة عهود الاستعمار ،
وهذا ليس ببعيد ، فهؤلاء نحن نرى في الصومال تدخلا غربيًَّا
وأمريكيًا مباشرًا، وقبل يومين صرَّح رئيس الكتيبة الإيطالية هناك
بأنَّه ينتقدَ الإرهابَ الأمريكي في الصومال الذي يتِّخِذ من الأمم
المتحدة ستارًا له، وهذا يدل على حقيقة الأهداف التي جاءوا من
أجلها .
إنَّ تعام َ ل المسلمين مع أمريكا الحكومة ومع أمريكا الدولة و مع
أمريكا الشعب بل مع الغرب كلِّه، يجب أن يضعَ هذا الاعتبارَ في
تفكيره وعقليته .
السلع مثلا التي نستوردها من هؤلاء، ألا يمكن أن نعيدَ النظرَ
فيها، لماذا يركِّزُ المسلمون على شراء السِّلع الأمريكيَّة من أجل
دعمِ الاقتصاد الأمريكيِّ المنهار أو رفع معدلاته أو تقليل نسبِ
البطالة وتوظيف شباب أمريكان في صناعة الأسلحة أو الطائرات
أو البضائع أو التجارات أو الثياب أو غيرها ؟
لماذا لا يبحث المسلمون عن بدائل في اليابان أو في الصين أو في
بريطانيا أو فرنسا أو روسيا أو غيرها، بحيث تكون الأسواق
الإسلامية ميدانًا للمنافسة بين تلك الدول ؟ وذلك تمهيدًا
للتسريع بسقوط الاقتصاد الأمريكي على وجه الخصوص وليس
المساهمة في دعمه وتقويته ..
لماذا لا يتبنَّى المسلمون حكوماتٍ وشعوبًا وجماعاتٍ وأممًا و
علماءً، الدعوَة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية التي يمكن الاستغناء
عنها ؟
نعم ! نحن واقعيُّون لا نطالب بمقاطعةٍ تامَّةٍ، لكن يمكن أن يكون
هناك توعيٌة للشعوب الإسلامية باختيارٍ مقدَّمٍ على البضائع
الأمريكية بقدر المستطاع .
ولو أنَّ حملًة إعلاميًَّة قويًَّة تبنَّاها العلماءُ والدُّعاُة والمخلصون
والجماعاتُ الإسلاميَُّة في كل مكانٍ ورُكِّزَ عليها زمنًا طويلا
وضَرَبَت على هذا الوتر، لأحدََثت تأثيرًا كبيرًا في عقول المسلمين
، وبعدًا عن البضائع الأمريكية ، و على أقل تقديرٍ فإنَّها تعتبر
نوعًا من الحرب النفسيَّة الَّتي تخيف الأمريكان وتجعلهم يدركون
أنَّه يجب أن يضعوا المسلمين في الاعتبار، ويدركوا أنَّ مصالحهم
مرتبطة بالمصالح الإسلامية .
و أخيرًا
: فإنَّنا نعالج هذا الموضوع من باب قوله تعالى :

{وَلمَّا رَءَا المُؤمِنُون الأَحْزَابَ قاُلوا هَذا مَا وَعَدَنا اللهُ وَرَسُوُله
وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُوُله وَمَا زَادَهُم إِلاَّ إِيمَانًَا وَتَسْلِيمًَا }.
لنؤكِّدَ على أنَّ السنَّة الربانيََّة قائمٌة على أمريكا وعلى أوروبا
وعلى الغرب كما هي قائمٌة على غيرهم ، وأنَّ الأخبارَ السارََّة
التي ينتظرها المسلمون بسقوطِ تِلْكَ الدُّول وتراجعها واﻧﻬماكها
في صراعاتٍ داخليَّةٍ أنَّها إن شاء الله قريبٌة غير بعيدة .
وحينما أقول قريبٌة فأرجو ألا يذهب أحدٌ ليدير جهازَ الراديو و
هو يتوقَّعُ أخبارًا ، فإنَّ خمسَ وعشرَ سنواتٍ تُعتبر أمرًا قريبًا ، {
وَإِنَّ يَومًَا عِندَ رَبِّكَ َكَألْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون
} .

إذن طرحُ هذا الموضوع، لتطمئنَّ قلوبُ المؤمنين ويعلموا أنَّ نصرَ
الله تعالى آتٍ ، وأنَّ تلك القوى التي سخَّرَت وجهَّزَت إمكانياﺗﻬا
لحرب الإسلام والمسلمين ، والحيلولةِ دون انتصار الحلِّ الإسلاميِّ
والوقوف في وجه أيِّ أُمَّةٍ من المسلمين تريد أن تحكمَ ذاﺗﻬا حتى
لو كانت أمًَّة مقصِّرًَة مُخِلَّة، أنَّ هذه القوى سوف تزول عن
الطريق وسوف يكتب الله تعالى النصرَ للمؤمنين .
مِن َأينَ نبدأ ؟
إنَّ طرحَ هذا الموضوع صعبٌ جدًا .
أولا
من حيث كثافة المادَّة العلميَّة ، حتى إنِّي رأيتُ أنَّ مُجرَّدَ

عرض المراجع المتوفِّرَة عندي وهي قليل من كثيرٍ أنَّه يستغرقُ
زمنًا طويلا ، فهناك مئاتُ الكتب وآلافُ المحاضرات وعشراتُ
الآلاف من الدراسات والتحليلات بل مئاتُ الآلاف من الأخبار
اليوميَّة والتقارير الطويلة أو القصيرة عن هذا الموضوع، فكيف
تستطيع أن تنتقي مادًَّة مناسبًة خلال ساعة أو ساعةٍ ونصفٍ من
بين هذا الرُّكام الطويل .
ثانيًا
: هو أيضًا صعبٌ من حيث طبيعة الموضوع، فهو موضوع

متشابكٌ ومعقَّدٌ إلى حدٍّ بعيدٍ ، إذ أنَّ الحديث مثلا عن موت
شخص أمرٌ سهل، لكنَّ الحديث عن تراجع كيانٍ بأكمله وهو
كيان ضخمٌ هائل ليس بالأمر اليسير !
ليس سقوط الحضارة أو الدولة كسقوط فردٍ مثلا أو تغير
حكومة يتمُّ من خلال يومٍ أو شهرٍ أو سنة ! السقوط عمليٌة
بطيئٌة ، وأسباب القوَّةِ الموجودةِ في القوى الغربية لا تزول كلُّها
دفعًة واحدة ، منها ما يظلُّ يقاوم عوامل الضعف ويصمدُ لفترةٍ
طويلة ، وقد يتوقَّف الهبوط أحيانًا و قد يحدث ارتفاعٌ طفيفٌ،
فهم أشبه ما يكونون بإنسانٍ يترل من جبلٍ بقوَّةٍ ، وأحيانًا
يتوقَّفُ ، وأحيانًا يستطيع أن يصعدَ خطواتٍ إلى أعلى، لكنَّ
المؤشِّرَ النهائيَّ يدلُّ على سقوطٍ وتراجعٍ مستمر .
و لذلك فإنَّ فردًا عاديًا قد يصعب عليه متابعَة ذلك بشكلٍ جيِّد
، وأن يربط الأحدا َ ث بعضها ببعض ، ويفهم منه تلك التي لا
تمسُّ الموضوع بشكلٍ مباشر .
الكثيرون لا يهتمون إلا بالأحداث التي تعنيهم بصفةٍ شخصيَّة ،
فهو يعنيه مثلا ارتفاع الراتب أو العملة وانخفاضها ، ومشكلاتٌ
تتعلَّق بحياته اليوميَّة ، أمَّا القضايا العامَّة فلا تعنيه أبدًا إلا بقدر ما
تمسُّ مصالحه الذاتية، ولهذا الكثيرون لا يفهمون هذا الموضوع أو
لا يتعاطفون معه أو لا يدركونه أو لا يشعرون بالحاجة إلى َ طرْقِه
.
أضرب لك مثالا ، حرب الخليج مثلا أنت مِمِّن عاشها وتابعَهَا
أو ً لا بأوَّل ، لحظًة بلحظة، بتفاصيلها ومخاوفها ومفاجآﺗﻬا
وأخبارها ، وربَّما كنتَ باستمرارٍ تُصغي إلى المذياع بقلقٍ
وانفعالٍ ، فهذا الوضع جعلك تتصوَّرُ تلك الحربَ وحجمَها
بشكلٍ واضحٍ وقوَيٍّ، لكن لا يُقارن ما عشته أنت بما يمكن أن
يكون لدى شخصٍ آَخَرٍ مَرَّ عليه هذا الأمرُ كحَدَثٍ تاريخيٍّ مهمٍّ
أو غير مهمٍّ لا يعنيه إلى حدٍّ بعيد .
فأولادُك الصِّغار مثلا لن يحتفظوا ﺑﻬذه الحرب وتاريخِها وآثارِها
كما تتصورُ وتدركُ أنت .
مثال آخرٌ ، أحيانًا حين نتكلَّمُ نحن عن بعض الأوضاع نقول
:

أحداث لم يشهد لها التاريخُ مثيلا ، حينما نتحدَّث عن الصومال
مث ً لا أو البوسنة أو أيِّ وضعٍ آخر ، نقول هذه أشياءُ لم يشهد لها
التاريخ مثيلا ، نعم هي أحداث بشعٌة ومفجعٌة ومروعٌة ومدمرٌة
وفوق ما يطيقه البشر أو يتحملونه، ولكنَّه مع ذلك لا يمكن أن
نجزمَ بأنَّه لم يشهد لها التاريخُ مثيلا ، لكنَّنا نجزم بأنَّنا نحن لم نَرَ
لها مثيلا ، ولم نعش أحداثًا بحجم هذه الأحداث في ترويعها
وقسوﺗﻬا وشدَّتِها وشراستِها ، أما التاريخ فربَّما شهد أفظع بكثيرٍ
منها سواءً فيما يتعلَّق بأحداثٍ وقعت على المسلمين أو على
غيرهم من الأممِ والشعوب .
لكن بشكل عامّ، فالأحداث التي يعيشها الإنسان يراها بعينه
ويسمعها بأذنه، يتأثَّرُ ﺑﻬا وينفع ُلها أكثر من غيرها ويتجاوب
معها أكثر وأكثر .
المهمُّ أنَّ الموضوعَ واسعٌ جدًا ومتداخل، وكما وعدت أنَّه سوف
يتمُّ إن شاء الله تقديمَ أجزاءٍ منه في مناسباتٍ قادمة ، خاصًَّة فيما
يتعلَّقُ بالتفاصيل الإخبارية والأحداث والتقارير العلمية .
جانبٌ ثال ٌ ث
من صعوبة الموضوع أيضًا، هو أنَّهُ عبارٌة عن مثالٍ

واحدٍ لسُنَنٍ إلهيَّةٍ حقَّتْ على الكافرين وعلى الأمم كلِّها من قبل
، و قد سبق أن عَرَضْتُ أجزاءَ من هذه السنن في محاضرة (
مَ َ طارقُ السُّننِ الإلهيَّة
) .

فكيف يمكن الجمع بين هذا الأمر وبين التَّحليل العلمي الذي
أحيانًا يكون فوق مستوى الإنسان أو فوق فهمِه وإدراكه ،
وكيف الجمع بين جانبٍ ثالثٍ وهو ضرورة التبسيطِ المناسب
والملائم لواقع حال جمهورِ المسلمين الذين يجتاجون إلى هذا
الموضوع .
على كل حال إنَّ الأمر الذي يمكن تبسيطه و تلخيصه هو أنَّ
مسألَة تقهقرِ الغرب هي الهمُّ السائد لدى غالبية الناس ، و
الشعور بذلك شعور مشترك كامنٌ في أعماق الإنسانِ الغربيِّ
والشرقيِّ على حدٍّ سواء ، بل هو ظاهر يتكلم عنه الجميع .
المهمَُّة الإسلاميَّة
هل مهمتنا إذن أن نضعَ أيدينا على خدودنا وننتظرُ سقوط
أمريكا أو سقوط العالم الغربيِّ ؟
هب أنَّ أمريكا سقطت أو أنَّ العالم سقط ، ماذا يكون لنا بعد
ذلك ؟
أننتقل إلى سيِّدٍ آخرٍ ، لنستفيد من أوروبا أو من اليابان أو من
غيرها ، و نسلِّم لها أنفسنا وقلوبنا وعقولنا واقتصادنا ودولنا
وسياستنا وأممنا ؟
كلا ! إنَّه ليس مشروعًا أن يقفَ النَّاس في الانتظار ، فإنَّ
المطلوبَ من كلِّ إنسانٍ و من الأمَّة بشكلٍ عامٍّ أن تعتبر هذا أمرًا
مستقبليًَّا و أن تسعى إلى أن تخطِّط لحاضرها ومستقبلها .
و لا يمكن أن نرضى بأن يخرجَ المسلمون من بين فكَّي حيوانٍ
مفترِسٍ ليقعوا في فكَّي مفترسٍ آخر ، وقد تسقط أمريكا أو
يسقط الغرب ومع ذلك تظلُّ قيمهم وأخلاقياﺗﻬم وتظلُّ جميعُ
بضائعهم العلمية والفكرية والعقلية والأخلاقية ، سائدًة بين
المسلمين بسبب غياب الدعوة والفراغ من الدين والخلوِّ من
العقيدة الصحيحة والفقر من التوحيد، وعدم وجود أخلاقياتٍ في
بلاد المسلمين .
إذن فالحلُّ الذي ينتظر المسلمين يمكن تلخيصَه في كلمة واحدة
فقط هي : الجهاد !
و الجهادُ أشمل من القتال ، ولذلك انظر كم ذُكِرَ القتال في
القرآن من مرَّة وبالمقابل كم ذُكِرَ الجهادُ من مَرَّة ، القتا ُ ل هو
القتال بالسيف ولهذا قال تعالى : {كُتِبَ عَلَي ُ كمُ القِتَا ُ ل وَهُوَ كُرْهٌ
َل ُ كم } ، أمَّا الجهاد {وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ } ، وآياتٌ كثيرٌة
جدًا تدعو إلى الجهاد ، إنَّه لا يجوز لنا أن نبسِّ َ ط القضيََّة ونختزَلها
أو نختصرها بمعركةٍ عسكرية محدودة في بلدٍ من البلدان الإسلامية
، أو حتى معركة عسكرية شاملة مع الغرب وإن كان هذا الأمرُ
واردًا بل متوقعًا ، بل نحن نعتقد أنه آتٍ ، وقد تحدثتُ عن ذلك
في الأسبوع الماضي في ( صِنَاعَةُ الموتِ ) .
ونقول الآن
: الحياُة كلُّها ميداٌن للمعركة ، والأسلحُة ليست

هي البندقية والرَّصَاصة والطَّائرة والدبَّابة والمدفعيَّة فحسب ، كلا
، بل الفكرُ سلاح ، والاقتصادُ والمال سلاح ، بل والماء سلاحٌ
فهو ميدان الصِّراع اليوم ، والتقنيُة سلاح ، والتَّخطيط سلاح ،
والوحدُة سلاح ، وهكذا أسلحة كثيرة !
لقد بدَأتْ اليابان من الصِّفر بعد تدميرها وإلقاء القنابل النووية
على هيروشيما وناجازاكي ، بدأت بعدما استسلمَتْ من نقطةِ
الصِّفر ولكن ظلَّ المشهد ماثلا يراه أبناؤها و زوَّارها إلى اليوم
حتى يأخذوا منه العبرَة ويكون دافعًا لهم إلى الإنجاز والتقدُّم .
لقد بنت وخطَّطت وصمَّمَت وسَعَت حتى وصلت إلى مستوى
أصبحت ﺗﻬدِّدُ أمريكا فيه ، باقتصادها الذي ينمو بقوةٍ وبسرعةٍ ،
وبأشياءَ أخرى كثيرة ، حتى على المستوى العسكري فإنَّ هناك
تقارير ودراساتٍ تقول إنَّ ثمَّة مصانع كثيرة في اليابان من السَّهل
جدًا تحويلها إلى مصانعَ عسكريَّةٍ ونوويَّةٍ بمجرَّدِ تعديلاتٍ بسيطة
لا تستدعي وقتًا طويلا ، وقد أصبحت اليابان اليومَ تستقطبُ
وتمتلكُ اليورانيوم وغيره من المواد الخطرة التي يحتاج إليها في
الصناعات العسكرية وسواها ، فينبغي للمسلمين أن يأخذوا
الأسوة والعبرة من ذلك .
ومن الجهاد
: الدعوة إلى الإسلام في بلاد المسلمين ليكون

الإسلام هو الأساس الذي عليه يجتمعون ومنه ينطلقون .
الدعوُة إلى التوحيد أيضًا وإفراد الله بالعبادة ونبذ جميع الأنداد
والأوثان والأصنام التي ما أغنت عن المسلمين شيئًا ولا يمكن أن
تغني عنهم شيئًا ولا يمكن أن يكونوا مسلمين حقًا وهم يروﻧﻬا
بين أظهرهم ويسكتون عنها أو يداهنوﻧﻬا ، لا بُدَّ من توحيد الله
تعالى وصرفِ جميع أنواع العبادة له ، فلا حبَّ إلا لله ، و لا
خوفَ إلا منه ، ولا رجاءَ إلا فيه ولا عبادَة لغيره ، ويشمل ذلك
كلَّ أنواع العبادة ، الصلاة والصيام وال*** والنذر والحكم
والعبودية كلِّها تُصرَف لواحدٍ جَلَّ وتعالى ، ولا تشرك في حكمه
أحدًا .
إنَّ الفردَ بالتوحيد لله تعالى ينضبط في عمله وتستقرُّ نفسه وعقله
يثمر وينتج، ويصبح إنسانًا فعا ً لا مؤثرًا في هذه الحياة ، ولا بدَّ
أيضًا من اعتمادِ الشَّريعة الإسلامية في جميع الأنظمة والإدارات ،
وألاَّ يكون هناك مصدرٌ آخرٌ للتقنين والتَّشريع غير الإسلام وعلى
كافَّة المستويات ، الداخليَّة في علاقة الأفراد بعضهم ببعض ، أو
علاقة الحاكم بالمحكوم ،أو علاقة الرَّجل بالمرأة ،أو الخارجية في
علاقة المسلمين بالدُّول الأخرى عربيًَّة كانت أو إسلاميًة أو عالميًَّة
.
وكذلك في الاقتصاد أو الإعلام أو التعليم أو العلاقات
الاجتماعيَّة أو غيرها ، أن نسلِّمَ لله تعالى ، { يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ادخُُلوا فِي السِّلْمِ كَافًَّة } ، إذن لا بُدَّ من إقامةِ الحياة الإسلاميَّة
في بلادِ المسلمين كلِّها على أساس الإسلام عقيدًة وشريعًة ، و
إذا آمنَّا بذلك وسعينا في تطبيقه بصدقٍ و جِدٍّ ، فحينئذٍ التقصيرُ
والنَّقصُ والخطُأ غيرُ المقصود يصحَّحُ على مدى الأيَّام .
إنَّه لو وُجِد المسلمُ الواثقُ بدينه وبمستقبله ، والذي يعلم أنَّه لا
حَلَّ إلا بالإسلام ويحرِّكُ طاقاته في هذا السبيل ، لأدركنا حقًَّا
ويقينًا وصدقًا، لا نقول سوف نحرِّرُ بلاد الإسلام منهم ، بل
نملك حتى موضع أقدامهم ، كما قال هرقل : لئن كان ما تقوله
صدقًا لسوف يملك ما بين قدميَّ هاتين !
ولا بُدَّ من دعوةِ غير المسلمين إلى الإسلام والعقيدة التي هي الحلُّ
لكلِّ المعضلات الفلسفية التي تعبث بعقولهم ، ودعوﺗﻬم إلى المنهج
الأخلاقيِّ البديل عن الفساد والفوضى والانحراف والأنانية
الموجودةِ في بلادِ الغرب ، والذي يؤمِّنُ لهم الرحمَة والتعاون
والأخوََّة التي يفتقدوﻧﻬا ، ولا بدَّ من دعوﺗﻬم إلى المنهج التعبديِّ
الذي يربط الإنسان بربه في عالم الماديات والآلة .
ولا بُدَّ من دعوﺗﻬم إلى الاقتصاد والسياسة على نمط الإسلام،
وتقديم المنهج الإسلاميِّ الصحيحِ من خلال معاهد ومؤسسات
تطرح هذا الجانب، فالإسلام جذَّاب في كلِّ شيء ، كما هو
جذَّابٌ في عقائده هو جذَّابٌ في أخلاقه وعبادته وأخلاقياته
ومنهجه للحياة ، ولا بُدَّ من تصحيح النَّظرة التي لدى المواطنِ
الغربيِّ عن الإسلام والمسلمين .
ُثمَّ لا بُدَّ من الإفادةِ من معطيات العصر ووسائلِ الإعلامِ ووسائلِ
الاتِّصال المختلفةِ والتقنياتِ الحديثةِ واللُّغاتِ في إيصال الدَّعوةِ إلى
أولئك القومِ وشرحِ الإسلامِ لهم ، فإنَّ من المدهش واُلمحزن أن
تجدَ مكتباتٍ ضخمةٍ في الكونجرس في أمريكا ، وفي بريطانيا وفي
غيرها ، فيها كلُّ كتب الدنيا ثمَّ إذا بحثتَ عن الكتب الإسلامية
لا تجدُ أيَّ كتابٍ موثوق ، وفي بعض الأحيان لا تجدُ إلا الكتبَ
التي تمثل اتجاهًا خاصًَّا ككتب الرافضة مثلا أو الأباضيةِ أو
القاديانيةِ أو غيرِهِم من أهل البدع وأربابِ الضَّلال .
الطُّلابُ الذين يذهبون من العاَلم الإسلاميِّ إلى الغربِ ويقيمون
في أوساطِ الأمَمِ الغربيَّةِ دارسينَ أو موظَّفينَ ، هل حملوا المشعل ؟
أو إنَّهم منهزمون في داخلِهِم عقائديًَّا وحضاريًَّا وإن كانُوا
يتكلمون بألسنتِهِم بغيرِ ذلِك ، فلسان حالِ أحدِهِم يقو ُ ل :
أمَّتي هل َلكِ بينَ الأُمَمِ
*** منبرٌ للسَّيفِ أو للَقَلمِ ؟

أتلقَّاكِ وطرفي مطرِقٌ *** خجلا من أمْسِكِ الُمنصَرِمِ
ويكادُ الدَّمعُ يهمي عابثًا *** ببقايا كبرياءِ الأََلمِ
أين دُنياكِ الَّتي أوحَتْ إِلى *** وَتَرِي ُ كلَّ يتيمِ النَّغَمِ
َ كم تَخَطَّيتُ على أصدَائِهِ *** مَلْعَبَ العِزِّ ومَغنَى الشَّمَمِ
وتَهَادَيتُ َ كأنِّي سَاحِبٌ *** مِئزَري فوقَ جِباهِ الأ ُ نجمِ
حُُلمٌ مَرَّ كأطيافِ السَّنَا *** وان َ طوَى خَلفَ جُُفونِ الظَُّلمِ
أمَّتِي .. كم صَنَمٍ مَجَّدتِهِ *** لم يَكن يحمِلُ طُهْرَ الصَّنَمِ
فاحبسِي الشَّكوَى فلولاكِ َلمَا *** َ كان في الحكمِ عبيدُ الدِّرهَمِ
إنَّ الكثيرون يتكلَّمون ﺑﻬذه العبارات والكلماتِ والأقوال ، أي
أنَّهم منهزمون أمامَ الغرب ، لا يقدِّمون الإسلامَ بقوَّةٍ ولا
يطرحُونَه بشجاعةٍ في أخلاقِهِم وسُُلوكِهِم وأعمالِهِم واتَّصالاتِهِم
وجهودِهِم هناك .
ومع ذلك فإنَّ المستقبل مشرقٌ، ومن أجلِ كلامٍ أكثرَ تفصي ً لا
أطرحُ هذه النماذجَ السريعَة الَّتي لا يسمحُ الوقتُ بأكثرَ منها :
١
) اﻟﻤﺠلسُ الإسلامي الأمريكي :

هذا مجلسٌ في مجالِ دعوةِ اﻟﻤﺠنَّدينَ ، وقب َ ل دقائقَ سلَّمني أحدُ
الإخوة رقعًة أو قصاصًة من جريدةِ "المسلمون" تتكلَّمُ عن
المسلمين الموجودين داخل الجيش الأمريكي ، وأعتقد أنَّه قال إنَّ
عددَ المسلمين هناك حوالي ٨٠٠٠ مسلم ، لكنَّهم كما يقول
المقال بلا نفوذٍ وبدون رتبٍ كبيرةٍ و بلا تأثيرٍ ، هذا في عدد
٤٢١ يعني قبل حوالي سبعة أو ثمانية أشهر .
لكنَّ الكلامَ الذي سوفَ أقوُلهُ مختلفٌ بعضَ الشَّيء ، فقد
وصلني تقريرٌ يقول إنَّ هذا اﻟﻤﺠلسَ الإسلاميَّ الأمريكيَّ المسؤول
عن الدَّعوةِ بين اﻟﻤﺠنَّدين الأمريكان يديرُهُ شخصٌ يتبعه مجموعٌة
من الأفراد ، هم قليلون على كلِّ حالٍ ، لكنَّ الغريبَ أنَّ هذا
اﻟﻤﺠلس ُ كوِّن من قِبَلِ وزارةِ الدِّفاع الأمريكية ، برضاهم و
موافقتهم !
أيُّ دولةٍ عربيَّةٍ أو إسلاميَّةٍ تجعل هناك جهًة مسؤولًة عن التوعيةِ
والإرشادِ الدِّينيِّ والإسلاميِّ في صفوف جيوشها وشعوبِها ؟
نعم يوجدُ في هذه البلاد بوادرُ ومكاتبُ مسؤولٌة عن ذلك ،
نسأ ُ ل اللهَ تعالى أن يمنحَهم القوَة والفرصَة لممارسة دورهم
وجهدهم ، أمَّا في كثيرٍ من الجيوش الإسلاميَّةِ فإنَّ مجرَّدَ وجودِ
كتابٍ إسلاميٍّ أو محاضرةٍ يُعتبَرُ أمرًا خطيرًا !
المهمُّ أنَّ وزارَة الدِّفاعِ الأمريكية أوجدَت ما يمكن أن نسمِّيهِ
بمكتبٍ للتَّوعيةِ الدينيَّةِ خاصٍ بالمسلمين ، وأعطتهم صلاحياتٍ
واسعةٍ ونظَّمَت لهم رحلَة حجٍّ قام معهم ذلك المسؤول ،
ومنحَت ذلكَ المسؤول رتبة عُليا – جنرال في الجيش الأمريكي

، وأعطته فرصَة وإمكانيَة أن يدخل إلى جميعِ القواعد

العسكريَّة الأمريكيَّة بحريًة أو جويًة أو بريًة ، ويتفقَّدَ أحوال
المسلمين هناك وينظِّمَ جداو َ ل لزيارﺗﻬم ، ومحاضراتٍ ودروسٍ
تُلَقى لهم وكتبٍ وأشرطةٍ توزَّعُ عليهم ، وجعلت هناك تعميمًا
على جميعِ مؤسساﺗﻬا للمواصفات المطلوبة حول الطعام والشرابِ
الذي يقدَّم للجندي أو الضابط المسلم ، وحول الأعياد التي
يُسمحُ له بالاحتفال ﺑﻬا من أجل مراعاة المسلمين ومنح الحرية لهم
حتى داخل الجيش الأمريكي .
وفي ذلك المقال الذي تلوتُهُ عليكم قبل قليلٍ صورٌة ﻟﻤﺠموعةٍ من
المسلمين وهم يؤدُّون الصَّلاَة هناك .
فضلا عن تكوين بعض الموادِّ الإعلاميَّةِ من أفلامٍوأشرطةٍ
للتثقيفِ والتدريبِ والتعريفِ بدين الإسلام ، وحريَّةِ دعوة غير
المسلمين إليه أيضًا ، وكذلك دفنِ الموتى على الطَّريقة الشرعيَّة .
وإضافًة إلى هذا كلِّهِ ، فقد سمحَت وزارُة الدِّفاعِ الأمريكيَّةِ بأن
يُعلِنَ هذا اﻟﻤﺠلسُ عن نفسه في جميع المطبوعاتِ واﻟﻤﺠلاَّتِ
والصُّحُفِ التي تصدرُها وزارُة الدفاعِ .
إذن أمامَنا فرصٌ لدعوةِ غيرِ المسلمين إلى الإسلام ، لو ُ كنَّا
جادِّينَ وصادقينَ ، وقد تكو ُ ن هذه الفرص أحيانًا مع الأسف
أعظم وأكبر من الفُرَصِ الموجودةِ في بعض الدُّولِ العربيَّةِ
والإسلاميَّة .
٢
) مركزُ الدِّراساتِ الاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّة بأنقرة في تركيا:

وهو مختلفٌ بطبيعةِ الحال و إنَّما المقصودُ التنويع ، وقد عقد هذا
المركزُ مؤتمرًا تعاونيًَّا للمرَّةِ الثانية ، حضره مجموعٌة من العلماء
المسلمين من مصرَ وبلادِ المغربِ وباكستان والهندِ وغيرها
تفرَّعَتْ عنه عدُة لجان ، منها لجنٌة خاصٌَّة بالعلم والتكنولوجيا
وأصدرت توصياتٍ كبيرةٍ وعظيمةٍ ، ولكنَّهَا نظريَّة بطبيعة الحال
، ولجنٌة أخرى للتنظيمِ والتشكيل بتقسيم العالم الإسلاميِّ إلى
أقاليمَ وولاياتٍ وأقسامَ والتركيز عليها ، ولجنٌة ثالثٌة للعمل
التربويِّ في أوساطِ المسلمين ، ولجنٌة رابعٌة للإعلام الإسلاميِّ
وتقديمِ البديل ، ولجنٌة خامسٌة للمناهجِ الاستراتيجيَّةِ ، وخرَجَت
بتوصياتٍ كبيرةٍ وبنَّاءة ، لكن المهمَّ وا َ لخطِر أنَّ هذا المؤتمر لم
يحدِّد الجهَة التي يمكن أن تنفِّذ هذه التوصيات ، وهذا هو اُلمشك ُ ل
أو كما يُقال : من يُعلِّقُ الجرَس .
فمن اُلممكن جدًا أن يرسمَ حتى الفرد الواحد توصياتٍ كثيرةٍ ،
لكن مَنِ الَّذي يتولَّى التنفيذ في ظلِّ غيابِ الإدارةِ الإسلاميَّةِ
الصحيحةِ من المسلمين حكوماتٍ وشعوبًا وأفرادًا أحيانًا تجاه
ذلك .
٣
) النموذج الثالث / دولة ماليزيا :

و قد تحدَّثْتُ عنها حديثًا عابرًا قبل أسبوع ، فنسبُة الارتفاع في
١٠ % باطراد ، وهم يخطِّطون إلى - معدَّلاتِ النّموِّ في ماليزيا ٧
أن يكون عام ٢٠٠٠ م - وقد وضعوه حدًا - ستكون دولًة
اقتصاديًة وصناعيًة عُظمى في مصافِّ الدُّولِ الـكبرى .
ثم خطَّطوا ذلك ورسموا وسَعَوا وفعلوا ، فحقَّقوا تكريمًا لليَد
العامَلةِ الماليزيَّةِ ونق ً لا للتَّقنية والتَّصنيع ، وتقدُّمًا اقتصاديًَّا ، حتَّى
إنَّهم يصنعون الآن ألوان الصِّناعاتِ من السيَّارات والمكيفات
والآلاتِوالأسلحةِ ..وغيرها ، حتَّى أنَّ السيارَة الَّتي يستقلُّها
رئيسُ الوزراء هي نفسها سيارٌة من صناعةٍ محليَّةٍ ، وهي تجربٌة
ضخمٌة تستحقُّ الدراسَة وعندي عنها مقالاتٌ وأشياءُ كثيرة .
وربَّما يكون ذلك الذي لح َ ظ خطورَة التَّعاون الإسلاميَّ
الكنفوشيَّ - كما سمَّاه – أي التعاون بين المسلمين والصِّين ،
ربَّما لح َ ظ وجودَ نوعٍ من التقاربِ بين ماليزيا والدُّولِ الآسيويةِ
وبين الصِّينِ واليابانِ وبعضِ تلك الدول ، وهذا أمرٌ جيِّدٌ أن
يطرحَه المسلمون ، أي أن يكون هناك نوعٌ من التعاون ونقلِ
التقنيةِ والتصنيعِ والاقتصادِ المتبادلِ بين المسلمين وبين تلك الدول
كبديلٍ عن العالم الغربيِّ الذي أثبتَ انحيازَه لليهودِ وانحيازَه
للنصارى في البوسنةِ وتعصُّبهِ للمصالحِ الذَّاتيةِ والشَّخصيةِ .
إيجابيات
ونحن نتحدث عن الغرب لابد أن نتحدث ونشير إلى بعض هذه
الإيجابيات .
يظنُّ البعضُ أنَّنا نتجاهل الإيجابيَّاتِ العظيمَة الموجودَة في اﻟﻤﺠتمع
الغربي وأننا لا ننظرُ فقط إلا إلى الجانبِ المظلمِ أو المعتمِ منه !
كلا
! وإنما طبيعُة الحديثِ تقتضي التركيزَ على ذلك ، وإلاَّ

فهناك إيجابياتٌ عظيمٌة أذكرُ منها ثلا َ ث تقريبًا بإيجازٍ و اختصارٍ
، وإنما اخترتُها لأنَّها تتعلَّق بموضوعِ حديثِنا:
أو ً لا
: الغربُ صادقٌ مع نفسه وواضحٌ و مباشرٌ و مهتمٌ بعرضِ

المشكلاتِ ومعالجتِها في الهواءِ الطَّلقِ ، بل والغربُ يرصدُ
الميزانيَّاتِ الضَّخمَة لمثل هذا العمل ، أي دراسةِ المشاكلِ
الموجودةِ وتحليلها ، ويقيمُ المراكزَ ويتيحُ لوسائلِ الإعلامِ تلفزًة أو
صحافًة كلَّ الوسائلِ التي تضمنُ قدرتَهم على معالجةِ المشكلةِ
وعرضِها .
أمَّا نحنُ المسلمون فنتعمَّد أسلوبَ التعتيمِ والتعميةِ والتَّستُّرِ على
المشكلاتِ ونعتقدُ أنَّ الصَّمتَ والزَّمَن كفيل بحلِّ المشكلاتِ مع
أنَّه ربَّما يكون الصمتُ والزَّمنُ سببًا في زيادتِها وتفاقمِها ..!
مثال
: ( أمٌَّة معرَّضٌَة للخَطر ) ، كتابٌ كما قلتُ قبل قليل

يتحدَّث بعدَ لجنةٍ مكوَّنةٍ من ثمانيةِ عشرَ خبيرًا يمثِّلو َ ن جميعَ
القنواتِ الغربيَّةِ الأمريكيَّةِ درسوا على مدى ثمانية عشر شهرًا ثم
أعدُّوا تقريرًا نُشِرَ في العاَلم وفي جميعِ وسائلِ الإعلامِ ، يتكلَّمُ عن
الخطرِ الَّذي يهدِّدُ أمريكا من خلالِ عمليَّةِ التَّعليمِ ويدعو إلى
الإصلاح .
و ما قالوا إنَّه تقريرٌ سريٌّ ، و لا خاصٌّ ، و لا رأوا أنَّ في نشرِه
إثارًة لفتنةٍ و لا تقليلا من ثقةِ الشَّعبِ بحكومتِهم !
مثال آخر
: الموضوع الذي نتحدَّث عنه الآن ، جاءتني الآن

ورقٌة من أحدِ الإخوةِ يقول : إنَّك خلال كلمتِك تحدَّثتَ عن
مجموعةٍ من الكُتُبِ الَّتي نُشِرَت في أمريكا وهي تتحدَّث عن
سقوطِ أمريكا واﻧﻬيارِها وتراجُعِ اقتصادِها ، فلماذا لم يُحاكم
أولئك الَّذين كتبوا هذه الكُتُبَ ؟!
هذا والله سؤال قرأتُه الآن والمؤذِّن يؤذِّن
!

هذا شيءٌ عجيبٌ
! إنَّ الغربَ ربَّما يدفعُ جوائزَ لأولئك الَّذين

ينتقدونَه والذين يتكلَّمون عن مشكلاتِه وربَّما يتحدَّث عن
كتبِهِم علانيًة والنَّاسُ يقبلون عليها وأجهزُة الإعلامِ تعرضُها
بطرقٍ مختلفةٍ ، ولا يملكُ أحدٌ أن يعترضَ على مثلِ هذه الأشياء !
فمفهومُ التََّقهُقر الغربيِّ يُعالج ويُطرَح على خطورتِه وعلى
حساسيتِه و رغمَ أنَّهم يتناولونه بشيءٍ من الحــذرِ أحيانًا إلاَّ أنَّ
الكتبَ والصُّحفَ واﻟﻤﺠلاَّتِ أصبحَت تتناوَله بوضوح ، لأنَّهم
يدركون أنَّ السكوتَ عن هذا أو إغماضَ الأعينِ لا يعني أنَّ
الغربَ أصبحَ يترقَّى ولا يعني أنَّ الاﻧﻬيارَ توقَّف ، فهم يرون أنَّه
ولا بُدَّ من الاﻧﻬيارِ ، فليكن إذن اﻧﻬيارًا نشهدُه نحن في عيونِنا
ونسعَى على الأقلِّ في تخفيفِ حدَّتِه.
أما أن نواجِهَ المشكلَة بعدما استفحَلت وتعاظمَت وأصبحَت
مواجهتها كالمستحيل ، فلا فائدَة من ذلك .
أمَّا نحن المسلمون فنقول دائمًا و أبدًا
: نحن بخيرٍ و الأمورُ على ما

يُرام وكل شي تمام !
نعم
! قد تكون أنت بخيرٍ ، ولكنَّ الأمََّة في خطرٍ فلا تكن أنت

أنانيًَّا تقول :
إذا متُّ ظمآنًا فلا نَزَ َ ل القَطرُ
!

بل قل
:

وَلو أنِّي حُبيتُ الخلدَ فردًا
*** لما أحببتُ بالخلدِ انفِرَادا

فلا ه َ طَلت عليَّ ولا بأرضِي *** سحائبُ ليسَ تنتظمَ البِلادا
لا تنظرْ إلى وضعِكَ الشَّخصيَّ وأنَّك بخيرٍ تتمتَّعُ بمميزاتِ
وخصائصَ وفرصٍ وصلاحيات وأعما َ ل ومرتَّبات وأشياءَ لا
يتمتَّعُ بِها غيرُك في بلادٍ أخرى أو في مواقعَ أخرى !
لا
! انظر إلى الأمَّةِ الَّتي أنت فردٌ منها وأدرِك أنَّك إن كنتَ

اليومَ بخيٍر فغدًا لن تكون كذلك ، فإنَّ الآيَة إذا حقَّت على الأمَّةِ
فأنت فردٌ منها ، والنَّاسُ يُصابُون بالبلاءِ جميعًا ثمَّ يُبعَثون على
نيَّاتِهم كما أخبرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم .
يقو ُ ل البعضُ
: هناك أمورٌ طيِّبٌة في اﻟﻤﺠتمع المسلم ، وبناءً عليه

يجب أن نركِّزَ عليها .
نعم ، نحن نعرفُ أنَّه في مجتمعاتِ المسلمين في هذا البلدِ خاصًَّة
وفي بلاد الإسلامِ كلِّها عامَّة ، هناك آثارٌ إسلاميٌَّة إيجابيٌَّة طيِّبٌة ،
في التَّعليمِ والإعلامِ والعلاقاتِ الاجتماعيَّةِ ومجموعةِ الأحكامِ
والمساجدِ والمآذنِ والرُّوحِ الدِّينيَّةِ لدى النَّاس إلى غير ذلك .
ولا يعني السكوتُ عن هذه الأشياءِ تجاهَلها ، لأنَّ هذا هو
الأصل ، أن تكون أوضاعُ المسلمين إيجابيًَّة كلَّها ، لكنَّ المؤسفَ
أنَّ البعضَ ينظرُ إلى الخيرِ الموجودِ في العالم الإسلاميِّ على أنَّه
فقط تحليُة المياه أو زرعُ الأرض أو ارتفاعُ الرواتب !
وهذه نظرة سطحية ، فإنَّهم لا ينظرون مثلا
– حتى دنيويًَّا مثلا

-
إلى ارتفاعِ معدَّلاتِ النُّموِّ وانخفاضِها على المستوى الاقتصاديِّ

وما يترتَّبُ عليه مستقبلا من أضرار ، فضلا عن أن ينظروا إلى
المصالحِ العامَّةِ للأمَّةِ في مواجهةِ الكيدِ الغربيِّ الذي يستهدُفها في
عقيدتِها ودينِها واقتصادِها وأخلاقِها وبلادِها وأرضِها ، بل وفي
أفرادها !
ثانيًا
: ومن الميزات أيضًا أنَّ الغربَ علميٌّ ودقيقٌ ، فهو يعتمدُ

على الرَّصدِ والإحصاءِ والدراسةِ ، ولديه آلافُ المراكزِ وهو
يعم ُ ل في أحيان كثيرةٍ استبياناتٍ ودوريَّاتٍ متواصلةٍ للتَّأكُّدِ من
نظرةِ النَّاسِ إلى شيءٍ وقناعتِهم به ، سواءً كان ذلك الشيءُ
رئيسًا أو قرارًا أو حركًة أو حدثًا معينًا .
ولا يعتمدُ على مجرَّدِ التمنيَّاتِ أو الظُّنونِ أو الحدسِ أو التخمينِ
أو ما يريدُهُ الإنسا ُ ن أو يحبُّه .
ثالثًا
: الغربُ يعطي الإنسان الغربيَّ قيمًة كبيرًة ، ويبدو ذلك في

مجالاتٍ عديدةٍ ، في اﻟﻤﺠالِ السياسيِّ ونظامِهم الديموقراطيِّ الذي
ساهَمَ في تطويلِ مدَّةِ بقاءِ الأُمَمِ الغربيَّةِ لأنَّه نظامٌ – وإن كان
غيرَ إسلاميٍّ قطعًا – يقومُ على إعطاءِ الفردِ قيمتَه في الاختيارِ ،
حتى اختيار العمدةِ في الحيِّ أو المديرِ في ذلك الشَّارعِ أو الرَّئيسِ
في تلك الإدارةِ أو هذه ، فضلا عمَّا فوَقها !
فهم يعطون الفردَ مجالا مهمًَّا من خلال ذلك ، ولذلك تجدُ أنَّ
الشيوعيََّة سقطت بسرعة لأنَّها تقومُ على الديكتاتوريَّة ومصادرةِ
قيمةِ الفردِ ،أمَّا الأمم الغربيَّة فقد تأخَّرَ سقوطها لأنَّها أعطت
الفردَ قيمتَه ، ومثل ذلك في اﻟﻤﺠال التعليميِّ والإعلاميِّ
والاجتماعيِّ، فإنَّ الفردَ في الغربِ يشعرُ بقيمتِه وأهميَّتِه على كلِّ
صعيدٍ ، بخلاف أيضًا الفردِ في كثيرٍ من بلادِ العاَلمِ الإسلاميِّ فهو
مسحوقٌ ليسَ له قيمٌة ولا وزن ولا اعتبارٌ .
أسأل الله تعالى أن يكون اجتماعُنا هذا اجتماعًا مرحومًا ،
وتفرَُّقنا بعدَه معصومًا ، وأسأُله تعالى بأسمائِه الحسنى وصفاتِه
العليا وهُوَ الواحدُ الأحدُ الصَّمَدُ الذي لم يلد ولم يولد ، أن يجمعَ
أمرَ المسلمين على الحقِّ ، وأن يوحِّدَ كلمتَهم على ا ُ لهدى وأن
يهدي ضالَّهُم ، وأن يهدي حكَّامَهم إلى تطبيقِ الشَّريعةِ
الإسلاميَّة والرِّفقِ برعيَّتِهم ، ويوفَِّقهم جميعًا إلى ما يحبُّ ويرضى
، وأن يكفينا شرَّ الأشرارِ وكيدَ الُفجَّارِ وما اختلفَ به الليل
والنَّهار ، إنَّه على كلِّ شيءٍ قدير .
وأسأُله تعالى أن يريَنا من أمرِ ُأمَم الغربِ الكافرةِ المهيمنةِ ما تقرُّ
به عيونُنا ، وأن يفرحَ قلوبَنا وذرارينا وأولادَنا برؤيةِ سقوطِ تلك
الكياناتِ الَّتي تسلَّطت على المسلمين وسامَتهُم سوءَ العذاب
وكاَلت لهم بمكيالٍ بخسٍ ، وهيمنَت عليهم ، وغيَّبَت عقوَلهم
وسيطرَت على إعلامِهم ، ودمَّرت اقتصادَهم ، فأسأُلهُ أن ينتقمُ
منهم فإنَّ الظا َ لم سيفُ الله في الأرض ينتقمُ اللهُ تعالى به ثمَّ ينتقم
منه .
============
تمت المادة بحمد الله
.

!DreAmeR!
23-09-2008, 06:30 PM
شكرا يا محمد على الموضوع الجامد ده وربنا يستر

الشويحى2
24-09-2008, 07:23 AM
جزاك الله خيراً على هذا الموضوع

رونالدينهوو
24-09-2008, 11:39 AM
شكرا يا محمد على الموضوع الجامد ده وربنا يستر

شكـــــــــــــــــــــــــــــــــــراااااااااااا ااا على المرور الغالى يا خالـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــد

جزاك الله خيراً على هذا الموضوع
جزانا الله واياكم

ماهينور 2
25-09-2008, 08:11 AM
شكرا يا محمد علي الموضوع الرائع ده

uoua
30-09-2008, 01:34 AM
موضوع جميل اوى بى صراحة ربنا يكتر من امثلك يا محمد

vampire1188
30-09-2008, 02:11 AM
على فكرة .. انا الكلام دا كله والله العظيم سمعته قبل كدا في شريط لسلمان العودة بصوته

بس الشريط احلي من القراية كمان .. حتى انا اما قريت اول كلمة عرفت انه هوا دا الشريط

وبمناسبة المؤلف بتاع الكتاب .. هوا اسمه فرانسيس جوكوياما .. مش فوكوياما

بس هوا الموضوع جامد بجد .. وتستحق عليه التحية

رونالدينهوو
30-09-2008, 02:55 PM
شكرا يا محمد علي الموضوع الرائع ده
شكرااا على مرورك العطر يا ريناد

موضوع جميل اوى بى صراحة ربنا يكتر من امثلك يا محمد
ربنا يخليكى يا ايه

على فكرة .. انا الكلام دا كله والله العظيم سمعته قبل كدا في شريط لسلمان العودة بصوته

بس الشريط احلي من القراية كمان .. حتى انا اما قريت اول كلمة عرفت انه هوا دا الشريط

وبمناسبة المؤلف بتاع الكتاب .. هوا اسمه فرانسيس جوكوياما .. مش فوكوياما

بس هوا الموضوع جامد بجد .. وتستحق عليه التحية
شكرا ليك يا فامبير

محمد بركات2
22-12-2009, 05:48 PM
http://alqsas.jeeran.com/11%20%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83%20%D8%A7%D9%84%D9%84 %D9%87%20%D9%81%D9%8A%D9%83.gif

علاءهلال1
28-05-2011, 04:11 PM
مشكورررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررر ررر