مشاهدة النسخة كاملة : إتقاني سر نجاحى


alfa
28-11-2008, 08:17 PM
‎‏

ملحوظة - المحاضرة بالمرفقات



إعداد:

أ. سلوى القاسمي



﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾‏‎


أهمية الإتقان‎:‎
في هذا العصر يشتد السباق بين الدول على التقدم والتفوق، وكان هذا السباق‎ ‎والتنافس طوال تاريخ البشر، إلا أنه ‏في هذا العصر أصبح أشد وتيرة وأكثر‎ ‎تأثيراً على حياة المجتمعات والشعوب، وكل أمة من أمم الأرض الآن ‏تفكر‎ ‎دائماً في تطوير مستواها من أجل أن تحافظ على موقعها، ومن أجل أن تنافس‎ ‎الأمم المتقدمة عليها. ولا ‏يمكن لأمة أن تتطور أو تتقدم إلا إذا سادت في‎ ‎أجوائها قيمة الإتقان في العمل. ومن دون هذه القيمة لا يمكن لأمة ‏أن تتقدم‎.

ففي هذا العالم نجد أن بعض الأمم وبعض الدول تتقدم وتتفوق وتهيمن وتزداد‎ ‎هيمنة يوماً بعد آخر.. ولكن ما سر ‏هذا التقدم وما سر هذه الهيمنة؟‎

لو بحثنا لوجدنا أن السر الأكبر يكمن في سيادة قيمة الإتقان في حياة تلك‎ ‎الأمة. فإتقان العمل في مختلف مجالات ‏الحياة، في العمل السياسي، والعمل‎ ‎الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وفي مختلف المجالات. ومحصلة الحالة ‏العامة‎ ‎للإتقان هي هذا التقدم والتطور الذي يعيشونه في حياتهم‎.

ما‎ ‎تعريف‎ ‎الإتقان؟‎
إتقان العمل يعني ما يلي‎:
أولاً: أداء العمل دون خلل فيه‎.
ثانياً: الالتزام بمتطلبات ذلك العمل من التقيد بضوابط وتقنيات معينة‎.
ثالثاً: أداؤه في الوقت المحدد دون تأخير‎.
رابعاً: التفكير في تطوير ذلك العمل حتى لا يبقى العمل ضمن مستوى جامد‎.

أسباب إتقان الإنسان لأعماله‎:‎
ما هي العوامل التي تجعل بعض الأفراد يتقنون أعمالهم، بينما يكون مستوى أداء آخرين في أعمالهم متدنياً في ‏مختلف المجالات؟‎
أنت تلاحظ شخصاً يأتي ليدير مدرسة فيضبط الوضع فيها في التعاطي مع‎ ‎المدرسين والطلاب، وتسيير أمور ‏المدرسة، ومراقبة السلوك العام للطلبة،‎ ‎فيتقن عمله في ذلك كله. وقد يأتي مدير آخر إلى نفس المدرسة فتبدأ ‏الأمور‎ ‎تتسيب والفوضى تدب في أوضاع تلك المدرسة، وهذا الأمر ينطبق على دائرة من‎ ‎الدوائر، وكذا البيت ‏ففي بعض الأحيان رب البيت يسير أمور بيته وعائلته‎ ‎بإتقان بينما تجد شخصاً آخر تعيش عائلته الفوضى ويكون ‏وضع بيته متسيباً،‎ ‎كما يشمل ذلك الحياة الشخصية فهناك أشخاص حياتهم مرتبة ومنظمة، وبعض‎ ‎الأشخاص كما ‏يقول القرآن الحكيم‎ ‎‏﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾‏‎ ‎أي من دون تنظيم أو ترتيب‎.

إذن هناك أفراد يتقنون القيام بعملهم في أي موقع من المواقع، وهناك أفراد لا يتقنون القيام بأعمالهم، ما هي ‏العوامل وما هي الأسباب؟‎

السبب الأول: تركز قدسية العمل في نفوس الأفراد‎:
بعض الأفراد ينشئون في أسرة إلى جانبها ثقافة سائدة في أجوائهم، كلاهما‎ ‎تربيان على أهمية العمل وعلى ‏قدسيته، ولذلك ينشأ الإنسان على حب العمل‎ ‎فتنشأ علاقة داخلية بينه وبين عمله، فيمارس العمل كعاشق للعمل ‏وهاوٍ له‎ ‎وراغب فيه. بينما بعض الأشخاص بالعكس من ذلك، إما لسوء تربيته أو لسوء‎ ‎ثقافته، فتراه يمارس ‏العمل كحالة اضطرارية مثل من يشرب الدواء مثلاً، أو‎ ‎كما يعبر القرآن الكريم‎: ‎‏﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ﴾‏‎‎، ‏يمارس العمل مضطراً ويريد متى يستريح منه كأنه حمل ثقيل محمول على ظهره متى يتخلص منه‎.

وإذا راجعنا التعاليم الإسلامية نرى أن الإسلام يربي أبناءه على حب العمل،‎ ‎وعلى الرغبة فيه، فالإنسان أصلاً ‏إنما جاء إلى الدنيا من أجل أن يعمل وأي‎ ‎لحظة تمر عليه من دون عمل فهي لحظة ضائعة سيندم عليها في حياته ‏كما سيندم‎ ‎عليها يوم القيامة؛ لذلك تجدون القرآن الكريم حينما يتحدث عن المؤمنين‎ ‎يقرن دائماً الإيمان بالعمل ‏الصالح‎ ‎‏﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾‏‎ ‎إذا لم يوجد عمل فالإيمان النظري ‏المجرد لا فائدة فيه ولا قيمة له‎: ‎‏﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾‏‎ ‎لا تجد آية في القرآن تتحدث عن الإيمان إلا ‏وتقرنه بالعمل الصالح‎.

لا يوجد وقت من الأوقات تعيشه في فراغ أو ضياع، بل في كل وقت له عمل مناسب له‎.
وهل هناك حث على العمل كقوله تعالى‎: ‎‏﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾‏‎ ‎فهو أمر ‏بالعمل، وإخبار باطلاع الله عز وجل عليه‎.

بعض الناس يتصور أن العمل يتعبه وهو يريد أن يرتاح، ويتصور أن الأفضل‎ ‎لجسمه ألا يعمل ولا يشتغل، بينما ‏العلم يثبت العكس، والطب يقول عكس ذلك،‎ ‎والروايات عندنا تؤكد العكس‎.
‎ ‎
وللعمل تأثير على الحالة النفسية، فمن يعمل ترتاح نفسياً ويكون أكثر‎ ‎انفتاحاً، بينما الإنسان المتقاعس عن العمل ‏بسبب الفراغ يعيش القلق‎ ‎والهموم والغموم؛
‎ ‎
إذن للتربية دور في غرس وزرع قدسية العمل في نفس الإنسان، كما أن الثقافة‎ ‎السائدة في المجتمع لها دور في ‏ذلك، لذا يجب أن نشجع أولادنا وبناتنا على‎ ‎العمل والإنتاج، لأن الإنسان إذا لم يعمل فكيف يستفيد من طاقاته ‏وكفاءاته،‎ ‎فهو كتلة من الكفاءات ومخزون هائل من القدرات لكنها تحتاج إلى اكتشاف‎ ‎وتفعيل. والآخرون تقدموا ‏لأنهم فعلوا طاقاتهم، ففي كل يوم لديهم مخترع‎ ‎جديد، وكل يوم اكتشاف جديد، بينما الواحد منا يعمل بجزء بسيط ‏جداً من‎ ‎قدراته وطاقاته، ولا ندرك مدى الطاقات والقدرات التي أعطانا الله إياها‎.

يحكى أن جماعة من الحمقى جلسوا يوماً من الأيام مع بعضهم البعض فتذاكروا فوائد الأعضاء.. لماذا خلق الله لنا ‏عيناً ولساناً وأنفاً‎.
قالوا: خلق العين لكي نرى بها، واللسان لنتكلم به، والأنف لنتنفس به‎.
لكن وقفوا عند الأذن: لماذا خلق الله الأذن؟‎
فلم يتوصلوا إلى نتيجة، فقالوا: لنذهب إلى قاضي البلد نسأله لأنه عالم ويعرف الجواب‎.
جاؤوا إلى القاضي، فوجدوا الباب مغلقاً، فرأوا خياطاً بالقرب منه، وكان‎ ‎يلف الخيوط حول أذنه أثناء عمله، ‏وعندما رأوه فرحوا وقالوا: لم تعد هناك‎ ‎حاجة لأن نسأل القاضي، عرفنا حكمة خلق الأذن، حتى يلف الإنسان ‏عليها‎ ‎الخيوط إذا أراد أن يخيط شيئاً‎.
فقد قصروا فائدة الأذن على هذا الفائدة الهامشية، وكثير منا لا يستفيدون من طاقاتهم إلا استفادة ثانوية هامشية‏‎.

ثانياً: وجود الحوافز المشجعة على إتقان العمل‎:
المجتمعات التي تهتم بإتقان العمل توجد حوافز لذلك، بحيث أن من يتقن عمله‎ ‎يجد جزاء على ذلك، بينما في ‏المجتمعات المتخلفة لا تجد، سواء أَعَمِلَ‎ ‎جيداً أم لا؟ الراتب هو نفسه، بل في بعض الأحيان في المجتمعات ‏المتخلفة‎ ‎يكون المقياس هو المحسوبيات، عملت جيداً أم لم تعمل، حتى وإن عملت وأجهدت‎ ‎نفسك وبذلت طاقتك ‏يأتي شخص آخر لم يعمل شيئاً لكن لعلاقته بهذا المدير أو‎ ‎بهذه الجهة يُقَدَّم عليك وأنت –حسب تعبيرنا- يخرجونك ‏من الباب الشرقي‎.
فلماذا يُتْعِبُ الإنسان نفسه ما دام لا يوجد فرق في الأمر؟‎!
هذا خطأ‎..
لقد شجع الإسلام على العمل، وجعل محفزات تشوق الإنسان لفعل الخير وتشجعه عليه سواء في ذلك الأعمال ‏الدنيوية أو الدينية‎: « ‎لم يشكر الله من لم يشكر الناس‎ » .

الناس الذين يعملون معك يجب أن تشكرهم وأن تخلق محفزات لهم حتى يتشجعوا‎ ‎للعطاء وللتطوير، ففي ‏المجتمعات المتقدمة يعرف الإنسان أن مستقبله ورتبته‎ ‎وراتبه ومكانته رهن بإتقان العمل وإخلاصه فيه؛ لذلك يجد ‏ويجتهد أكثر من‎ ‎أجل أن يحصل تلك المكاسب، وفي المجتمعات المتخلفة هذه الحالة غير موجودة،‎ ‎لكن بالطبع لا ‏ينبغي أن تكون مبرر عند الإنسان المؤمن الواعي‎.

ثالثاً: ضعف الوعي الحياتي والوطني والاجتماعي‎:
متى هذه الأوطان تتقدم ومتى تتجاوز المجتمعات الحالة الراكدة التي تعيش فيها؟‎
في الواقع يحتاج ذلك تغييراً في نفس الإنسان لأن الله‎ ‎‏﴿لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) .

من أين يبدأ التغيير؟‎
كثيراً من الأحيان تظهر حالة ترامي المسؤوليات، فيقول الكبير الصغير‎ ‎أولاً، ويقول الصغير الكبير أولاً، وكذا العالم يقول الجاهل أولاً، والجاهل يقول العالم‎ ‎أولاً، ‏وهكذا‎.

بينما التغيير يجب أن ينطلق من الجميع و الإسلام يعلمنا‎: إذا قصر الآخر في القيام بمسئولياته فهذا لا يبرر أن أقصر أنا‎
» ‎ ‎كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته « ‎ .
الإسلام يربي فينا: أن الإنسان يجب أن يجود بما عنده‎:
إذا كان الآخرون لا يوجد في نفوسهم إخلاص وجدية ولا توجه لرضا الله سبحانه وتعالى، فهل أصبح أنا أيضاً ‏مثلهم؟‎

كلا، لأن سياسة‎ ‎‏﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾‏‎ ‎سياسة خاطئة. كما أن الإنسان المؤمن في عمله يتوجه إلى ‏ربه سبحانه وتعالى،‏‎ ‎ويفكر في آثار عمله في الحياة وفي المجتمع الذي يعيش فيه والوطن الذي‎ ‎ينتمي إليه. أضف ‏إلى أن الأوطان إذا لم يخلص أبناؤها في عملهم لا تتقدم‎.

وهذه قضية تهم الجميع وخاصة الذين يعملون في بعض المرافق الحساسة، وإن‎ ‎كانت كل المرافق حساسة؛ لأن ‏الحياة متداخلة مع بعضها البعض، لكن بعض‎ ‎المرافق تأثيرها مباشر‎:

مثل الجانب التعليمي، فإن الذين يؤدون هذا العمل المقدس من مديري المدارس‎ ‎والمدرسين فيها؛ هؤلاء يتحملون ‏مسؤولية كبيرة يجب أن يعوا أن المسألة ليست‎ ‎مسألة وظيفة يأخذون عليها معاشاً آخر الشهر، لأن هذا تفكير ‏الإنسان‎ ‎المادي، أما الإنسان المؤمن المخلص الذي يحترق قلبه على مجتمعه ووطنه يعرف‎ ‎أن هؤلاء الأولاد هو ‏بناة المستقبل، وهم أمانة في عنقه ويده، فعليه أن‎ ‎يجيد ويتقن القيام بهذا الدور. لاسيما وأن أكثر معلمي المدارس ‏اليوم‎ –‎والحمد لله- من أبناء المجتمع مما يجعلهم أكثر إحساساً بالمسؤولية أمام‎ ‎الله سبحانه وتعالى وأمام مجتمعه ‏وأمام المستقبل‎.
‎ ‎ ومن المواقع الحساسة بعد ذلك المجال الصحي، والعاملون في المجالات الصحية‎ ‎في المستشفيات والمستوصفات ‏والعيادات هؤلاء مؤتمنون على حياة الناس وعلى‎ ‎صحتهم، وأي خلل أو تساهل وتمهل، أو وجود تسيب؛ يؤثر ‏على حياة المجتمع، لأن‎ ‎أي إنسان من أبناء المجتمع يفقد حياته بسبب إهمال وتسيب وعدم اهتمام يعد‎ ‎ذلك اعتداء ‏على كل المجتمع‎ ‎‏﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) .
‎ ‎
وهكذا في مختلف المجالات على الإنسان أن يسعى لكي يرفع مستوى أدائه للعمل،‎ ‎وإلاَّ إذا قصر كل واحد في ‏مجال عمله فستكون النتيجة هذا التخلف الذي‎ ‎نعيشه في بلداننا ومجتمعاتنا. أما إذا حاول كل واحد أن يتقن عمله ‏وأن يحسن‎ ‎مستواه فإن نتيجة ذلك تقدم المجتمع‎.

رابعاً: الجو العام الذي يدفع للإتقان‎:
في بعض الأحيان يمكن أن يدخل موظف أو عامل في مكان وعنده روحية الإتقان،‎ ‎لكنه يرى التسيب فيمن يعمل ‏معهم، فيتأثر بهم ويصبح واحد منهم وتعمه حالة‎ ‎التسيب‎.
علينا أن نتواصى بإتقان العمل، ونجعل ذلك حالة عامة كما يقول القرآن الكريم‎: ‎‏﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا ‏بِالصَّبْرِ﴾‏‎‎، وعلينا أن نعلم أن الله رقيب على أعمالنا، كما أن الإسلام يوصينا بالإتقان‎.‎

كيف تحترف الإتقان؟


كيف نحافظ على الإتقان؟
الإتقان الذي هو ثمرة نجاحنا، وتمتعنا بالنجاح، والحصول عليه يشعرنا بنشوة، ويجعلنا سعداء بأوقاتنا، إن السؤال الذي يدور في أذهان الناجحين: كيف نستمر على الإتقان؟

والإجابة سهلة ويسيرة وليست صعبة على الناجحين الذي قطفوا ثمرة الإتقان، وهي تدور حول ثلاثة أمور، إن حافظ عليها الناجحون، انطلقوا في حياتهم متمتعين بالإتقان:

الأول: المحافظة على أسباب الإتقان
إنهم قد امتلكوا الإتقان، وكما يقولون ليس التفوق في إتقان الأمر، وإنما في المحافظة على الإتقان في كلِّ الأمور، وهو يحتاج دائمًا إلى تجديد النية، وصقلها بالعزيمة والهمة، والتأكد من وضوح الهدف في كل حركة، وبذلك نمتلك الدافع الدائم، الذي يجعلنا محافظين على الإتقان مهما كانت العقبات أو الصعوبات.

الثاني: المعرفة والاطلاع
في كل يوم جديد على مستويات الحياة، فهل يعقل أن يمر الجديد دون أن يدري به الناجحون، أو يتقنوا معرفته؟، خاصةً ونحن نعيش في عالم المعلومات وعصر المعرفة، ولن يفهم هذا المعنى إلا الشباب والكبار، الذين يواجهون الحياة، وربما يقابلون المحترفين في العلم والمعرفة في مواقف عملية، فهل ينهزمون أم يجعلون الازدياد المعرفي منهجهم، ويبحثون بكل الطرق في الانتقال من الهواية إلى الاحتراف، ثم يثبتون على ذلك ليكون الثبات نقطة انطلاق وحركة، لا نقطة راحة أو سكون أو اكتفاء؟!

الثالث: الرضا بالنتيجة
الرضا معناه هنا المحاولات الدائمة للوصول إلى النتيجة، وهي النجاح، وليس غير النجاح؛ لذلك فمن أراد الثبات على الإتقان، فليثبت على العمل، والإصرار على النجاح لا تقعده عقبة، ولا تؤخره كارثة، ولا يثنيه فشل؛ لأن كل ذلك هي محاولات نحو النجاح، وما لا يتم النجاح إلا به فهو نجاح، ويحتاج منه إلى رضا وقناعة وفرح وسرور، في أنه يسلك طريق النجاح.


أسس الاحتراف

1- انتماء:
بمعنى القناعة بما تعمل، والتبني لما تعمل، حتى يصير ذلك عضوًا من أعضائك، وجزءًا منك لا تستطيع الاستغناء عنه، فقد أوجدت الدراسات أن 38% من حالات الاكتئاب ناتجة من عدم الانتماء لأي فكرةٍ أو بلد، فالانتماء هو مرجعيتك في مواقف الحياة.

2- تخصص:
التخصص في شأنٍ من الشئون لا يأتي من فراغ.. إنه المزيد من البحث والدراسة والممارسة والتجديد من ناحية المتخصص وهذا وجه، والوجه الثاني الاستعانة بأهل الخبرة والاستفادة الدائمة من تجاربهم.

3- علم:
ليس المقصود بالعلم حشو الرأس والنفس بالمتون والعلوم، وإنما العلم بمعرفة قواعده ومعانيه ومقاصده من جهة، وكيفية تطبيقها على الواقع الذي نعيشه، وفي الحياة.

4- تميز:
أُجريت دراسات في جامعة هارفارد كان مفادها: 7% فقط يعتمد على تميزه في مهنته، بينما 93% منهم يعتمدون على المهارات الشخصية والقدرة على استغلالها، وهذا تميز الهواة، أما المحترفون فهم متميزون بأشخاصهم وأعمالهم، ومبادرون بأفكارهم المتميزة ومشروعاتهم الفريدة في دنيا الحياة.

5- ثقة:
الثقة للمحترف قد يراها البعض غرورًا، ولكنها عنده تواضع لما يعمله، وهي لا تنمَّى إلا بالانشغال بالعمل، والممارسة الدائمة.

6- ابتكار:
المحترف ليس هاويًا يتعلم وسائل الابتكار وأساليب المبدعين، فهو قد تجاوز ذلك كله، فتفكيره يوجهه إلى التطوير وإيجاد الحلول القابلة للتطبيق، فالمرونة والواقعية والتأقلم أصبحت من طباعه وسجاياه في التعامل مع الحياة.

7- خبرة:
ملخصها المزج بين العلم والعمل، بين القول والممارسة، ومرادف خبرة هي تجربة، والتجارب الفاشلة هي التي تدوم في خبرة الإنسان، فالتجارب الناجحة سرعان ما تزول للنشوة الوقتية التي تُحدثها، والخبرة للمحترفين تعني العمل؛ مما هو مسجَّل ومحفوظ بشكلٍ جيد في عقل الإنسان، من كثرةِ الممارسة، يستطيع بها أن يقرأ الأحداث والأوضاع والمستقبل.

8- مهارة:
كثيرًا ما نسمع في دورات هندسة النجاح عبارة: كيف تكتسب مهارات تربوية أو مهارات إدارية؟ مثل: (مهارات الاتصال والتخلص من الضغوط أو مهارات كسب الآخرين ولغة الاتصال وفن التفاوض والتفكير الإيجابي)؛ مما يعني أن المهارة تُكتسب، ويتعلمها الإنسان، وهذا طريق الهواة في الاكتساب والتعلم.
أما المحترفون فإنهم يحوزون على مهارة واحدة تجعلهم يحترفون أي مهارة مهما كان نوعها، ألا وهي (الحماس)؛ فهو ما يحقق لهم النجاح الدائم، ويُحرِّك حياتهم إلى الأمام، وهي القوة التي تشعل كل القدرات، وتدفعهم لتحقيق الأهداف، وهو عند المحترفين حماس متزن مرن واقعي إيجابي؛ لأنه اكتسب بالممارسة والتطبيق والبحث والدراسة والملاحظة، وليس بالقراءة والتدريب فقط مثل الهواة.

9- انفتاح:
ويعني به الانفتاح على النفس وعلى الآخرين، وإن كان الهواة يحاولون ويجتهدون، فإنه لدى المحترفين حقيقة تتحرك في داخلهم، فهم يحترمون وجهات النظر، ويستفيدون بالخبرات، ويستغلون الفرص، فتراهم يشاركون، يتقبلون، يتبادلون، يتفهمون، يتعرفون، يتعلمون، يتناصحون، يتعاونون، يتضاحكون، يتمتعون.




هل حاولت الإجابة بعد معرفتك بالأسس عن هذا السؤال:

هل يمكن أن أكون محترفًا؟
نعم.. وفي سهولةٍ ويسر، وبكل ثقة فليس الأمر حكرًا على أحد دون آخر، إن ما يراه الواعي البصير في النتائج التي ينعم بها المحترفون؛ يعتقد اعتقادًا جازفًا وعميقًا- وبصدق- أن الاحتراف ممكن، رغم ما يحاصرنا من ضغوط وصعوبات، فتعال نتعرف على حياة المحترفين، وما يرغدون فيه من ثمار يانعة، وأوقات هانئة.

ودعنا نتساءل أولاً: ما نتائج الاحتراف؟

1- الرضا:
تسمعهم يقولون: "رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله علية وسلم نبيًا ورسولاً"، وتراهم مستبشرين، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: "مَن قال حين يُمسي رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا كان حقًّا على الله أن يرضيه" (رواه الترمذي) ..

2- الصواب:
فالصواب حليفهم في كل خطوة، عملوا واجتهدوا وأتقنوا واحترفوا، فماذا يجدون غير الصواب، لا يتعثرون، ولا يحتارون، ولا يتخبطون، فهذه الكلمات ليست في قاموسهم لأنهم هم الصواب.

3- الإيجابية:
المحترفون فهم إيجابيون فإلى جانب الذاتية التلقائية فهم ينقلون الحقائق إلى غيرهم، فقد انطلقوا من دائرة الذات إلى الغير، كالشمعة التي تذوب لتنير الطريق لغيرها، فهم المنتجون في كافة مجالات الحياة، وهم المنفتحون على الناس والحياة، وهم المتحركون على بصيرةٍ ووعي وخبرة، وهم المتحكمون في ذواتهم مع الواقع والناس والضغوط، وهم الواقعيون المرنون مع مواقف حياتهم المختلفة، وهم المستمرون بجديتهم وهمتهم وتصرفاتهم واتصالهم بربهم، وهم المشاركون المتسامحون المتعاونون لأنهم هم الإيجابيون.

4- القدوة:
- يقبل عليهم الناس لأن التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام وحده.
- وهم دعاة إلى الحق عمليون يتأثر بهم كل عاقل إلى النهوض والإتقان.
- وهم مثال حي يُثير في الناس التطلع إلى مراتب الكمال، ويحـفزهم نحو العمل وتحقيق الأماني والأحلام.
- وهم الذين يقنعون الآخرين بأن بلوغ الفضائل من الأمور الممكنة، فشاهد الحال منهم أقوى من المقال.

5- الاحترام:
- إن أكبر حافزٍ لهم على الاستمرار هو تقدير الآخرين واحترامهم لما يقدمونه من إتقانٍ وتمكُّن في العمل.
- يتزودون بطاقةٍ هائلةٍ من تقدير الآخرين تجعلهم يحققون أهدافهم ويحولون الأفكار إلى واقعٍ ملموس.
- الاحترام ليس لأشخاصهم فحسب، بل للقدرات التي جعلتهم في هذا المستوى العالي، مما يحفز الآخرين لاكتشاف قدراتهم والاستفادة منها.

6- الكسب:
وفق السنة الربانية، فهم الرابحون، يقول تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك: من الآية 15).
فماذا جنى القاعدون الذين سلكوا الطرق الملتوية ويحسبون أنهم يكسبون ويربحون؟

7- الإنجاز:
وأخيرًا هم يتمتعون بمتعة الإنجاز، ونشوة التحقيق، ولذة النتيجة، حينما يرون أهدافهم واقعًا يعيشون فيه، ويتمتعون بلحظاته، ولِمَ لا؟ وهم كانوا يبادرون لصنع الأحداث وتوجيهها، ولا ينتظرون أن تلعب بهم الأحداث أو المواقف، وهم يُفكِّرون في الحلول والخيارات، ولا يُفكِّرون في المشكلات والعقبات، وهم يتصرفون غير عابئين بالضغوط، ولا ينتظرون تصرفات الآخرين ليقلدوهم، إنهم يستحقون أن يتمتعوا بالإنجاز، فكم ثابروا وكم مهروا وكم أبدعوا وكم اجتهدوا وكم غامروا!!، لقد نجحوا بالفعل وفي الحقيقة، بأن يكون كل منهم (صانع الإنجاز) سلوكًا وعملاً، وليس هتافًا وكلامًا.