عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 31-12-2009, 04:34 PM
الصورة الرمزية خالد مسعد .
خالد مسعد . خالد مسعد . غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 5,559
معدل تقييم المستوى: 21
خالد مسعد . will become famous soon enough
افتراضي

مفهومه للتوحيد وتضرعه ودعاؤه :

كان الملك العادل نور الدين محمود الشهيد من عمق فهمه للتوحيد ومعرفته بالله تعالى لا يفعل فعلاً إلا بنية حسنة ، وحقق في حياته مفهوم التوحيد الصحيح، وحقق الإيمان بكل معانيه والتزم بشروطه وابتعد عن نواقضه وهذا الموقف العظيم يدل على ما قلنا :

قال له قطب الدين النيسابوري – الفقيه الشافعي – مرة : "بالله لا تخاطر بنفسك، وبالإسلام والمسلمين فإنك عمادهم - فقد نصحه بعدم الاشتراك بالقتال والمخاطرة بنفسه حتى لا ي*** فلا يبقى من المسلمين أحد إلا أخذه السيف وتؤخذ البلاد "، فقال نور الدين :" يا قطب الدين اسكت فإن قولك هذا إساءة أدب على الله، ومن محمود حتى يقال له هذا، قبلي من حفظ البلاد، ذلك الله الذي لا إله إلا هو" فبكى من كان حاضراً

وهذا الذي قاله نورالدين رحمه الله يدخل في صميم مفهوم التوحيد، فالله هو الأول والآخر، والظاهر والباطن وما الناس، ابتداء من أصغر جندي فيهم حتى أكبر قائد إلا أدوات "فاعلة" في يده يحّركها وفق مشيئته وإرادته لتحقيق كلمته في الكون الله عز وجل وكفى. هذا التطبيق العملي لمفهوم الإيمان بالله وتحقيق توحيده الذي لو أدركته قياداتنا عبر التاريخ لعرفت كيف تضع هذا التاريخ لصالحنا نحن لا لصالح الخصوم والأعداء .


وفي ساحة الحرب
حيث الموت على بعد خطوات وحيث لقاء الله آت وراء كل لحظة .. كان نور الدين يذوب تواضعاً وإشفاقاً وتصفه تقواه العميقة في حضور مؤثر أمام الله حيث تتمزق في أعماق وعيه بقايا الستائر والحجب التي ظل يكافح من أجل تمزيقها لكي يقف نقياً .. فعندما التقت قواته في حارم بالصليبيين الذين كانوا يفوقونهم عدة وعدداً انفرد نور الدين تحت تل حارم وسجد لربه عز وجل ومّرغ وجهه وتضرع وقال :" يارب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك. وإيشى فضول محمود في الوسط ؟"

يقول أبو شامة : يشير نور الدين هنا إلى أنك يارب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر.
وبلغني أنه قال : "اللهم انصر دينك ولا تنصر محموداً من الكلب محمود .. حتى ينصر



وفي إحدى المعارك سنة ست وخمسين وخمس مائة، قضى الله بانهزام عسكر المسلمين، وبقي الملك العادل مع شرذمة قليلة، وطائفة يسيرة، واقفاً على تلَّ يقال له تل حبيش وقد قرب عسكر الكُفَّار بحيث اختلط رجّالة المسلمين مع رجالة الكُفَّار، فوقف الملك العادل بحذائهم مولَّيا وجهه إلى قبلة الدُّعاء، حاضراً بجميع قلبه مناجياً ربه بسرّه يقول :" يا رَبَّ العباد، أنا العبد الضعيف ملَّكتني هذه الولاية وأعطيتني هذه النيَّابة، عمرت بلادك، ونصحت عبادك، وأمرتهم بما أمرتني به ونهيتهم عما نهيتني عنه، فرفعت المنكرات من بينهم، وأظهرت شعار دينك في بلادهم، وقد انهزم المسلمون، وأنا لا أقدر على دفع هؤلاء الكفار أعداء دينك ونبيَّك محمد صلى الله عليه وسلم ولا أملك إلا نفسي هذه وقد سلمتها إليك ذاباً عن دينك وناصراً لنبيك

فاستجاب الله تعالى دعاءه وأوقع في قلوبهم الرُّعب وأرسل عليهم الخذلان فوقفوا في مواضعهم وما جسروا على الإقدام عليه، وظنوا أن الملك العادل عمل عليهم الحيلة، وأن عسكر المسلمين في الكمين، فإن أقدموا عليه تخرج عساكر المسلمين في الكمين فلا ينفلت منهم أحد فوقفوا وما أقدموا عليه.

ومن خلال المواقف السابقة يبدو نور الدين لا فدائياً فحسب ولكن فقيهاً بقدر الله متبصر بدور الإنسان في حركة التاريخ، عالماً أن إرادة الله إذا شاءت تهيأت لها الأسباب ولن يعجزها شيء ولو مات أو *** عشرات القادة والمجاهدين، فإن آخر رجل منهم سيحمل المهمة ويواصل الطريق، ومن ثم يستوي – عبر هذه الرؤية – هذا القائد أو ذاك.

وكان نور الدين محمود في أكثر الليالي يصلي ويناجي ربه مقبلاً بوجهه عليه، ويؤدّي الصلوات الخمس في أوقاتها بتمام شرائطها وأركانها وركوعها وسجودها .


ماذا قال الكفار عنه؟؟؟
وبلغنا عن جماعة من الصوفية الذين يعتمد على أقوالهم ممَّن دخلوا ديار القدس للزيارة حكاية عن الكفار، أنهم يقولون : "ابن القسيم، له مع الله سر، فإنه ما يظهر علينا بكثرة جنده وعسكره، وإنما يظفر علينا بالدعاء وصلاة الليل، فإنه يصلي بالليل ويرفع يده إلى الله ويدعو، فالله سبحانه يستجيب دعاءه، ويعطيه سؤله وما يَرُدّ يده خائبة، فيظفر علينا"، فهذا كلام الكفار في حقه .



إن نور الدين محمود اعتبر الدعاء من أمضى الأسلحة التي تسهم في تحقيق النصر، ومهما أعد المسلمون من أسلحة وعدة وعتاد، فإنهم يظلون عرضة للفشل والهزيمة والإحباط، إذا امتنعوا عن استخدام هذا السلاح، أو أساءوا استخدامه ، ولذلك استخدمه بنفسه وطلب من الزهاد والعباد والعلماء والفقراء والفقهاء كذلك وكان مستوعباً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هل تنصرون إلا بضعفائكم "([4]).



فالدعاء لله والتعلق به عند قادة النهوض الربانيين والصادقين من المسلمين هو سيد العبادات وأقربها وأحبها إلى الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم : "الدعاء هو العبادة" ([5])، ومفتاح الرحمة ستمطر العباد به مفاتيح رحمة الله تعالى بعد أن تتقطع بهم الأسباب ([6]).
نداء إلينا

أيها الأخوة الكرام المهتمون بنهضة أمتهم والتمكين لدين الله تعالى في الأرض، عليكم بالدعاء فإنه كنز حقيقي من جملة الكنوز التي تنطوي عليها الشريعة الإسلامية فالله تعالى يحض عباده على اقتناص هذا الكنز في مثل قوله تعالى " أدعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين" (الأعراف : 55). وفي مثل قوله تعالى : " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " (غافر، آية : 60) وغالباً ما تحدث الإجابة عاجلاً أم آجلاً : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا لي لعلهم يرشدون " ( البقرة ، آية : 186).





محبته للجهاد والشهادة :
كان نور الدين محمود الشهيد من محبي عبادة الجهاد في سبيل الله ويجد متعته في جهاد الأعداء والمرابطة في الثغور قال العماد الأصفهاني : "حضرت عند نور الدين بدمشق – في شهر صفر – والحديث يجري في طيب دمشق ورقة هوائها وأزهار رياضها وكل منا يمدحها ويطربها، فقال نور الدين : "إنما حب الجهاد يسليني عنها فما أرغب فيها ".



ومرة أخرى نلتقي به وهو يغادر الموصل بعد عشرين يوماً من دخوله إياها عام 566 فيسأله أصحابه : "إنك تحب الموصل والمقام بها، ونراك أسرعت العود ؟" فيجيب :" قد تغير قلبي فيها فإن لم أفارقها ظلمت ؛؛ ويمنعني أيضاً أنني ها هنا لا أكون مرابطاً للعدو وملازماً للجهاد "




وأما حبه للشهادة، فقد قال عنه أبو شامة : "كان في الحرب ثابت القدم حسن الرمي، صليب الضرب يقدم أصحابه ويتعرض للشهادة وكان يسأل الله تعالى أن يحشره في بطون السَّباع وحواصل الطير"






كانت عقيدة الشهادة تحركه وهذا الإيمان العميق بعقيدة الشهادة في سبيل الله هو الذي دفع أجيالاً من المسلمين إلى ساحات الجهاد طلباً للموت، فأسقطوا الدول، وغيروا الخرائط وسحقوا العروش ومرغوا الأنوف، ولم يموتوا.



فكان نور الدين إذا حضر الحرب أخذ قوسين وجعبتين وباشر القتال بنفسه وكان يقول :"طالما تعرضت للشهادة فلم أرزقها . "



عبادته
كان الملك العادل نور الدين محمود الشهيد يصلي أكثر الليالي ويناجي ربه مقبلاً بوجهه عليه ويؤدي الصلاة في أوقاتها بتمام شرائطها وأركانها وركوعها وسجودها ويحافظ على الجماعة وكان كثير الابتهال إلى الله عز وجل في أموره كلها وكان من عادة نور الدين أنه ينزل إلى المسجد بغلس، ولا يزال يركع فيه حتى يصلي الصبح.


وقال ابن الأثير : حدثني صديق لنا بدمشق – كان رضيع الخاتون زوجة نور الدين – فقال :" كان نور الدين يصليّ فيطيل الصلاة، وله أوراد في النهار، فإذا جاء الليل وصلى العشاء نام، ثم يستيقظ نصف الليل، ويقوم إلى الوضوء والصلاة والدعاة إلى بكرة، ثم يظهر للركوب ويشتغل بمهام الدولة".



وقال ابن كثير : "كان نور الدين كثير المطالعة للكتب الدينية، متبعاً للآثار النبوية، محافظاً على الصلوات في الجماعات، كثير التلاوة، صموتا وقوراً كان نور الدين كثير الصيام وله أوراد في الليل والنهار، وكان يقدم إشغال المسلمين عليها ثم يتمم أوراده ( فكان يقدم أشغال المسلمين عليها ثم يتمم أوراده )"

هذا هو المنطق الذي علمنا إياه الإسلام والذي يجعل التعبد، الذي هو غاية الخلائق، ممارسة إيجابية تضرب في أعماق الناس فتغيّر نفوسهم، وتمتد إلى حركة التاريخ فتصوغ مسيرته، كان طبيعة تعبد نور الدين يدفعه إلى المسؤولية ويجعله في قلبها وهو أعمق وعياً وأشد خشية وأمضى عزيمة وأقدح ذَكاء .


لقد مارس نور الدين مفهوم العبادة بمفهومها الشامل وأعطت تلك الممارسة ثمارها على مستواه الشخصي والشعبي، وعلى دولته، وتحقيق العبادة من شروط التمكين قال تعالى : " وعد الله الذي ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلق الذين من قبلهم وليمُكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأطيعو الرسول لعلكم ترحمون " (النور : 55 – 56).



فقد أشارت الآيات الكريمة إلى شروط التمكين وهي : الإيمان بكل معانيه وبكافة أركانه، وممارسة العمل الصالح بكل أنواعه والحرص على كل أنواع الخير وصنوف البر، وتحقيق العبودية الشاملة ومحاربة الشرك بكافة أشكاله وأنواعه وخفاياه، وأما لوازم استمرار التمكين فهي : إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .



قال فيه ابن عساكر :
.. ومع ما ذكرت من هذه المناقب كلها وشرحت من دقها وجلّها فهو حسن الخط بالبنان، متأت لمعرفة العلوم بالفهم والبنيان، حريص على تحصيل كتب الصحاح والسنن مقتني لها بأوفر الأعواض والثمن، كثير المطالعة للعلوم الدينية، متتبع للآثار النبوية، مواظب على الصلوات في الجماعات، مراع لآدابها في الأوقات، مؤدياً فروضها ومسنوناتها، معظم لقدرها في جميع حالاتها، عاكف على تلاوة القرآن على مّر الأيام، حريص على فعل الخير من الصدقة والصيام، كثير الدعاء والتسبيح، راغب في صلاة التراويح، عفيف البطن والفرج، مقتصد في الإنفاق ، متحّر في المطاعم والمشارب والملابس، متبّرئ من التمادي، والتباهي والتنافس، عريٌ عن التجبر والتكبّر، بريئ من التنجيم والتطيَّر، مع ما جمع الله له من العقل المتين، والرأي الثاقب الرصين، والاقتداء بسيرة السلف الماضين، والتشبه بالعلماء والصالحين، والاقتفاء بسيرة من سلف منهم في حسن سمتهم، والاتباع لهم في حفظ حالهم ووقتهم حتى روى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وأسمعه وكان قد استجيز له ممن سمعه وجمعه حرصاً منه على الخير في نشر السنة بالأداء والتحدث، ورجاء أن يكون ممن حفظ على الأمة أربعين حديثاً كما جاء في الحديث، فمن رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه رأى من ألطافه وتواضعه ما حيرّه، ولقد حكي لي عنه من صحبه في حضره وسفر أنه لم تُسمع منه كلمة فحشى في رضاه ولا ضجره وإن أشهى ما إليه كلمة حق يسمعها أو إرشاد إلى سنة يتبعها، يحب الصالحين ويؤاخيهم، ويزور مساكنهم لحسن ظنه بهم، فإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم، ومتى تكررت الشكاية إليه من أحد ولاته أمر بالكف عن أذى من تكلم بشكاته فمن لم يرجع منهم إلى العدل، قابله بإسقاط المرتبة والعزل، فلما جمع الله له من شريف الخصال، تيسر له ما يقصده من جميع الأعمال، وسهل على يديه فتح الحصون والقلاع، ومكّن له في البلدان والبقاع حتى ملك حصن شيزر، وقلعة دوسر، وهما من أحصن المعاقل والحصون واحتوى على ما فيهما من الذخر المصون من غير سفك محجمه من دم في طلبهما ولا *** أحد من المسلمين بسببهما، وأكثر ما أخذه من البلدان، بتسليمه من أهله بالأمان، ووفي لهم بالعهود والإيمان فأوصلهم إلى مأمنهم من المكان. وإذا استشهد أحد من أجناده حفظه في أهله وأولاده، وأجرى عليهم الجرايات، وولى من كان أهلاً منهم للولايات، وكلما فتح الله عليه فتحاً وزاده ولاية أسقط عن رعيته قسطا وزادهم رعاية، حتى ارتفعت عنهم الظلامات والمكوس، واتضعت في جميع ولايته الغرامات والنحوس ودرّت على رعاياه الأرزاق ونفقت عندهم الأسواق، وحصل بينهم بيمنه الاتفاق، وزال ببركته العناد والشقاق .. إلى أن قال : فالله يحقن به الدماء ويسكن به الدهماء ويديم له النعماء ويبلغ مجده السماء ويرجى الصالحات على يديه، ويجعل منه واقية عليه، فقد ألقى أزمتنا إليه وأحصى علم حاجتنا إليه، ومناقبه خطيرة، وممادحه كثيرة، ذكرت منها غيضاً من فيض، وقليلاً من كثير، وقد مدحه جماعة من الشعراء فأكثروا، ولم يبلغوا وصف آلائه بل قصروا وهو قليل الابتهاج بالشعر، زيادة في تواضعه لعلو القدرة، فالله يديم على الرعية ظله وينشر فيهم رأفته وعدله، ويبلغه في دينه ودنياه مأموله، ويختم بالسعادة والتوفيق أعماله فهو بالإجابة جدير على ما يشاء قدير .
رد مع اقتباس