عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 08-08-2011, 03:17 AM
الصورة الرمزية صوت الامة
صوت الامة صوت الامة غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,280
معدل تقييم المستوى: 22
صوت الامة has a spectacular aura about
افتراضي

ثالثاً : جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنهم

وفي السنة الحادية عشرة من الهجرة وقعت معركة اليمامة المشهورة بين المرتدين بقيادة مسيلمة الكذاب، والمسلمين بقيادة خالد بن الوليد، واستحرَّ ال*** في المسلمين، واستشهد منهم سبعون من القرَّاء؛ فارتاع عمر بن الخطاب، وخاف ذهاب القرآن بذهاب هؤلاء القرَّاء، ففزع إلى أبي بكر الصديق، وأشار عليه بجمع القرآن، فخاف أبوبكر أن يضع نفسه في منـزلة من يزيد احتياطه للدين على احتياط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال مترددًا حتى شرح الله صدره، واطمأن إلى أن عمله مستمد من تشريع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن. وكان زيد بن ثابت مداومًا على كتابة الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن، وكان ذا عقل راجح وعدالة ورويَّة، مشهودًا له بأنه أكثر الصحابة إتقانًا لحفظ القرآن، ووعاء لحروفه، وأداء لقراءته، وضبطًا لإعرابه ولغاته؛ فوقع عليه الاختيار رغم وجود من هو أكبر منه سنًا، وأقدم إسلامًا، وأكثر فضلا. قال الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه ، وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، قال: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقال: أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقال: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ. قال: أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقال: عُمَرُ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قال زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ. فَقال أَبُو بَكْر:ٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقال أَبُو بَكْر:ٍ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِه: } لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ{ إِلَى آخِرِهِمَا. وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ وكان زيد لا يكتب شيئًا حتى يشهد شاهدان على كتابته وسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرتّـبه على حسب العرضة الأخيرة التي شهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبقيت هذه الصحف في رعاية أبي بكر، ثم في رعاية عمر، ثم عند أم المؤمنين حفصة، حتى أُحرقت بعد وفاتها رضي الله عنها. لماذا زيد بن ثابت الأنصاري ؟ بين أبو بكر الصديق رضي الله عنه أسباب اختياره زيدَ بن ثابت في الحديث الذي أسلفناه، حيث قال له: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلاَ نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. وقد ورد أيضًا أن زيد بن ثابت كان قد حضر العرضة الأخيرة للقرآن الكريم، كما مرَّ. أضف إلى ذلك أن زيد بن ثابت كان ممن جمع القرآن حفظًا في صدره في حياة رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَعَنْ قَتَادَة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ. فتبين أن أبا بكر رضي الله عنه إنَّما اختار لِهذه المهمة الشاقة زيد بن ثابت للأسباب الآتية: 1.أنه كان شابًّا، وفي ذلك خصال توافق غرض الصديق، حيث إن الشابَّ أقوى وأجلدُ على العمل الصعب من الشيخ، كما أن الشابَّ لا يكون شديد الاعتداد برأيه، فعند حصول الخلاف يسهل قبوله النصح والتوجيه. 2.أن زيد بن ثابت كان معروفًا بوفرة عقله، وهذا مِمَّا يؤهله لإتْمام هذه المهمة الجسيمة. 3.أنه كان غير متهم في دينه، فقد كان معروفًا بشدة الورع، والأمانة وكمال الخلق، والاستقامة في الدين. 4.أنه كان يلي كتابة الوحي لرَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويرى إملاء رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكان يشاهد من أحوال القرآن ما لا يشاهده غيره، وهذا يؤهله أكثر من غيره ليكتب القرآن، ويجمعه. 5.أنه كان حافظًا للقرآن الكريم عن ظهر قلب، وكان حفظه في زمن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على العرضة الأخيرة. 6.أنه فيما روي كان مِمَّن شهد العرضة الأخيرة للقرآن الكريم، كما مرَّ علينا. وقد كان زيد بن ثابت رضي الله عنه جديرًا بِهذه الثقة، ويدل على ذلك قوله لَمَّا أمره أبو بكر بجمع القرآن: فَوَاللهِ! لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قال ابن حجر: وإنَّما قال زيد بن ثابت ذلك لِما خَشِيَهُ من التقصير في إحصاء ما أُمِر بجمعه، لكن الله تعالى يسر له ذلك، كما قال تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر) وشرع زيد بن ثابت يَجمع القرآن من الرقاع واللخاف والعظام والجلود وصدور الرجال، وأشرف عليه وعاونه في ذلك أبو بكر وعمر وكبار الصحابة. فقد شارك في العمل في هذا الجمع عدد من كبار الصحابة، منهم عمر بن الخطاب وأُبَيُّ بن كعب، وغيرهما. فعن عروة بن الزبير قال: لَمَّا استحرَّ ال*** بالقراء يومئذٍ، فَرِق أبو بكرٍ على القرآن أن يضيعَ، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. وعن أبي العالية عن أُبَيِّ بن كعب أنَّهم جَمعوا القرآن في مصحفٍ في خلافة أبي بكرٍ، فكان رجالٌ يكتبون، ويُملي عليهم أُبَيُّ بن كعبٍ وبِهذه المشاركة أخذ هذا الجمع الصفة الإجْماعية، فقد اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم، وتعاونوا على إتْمامه على أكمل وجه. كيف كانت طريقة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جمع القرآن ؟ بلغ اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بالْمحافظة على القرآن الغايةَ القصوى، فمع أنَّهم شاهدوا تلاوة القرآن من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، ومع أن القرآن كان بالفعل مكتوبًا على عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، إلا أنه كان مفرَّقًا، ومع أن تزوير ما ليس منه كان مأمونًا، ومع أن زيد بن ثابت (الذي قام بالجمع) كان هو وغيره من الصحابة يَحفظون القرآن -فقد اتَّبعُوا في جمع القرآن على عهد أبي بكرٍ رضي الله عنه منهجًا دقيقًا حريصًا، أعان على وقاية القرآن من كل ما لَحق النصوص الأخرى من مظنة الوضع والانتحال. ويُمكن تلخيص ذلك المنهج في النقاط الآتية: 1 - أن يأتي كلُّ من تلَقَّى شيئًا من القرآن من رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم به إلى زيد بن ثابت ومن معه. ويدل لذلك ما رواه ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر بن الخطاب قام في الناس فقال: " من كان تلقى من رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئًا من القرآن فليأتنا به" وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح و العُسُب، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شهيدان. 2 - أن لا يُقبل من أحدٍ شيءٌ حتى يشهد عليه شهيدان، أي أنه لم يكن يكتفي بِمجرد وجدان الشيء مكتوبًا حتى يشهد عليه شهيدان. ويدل على ذلك أثر عمر السابق، وكذلك قول أبي بكرٍ لعمر بن الخطاب ولزيد ابن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. وقد اختلف في المراد بالشهادة هنا: فقال السخاوي: المراد أنَّهما يشهدان على أنَّ ذلك المكتوب كُتِب بين يدي رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، أو المراد أنَّهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بِها القرآن. وقال ابن حجر: وكأن الْمراد بالشاهدين الحفظ والكتاب. ثم ذكر احتمال الوجهين الأولين. قال السيوطي: أو المراد أنَّهما يشهدان على أن ذلك مِمَّا عُرض على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عام وفاته. والذي يظهر -والله أعلم- أن المراد الشهادة على كتابته بين يدي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأنه مِمَّا عُرض على جبريل في العام الذي توفي فيه رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، إذ القرآن كان مَحفوظًا في صدور كثير من الصحابة رضي الله عنهم، فلو أرادوا الإشهاد على حفظه لوجدوا العشرات. 3 - أن يكتب ما يؤتى به في الصحف. ويدلُّ عليه قول زيدٍ في حديث جمع القرآن السابق: وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. وما في موطَّأ ابن وهب عن ابن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس. وفي مغازي موسى بن عقبة عن الزهري قال: لَمّا أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر، وخاف أن يذهب من القرآن طائفة، فأقبل الناسُ بما كان معهم وعندهم، حتى جُمِع على عهد أبي بكر في الورق، فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف. 4 - أن لا يُقبل مِمَّا يُؤتى به إلا ما تحقق فيه الشروط الآتية: أ- أن يكون مكتوبًا بين يدي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، لا من مُجرد الحفظ، مع المبالغة في الاستظهار والوقوف عند هذا الشرط. قال أبو شامة: وكان غرضهم ألا يُكتب إلا من عين ما كُتب بين يدي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، لا من مجرد الحفظ. ب- أن يكون مما ثبت عرضه على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عام وفاته، أي في العرضة الأخيرة. وذلك أن ما لم يثبت عرضه في العرضة الأخيرة لم تثبت قرآنيته، وقد مرَّ قريبًا احتمال كون الإشهاد على أن المكتوب كان مِمَّا عرض في العرضة الأخيرة. وعن محمد بن سيرين عن كَثِير بن أفلَحَ قال: لَمَّا أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار، فيهم أُبَيُّ بن كعبٍ وزيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الرَّبعَةِ التي في بيت عُمَرَ، فجِيء بِها، قال: وكان عثمانُ يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخَّروه، قال محمد: فقلت لكَثِيرٍ -وكان فيهم فيمن يكتب: هل تدرون لم كانوا يُؤَخِّرونه؟ قال: لا، قال محمد: فظننت أنَّهم إنَّما كانوا يُؤَخِّرونه لينظروا أحدثهم عهدًا بالعرضة الآخرة، فيكتبونَها على قوله. 5 - أن تكتب الآيات في سورها على الترتيب والضبط اللذين تلقاهما المسلمون عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وقد التُزم في هذا الجمع كل الضوابط السابقة بدقة صارمة، حتى إنه روي أَنَّ عمر بن الخطاب أتى بآية الرجم، فلم تُقْبل منه؛ لأنه كان وحده. فقد أخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف عن الليث بن سعد، قال: أوَّل من جمع القرآن أبو بكر، وكتبه زيدٌ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل، وإن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيْمة بن ثابت، فقال: اكتبوها؛ فإن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتب. وإن عمر أتى بآية الرجم، فلم يكتبها؛ لأنه كان وحده. كان لِجمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه منزلة عظيمة بين المسلمين، فلم يَحصل خلاف على شيء مِمَّا فيه، وامتاز بِمزايا عديدة، منها: 1.أنه جمع القرآن على أدقِّ وجوه البحث والتحري، وأسلم أصول التثبت العلمي، كما مرَّ بنا في منهج أبي بكر في جمع القرآن. 2.حصول إجماع الأمة على قبوله، ورضى جميع المسلمين به. 3.بلوغ ما جُمِع في هذا الجمع حدّ التواتر، إذ حضره وشهد عليه ما يزيد على عدد التواتر من الصحابة رضي الله عنهم. 4.أنه اقتصر في جمع القرآن على ما ثبت قرآنيته من الأحرف السبعة، بثبوت عرضه في العرضة الأخيرة، فكان شاملاً لما بقي من الأحرف السبعة، ولم يكن فيه شيء مِمَّا نُسِخَت تلاوته. 5.أنه كان مرتب الآيات دون السور. ولقد حظي هذا الجمع المبارك برضى المسلمين، وحصل عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ولقي منهم العناية الفائقة. فقد حفظت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر رضي الله عنه حتى وفاته، ثم انتقلت إلى عمر رضي الله عنه حتى تُوُفِّي، ثم كانت بعد ذلك عند ابنته حفصة زوج رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فطلبها منها عثمان بن عفان رضي الله عنه، فنسخ منها المصاحف إلى الأمصار ثم أرجعها إليها، فكانت الصحف المجموعة في عهد أبي بكر رضي الله عنه هي الأساس لنسخ المصاحف في زمن عثمان رضي الله عنه، وهذا مِمَّا يدل على مكانة هذا الجمع عند الصحابة رضي الله عنهم. قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. وعن علِيٍّ رضي الله عنه قال: رحمةُ اللهِ على أبي بكرٍ؛ كانَ أعظمَ الناسِ أجرًا في جمع المصاحفِ، وهو أوَّل من جمع بين اللَّوْحَيْنِ. قال ابن حجر: وإذا تأمَّل المنصف ما فعله أبو بكرٍ من ذلك جزم بأنه يعد في فضائله، ويُنوِّه بعظيم منقبته؛ لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم: من سنَّ سنة حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بِها. ثم قال: فما جمع القرآن أحدٌ بعده إلا وكان له مثل أجره إلى يوم القيامة.
--------------
الخلاصة
1.أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان أول من أمر بجمع القرآن في مجلد واحد، وكان ذلك بإشارة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقام بذلك الجمع زيد بن ثابت رضي الله عنه. 2.أن جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه حظي بإجماع الصحابة عليه، ولم يترك شيئًا مِمَّا كتب بين يدي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فكان جامعًا لِما ثبت في العرضة الأخيرة، دون خلاف من المسلمين. 3.أن الاعتراض الوارد على أبي بكر بأنه فعل ما لم يفعله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، مدفوع بأن أصل الكتابة مأمورٌ به، وأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنَّما تركه لأسباب زالت بوفاته صلى الله عليه وسلم، فأصبح الجمع على هذه الكيفية من باب فعل المأمور به. 4.أن الشبهات التي أثيرت حول جمع أبي بكر للقرآن واهية مدفوعة بالبراهين النقلية والعقلية، وهي لا تستند إلى أدلة غير الوهم والتخرص، وخاصة ما زعمه الرافضة من الزيادة والنقص في القرآن الكريم.
__________________

قلب لايحتوي حُبَّ الجهاد ، قلبٌ فارغ .!
فبالجهاد كنا أعزة .. حتى ولو كنا لانحمل سيوفا ..
رد مع اقتباس