الموضوع: المرأة المصرية
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-02-2012, 10:38 AM
الصورة الرمزية محمد حسن ضبعون
محمد حسن ضبعون محمد حسن ضبعون غير متواجد حالياً
نـجــم الـعـطــاء ((رحمه الله))
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
المشاركات: 11,961
معدل تقييم المستوى: 28
محمد حسن ضبعون is just really nice
افتراضي

عادة ما تحصل النساء علي استحقاقاتهن السياسية بعد فترات وفترات من النضال والحراك والأخذ والرد في تلك المجتمعات التي تقول إنها تنتمي إلي النظم الليبرالية الديمقراطية‏.‏ ولنبدأ بالنموذج من فرنسا علي سبيل المثال‏.‏


ربما يكون عدد منا قد قرأ القصة الشهيرة للكاتب الانجليزي شارلز ديكنز, قصة مدينتين, التي نشرها عام1859, وقد كانت من القصص المقررة علي الطلبة المصريين في المرحلة الثانوية حتي بدايات العقد الخمسيني من القرن الماضي... في بدايات القصة شرح ديكنز واقعة, مدام ديفارج, السيدة الفرنسية الفقيرة التي استمرت جالسة وبجانبها لفافة الخيط وفي يديها إبرتان طويلتان لنسيج التريكو. تنسج بالإبرتين وتشد الخيط من اللفافة. كانت تنسج الأكفان استعدادا للثورة وتصف الكفن الواحد علي الآخر وعيناها تتجه إلي سجن الباستيل الشهير انتظارا لاندلاع الثورة وسقوط هذا السجن الرهيب, الباستيل, بكل ما كان يمثله من الاستبداد.
كانت مدام ديفارج نموذجا للمرأة الفرنسية التي قدمت للثورة وأعدت لها ثم شاركت فيها وبعد ذلك خرجت منها خالية اليدين, بلا حقوق سياسية أو اجتماعية تذكر.
والمدهش أن الذكور الفرنسيين أطلقوا عليها وعلي هذا الجيش من النساء اللاتي شاركن في الثورة الفرنسية عام1789 عبارة كانت جديدة علي التراث السياسي الفرنسي. أطلقوا عليهن عبارةlestricoteuses أي نساجات التريكو.
والمدهش أن المرأة الفرنسية استمرت تعمل وتنشط في الحياة العامة وتسهم في بناء فرنسا ما بعد ثورة1789 دون أن تحصل علي حقوقها السياسية. إلي أن قامت الحرب العالمية الثانية عام1939 وتم احتلال النازي لباريس وبدأت المقاومة الفرنسية. عادت المرأة الفرنسية تلعب مرة أخري دورا حاسما في المقاومة الفرنسية مما اضطر الرجال إلي منحها حقوقها السياسية عام.1945 خجل الرجال كما خجل المجتمع ونالت المرأة الفرنسية حقوقها السياسية بعد أكثر من مائة وخمسين عاما علي الدور الذي قامت به مدام ديفارج وزميلاتها في ثورة بورجوازية ديمقراطية في العالم.
والنموذج الثاني من الولايات المتحدة الأمريكية. فقد ساندت المرأة في هذه البلاد التي تأسست علي المهاجرين, حرب التحرير التي قادها جورج واشنطن وأخذ بها إلي الانتصار عام.1783 كما ساندت أبراهام لينكولن أثناء قيادته للحرب الأهلية التي هزمت حركة انفصال الولايات الجنوبية وأسقطت العبودية فيها وحررت العبيد من الزنوج, إلا أنها لم تحصل, أي المرأة الأمريكية, علي حقوقها السياسية إلا عام1920 أي بعد الحرب العالمية الأولي. والسبب في حصولها علي حقوقها السياسية في ذلك العام هو حضورها العملي الواضح في الصناعة العسكرية والذي قدمته طوال سنوات الحرب1918/1914. فلم يكن من الممكن تجاهل هذه الحقوق بعد ما يقرب من مائةوخمسين عاما من حرب تحرير الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا جئنا إلي مصر ونعود إلي ذلك اللقاء الذي تم بين يحيي باشا إبراهيم رئيس وزراء مصر عام1923 وبين السيدة هدي شعراوي ومعها لجنة الوفد النسائية وهو اللقاء الذي وافق فيه رئيس الوزراء علي منح المرأة المصرية الحق المتساوي في التعليم ولكنه لم يوافق علي منحها الحقوق السياسية, ثم تابعنا حركة الرفض المجتمعي العام لحقوق المرأة السياسية فسوف نلمح حالة الفوقية التي أحاطت صدور قرار جمال عبدالناصر المعترف بهذه الحقوق عام1956 قبل صدور أول دستور بعد ثورة يوليو عام.1952
فالمجتمعات الذكورية تستخدم جهد وحركة المرأة خلال أحداث الثورات سواء كانت وطنية أو اجتماعية, ثم تتنكر لها بعد الثورة. ذلك لأن الثورات تحتاج كل المواطنين لتحقيق أهدافها. أما ما بعد الثورات, فإنهم يسلخون أو ينزعون صفة المواطنة عن النساء ويتعاملون معهن كـtricoteuses. وربما ظهرت هذه الحقيقة بجدارة في التغييرات التي جرت أخيرا في المغرب. هناك في هذا البلد الذي قاد فيه الملك تغييرات في الدستور تنص علي المناصفة بين الذكور والإناث لم تحصل المرأة المغربية إلا علي مقعد وزاري واحد في حين أنها, أي المرأة المغربية, كانت تحتل سبعة مقاعد وزارية قبل هذه التعديلات الدستورية.
ثم نأتي إلي مصر التي شاركت فيها المرأة, بكل شرائحها, بجدارة في ثورة25 يناير.2011 فلم تكد السلطات العليات تتغير يوم11 فبراير عام2011 حتي بدأ الهجوم يشن علي نظام الكوتة الذي صدر عام2009 لرفع نسبة تمثيل المرأة في مجلس الشعب. تم الهجوم علي الكوتة دون تقديم أي بديل يضمن لها تمثيلا معقولا في المجالس النيابية, يتلاءم مع ماقدمته وما تقدمه لبلدها سواء كان عطاؤها في الإنتاج أو الحياة العامة, بحجة أن قرار الكوتة صدر في العهد البائد الذي اتسم بالفساد والظلم والاستبداد الفوقية. تماما كما حدث بعد وفاة الرئيس السادات. في ذلك الوقت شن الهجوم علي ما سمي في ذلك الوقت بقانون شقة الزوجية. بحجة أن المرأة أخذت حقا لاتستحقه.
والمدهش أن الهجوم الذي شن علي نظام الكوتة سار في تواز مع الهجوم علي نسبة الفلاحين والعمال في المجالس الشعبية, وبذات الأسلوب أي دون تقديم أي بديل يسمح بتمثيل أبناء الطبقات غير المالكة للمال أو لأصول الإنتاج في الحياة النيابية. وكأن إلغاء الكوتة بجانب إلغاء نسبة الخمسين في المائة للعمال والفلاحين هو الذي سيصلح مصر من شمالها إلي جنوبها ومن غربها إلي شرقها. أو كأن الثورة التي شاركت فيها المرأة المصرية بكل شرائحها قامت ليس لإعادة بناء مصر الديمقراطية والعدالة والمواطنة وإنما لخفض نسبة مشاركة المرأة في أول مجلس نيابي ينتخب بعد الثورة إلي18%.
وإذا أخذنا بمبدأ إلغاء تلك القرارات التي تصدر في زمان سياسي سابق لزماننا السياسي الآني, فإننا, في حالة المرأة, لابد أن نلغي كل القرارات الصادرة لصالح قضية المرأة المصرية منذ أن أصدر الوالي محمد علي باشا, مؤسس الدولة العلوية, قراره الفوقي الشهير بإنشاء مدرسة القابلات عام.1835 خاصة أن قرار الوالي بإنشاء مدرسة القابلات المصريات كان ضد رضا المجتمع خاصة ضد إرادة رجال وعلماء الأزهر الذين عارضوه بشدة غير مقدرين للدور المستقبلي الذي قامت به آلاف الخريجات القابلات المسجلات اللاتي انتشرن في كل ريف مصر وقراه.
لايمكن التعامل مع الاستحقاقات المتحققة للمرأة علي أساس الزمان السابق لزماننا السياسي لمجرد أنه كان نظاما بائدا بالتالي لابد من إلغائها. فاستحقاقات المرأة لا يمكن أن تعامل علي أساس النظام السياسي الذي تحققت فيه وإنما لابد أن نتعامل معها علي أساس أن تراكمها يصب في التقدم العام لكل مجتمع ويجب احترامها والإضافة إليها.
__________________
اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلاتبغضوهم
هيا بنا نتعلم الديمقراطية
<!-- Facebook Badge START --><!-- Facebook Badge END -->
رد مع اقتباس