عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23-03-2012, 06:05 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيا : تدوين الدستور في الإسلام


اتضح مما سبق أن الأحكام الدستورية الإسلامية قسمان ، قسم ثابت وقسم غير ثابت ، وعليه فإن الأحكام والقواعد الثابتة لا تتغير مدى الزمن ، سواء دونت فيما يسمى بوثيقة الدستور أم لم تدون ، بل لم يثبت تدوينها على مر التاريخ الإسلامي ، إذ ليس هناك حاجة إلى تدوينها ما دامت ثابتة في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع المسلمين والمفترض أن الدولة الإسلامية يتوفر فيها العلماء والفقهاء الذين يهدون مسيرتها الدستورية ويستندون إلى هذه المصادر .


وسواء دونت هذه الأحكام أم لا فإن لها السمو على جميع القوانين والأحكام دستوريها وغير دستوريها ؛ لأنها وحي من الله لا يسمو فوق حكمه حكم .


فالبحث في تدوين الدستور إنما هو لدولة إسلامية معينة بما يحتويه من أحكام غير ثابتة ؛ لأنها تختلف من دولة لأخرى ، ولأنها هي التي يجب أن يحتويها الدستور ، أما الأحكام الثابتة فإن تدوينها في دستور دولة معينة أمر لا لزوم له كما سبقت الإشارة إليه ؛ لأن هذه الأحكام ثابتة في آيات القرآن وتفسيرها والأحاديث وشروحها ، ومباحث الفقه وأصوله ؛ ولأن هذه الدولة الإسلامية يجب أن تلتزم في دستورها بأحكام الشرع وأن لا تخالفها ، وبالتالي فلها أن تعد دستورها وفق ظروفها ، موافقة في ذلك شرع الله ، ويحتوي هذا الدستور الأحكام الخاصة بدستور هذه الدولة .


وفي هذا المجال نجد بعض الباحثين في شأن الدستور الإسلامي يرى أن هناك تدوينا للدستور في بعض العصور ، ويمثل بالوثيقة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة ، ويعتبرها دستورا للدولة في ذلك العصر ، موافقا لظروف ومتطلبات الوقت الذي وضع فيه ، والحقيقة أن هذه الوثيقة تحوي أحكاما دستورية تعالج بعض القضايا الدستورية في ذلك الوقت الذي وضعت فيه ، ويمكن الاستئناس بها عند تدوين أي دستور لدولة إسلامية ، ولكنها ليست دستورا كاملا بمعنى الدستور الفني أو الخاص بل هي وثيقة دستورية لها أهميتها في تاريخ الدولة الدستورية . ولم يثبت بعد هذه الوثيقة تدوين يشبهها لأحكام دستورية في الدولة الإسلامية ، بل استمر العمل بالرجوع إلى الأحكام الثابتة ، واستنباط أحكام جديدة لما يستجد من وقائع ، والتعارف على أعراف معينة غير مخالفة لأحكام الشريعة تستقر لفترة من الزمن ، حتى بدأت حركة تدوين الدساتير في الدول الإسلامية بإعلان الدستور التونسي عام 1276هـ الموافق 1861م ثم الدستور العثماني عام 1293هـ الموافق 1876م . اللذين يمكن اعتبارهما أول دستورين إسلاميين بمعنى الدستور الخاص تم تدوينهما .


ويستنتج من ذلك وفقا للمعنى الخاص للدستور أنه من الممكن أن توجد دساتير مدونة في بعض الدول الإسلامية وأخرى غير مدونة ، أو توجد بعض قواعد الدستور مدونة وبعضها الآخر غير مدون ، أي أنه ليس هناك إلزام بتدوين الدستور في النظام الإسلامي ، ولا إلزام بعدم التدوين ، وأن ذلك راجع لما تستقر عليه الآراء في الدولة الإسلامية وللظروف المتغيرة ، بحيث قد يكون الأفضل في جهات متعددة التدوين صيانة لحقوق عامة للمسلمين واستئناسا بتوثيق التداين ، { وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا } سورة البقرة آية 282 ، واستئناسا بتدوين السنة مع ورود نصوص تصرف عن ذلك وبالوثيقة النبوية التي كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة .


وقد لا يحتاج إلى التدوين في جهات وأزمان معينة إذا أمن جانب صيانة حقوق عامة المسلمين وترجحت مراعاتها ، فليس المهم في النظام الإسلامي النظر إلى الشكل ولكن المهم هو المضمون ، وهو وجود قواعد دستورية راسخة وصريحة متمشية مع حكم الله ، تضمن للحاكم والمحكوم حقوقهما على حد سواء ، وليس ضروريا بعد ذلك أن تكون هذه القواعد مدونة في وثيقة تسمى الدستور أو تكون غير مدونة .


ثم إن الدستور بمعناه الخاص في الدولة الإسلامية قد يكون ثابتا أو مرنا حسب ظروف كل دولة ، وما يستقر الرأي الدستوري فيها عليه من أمر بهذا الخصوص ، ولا علاقة بين تدوين الدستور وثباته ، فقد يكون الدستور مدونا ومرنا ، وقد يكون ثابتا وهو غير مدون ، والعكس كذلك ، وهذا الثبات الذي أشير إليه هنا متعلق بالدستور بمعناه الفني أو القانوني ، وبالتأكيد فإن الثبات هنا هو ثبات نسبي .


وفي حالة تدوين دستور معين لدولة إسلامية ، يجب النص على أن الحكم لله وحده ، وأن السيادة المطلقة لله { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } سورة الأنعام آية 57 .


وإن التشريع الملزم هو من عند الله { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } سورة المائدة آية 48 .


كما أنه لا يفضل وضع نص قرآني ضمن مواد الدستور ؛ لأن مواد الدستور من طبيعتها التغير ، وليس ذلك من طبيعة نصوص القرآن ؛ ولأن النصوص القرآنية فوق النصوص الدستورية وبالتالي فإن وضعها مادة في الدستور إنقاص من شأنها ، وإنما يستخلص الحكم الدستوري من الآية ، ويذكر أن ذلك استنادا إلى الآية كذا ، ومثال ذلك عندما يراد أن ينص على أن الشورى أساس من أسس الحكم ، لا توضع آية : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } سورة الشورى آية 38 , مادة كبقية المواد ، وإنما يقال مثلا : " إن الشورى أساس من أسس الحكم " ، ثم تفصل كيفية الشورى ونطاقها وفق ظروف الواقعة .


والخلاصة : أن تدوين الدستور في الدولة الإسلامية ليس بضرورة ، فالأمر فيه متروك للحاجة والمصلحة ، ويتأكد التدوين عند قلة العلماء المجتهدين ، وضعف الوازع الديني لدى المؤسسات الدستورية ، والخوف على حقوق عامة المسلمين . وعدم تدوين الدستور في الدولة الإسلامية لا يعني عدم وجود المؤسسات الدستورية ، فوجودها غير مرتبط بالتدوين أو عدمه ؛ لأن وجودها مرتبط بوجود الدولة الإسلامية ذاتها .
__________________
رد مع اقتباس