الموضوع: تحليلات سياسية
عرض مشاركة واحدة
  #54  
قديم 02-09-2012, 05:11 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي قراءة في خطاب مرسي بقمة عدم الانحياز في طهران

تحولات هيكلية
قراءة في خطاب مرسي بقمة عدم الانحياز في طهران


محمد عبدالله يونس
مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والسياسية جامعة القاهرة
لم يكن خطابُ الرئيس المصري د. محمد مرسي في الجلسة الافتتاحية لقمة دول عدم الانحياز في طهران مجردَ اتباعٍ تقليدي للمراسم الدبلوماسية المتبعة في تسليم رئاسة الحركة؛ وإنما جاء الخطابُ متضمنًا رسائلَ ودلالاتٍ كاشفةً عن تحولات هيكلية في ثوابت وتوجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه الإقليم، وما يرتبط بها من رسائل موجهة
للداخل لتدعيم أركان الجمهورية الثانية بسياسة خارجية مستقلة، استنادًا إلى مركزية الدور المصري في منطقة الشرق الأوسط، واستغلالًا للدلالات الفارقة لأول زيارة رئاسية مصرية لطهران منذ عقود في خضم التجاذبات الإقليمية حيال الأزمة السورية أسفرت إجمالا عن انقسامات معقدة وثنائيات استقطابية والتحولات الداخلية الملحقة بالموجات الارتدادية للربيع العربي.

استقطاب إقليمي جديد

أثرت متغيرات عديدة على خطاب الرئيس مرسي بطهران، أهمها الجدل المحتدم إقليميًّا حول دلالات زيارته لطهران، ومدى اعتبارها مؤشرًا على تقاربٍ مصري إيراني، وإعادة تشكيل للتحالفات وتوازن القوى الإقليمي، لا سيما وأن الزيارة تأتي مسبوقة بزيارة الرئيس مرسي للصين، أحد أهم الحلفاء الإستراتيجيين لطهران والداعمين لنظام بشار الأسد في سوريا.

وفي السياق ذاته ارتبطت الخطابات بانتقادات داخلية متصاعدة من جانب رموز التيار السلفي باعتبار زيارة طهران تدعيمًا للمحور الشيعي في المنطقة، في ظل الأبعاد الطائفية للصراع الداخلي في سوريا، والتحالف الوثيق بين النظام العلوي في سوريا والنظام الإيراني، ومن هذا المنطلق بدت الرسائل التي حرص مرسي على إيصالها كالتالي:

- استهل الرئيس محمد مرسي خطابه بالثناء على الصحابة (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي) في رسالة موجهة لتأكيد الخلافات المذهبية الدينية بين إيران والدول الإسلامية السنية، وأنها خلافات هيكلية لا يمكن تجاوزها لا سيما في ظل الأبعاد الطائفية والمذهبية في السياسة الإقليمية لطهران، وشبكة علاقاتها المعقدة بالقوى الشيعية في العراق ولبنان وسوريا ودعمها لتسييس الطائفية في المنطقة.

- تضمن الخطابُ إشارة الرئيس مرسي إلى جهود الرئيس عبد الناصر في تأسيس حركة عدم الانحياز، وأنه كان يعبر عن إرادة الشعب المصري، بما يكشف عن انتقال الرئيس مرسي من مرحلة التوظيف الانتقائي أيديولوجيا للتاريخ المصري -المرتبط بالقطيعة التاريخية بين الإخوان والنظام الناصري- إلى توظيف المكانة المصرية التاريخية في استعادة حيوية الدور المصري في دوائر السياسة الخارجية المصرية، لا سيما الدائرة الإفريقية ودائرة دول الجنوب التي شهدت انسحابًا للدور المصري خلال فترة حكم الرئيس السابق مبارك.

- أغفل الرئيسُ المصري الحديث عن ثورة البحرين في إطار إشارته للثورات العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن، فيما يحمل دلالات قوية على الموقف المصري حيال الأبعاد المذهبية لتلك التحولات الداخلية، والتأكيد على دعم دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة القوى الشيعية المرتبطة بإيران بعلاقات وثيقة، وهو ما يمكن اعتباره انخراطًا للنظام المصري في المحاور المذهبية المتقاطعة في منطقة الشرق الأوسط، وانحيازًا للمحور السني الذي يضم المملكة العربية السعودية في مواجهة الاستقطاب الإقليمي الذي تقوده إيران.

- تضمن خطاب الرئيس انتقادات حادة لنظام بشار الأسد في سوريا المتحالف مع طهران؛ حيث أكد على دعم الشعب السوري ونضاله ضد النظام القمعي، داعيًا دول عدم الانحياز إلى دعم مطالب الثورة السورية، والانتقال السلمي إلى نظام ديمقراطي يحفظ سوريا من الحرب الأهلية أو التقسيم اعتمادًا على المبادرة المصرية، موجها دعوته لتوحيد صفوف المعارضة السورية بما يعكس تحولا هيكليا في الموقف الرسمي لمصر قبيل تولي الرئيس مرسي مهام منصبه الذي ارتكز على تجنب الانحياز لأي من أطراف الصراع في سوريا، والتركيز على التفاوض لتسوية الصراع دون إدانة أي طرف.

- شدد الخطاب على الركائز التقليدية للسياسة الخارجية المصرية في الدائرة الشرق أوسطية لا سيما القضية الفلسطينية والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ومبادرات منع الانتشار النووي في المنطقة وانتقاد الممارسات الإسرائيلية في كلتا القضيتين، بما يعكس استمرارية للسياسة الخارجية المصرية رغم التحولات الهيكلية داخليًّا.

أبعاد التحول وتداعياته

يكشف خطاب الرئيس مرسي عن مراجعة هيكلية لثوابت السياسة الخارجية المصرية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما تجاه التجاذبات المذهبية والصراعات الداخلية المحتدمة في سوريا بما استتبع تداعيات آنية لتلك التحولات ليس أقلها انتقادات أقطاب نظام الأسد لخطاب الرئيس مرسي، واعتبار وزير الخارجية السوري وليد المعلم الخطاب المصري "تحريضا على سفك الدماء في سوريا" على حد تعبيره.

بينما ارتبطت دلالات الخطاب باستعادة الثقل المصري في توازن القوى الإقليمي والالتزامات المصرية تجاه الأمن في المنظومات الإقليمية الفرعية، لا سيما تجاه أمن الخليج خاصة في ظل المخاوف من تقارب مصري إيراني بدايته زيارة الرئيس مرسي لطهران، في حين ظهر من الخطاب والمبادرة المصرية سعي الرئيس المصري إلى تدعيم محور إقليمي جديد يضم تركيا والمملكة العربية السعودية والأردن يستدعي الأزمة السورية لمراجعة توازنات القوى الإقليمية والدور الإيراني في أزمات الإقليم.

وفي السياق ذاته؛ حملت المشاركة المصرية في قمة عدم الانحياز بطهران رسائل أخرى لمختلف الأطراف الإقليمية والدولية بتأسيس نهج جديد للسياسة الخارجية المصرية يقوم على الاستقلالية، وعدم الاستجابة للضغوط الهادفة إلى تحديد مسارات الحركة الخارجية المصرية وأولويات السياسة الخارجية المصرية، فضلا عن اتجاه مصر للإفادة من توازنات القوى الإقليمية والدولية في تعظيم العوائد الداخلية للسياسة الخارجية المصرية.

كما لم يخل الخطاب من إدراك لانعكاساته الداخلية في تدعيم أركان الجمهورية الثانية بزعامة مرسي، وتثبيت أركان التحالف بين الإخوان والتيارات السلفية الداعمة لرئاسة مرسي، فضلا عن حشد التأييد الشعبي له ولجماعة الإخوان المسلمين قبيل الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية المقبلة استغلالا للتعاطف الشعبي المصري مع الثورة
السورية ونزعة التدين لدى الجماهير المصرية في إطار التوظيف السياسي لقضايا السياسة الخارجية بصورة غائية.
رد مع اقتباس