عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-01-2013, 04:55 PM
الصورة الرمزية صوت العقل
صوت العقل صوت العقل غير متواجد حالياً
نجمة العطاء
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 11,351
معدل تقييم المستوى: 25
صوت العقل is a jewel in the rough
Smile أحب ابني أن يكون هكذا ، فهل تريدونه هكذا؟

أحب ابني أن يكون هكذا ، فهل تريدونه هكذا؟

أحب أن ينشأ معتمداً على نفسه في تحصيل رزقه و تكوين حياته ، لا على أي شيء آخر ، حتى على الثروة التي يتركها له أبوه ، ومن ينشأ هذا المنشأ و اعتاد ألا يأكل إلا من الخبز التي تصنعه يده ، نشأ عزوفاً مترفعاً لا يتطلع إلى ما في يد غيره ، و لا يستعذب طعم الصداقة و الإحسان
أحب أن ينشأ رجلاً ، ولا سبيل إلى الرجولة إلا من ناحية العمل ، و قلما يعمل العامل إلا بسائق من الضرورة ، ودافع من الحاجة ، و فرق بين الغني الذي يعمل لتنمية ثروته و تعظيم شأنها ، و بين الفقير الذي يعمل لتحصيل قوته ، و تقويم حياته
أحب أن يعيش فرداً من أفراد هذا المجتمع الهائل المعترك في ميدان الحياة ، يصارع العيش و يغالبه ، و يزاحم العاملين بمنكبيه ، و يفكر و يتروى ، و يجرب و يختبر ، و يقارن الأمور بأشباهها و نظائرها ، و يستنتج نتائج الأشياء من مقدمتها ، و يعثر مرة و ينهض أخرى ، و يخطئ حيناً و يصيب أحياناً ، فمن لا يخطئ لا يصيب ، و من لا يعثر لا ينهض ، حتى تستقيم له شؤون حياته
ذلك خير له من أن يجلس في شرفة من شرف قصره مطلاً على العاملين ، و المجاهدين ، متع نظره بمرآهم كأنما يشاهد رواية تمثيلية في أحد ملاعب التمثيل
أحب أن يمر بجميع الطبقات ، و يخالط جميع الناس ، و يذوق مرارة العيش و يشاهد بعينه بؤس البؤساء و شقاء الأشقياء ، و يسمع بأذنيه أنات المتألمين ، و زفرات المتوجعين ليشكر الله على نعمته إن كان خيراً منهم و يشاركهم في همومهم و آلامهم إن كان حظه في الحياة مثل حظهم ، لتنمو في نفسه عاطقة الرفق و الرحمة فيعطف على الفقير عطف الأخ على الأخ و يرحم المسكين رحمة الحميم للحميم
أما الغني الذي لم يذق طعم الفقر في حياته فقلما يشعر بآلام الناس و مصائبهم ، أو يعطف على بؤسائهم و ضراتهم ، فإن حاول يوماًُ أن يمد يده بالمعونة إلى بائس أو منكوب ، فعل ذلك متفضلاً ممتناً لا راحماً و لا متألماً
و الألم هو الينبوع الذي يتفجر منه جميع عواطف الخير و الإحسان في الأرض ، و هو الصلة الكبرى بين أفراد المجتمع الإنساني ، و الجامعة الوحيدة التي تجمع بين طبقاته و أجناسه ، بل هو معنى الإنسانية و روحهاوجوهرها ، فمن حرمه حرم كل فضيلة من فضائل النفس ، و كل مكرمة من مكرماتها ، و أصبح بالصخرة الصلدة أشبه منه بالإنسان الناطق
أحب أن يجوع ليجد لذة الشبع ن و يظمأ ليستعذب طعم الري و يتعب ليشعر ببرد الراحة ، و يسهر لينام ملء جفونه ، أي أنني أحب له السعادة الحقيفية التي لا سعادة في الدنيا سواها
أحب أن يكون غنياً بالمعنى الحقيقي ، لا بالمعنى الإصطلاحي ، أي أن يكون مستغنياً بنفسه عن غيره ، لا كثير المال و الثراء ،
لا أكره أن ينشأ ولدي غنياً ، و لا أحب أن أعرضه لمخاطر الفقر و آفاته ، و لكني أخاف عليه الغنى أكثر مما أخاف عليه الفقر
أخاف عليه أن يغتر بالمال اغتراراُ كثيراً ، و يقدره فوق قدره ، و يعتبره الكمال الإنساني كله ، فلا يهتم بإصلاح أخلاقه و تهذيب نفسه ، و ألا يجد من حوله عشرائه و خلطائه مرآة يرى فيه عيوبه لأن عشراء الأغنياء متملقون ، يطوون سيئاتهم و يزخرفون حسناتهم
أخاف عليه أن يقضي أيامه و لياليه مروعاً مذعوراُ خافق القلب مستطار الفؤاد ت***ه الخسارة إن خسر ، و يصعقه فوت الربح إن فاته ، و يطير بنومه و هدوئه هبوط الأسعار ، و نزول الأسهم ، و تقلبات الأسواق ، و خسران القضايا و منازعات الخصوم
و ما ليلة البائس المسكين الذي يتصايح أولاده من حوله جوعاً ، ولا يجد ما يسد به رمقهم ، بأطول من ليلة الغني الذي يسقط إليه الخبر بأن سلعة من سلعه قد نفقت ، أو سهماً من أسهمه قد نزل
هكذا أحب ولدي أن يكون فهل تحبونه هكذا..



__________________
استودعكم الله ..


رد مع اقتباس