عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31-01-2013, 03:30 PM
hamedtoti hamedtoti غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 361
معدل تقييم المستوى: 17
hamedtoti is on a distinguished road
Neww1qw1 تحليل لقصة قنديل أم هاشم ليحى حقى

هذا تحليل لرواية قنديل أم هاشم من عملى عسى أن ينفع طلابنا


قنديل أم هاشم

يحيى حقّى
قصة كتبها الكاتب الكبير " يحي حقّى" وهى من أوليات القصص التى كتبها ضمن مجموعته القصصية والتى ضمّت (سيرته الذاتية , السلحفاة تطير , كنّا ثلاثة أيتام , وكنا وكان , بينى وبينك) ونشرتها الهيئة المصرية الهامة للكتاب كطبعة أخيرة ضمن مشروع القراءة للجميع ومكتبة الأسرة .
تتناول تلك القصة " الأسطورة " وكيف تأصلّت فى عقلية أبناء الريف المصرى وكذا عقول الكثير من العامة فى مدن مصر المختلفة من الجنوب حتى الشمال وأكبر مثال على ذلك ( عرس الزين للطيب الصالح ) وكيف أن فكرة الولى قد امتدّت فى أعماق ريفنا المصرى وكيف تأصلّت حتى صارت عقيدة كبرى وطقساً دينياً وصورة إيمانية حتى أن صار لكل قرية ولىّ ولكل مدينة ولىّ مبارك صاحبت حياته الكرامات والمعجزات والتى جعلته شهيراً يأتيه المريدون من كل حدب وصوب والكل يأتيه ليتبرّك بزيارة ضريحة والمسح بأعتابه والتمسك بحديده وتقبيل أبوابه والكل مباح حتّى التطواف حول ضريحه الذى يقبع فيه جسده المسجى والمبارك ولتحلّ البركة على زواره ومريديه ويا حبذا لو مسّت هذا الولى قرابة سواء من قريب أو من بعيد بآل البيت النبوى الكرام لكانت له مكانة كبرى ولكان يوم ميلاده عيداً فيه يذكر اسم الله وتنصب حلقات الذكر ويتراقص المريدون فيها على أصوات الدفوف والغناء الدينى إن جاز لنا أن نسميه غناءً دينياً فهو يبدأ ببعض الأشعار وينتهى بأصوات غريبة تشبه الشخير إلى حدٍ كبيرٍ لا يبقى فيها حرفٌ من حروف كلمات الذكر بل تصير هنّات وشهيقاً وزفيراً وشخيراً على إيقاع ثابت محفوظ لأهل الشخير المبارك وأيضاً تمايل يمنة ويسرة ولا يعدم الأمر من تواجد بعض الأرغفة المحشوة بالفول النابت أو اللحم ـ كنذور ـ تفرّق فى هذا الموسم فلكل موسم فى مصر طعام يناسب الموسم أولا يناسبه المهم أن يتواجد الطعام فيه فلكل مولد حمصه, وكيف يفضّ المولد ولا حمص فيه ؟! ويأتى الناس من كل حدب وصوب والكل يحمل عدده وعتاده وكأنهم يذهبون للحج وليخيموا بجوار ضريح الولى لأيامطويلة ينالون فيها النفحات المباركة ويباركون أبناءهم ويوزعون زكاة أموالهم وليشربوا من مياه الولىّ المباركة ويباركوا أبناءهم ويوفوا بنذرهم ويتطببوا بزيت القنديل المبارك لا مانع من أن يعالج كلّ مريض بذا العلاج الناجع والترياق السحرى الذى يشفى كل مرض ويعالج كلّ علة حتى العقم والرمد المرمد العين لو اكتحلت عينه بذا الزيت لصار يرى أفضل من المبصرين وتراق الدماء وت*** النذور من خراف وماعز إلى حد الأبقار والجاموس فالولى غالى ونذوره واجب آداؤها لانه ببركاته حقق المعجزات فهذه أنجبت ببركة الولى وهذا شفى ببركة الولى وصار ينسب للولى ما هو لله ولا حرج وتحولت البركة لشرك كما كان الكفار قديماً يعبدون أصنامهم زلفى لله فهى القريبة التى تكون همزة الوصل بينهم وبين الله .... قصص كثيرة تحاك وخرافات تنسج حتى يتسامر المريدون داخل الخيام وخارجها طوال ساعات الاستراحة بين الذكر والتى يتردد فيها اسم الولى مقروناً يالمدد وقرابته الكبيرة بآل البيت وحلمه بالرسول ويتردد الحديث الشريف " أهل بيتى أهل مودتى" وكذا " من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب"صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم
تلك نماذج من الناس الذين طحنتهم ظروف الحياة وسحقتهم تحت عجلاتها فصاروا يبحثون عن المخلِّص الذى يخرج بهم غياهب الظلم والإجحاف وعسرة الأيام ... دموع تسكب على الأعتاب ... نواح مكتوم يصدر من شفاه شققها الحزن وسحقها الحرمان ... آمال كثيرة تنتظر من يساعد فى ظهورها إلى الواقع والمساعد لابد أن يكون فارسا يلبس عباءة المعجزات أو الكرامات وهذا فى الشعب المصرى لايخصّ الدين الإسلامى فحسب بل يتواجد بكثرة فى أصحاب الديانات الأخرى ــ فى خارج مصر كالبوذية والهندوكية ــ كالمسيحية فهم لديهم مثل هذا وأكثر فالشهيد مار جرجس والقديس بطرس لهم من المعجزات الكثير أما العذراء فحدِّث ولا حرج فهى حتى الآن تظهر لمن ترضى عنه وتحقق له آماله ... إيمانيات أم أوهام آمن بها هذا الشعب المسكين الكسول الذى يحلم بالمعجزات لتحقيق أحلامه وليتها تتحقق فلا المعجزات تتحقق ولا الآمال .
زمان القصة: مع مطلع القرن العشرين حيث قامت الثورة على الأوضاع السياسية فى مصر وكان بالتالى أحرى أن تقوم ثورة تصحيح للمفاهيم الدينية بعد فترة الجمود والتخلف الفكرى التى جثمت على صدر مصر وأبنائها لفترة طويلة أثناء الحكم الملكى الذى كان أحيانا يتخذ الستار الدينى سبيلاً لتقوية أركان العرش الخاوى ولا حرج من إذكاء مثل هذه الأشياء التى تقدس كل شى وقد يصل التقديس للعرش الملكى ذاته فجاءت الثورة الفكرية لتذيب هذه الثلوج التى جمّدت أطراف الحياة فى مصر وأصابت أبناءها فى عقولهم وعقائدهم.
المكان:بجوار ضريح السيدة زينب حيث سيدور الصراع بين العلم والأسطورة والمكان مناسب جدا حيث يعجّ بالزوّار الذين يقدمون من أماكن مصر النختلفة للتبرّك بزيارة آل البيت
الشخصيات:
اسماعيل أفندى: ذلك الفتى الذكى منذ ولادته حتى سمّاه أهله إسماعيل أفندى منذ الصغر ولا يذكر اسمه إلا مقرونا بأفندى منذ كان تلميذا إن بطل قصة «قنديل أم هاشم » يمثل « المنقذ » أو « المخلص » فلقد تجلت فيه ملامح النجابة منذ صغره، فهو يعامل معاملة الكبار، وهو لم يزل صبياً، وينادى بالسيد إسماعيل أو إسماعيل أفندي، وله أطيب ما في الطعام والفاكهة، ويمثل بالنسبة لأسرته مركز حياتها ووجودها . فحين يجلس إسماعيل للمذاكرة « خفت صوت الأب، وهو يتلو أوراده، إلى همس يكاد يكون ذوب حنان مرتعش، ومشت الأم على أطراف أصابعها، وحتى فاطمة النبوية بنت عمه، اليتيمة أباً وأماً تعلّمت كيف تكفُّ عن ثرثرتها وتسكن أمامه في جلستها صامتة كأنها أمة وهو سيدها» .
وتكون الأسرة مشغولة وساهرة في خدمة المنقذ لتهيئته لأداء دوره المستقبلي . وحين يأوي البطل الى فراشه فعندئذ « تشعر الأسرة أنَّ يومها قد انقضى، وتبدأ تفكر فيما يلزمه في الغد، كل حياتها وحركتها وقفٌ على توفير راحته، جيل يفني نفسه لينشأ فرد واحد من ذريته » .
إنَّ إسماعيل فرد واحد تصنعه الجماعة وتسهر وتشقى وتفنى من أجل صنعه وخلقه . إنّ المنقذ لا ينأى بعيداً عن الجماعة، فهي التي تدور في فلكه، تصنعه، ثم تقدسه . فهو فرد بإزاء الجماعة . والجماعة تسقط أحلامها عليه .والبطل « خبير بكل ركن وشبر وجحر، لا يفاجئه نداء بائع ولا ينبهم عليه مكانه . تلفُّه الجموع فيلتفُّ معها كقطرة المطر يلقمها المحيط . صورة متكررة متشابهة اعتادها فلا تجد في روحة أقل مجاوبه .لا يتطلع ولا يملُّ، لا يعرف الرضا ولا الغضب ،إنه ليس منفصلاً عن الجمع حتى تتبينه عينه » .
إنّ الأسرة التي كانت تهييء « إسماعيل » ليؤدي دوره منقذاً ومخلصاً، كانت ترى أن العلم هو الطريق الجديد للتقدم . وإذا كان هناك منقذ ومخلص قديم يتنفس في أجواء التراث وينهل من روح التصوف، فإن المنقذ الجديد تصنعه الجماعة أيضاً، وتمهد الطريق له للإغتراف من العلم، وبخاصة في رحلة الى عالم العلم الحديث في الغرب، وكان لا بد من التضحية باللقمة والمال، كي يرحل
« اسماعيل » لتلقي العلم في الغرب، ولكل رحلة مخاوفها ومخاطرها، تماما كرحلات السندباد، تكتنفها العجائب والغموض والأهوال . وكانت فاطمة النبوية ابنة عمِّ اسماعيل أول من استشعر الخطر، فهي تخشى من هذه الرحلة لأنها تسمع « انّ نساء أوروبا يسرن شبه عاريات، وكلهن بارعات في الفتنة والإغراء، فاذا سافر اسماعيل فلا تدري كيف يعود إن عاد ».
فاطمة النبوية : ولعلها ترمز الى الشرق، وأيضاً اسمها يوحى بأنها ستكون مسرحاً للأسطورة فهى فاطمة النبوية التى نسبت منذ ولادتها إلى آل البيت وكأنها ستصير رغماً عنها مسرحاً للحدث الأكبر فى القصّة فهي تنتظر عودة المخلص عالماً وقادراً ومحبّاً، ولذلك أكّد الأب في وصيته : « اعلم أنَّ امك وانا قد اتفقنا على ان تنتظرك فاطمة النبوية، فأنت أحقّ بها وهي أحقّ بك، هي بنت عمك وليس لها غيرك، وان شئت قرأنا الفاتحة معاً يومنا هذا، عسى أن يصحب سفرك البركة واليمن ».
واسفرت رحلته الى الغرب عن تغير في كل شيء، تغير في قدراته العلمية، وتغير في ذوقه وأسلوب حياته، ومن الجدير بالذكر أنّ هناك ثنائيات ضدية تنبيء عن هذا التغير، فلقد تحول إسماعيل من جهة السلوك الاجتماعي والأخلاقي « كان عفّا فغوى، صاحيا فسكر، راقص الفتيات وفسق »، كما تعلم شيئا آخر في تذوق الجمال : « تعلم كيف يتذوق جمال الطبيعة، ويتمتع بغروب الشمس كأن لم يكن في وطنه غروب لا يقل جمالا ويلتذ بلسعة برد الشمال » .
واذا كانت فاطمة النبوية الفتاة المستسلمة البسيطة التي ترى الحياة بحدسها ومن خلال عيني ابن عمها، تمثل الشرق، فان
ماريزميلة إسماعيل في الدراسة في أوروبا، تمثل الغرب، وهي التي قلبت حياته رأساً على عقب، أو على حد تعبير يحيى حقي :
« هي التي فضّت براءته العذراء . أخرجته من الوخم والخمول إلى النشاط والوثوق، فتحت له آفاقاً يجهلها من الجمال : في الفن، في الموسيقى، في الطبيعة، بل في الروح الإنسانية أيضاً » . وقد تمكنت من تحويل عالمه الداخلي إلى خراب : « بدا له الدين خرافة لم تخترع إلا لحكم الجماهير، والنفس البشرية لا تجد قوّتها ومن ثَمَّ سعادتها إلا إذا انفصلت عن الجموع وواجهتها، إمَّا الاندماج فضعف ونقمة » .
ولا ريب أن الدلالة الرمزية واضحة في المقابلة في أفكار إسماعيل الشرقي و«ماري» الغربية سواء في النظرة إلى الحب أو الزواج أو الحاضر أو المستقبل، أو القيود والحرية . فالدين لدى إسماعيل مثلا يمثل شيئا كائنا في الخارج، مثل المشجب، تماماً، أما المعيار عند ماري فانه في الداخل من الذات، والحياة حركة جدلية متجددة، وليست قانونا ثابتا ،« يقول لها : « تعالي نجلس » فتقول له قم نسير، يكلمها عن الزواج، فتكلمه عن الحب . يحدثها عن المستقبل فتحدثه عن حاضر اللحظة . . . إنّ أخشى ما تخشاه هي : القيود، وأخشى ما يخشاه هو : الحرية » .
إنَّ هذا التحّول جعله ينظر إلى الحياة بمنظار آخر ولكن هذا لم يمنعه من حبِّ وطنه وشوق العودة إليه . وكان لا بد من العودة إلى أهله وليس من قبيل الصدفة أن يجعل بطل قصته متخصصاً بطبِّ العيون، وكأنه يشير إلى بعد رمزي يهدف إلى أن يفتح عيون مجتمعه وينقله إلى الجديد . وقد أكَّد ذلك على لسان الأستاذ الغربي الذي تتلمذ عليه إسماعيل، أو الدكتور إسماعيل، حين قال له « أراهن أنَّ بلادك في حاجة إليك، فهي بلد العميان » وعاد إسماعيل إلى وطنه، بلد العميان، وكان « كلما قوي حبه لمصر زاد ضجره من المصرين، ولكنهم أهله وعشيرته والذنب ليس ذنبهم، هم ضحية الجهل والفقر والمرض والظلم الطويل المزمن » . وكأن المنقذ يرى مساوئ بلده لأول مرة، فالريف المصري «كأنما اكتسحته عاصفة من الرمل فهو مهدم معفر متخرِّب، الباعة على المحطة في ثياب ممزقة تلهث كالحيوان المطارد وتتصبَّب عرقاً ولما سارت العربة من المحطَّة، ودخلت شارع الخليج الضيق الذي لا يتسع لمرور الترام، كان أبشع ما يتصوره أهون مما رآه : قذارة وذباب، وفقر وخراب، فانقبضت نفسه، وركبه الوجوم والأسى، وزاد لهيب الثورة في قرارة نفسه، وزاد التحفز » . وقد بدا له المجتمع المصري متخلفا على كل المستويات العلمية والصحية . « هؤلاء المصريون : *** سمج ثرثار، أقرع أرمد، عار، حاف، بوله دم، وبرازه ديدان، يتلقى الصفعة على قفاه الطويل بابتسامة ذليلة تطفح على وجهه. ومصر قطعة « مبرطشة » من الطين أسنت في الصحراء، تطن عليها أسراب من الذباب والبعوض، ويغوص فيها إلى قوائمه قطيع من جاموس نحيل » .
العقدة :وكانت المواجهة ساخنة بين إسماعيل بوصفه منقذاً ومخلصاً وبين مجتمعه، وابتدأ الصراع منذ أول يوم وصل فيه إلى أهله، حين شاهد أمه تقطر في عيني ابنة عمه فاطمة النبوية قليلاً من زيت قنديل السيدة زينب . وكان أن « قفز إسماعيل من مكانه كالملسوع . أليس من العجب أنه وهو طبيب عيون، ليشاهد في أول ليلة من عودته، بأية وسيلة يداوي الرمد في وطنه » .
إنّ المعارضة بين العلم من جهة والتصوف والجهل والخرافة من جهة أخرى دفعت إسماعيل إلى شنِّ حملة شعواء ضدّ كل ألوان الخرافة، مؤكدا لأمه : « سترون كيف أداويها فتنال على يدي أنا الشفاء الذي لم تجده عند الست أم هاشم » . أمَّا أمُّه فقد شككت في عقل ولدها، مؤكدة أنّ هذا الزيت هو الذي يحلّ به الشفاء بسبب بركة أم هاشم، وأما أبوه فقد اتّهم ولده بالكفر« وسمع صوت أبيه كأنما يصل إليه من مكان سحيق : ماذا تقول ؟ هل هذا كل ما تعلمته من بلاد برّه ؟ كل ما كسبناه منك أن تعود الينا كافراً » .
وكان لابد أن يحطم إسماعيل مركز الخرافة والجهل، متمثلاً في هذا القنديل الأسطوري، وتوجّه إلى ضريح السيدة زينب «لم يملك إسماعيل نفسه . . . فقد وعيه وشعر بطنين أجراس عديدة، وزاغ بصره، ثم شب، وأهوى بعصاه على القنديل فحطّمه، وتناثر زجاجه ومن الجدير بالذكر أن التمرّد على الجهل والخرافة ومحاولة تحطيمه تتم بعد أن يفقد البطل وعيه ».
وأخذ الأب يلعن اليوم الذي أرسل فيه ابنه الى أوروبا وأخذ يكرر مع نفسه ومخاطباً ولده : « ليتك ظللت بيننا ولم تفسدك أوروبا فتفقد صوابك، وتهين أهلك ووطنك ودينك » ..
وإذا كان ما سلف يمثل الجانب السلبي في مكافحة الجهل والتخلف، فان الفعل الايجابي أن يعمد إسماعيل إلى إنقاذ مريضته فاطمة النبوية ابنة عمه ورمز الشرق، ولا بد أنْ يستخدم أدواته العلمية ومهاراته الفائقة كلها، وحاول ذلك بكل ما يستطيع غير أن فاطمة مريضته وضحيته تفقد كل يوم بصرها، حتى « انكفأ آخر بصيص تتعزى به »
الحل وأراد يحيى حقي أن يوازن بين بعدى العلم والإيمان كي تتحقق المعجزة، لأن خرافة زيت القنديل لم تحل معضلة العمى كما أنّ العلم وحده لم يشف المريضة من عاهتها، ولذلك كان لابد من الجمع بين العلم والإيمان، غير أنّ يحيى حقّي قد جمع بين العلم والخرافة متمثلة في زيت القنديل. وقد عاد البصر إلى عيني فاطمة النبوية حين جمع بين العلم الحديث وزيت القنديل . وهذا يعني
«أن العلم من غير إيمان لاقيمة له، ولأنه أراد أن يشفي فاطمة بعلمه وحده أصيبت بالعمى، ولم تستعد بصرها إلا حين استعاد إيمانه » .
أنّ قصة « قنديل أم هاشم » تقيم تعارضا بين روحانية الشرق وعلمانية الغرب، ويتجلى في هذا التعارض أبعاد رمزية، تمثل فيه فاطمة النبوية رمزا لمصر وللشرق . وقد أسهمت في إعداد المنقذ والمخلص، وبقيت ترقب عودته، وكان أن وصل بها الأمر حداً من مرض كاد يفتك بعينيها، وكانت تعالج بأساليب القدامى القائمة على الخرافة والجهل.
وتستسلم فاطمة النبوية لتمرد المنقذ وكسره زجاجة الزيت وقنديل أم هاشم، وتستسلم لعلمه أيضاً، لكنها لا تريد أن تتخلى عن روحية الشرق . فلا يفلح الطبيب الحاذق إلا حين يجمع بين بعدي الطب الحديث ورمز الروحية متمثلا بزيت القنديل، على الرغم من أنه يشتمل على الخرافة .
وإذا كانت السيدة زينب تمثل المنقذ والمخلص القديم في أحد جوانب الوعي في المجتمع العربي فان يحيى حقي يعرض في قصة
« قنديل أم هاشم » بطله« إسماعيل » بوصفه المنقذ الجديد . وهو منقذ تمتد تطلعاته في الحاضر وتستشرف المستقبل . ويتجلى ذلك من خلال تتبعه العلمي في مظانه المعاصرة، وفي المجتمع الغربي على وجه الخصوص، وهي في الوقت نفسه تمتد جذوره في عمق الماضي، وما يكتنفه الوجدان الشعبي هذا ما كان يريد التأكد عليه، محاولة المزج بين العلم والإيمان. فان الحياة لا تتم بدونهما، صحيح أنّ يحيى حقي تنكَّب الطريق حين جعل الخرافة معبرة عن الإيمان والدين، لأن زيت قنديل أم هاشم لايعبر عن الدين، وإنما يعبر عن الجانب السلبي والسطحي لفهم شعبي خطأ للدين .
أنّ المنقذ القديم إنساناً أو فكرةً أو مكاناً إنما يمثل حركة المجتمع، ويدور المجتمع حوله . وإنّ المنقذ الجديد « الإنسان » بوصفه بطلا، تدور حوله حركة المجتمع . فالولي القديم ينقذ المجتمع بمعجزة، ولايتم ذلك إلا بتواصل بين الولي والإنسان، وبخاصة أنّ الأخير يؤمن ببصيرة وقدرة الولي وإعجازه . وأصبح « إسماعيل » المنقذ الجديد يؤدي دوره الطبي في شفاء الفقراء والبائسين بأساليب تقترب من المعجزة الخارقة، و « كم من عملية شاقّة نجحت على يديه، بوسائل لو رآها طبيب أوروبا لشهق عجباً . استمسك من علمه بروحه وأساسه، وترك التدجيل والمبالغة في الآلات والوسائل . اعتمد على الله ثم على علمه ويديه فبارك الله له في علمه وفي يديه » .
وتتجلى الملامح الأسطورية في المنقذ الجديد، إذْ كان ملتحماً بالجماعة، تماماً كما تكون الجماعة ملتحمة به، فهو يستقبل المرضى في بيته وكأنه يشبه الضريح إلى حد أنّ هذا المنـزل « يصلح لكل شيء إلا لاستقبال مرضى العيون . الزيارة بقرش واحد لايزيد » . وتتجلى ملامح البساطة والزهد في زيه ومظهره، على الرغم من أنه « كان في آخر أيامه ضخم الجثة، أكرش، أكولاً نهماً » وكانت ملابسه مهملة « على أكمامه وبنطلونه آثار رماد سجائره التي لا ينفك يشعل جديدة من منتهية » . واذا كان المنقذ القديم يعيش في وجدان الشعب، فان إسماعيل هو الآخر بقي بعد رحيله « يذكره أهل حي السيدة بالجميل والخير ثم يسألون الله له المغفرة ».


وعلى الله قصد السبيل
أعدّته الطالب /
تحت إشراف /




رد مع اقتباس