عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-10-2013, 02:09 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ومن ثواب هذا القرآن الكريم -أيضًا- أنه يهدي قُرَّاءَه إلى الحق: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ(24). والمسلم يدعو ربه وجوبًا سبعة عشر مرة في كل يوم أن يجعله من أهل الهداية، في قوله -تعالى- في سورة الفاتحة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(25). فضلاً عما يقوله في صلوات النوافل وغيرها، فهو يطلب من ربه أن يثبته على طريق المستقيمين الذين أنعم الله -تعالى- عليهم، فهو كتاب هداية.
من الثواب المترتب عليه أنه يهدي صاحبه إلى طريق الحق، ويعصمه من الفتن، ومن الابتلاءات، ومن الزيغ، ومن الضلال، ومن الفساد، ومن الشهوات، ومن الشبهات.
فإذا تلا هذا القرآن حصل له هذا الخير العظيم والثواب الجزيل، وحصل له -أيضًا- الشفاء الحسي والمعنوي الذي يطلبه في حياته، سواء ما يتعلق بالأمراض الروحية أو الأمراض البدنية، فإنه في هذا القرآن الكريم؛ كما قال -سبحانه وتعالى- في الآية التي ذكرها المؤلف: ﴿وَننَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ(26). وشفاء هنا نكرة؛ فتَعُمّ كل شفاء، وليست معرفة، وهذا من الثواب لقارئ القرآن الكريم.
فإذا تلا المسلم القرآن بنية خالصة لله، وابتغاء الأجر والثواب من الله -تعالى؛ فسوف تشمله إن -شاء الله تعالى- هذه الأجور العظيمة، التي جاءت في هذه الآيات، ومنها: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ(27). اعتصموا بكتاب ربهم الذي جاءهم من عند الله -تعالى، كما قال -سبحانه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا(28).
ولهذا نعلم أن القرآنَ الكريم والاعتصامَ به طريقُ الاجتماع والائتلاف، وطريق النصرة والتمكين في هذه الدنيا، وقد فَسَّر العلماء قول الله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ﴾. أن المراد بحبل الله: القرآن، وقيل: الإسلام، وقيل: الجماعة، وهذه الأمور كائنة بأهل القرآن؛ الذين تلووا القرآن حق تلاوته، وإذا أقبلوا عليه، وعملوا بما فيه تحصل لهم هذه الأجور العظيمة، والحفظ الكبير من الفتن التي يقع فيها كثير من الناس المعرضين عن هدي القرآن الكريم؛ ولهذا بَيَّن الله -تعالى- في الآية التي ذكرها المؤلف في سورة الزمر أن أهل الإيمان الذين تعلقت قلوبهم بربهم -جل وعلا- هم الذين يتأثرون بهذا القرآن الكريم، وتقشعر جلودهم وأبدانهم، قال الله -تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ(29). أي: إلى هذا القرآن العظيم.
ثم جاءت المسألة التي بعدها، وهي مسألة الاستماع للقرآن الكريم، التي ذكر فيها المؤلف أن الله -تعالى- رَغَّب عباده في الاستماع إلى هذا القرآن الكريم، والاستماع إلى القرآن الكريم هو عمل بما أمر الله -تعالى- به، فضلاً عن تلاوته، فالذي يستمع إلى القرآن الكريم يحصل له الأجر، بخلاف الأجر الذي يقرأ فيه القرآن الكريم، وبهذا يمكن أن نجمل أن الاستماع إلى القرآن الكريم فيه بشارتان:
البشارة الأولى: وتكون في الدنيا، وهي حصول الرحمة لسامع القرآن؛ قال الله -تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(30). فهذه بشارة من الله -تعالى، وهذه الرحمة إذا حصلت لقارئ القرآن بهذا المسلم فقد حصل له كل خير؛ ولهذا قال -تعالى- في آية أخرى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ(31).
فإذا رحم الله -تعالى- عبدَه فقد قربه منه؛ لأن الرحمة تدعو إلى فعل الخير، وأن يرحم الإنسان نفسه أولاً، ويبعدها عن المعاصي والذنوب والسيئات، ويقربها إلى الطاعات والحسنات، ولا يسمح لها أن تقع فيما يخالف أمر الله، ويرحم نفسه بأن تكون وَقَّافَة عند حدود الله، ثم يرحم غيره من عباد الله، وينشر هذه الرحمة التي حصلت له من الله -تعالى- إلى الناس بالتواصل، وفعل الخير، وصلة الأرحام، وحسن الكلام، والتسبيح والتهليل، والرحمة بالفقراء والمساكين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهذه الرحمة تجمع الإحسان، فإذا أحسن الإنسان دلَّ على ذلك على الرحمة، فقد قال الله -تعالى- في سورة الأعراف: ﴿ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ(32).
فالذي يفعل الإحسان قريب من الله -تعالى، ﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾. فيرحم نفسه ويرحم غيره، ويحسن في عمله، ويحسن في تعامله، فيكون بذلك قريب من الله -تعالى، فإذا حقق الإحسان الذي هو أعلى مراتب الدين، وإذا حافظ على الصلاة وشعائر الدين، دلَّ على ذلك على الرحمة في قلبه، وأنه قريب من الله -تعالى، وبهذا يدلك على القرب من الله هذه الصلاة الذي يحافظ عليها، فإنه قريب من الله، قال الله -تعالى- لنبيه -عليه الصلاة والسلام: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾(33). فإذا أكثرت السجود اقتربت من الله -تعالى، وهذا هو ثمرة الرحمة التي بشر الله -تعالى- بها عباده المؤمنين.
ومن البشارة في الدنيا: حصول الهداية؛ ولهذا بيَّن الله -تعالى- في سورة الزمر -كما ذكر المؤلف- قال: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾، فثمرة ذلك: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ(34)، وتفسير المصنف تفسير لطيف حينما فسر قوله -تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾. أي: يتبعون أحسن ما يقربهم إلى الله -تعالى؛ لأن القرآن كله كلام الله -تعالى، وهو حسن، كما قال -سبحانه: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ(35). فالقرآن كله حسن، فتفسير المؤلف بديع ولطيف، حينما قال: يتبعون أحسن ما يقربهم إلى الله -تعالى- من الأعمال الصالحة، فهذه بشارة وهي الهداية.
ولنعلم أن الذي ينال هذه البشارة في حياته لا يتوقف عليها، بل يطلب المزيد والزيادة في هذه الهداية، فإذا حافظ على هذه الهداية في الصلاة والصيام والزكاة والحج وتلاوة القرآن والذكر، وكل عمل خير، رغبت نفسه في الزيادة، ولم يقف عند هذا الحد، وهذا تجده ظاهرًا عند عباد الله الصالحين، الذين يتسابقون في فعل الخيرات، ولا يقفون عند حد، وبهذا إذا حصلت لك الهداية فسوف تدفعك إلى الزيادة، كما قال الله -تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ(36). وقال -تعالى: ﴿وَيزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى(37). يعني: أنهم يزدادون هداية على هداية، فإذا قرأ في الأسبوع -مثلاً- ثلاثة أجزاء، طلب الزيادة بأنه سيقرأ سبعة أو ثمانية أجزاء، إلى أن يختم القرآن في سبعة أيام، أو في ثلاثة أيام، وإذا أقبل على حفظ القرآن، ورغبت نفسه واستنار قلبه بهذا القرآن حفظ جزءًا، ثم تشتاق نفسه إلى حفظ أكثر، وهكذا إلى أن يُتِمَّ القرآن الكريم.
فالعبادة تدعو صاحبها إلى الزيادة، فالحسنة تنادي الحسنة كما أن السيئة -والعياذ بالله- تنادي السيئة، فالسيئة الخبيثة تجر صاحبها إلى سيئة أرفع، ثم إلى سيئة أعلى، ثم إلى سيئة أعظم، إلى أن يألف هذه السيئة، والحسنات كذلك.
فالإنسان يتبع الحسنة الحسنة دائمًا؛ لأن الإنسان لا يخلو من سيئات في حياته، لكن إذا كانت حسناته كثيرة غلبت على السيئات، كما قال الله -تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ(38). فاستماع القرآن الكريم يزيد في الهداية بوعد الله -جل وعلا، أيضًا قراءة القرآن الكريم يحصل بها اطمئنان القلب، وهذا من البُشْرى، قال الله -تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ(39).
فإذا اطمئن قلبك اطمأننت في هذه الدنيا، ولو كنت فقيرًا أو مريضًا أو مبتلًى، فاطمئنان القلب سعادة عظيمة للإنسان، فإذا كان فقيرًا لا يدخل إليه قلق ولا اضطراب ولا خوف، وإذا كان مريضًا يكثر من تحميد الله -تعالى- وشكره على هذه النعمة، وعلى هذا الابتلاء، فلا يخاف ولا يقلق من الموت، بل اطمئن قلبه، فصارت لديه سعادة وهدوء بال، لا يشعر بها إلا مَن عايشها في حياته، ومن تأمل القرآن الكريم، وَجَد وجوهًا كثيرة لهذه البشرى في هذه الحياة الدنيا لمن يستمع القرآن الكريم.
ولا أدَلَّ على ذلك مما ذكره الله -تعالى، وساقه المؤلف من الجن المكلفين بعبادة ربهم، أولئك النفر الذين جاؤوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يقرأ، واستمعوا إلى تلاوته، وأثر فيهم ذلك القرآن الكريم، فانطلقوا إلى قومهم يبلغون هذا القرآن الكريم، وشهدوا بأنه مصدق لما بين يديه.
__________________
رد مع اقتباس