عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-10-2013, 07:47 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وقال بعض السلف: نزل ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملاً، فأهل القرآن المتدبرون لآياته ومعانيه هم العالمون بآياته العاملون بما فيه وإن لم يحفظوه كله عن ظهر قلب، وهذا كان حال الصحابة، فالصحابة لم يحفظوا القرآن كلهم، وإنما حفظه بعضهم، لكن الذي يحفظ القرآن ويكثر من تلاوته وهو لا يفهمه ولا يعمل به فليس من أهل القرآن الذين ورد فيهم الفضل، وترتب على قراءتهم الأجر؛ ولهذا تعلمون أن فرقة الخوارج كانوا أهل قرآن، وكانوا يقرؤون القرآن ويكثرون من تلاوته، ولكنه لا يجاوز حناجرهم ولا تراقيهم، ولكنهم يكثرون من التلاوة ولا يعلمون بما فيه؛ ولهذا وقعوا فيما وقعوا فيه من المخالفات؛ لأنهم لم يعملوا به، فهذا وجه من وجوه الترجيح أو في بيان فضل الترتيل على الحدر.
وقالوا أيضًا: إن القرآن جاء بهذا قال -تعالى: ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾(8) وقال: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً(9)، فهنا جاء بالفعل ثم أكده بعد ذلك بالمصدر، فقال -تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ وهذا التأكيد للثبات على هذا النوع من أنواع القراءة، وأن يداوم الإنسان عليه؛ لأنه وسيلة إلى التدبر والفهم، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ كذلك، كما نقل عنه -عليه الصلاة والسلام- في أحاديث كثيرة تقول حفصة -رضي الله عنها- كما في صحيح مسلم: "كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها"(10)، ولما سئل أنس(11) -رضي الله عنه- عن قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "كانت قراءته مدا"(12)، فيمد الرحيم، وهذا مد عارض للسكون، وفيه ثلاثة أوجه: القصر والتوسط والمد، ونقل كثير من الصحابة -رضوان الله عليهم- صفة قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- كما نقلت ذلك أيضًا أم سلمة(13).
والقول الثاني: ذهب إليه بعض أهل الأداء وبعض أصحاب الشافعي ورجحوا أن الحدر أفضل، قالوا: لأن فيه كثرة للقراءة وكثرة القراءة أفضل حينئذ، واحتجوا على ذلك بما ورد في الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود وصححه الترمذي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: « مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ: آلم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»(14)، وقالوا: لأن بعض السلف كان يكثر من القرآن، بل بلغ الأمر ببعضهم إلى أن يختم في الليلة، بل زاد على ذلك أن يختم في ركعة، كما ورد ذلك عن عثمان -رضي الله عنه- فقد ورد أنه أحيا القرآن كله في ركعة(15)، وورد عن تميم الداري(16) أنه قرأ القرآن في ليلة(17)، وورد عن سعيد بن جبير(18) أنه أيضًا قرأ القرآن في ركعة(19)، وورد أيضًا عن علقمة بن قيس(20) من أكابر تلامذة عبد الله بن مسعود أنه ختم القرآن في ليلة(21)، قالوا: لأن هذا كان من عادة السلف أنهم يقرؤون القرآن كثيرًا، وهذه الروايات عن هؤلاء الصحابة والتابعين أخرجها أبو عبيد في فضائل القرآن، وأخرجها أيضًا البيهقي، وأخرجها ابن ماجه، وقد صحح أسانيدها ابن كثير في فضائل القرآن في مقدمة التفسير، وقال الذهبي معلقًا على ذلك: هذا خلاف السنة.
إذن هؤلاء الصحابة أو التابعون اجتهدوا في طلب الخير، وفي التزود من قراءة القرآن الكريم، لكن السنة جاءت بخلاف ذلك، وهذا يظهر لك جليًّا وواضحًا في وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو بن العاص حينما جاءه قال له -عليه الصلاة والسلام: « كَمْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟». قال: أقرأه في ليلة، قال: « اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ». قال: إني أطيق أكثر من ذلك، حتى أوصله -عليه الصلاة والسلام- إلى سبع ليال(22).
قال العلماء: هذه مدة كافية لمن أراد أن يختم القرآن الكريم وهو يتأمل ويتدبر ما فيه من المعاني، فالأخذ بوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى حينئذ، وإن كان بعض الصحابة والتابعين اجتهدوا وقرؤوا القرآن في ليلة كاملة، ولكن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وتوجيهه لعبد الله بن عمرو بن العاص هو الأولى في الأخذ، وورد في بعض الروايات أنه يختمه في ثلاث ليال كما سيأتي.
إذن القول المختار والصواب أن ثواب قراءة الترتيل والتدبر الترتيل المقرونة بالتدبر والتفهم والفقه أعلى وأجل أرفع قدرًا من القراءة بالحدر، ولكن في كلٍّ خير، قالوا: إن قراءة الحدر أكثر عددًا وقراءة الترتيل أكثر ثوابًا، ومثلوا لذلك بمثال وهو: أن يكون لدى الإنسان جوهرة فيبيعها بألف، هذا هو الترتيل، وإنسان عنده أربع جواهر وباعها بألف أيضًا، لكن هذه عددها خمس وهذه واحدة، أو كأن يكون إنسان عنده عبد نفيس يبيعه بألف وآخر عنده خمسة من العبيد فيبعهم بألف أيضًا؛ لأن ذاك أنفس منهم وأعلى عنده.
فلا يقال إن الحدر مردود ولا يقرأ به إنسان،بل أخذ به أكثر أهل الأدب، فقد أخذ به ابن كثير(23) والكسائي(24) وأبو عمرو البصري(25) في بعض الروايات عنه، فلهذا فضله ولهذا فضله، لكن أيهما أولى؟ الأولى الترتيل؛ لأن الترتيل هو فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو الذي نزل به القرآن الكريم، وفي الترتيل معرفة المواقف على الآيات، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقف على رؤوس الآيات حتى ولو اختلف المعنى، ولكن كيف يختلف المعنى؟
تأتي آية مرتبطة في المعنى بالتي بعدها في مثل قوله -تعالى: ﴿ فَوَيلٌ لِّلْمُصَلِّينَ(26)، فهذا وعيد للمصلين، لكن هل هو لكل المصلين؟ هذا لبعض المصلين المخالفين وهم الساهون في صلاتهم؛ ولهذا قال -تعالى: ﴿ فَوَيلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ(27).
وحينئذ على القارئ أن يقرآ: ﴿فَوَيلٌ لِّلْمُصَلِّينَ﴾، ويقف، ثم يقول: ﴿فَوَيلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ فيجمع بين الأمرين؛ بين السنية في الوقف على رؤوس الآيات، وبين ارتباط معنى الآية، ومثل قوله -تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(28)، إذا قال ذلك وسكت لم يتم المعنى، وهو قد وقف على رأس الآية، ولا يتم المعنى إلا بقوله -تعالى: ﴿وَيبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ(29)، فيقول القارئ: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾، ويقف، ثم يرجع ويقول: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ﴾، فجمع بين الأمرين، بين الوقف على رؤوس الآيات وبين اتصال المعنى.
__________________
رد مع اقتباس