عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 09-10-2013, 11:13 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

تابع الآثار المروية في أخلاق حملة القرآن
وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ النَّاجِيِّ(1) أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ(2) يَقُولُ: (الْزَمُوا كِتَابَ اللهِ وَتَتَبَّعُوا مَا فِيهِ مِنَ الأَمْثَالِ، وَكُونُوا فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ، ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اللهُ عَبْدًا عَرَضَ نَفْسَهُ وَعَمَلَهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فِإِنْ وَافَقَ كِتَابَ اللهِ حَمِدَ اللهَ وَسَأَلَهُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ خَالَفَ كِتَابَ اللهَ أَعْتَبَ نَفْسَهُ فَيَرْجِعُ مِنْ قَرِيبٍ)، وَعَنْ أَبِي كِنَانَةَ(3) أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ(4) قَالَ: (الَّذِينَ قَرَؤُوا الْقُرْآنَ وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِمِئَةٍ، فَعَظَّمَ الْقُرْآنَ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَائِنٌ لَكُمْ زُخْرًا وَكَائِنٌ عَلَيْكُمْ وِزْرًا فَاتَّبِعُوا الْقُرْآنَ وَلاَ يَتَّبِعْكُمْ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ هَبَطَ بِهِ عَلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُ الْقُرْآنَ زَجَّ فِي قَفَاهُ فَقُذِفَ فِي النَّارِ)(5).
وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ مَا هُوَ فَلْيَعْرِضْ نَفْسَهُ عَلَى الْقُرْآنِ)(6)، وَعَنْ عَطَاءٍ(7) وَقَيسِ بْنِ سَعْدٍ(8) (عَنْ مُجَاهِدٍ(9) فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ(10)، قَالَ: يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ)(11)، وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: (إِنَّمَا الْقُرْآنُ عِبَرٌ، إِنَّمَا الْقُرْآنُ عِبَرٌ) (12). قال محمد بن الحسين(13): وَقَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ أَخْلاَقَ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتَأَدَّبُوا بِهِ أَذْكُرُ فَضْلَ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ؛ لِيَرْغَبُوا فِي تِلاَوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَالتَّوَاضُعِ لِمَنْ تَعَلَّمُوا مِنْهُ أَوْ عَلَّمُوهُ).



وبعده وصية الحسن البصري(14)، فقد أوصى الحسن البصري قُرَّاء القرآن بأن يلزموا كتاب الله، وأن يداوموا عليه، وأن يتبعوا ما فيه من الأمثال(15).
والقرآن قد ضرب الله فيه الأمثال، قال الله -تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(16). وقال: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ(17). فالقرآن مليء بالعبر والأمثال لما جرى للأمم السابقة جماعات وأفراد، فالأفراد مثل قوله -تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ(18). وعن الأقوام قال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾(19). والأمثال لا يعقلها إلا مَن تدبر وتفكر، كما قال -تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ(20). وقال -تعالى: ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21).
فضرب الأمثال ليس للتسلية، ولا للقصص التاريخية، وإنما هو للاعتبار، وأخذ العبرة والاتعاظ، يعني: كل ما في هذا القرآن عبر، قال -تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى(22). وهذه وصية جليلة، فالذي يعرض حاله ونفسه على القرآن الكريم، يستطيع أن يعرف ما لها وما عليها في الطاعة وفي المعصية، فاعرض نفسك على القرآن دائمًا، وأيّ عمل تُقْدِم عليه اعرضه على القرآن، فإن كان موافقًا لما في القرآن فأقدم عليه، وإن كان مخالفًا فأعرض عنه؛ ولهذا فإن الذي يُعْرِض عن القرآن في أقواله وأفعاله قد ارتكب الهوى، قال –تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ(23). وقال -تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ولاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ(24). فأمر الله -تعالى- نبيه، وأمر أمته بأن يسيروا على هذه الشريعة، وهذه الشريعة في القرآن وفي السنة.
فهذا وصايا الثلاث -رحمهم الله، فيقول: إن وافق كتاب الله، حمد الله، وسأله الزيادة، وإن خالف ذلك أعتب نفسه، أي: عاتبها على هذا الفعل، ولو أن الناس فعلوا ذلك لما رأيت هذا التعدي على حدود الله، وهذا الفساد، وهذا الظلم، وغيره من المحرمات التي يقعون فيها.
وفي الأثر عن أبي موسى الأشعري(25) أنه جمع قُرَّاء القرآن، وهذا الجمع قريب من الثلاثمئة، ويحتمل أن يكونوا من التابعين ومن الصحابة، جمعهم أبو موسى -رضي الله عنه- فوعظهم، وعظم القرآن في قلوبهم، وبيَّن لهم أن الله -تعالى- أنزل هذا القرآن؛ ليكون لكم نورًا وهداية، فعظموه في قلوبكم، فمَن عظَّم القرآن فقد عظم الذي أنزل القرآن، وهو الله -جل وعلا، وعظَّم مَن أُنْزِل عليه القرآن، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام(26).
والذي يتبع القرآن ويعمل به، فإن القرآن وفِيٌّ لأهله في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة، لأن القرآن يتبعه إلى يوم القيامة إلى أن يدخل الجنة، كما تقدم في سورتي: البقرة وآل عمران، وهما الزهراوان، وأنهما تأتيان يوم القيامة كالغيايتين أو كالغمامتين تحاجان عن صاحبهما حتى يدخل الجنة(27).
__________________
رد مع اقتباس