عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 25-04-2014, 02:29 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

يذكر علماء الوراثة أنّ الشخص يتأثر بنسبه سواء من ناحية الجسم والبنية أو من ناحية الذكاء والعقل أو من ناحية الفكر والعقيدة.
يقول د. محمد بيصار: (ولا تكون الوراثة عاملاً هامًا في نقل الصفات الحسية فحسب وإنما كذلك عن طريقها تنتقل الصفات الأدبية كالأمزجة والميول والغرائز، والصفات العقلية كالذكاء والبلادة وحسن تقدير الأمور أو سوء أو شدة الانتباه أو ضعفه إلى غير ذلك من صفات يكون لها الأثر الأقوى في تكوين أخلاق المرء وتكييفها وطبعها بطابع معيّن خيرًا كان ذلك الطابع أو شرًا حسنًا أو قبيحًا).
ويؤيد هذا علم القيافة. الذي أقره الرسول صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها سرورًا تبرق أسارير وجهه فقال: (ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما فقال: إنّ بعض هذا الأقدام من بعض)[35].
يدل عليه قوله تعالى حاكيًا عن نبي الله نوح عليه السلام: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:2627].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: (أي فاجرًا في الأعمال كافر القلب وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عامًا)[36].
ويدخل في هذا المفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة [37] فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"[38]. يقول أبو هريرة راوي الحديث: واقرأوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30] [39].
وبهذا يثبت أنّ الولد يتأثر بأبويه من ناحية الجسم والبنية، ومن ناحية العقل والذكاء، ومن ناحية الفكر والعقيدة، قليلاً أو كثيرًا، سلبًا أو إيجابًا، وذلك بإرادة الله وقدرته. إذا عرف هذا ننظر إلى نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدى تأثره به.
يقول الأستاذ الدكتور/ أحمد غلوش: (هيأت عناية الله تعالى سلسلة ممتازة من الآباء والأجداد للنبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ منها عن طريق الوراثة كثيرًا من الخلق والطبائع)[40].
وقد وردت في هذا المضمار نصوص كثيرة تدل على أنّ نسب النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل الناس نسبًا.
من ذلك ما أخرجه الإمام مسلم عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) [41].
وقد أشار النووي رحمه الله إلى أنّ بني هاشم أفضل العرب لا يدانيهم في الأفضلية إلاّ بنو المطلب مستدلاً بهذا الحديث[42].
ويقول المباركفوري عند شرحه لهذا الحديث: قوله: (إن الله اصطفى) أي اختار. يقال استصفاه واصطفاه، إذا اختاره وأخذ صفوته والصفوة من كل شيء خالصه وخياره)[43].
ومن ذلك أيضًا ما أخرجه الترمذي عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين ثم خير القبائل فجعلني من خير القبيلة ثم خص البيوت فجعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا) [44].
أي: أصلاً إذا جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبد الله بنكاح لا سفاح[45].
ومما يدل على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كانت له مكانة عند قومه من جهة النسب شهادة أعدائه كما ورد في قصة أبي سفيان وهو مشرك ومن ألد أعداء صاحب الرسالة آنذاك مع هرقل ملك الروم عندما وجه إليه أسئلة عديدة تتعلق بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من بينها: (كيف نسبه فيكم؟ قال أي أبو سفيان: هو فينا ذو نسب. ثم قال هرقل في آخر القصة: سألتك عن نسبه فذكرت أنّه فيكم ذو نسب فكذلك تبعث الرسل في أنساب قومها)[46].
يقول النووي: (أي في أفضل أنسابهم)[47]. ومما يدل على ذلك أيضًا ما جاء على لسان مفوض مشركي قريش عتبة ابن أبي ربيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عند افتتاح كلامه مع الرسول: (يا ابن أخي إنّك منّا حيث قد علمت من السطة [48] في العشيرة والمكانة في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم...) [49].
وهاتان القصتان تشهدان بما للرسول صلى الله عليه وسلم من المكانة في النسب عند قومه لإقرار أعدائه وأعداء رسالته حيث لم يستطيعوا أن يخفوا هذه الحقيقة مع أنهم كانوا يتهمونه بتهم باطلة، مرة بالسحر، ومرة بالجنون، ومرة بالشعر والكهانة. ومع هذا لم ينقل إلينا عن أحدهم تهمة واحدة يقدحون بها الرسول صلى الله عليه وسلم من جهة النسب، كما أن النصوص الأخرى التي أوردناها تدل على أن العرب أفضل الناس من ناحية النسب وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم من أفضلها نسبًا، وأن هذه سنة الله في اختيار رسله جميعًا كما جاء في قول هرقل السابق.

__________________
رد مع اقتباس