(29) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا».
أولاً: تَخْرِيج الحَدِيث: ومُسْلِم (4/ 2674) وأَبُو دَاوُد (4/ 4609) والتِّرمِذِي (5/ 2674) وابن مَاجَة (1/ 206) وأَحمَد في "المُسْنَد" (15/ 9160) والدَّارِمِي في "السُّنَن" (1/ 530) وأَبُو يَعلَى في "المُسْنَد" (11/ 6489) وابن حِبَّان في "الصَّحِيح" (1/ 112) والطَبَرَانِي في "المُعجَم الأَوْسَط" (3/ 2656).
ثانياً: شَرح الحَدِيث:
- (مَنْ دَعَا): مَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا.
- (هُدًى): مَا يُهْدَى بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
- (ضَلَالَةٍ): مَا يُهْدَى بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الطَّالِحَةِ.
- (كَانَ لَهُ): كَانَ لِلدَّاعِي.
- (مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ): فَعَمِلَ بِدَلَالَتِهِ أَو امْتَثَلَ أَمْرَهُ.
- (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ): مَنْ أَرْشَدَ غَيْرَهُ إِلَى فِعْلِ إِثْمٍ وَإِنْ قَلَّ أَوْ أَمَرَهُ بِهِ أَوْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ.
فَقَد بَيَّنَ لَنَا الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الهُدَى لَهُ مِن الأَجْرِ والثَّوَابِ مِثْلَ مَنْ اتَّبَعَهُ مَعَ اِسْتِيفَاءِ التَّابِعِينَ أُجُورَهُم كَامِلَةً، وأَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الضَّلاَلَةَ كَعَقِيدَةٍ فَاسِدَةٍ أَو جَرِيمَةٍ مُنْكَرَةٍ أَو خُلُقٍ مَرذُولٍ فَعَلَيْهِ مَن الإِثْمِ مِثْلَ آثَامِ مَنْ اتَّبَعَهُ مَعَ اِسْتِيفَائِهِم آثَامِهِم كَامِلَةً، والسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ المُرشِدَ إِلَى الخَيْرِ كَانَت كَلِمَتُهُ سَبَباً فِي وُجُودِ هَذَا الخَيْرِ فِي المُجْتَمَعِ الإِنْسَانِيّ مِن هَؤُلاَءِ التَّابِعِينَ، فَمَا فَعَلُوهُ مِن الطَّيِبَاتِ كَأَنَّه هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ، فَلَهُ جَزَاؤُهُ كَامِلاً مَوْفُوراً. وكَذَلِكَ دَاعِي الضَّلاَلَةِ كَأَنَّهُ الَّذِي اِرتَكَبَ جَرَائِمَ تَابِعِيهِ، فَعَلَيْهِ عِقَابُ مَا اجْتَرَمُواْ جَمِيعاً.
والحَدِيثُ فِيهِ تَرغِيبٌ عَظِيمٌ فِي الأَمْرِ بِالمَعرُوفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ، الَّذِي هُوَ وَظِيفَةُ الرُّسُلِ والمُصْلِحِينَ، كَمَا فِيهِ إِنْكَارٌ شَدِيدٌ ووَيْلٌ عَظِيمٌ لِلَّذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ عَن طَرِيقِ الحَقِّ، ويُزَيِّنُونَ لَهُم اِجْتَرَاحِ السَّيئَاتِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى إِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ، ويَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ، ويُفَرِّقُواْ الكَلِمَةَ ويُشَتِّتُواْ الجَمْعَ، زَاعِمِينَ أَنَّهُم مُجَدِّدُونَ بَاحِثُونَ، واللهُ يَعلَمُ أَنَّهُم مَا الخَيْرَ قَصَدُوا ولاَ الفَهْمَ والحَقَّ طَلَبُواْ، فَكُنْ لِلخَيْرِ دَاعِياً، وعَنْ الشَّرِ مُنَفِّراً، وفِي كَنَفِ الجَمَاعَةِ مُسْتَظِلاًّ.