عرض مشاركة واحدة
  #51  
قديم 19-09-2014, 11:24 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثالثـًا: التربية الجسدية:
حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه جسديًّا، واستمد أصول تلك التربية من القرآن الكريم، بحيث يؤدي الجسم وظيفته التي خلق لها من دون إسراف أو تقتير، ودون محاباة لطاقة من طاقاته على حساب طاقة أخرى.
لذلك ضبط القرآن الكريم حاجات الجسم البشري على النحو التالي:
1- ضبط حاجته إلى الطعام والشراب.
2- وضبط حاجته إلى الملبس والمأوى، بأن أوجب من اللباس ما يستر العورة، ويحفظ الجسم من عاديات الحر والبرد، وندب إلى ما يكون زينة عند الذهاب إلى المسجد.
3- وضبط الحاجة إلى المأوى.
4- وضبط حاجته إلى الزواج والأسرة بإباحة النكاح، بل إيجابه في بعض الأحيان وتحريم الزنا والمخادنة، واللواط.
5- وضبط حاجته إلى التملك والسيادة، وأباح التملك للمال والعقار وفق ضوابط شرعية.
6- وضبط الإسلام السيادة بتحريم الظلم والعدوان والبغي.
7- وضبط حاجته إلى العمل والنجاح، بأن جعل من اللازم أن يكون العمل مشروعًا، وغير ضار بأحد من الناس، ونادى على المسلمين أن يعملوا في هذه الدنيا ما يكفل لهم القيام بعبء الدعوة والدين، وما يدخرون عند الله سبحانه.
8- وحذر سبحانه من الدعة والبطر، والاغترار بالنعمة.
هذه بعض الأسس التي قامت عليها التربية النبوية للأجسام، حتى تستطيع أن تتحمل أثقال الجهاد، وهموم الدعوة وصعوبة الحياة.
رابعًا: تربية الصحابة على مكارم الأخلاق، وتنقيتهم من الرذائل:
إن الأخلاق الرفيعة جزء مهم من العقيدة، فالعقيدة الصحيحة لا تكون بغير خلق وقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته على مكارم الأخلاق بأساليب متنوعة.
فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء»([6]).
وسئل رسول الله عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: «تقوى الله، وحسن الخلق» وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: «الفم والفرج»([7]).
إن الأخلاق ليست شيئًا ثانويًا في هذا الدين، وليست محصورة في نطاق معين من نطاقات السلوك البشري، إنما هي الترجمة العملية للاعتقاد والإيمان الصحيح؛ لأن الإيمان ليس مشاعر مكنونة في داخل الضمير فحسب، إنما هو عمل سلوكي ظاهر كذلك، بحيث يحق لنا حين لا نرى ذلك السلوك العملي, أو حين نرى عكسه، أن نتساءل أين الإيمان إذن؟ وما قيمته إذا لم يتحول إلى سلوك([8])؟
ولذلك نجد القرآن الكريم يربط الأخلاق بالعقيدة ربطًا قويًا والأمثلة على ذلك كثيرة([9]).
لقد تربى الصحابة رضي الله عنهم على أن العبادة نوع من الأخلاق؛ لأنها من باب الوفاء لله، والشكر للنعمة، والاعتراف بالجميل، والتوقير لمن هو أهل التوقير والتعظيم, وكلها من مكارم الأخلاق([10])، فكانت أخلاق الصحابة ربانية، باعثها الإيمان بالله، وحاديها الرجاء في الآخرة وغرضها رضوان الله ومثوبته.
إن الأخلاق في التربية النبوية شيء شامل يعم كل تصرفات الإنسان وكل أحاسيسه ومشاعره وتفكيره، فالصلاة لها أخلاق، هي: الخشوع، والكلام له أخلاق, هي: الإعراض عن اللغو، وال*** له أخلاق, هي: الالتزام بحدود الله وحرماته، والتعامل مع الآخرين له أخلاق, هي: التوسط بين التقتير والإسراف، والحياة الجماعية لها أخلاق, هي: أن يكون الأمر شورى بين الناس، والغضب له أخلاق, هي: العفو والصفح، ووقوع العدوان من الأعداء يستتبعه أخلاق, هي: الانتصار أي رد العدوان، وهكذا لا يوجد شيء واحد في حياة المسلم ليست له أخلاق تكيفه ولا شيء واحد ليست له دلالة أخلاقية مصاحبة.
إن الله سبحانه وتعالى، قد جعل التوحيد، أي: إفراد الله بالعبادة على رأس هذا المنهج الخلقي الذي رسمته آيات سورة الإسراء [38:23] مدحًا وذمًا؛ لأن التوحيد له في الحقيقة جانب أخلاقي أصيل، إذ الاستجابة إلى ذلك ترجع إلى خلق العدل والإنصاف، والصدق مع النفس، كما أن الإعراض عن ذلك يرجع في الحقيقة إلى بؤرة سوء الأخلاق في المقام الأول، مثل الكبر عن قبول الحق، والاستكبار عن اتباع الرسل غرورًا وأنفة، أو الولوع بالمراء, والجدل بالباطل مغالبة وتطالعًا للظهور، أو تقليدًا وجمودًا على الإلف والعرف مع ضلاله وبهتانه، وكلها -وأمثالها- أخلاق سوء تهلك أصحابها، وتصدهم عن الحق بعد ما تبين، وعن سعادة الدارين مع استيقان أنفسهم بأن طريق الرسل هو السبيل إليها.
__________________
رد مع اقتباس