عرض مشاركة واحدة
  #76  
قديم 26-09-2014, 03:51 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خامسًا: فوائد ودروس وعبر:
1- اتجه التخطيط النبوي للتركيز على يثرب بالذات، وكان للنفر الستة الذين أسلموا دور كبير في بث الدعوة إلى الإسلام خلال ذلك العام.
2- كانت هناك عدة عوامل ساعدت على انتشار الإسلام في المدينة منها:
- ما طبع الله عليه قبائل الخزرج والأوس من الرقة واللين, وعدم المغالاة في الكبرياء وجحود الحق، وذلك يرجع إلى الخصائص الدموية والسلالية التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد وفد من اليمن بقوله: «أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا»([20]) وهما ترجعان في أصليهما إلى اليمن، نزح أجدادهم منها في الزمن القديم([21]) فيقول القرآن الكريم مادحًا لهم: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )[الحشر:9].
- ومنها التشاحن والتطاحن الموجودان في قبيلتي المدينة، الأوس والخزرج، وقد قامت بينهما الحروب الطاحنة كيوم بُعاث وغيره، وقد أفنت هذه الحرب كبار زعمائهم ممن كان نظراؤهم في مكة والطائف وغيرها, حجر عثرة في سبيل الدعوة، ولم يبقَ إلا القيادات الشابة الجديدة المستعدة لقبول الحق، إضافة إلى عدم وجود قيادة بارزة معروفة يتواضع الجميع على التسليم لها، وكانوا بحاجة إلى من يأتلفون عليه، ويلتئم شملهم تحت ظله، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان يوم بُعاث يومًا قدمه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم و***ت سرواتهم وجُرِّحوا, فقدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم الإسلام»([22]).
- ومنها مجاورتهم لليهود مما جعلهم على علم -ولو يسير- بأمر الرسالات السماوية، وخبر المرسلين السابقين، وهم في مجتمعهم يعايشون هذه القضية في حياتهم اليومية وليسوا مثل قريش التي لا يساكنها أهل كتاب وإنما غاية أمرها أن تسمع أخبارًا متفرقة عن الرسالات, والوحي الإلهي, دون أن تلح عليها هذه المسألة أو تشغل تفكيرها باستمرار، وكان اليهود يهددون الأوس والخزرج بنبي قد أظل زمانه, ويزعمون أنهم
سيتعبونه، وي***ونهم به *** عاد وإرم، مع أن الأوس والخزرج كانوا أكثر من اليهود([23])، وقد حكى الله عنهم ذلك في كتابه العزيز قال تعالى: ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ )[البقرة:89].

وكان الأوس والخزرج قد علوا اليهود دهرًا في الجاهلية، وهم أهل شرك, وهؤلاء أهل الكتاب، فكانوا يقولون: إن نبيا قد أظل زمانه، يقاتلكم *** عاد وإرم([24]).
فلما أراد الله إتمام أمره بنصر دينه، قيض ستة نفر من أهل المدينة للنبي صلى الله عليه وسلم فالتقى بهم عند العقبة -عقبة مِنى- فعرض عليهم الإسلام فاستبشروا وأسلموا، وعرفوا أنه النبي الذي توعدهم به اليهود، ورجعوا إلى المدينة، فأفشوا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في بيوتها([25]) وكان هذا هو (بدء إسلام الأنصار) كما يسميه أهل السير([26]).
3- حضر بيعة العقبة الأولى اثنان من الأوس، وهذا تطور مهم لمصلحة الإسلام، فبعد الحرب العنيفة في بُعاث استطاع النفر الستة من الخزرج أن يتجاوزوا قصة الصراعات الداخلية ويحضروا معهم سبعة جددًا، فيهم اثنان من الأوس، وهذا يعني أنهم وفوا بالتزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم في محاولة رأب الصدع، وتوجيه التيار لدخول الإسلام في المدينة, أوسها وخزرجها, وتجاوز الصراعات القبلية القائمة.
4- بذل الرسول صلى الله عليه وسلم كل ما يملك من جهد لتعبئة الطاقات الإسلامية في المدينة، ولم يكن هناك أدنى تقصير للجهد البشري الممكن في بناء القاعدة الصلبة التي تقوم على أكتافها الدولة الجديدة، واحتمل هذا الجهد سنتين كاملتين من الدعوة والتنظيم([27]).
5- نجحت التعبئة الإيمانية في نفوس من أسلم من الأنصار، وشعرت الأنصار بأنه قد آن الأوان لقيام الدولة الجديدة، وكما يقول جابر t وهو يمثل هذه الصورة الرفيعة الرائعة: «حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف»([28]).
6- وصل مصعب t إلى مكة قبيل الموسم من العام الثالث عشر للبعثة، ونقل الصورة الكاملة التي انتهت إليها أوضاع المسلمين هناك، والقدرات والإمكانات المتاحة، وكيف تغلغل الإسلام في جميع قطاعات الأوس والخزرج، وأن القوم جاهزون لبيعة جديدة قادرة على حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعته([29]).
7- كان اللقاء الذي غير مجرى التاريخ في موسم الحج في السنة الثالثة عشر من البعثة، حيث حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفسًا من المسلمين من أهل يثرب، فلما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم اتصالات سرية, أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة, حيث الجمرة الأولى من منى، وأن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة في ظلام الليل([30]).

* * *






([1]) مسند أحمد (3/322/323، 339، 340) بإسناد حسن.
([2]) المجلة: الصحيفة، وتطلق على الحكمة أي حكمة لقمان.
([3]) سيرة ابن هشام (2/40) إسناد حسن. (4) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (1/195).


([5]) انظر: سيرة ابن هشام (2/41) بإسناد حسن. (2) نفس المصدر (2/41، 42).

([7]) البداية والنهاية (3/148، 149). (4) انظر: شرح الواهب للزرقاني (1/361).

([9]) انظر: البداية والنهاية (3/147).
([10]) انظر: أضواء على الهجرة لتوفيق محمد سبع، ص273، 274.
([11]) انظر: هجرة الرسول وصحابته للجمل، ص143.
([12]) هجرة الرسول وصحابته للجمل، ص143. (4) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (1/197).

([14]) صحيح مسلم [41- (1709)]. (2) انظر: الغرباء الأولون، ص185.

([16]) نفس المصدر، ص186، 187.
([17]) انظر: السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، (1/441).
([18]) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/442)
([19]) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/444) صحيح السيرة النبوية، ص291.
([20]) البخاري، كتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين، رقم 4388.
([21]) انظر: السيرة النبوية، لأبي الحسن الندوي، ص154.
([22]) البخاري، كتاب المناقب، باب مناقب الأنصار (4/367)، رقم 3777.
([23]) انظر: الغرباء الأولون، ص183.
([24]) الدر المنثور للسيوطي، (1/216)
([25]) انظر: ابن هشام (1/44).
([26]) نفس المصدر (1/39: 44)
([27]،2) انظر: التحالف السياسي، ص71.

([29]) نفس المصدر، ص72.
([30]) المصدر السابق، ص73.
__________________
رد مع اقتباس