عرض مشاركة واحدة
  #87  
قديم 13-10-2014, 10:25 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثالثـًا: الوعيد للمتخلفين عن الهجرة:
من العقوبات التي توعد الله عز وجل بها للمتخلفين عن الهجرة سوء المصير، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )[النساء:97].
عن ابن عباس t قال: «كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ) الآية: قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية، لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ )[العنكبوت:10].
فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرجوا وأيسوا من كل خير ثم نزلت فيهم: ( ثُمَّ
إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ
رَّحِيمٌ )[النحل:110]([16]).

لقد وصف الله -سبحانه- المتخلفين عن الهجرة بأنهم ظالمو أنفسهم، والمراد بالظلم في هذه الآية، أن الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك، ولم يهاجروا إلى المدينة، ظلموا أنفسهم بتركهم الهجرة([17]).
وفي هذه الآية الكريمة وعيد للمتخلفين عن الهجرة بهذا المصير السيئ، وبالتالي التزم الصحابة بأمر الله، وانضموا إلى المجتمع الإسلامي في المدينة تنفيذاً لأمر الله وخوفاً من عقابه، وكان لهذا الوعيد أثره في نفوس الصحابة رضي الله عنهم، فهذا ضمرة بن جندب لما بلغه قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) وهو بمكة قال لبنيه: احملوني فإني لست من المستضعفين، وإني لأهتدي الطريق، وإني لا أبيت الليلة بمكة، فحملوه على سرير متوجهاً إلى المدينة وكان شيخاً كبيراً، فمات بالتنعيم، ولما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله، ويقول: اللهم هذه لك وهذه لرسولك صلى الله عليه وسلم، أبايعك على ما بايع عليه رسولك، ولما بلغ خبر موته الصحابة رضي الله عنهم قالوا: ليته مات بالمدينة فنزل([18]) قوله تعالى: ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً` فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا )[النساء:98-99].
وهذا الموقف يرينا ما كان عليه جيل الصحابة من سرعة في امتثال الأمر، وتنفيذه
في النشاط والشدة، كائنة ما كانت ظروفهم، فلا يلتمسون لأنفسهم المعاذير، ولا يطلبون الرخص([19]).
فهذا الصحابي تفيد بعض الروايات أنه كان مريضاً([20]) إلا أنه رأى أنه ما دام
له مال يستعين به، ويحمل به إلى المدينة فقد انتفى عذره، وهذا فقه أملاه الإيمان، وزكَّاه الإخلاص واليقين([21]).

وبعد أن ذكر الله عز وجل وعيده للمتخلفين عن الهجرة بسوء مصيرهم، استثنى في ذلك من لا حيلة لهم في البقاء في دار الكفر، والتعرض للفتنة في الدين، والحرمان من الحياة في دار الإسلام من الشيوخ والضعاف والنساء والأطفال، فيعلقهم بالرجاء في عفو الله ومغفرته، ورحمته بسبب عذرهم البين وعجزهم عن الفرار([22]) قال تعالى: ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً` فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا )[النساء:98-99].

* * *






([1]) انظر: الهجرة النبوية، الدكتور محمد أبو فارس، ص13.
([2]) انظر: مباحث في علوم القرآن للقطان، ص59.
([3]) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص84.
([4]) نفس المصدر، ص85، هذا المبحث أخذته من هذا الكتاب مع التصرف اليسير.
([5]) الهجرة في القرآن الكريم، ص86. (2) انظر: تفسير البغوي (4/318).

(3) الهجرة في القرآن الكريم، 106.


([8]) الجامع لأحكام القرآن (3/50)، تفسير أبي السعود، (1/218).
([9]) أقفلهم: بمعنى أرجعهم سالمين. (2) تفسير ابن كثير (2/397).

([11]) انظر: تفسير الرازي (15/208). (4) تفسير أبي السعود (4/53).


([13]) انظر تفسير ابن كثير (4/295) وتفسير أبي السعود (8/228) وتفسير فتح القدير (5/200)،والهجرة في القرآن الكريم، ص132.
([14]) تفسير المراغي (10/78)، تفسير الرازي (16/13،14).
([15]) انظر: هجرة الرسول وصحابته في القرآن والسنة للجمل، ص332، 333.
([16]) زاد المسير لابن الجوزي (2/97) تفسير القاسمي (3/399)
([17]) انظر: الهجرة في القرآن الكريم ص 161.
([18]) روح المعاني (5/128، 129) للألوسي، أسباب النزول للواحدي، ص181.
([19]،3، 4) انظر: الهجرة النبوية المباركة، ص124- 126.




([22]) انظر: الهجرة في القرآن الكريم، ص167.
__________________
رد مع اقتباس