عرض مشاركة واحدة
  #158  
قديم 23-12-2014, 02:25 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثالثا: شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلمومعاملته لجابر بن عبد الله:
1- شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
عندما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة ذات الرقاع أدركته القائلة في وادٍ كثير العضاة، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون الشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة علق بها سيفه، قال جابر بن عبد الله: (فنمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتًا، فقال لي: من يمنعك مني؟ فقلت له: الله» فها هو ذا جالس، لم يعاقبه رسول الله, واسم الأعرابي: غورث بن الحارث)([20]). وقد عاهد غورث رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يقاتله، ولا يكون مع قوم يقاتلونه، فخلى سبيله، فجاء إلى أصحابه فقال: (جئتكم من عند خير الناس)([21]).
وفي هذه القصة دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفرط شجاعته وقوة يقينه وصبره على الأذى وحِلْمه على الجهال، وفيها جواز تفرق العسكر في النزول ونومهم إذا لم يكن هناك ما يخافون منه([22]).
إن هذه القصة ثابتة وصحيحة وهي تكشف عن مدى رعاية الباري جل جلاله وحفظه لنبيه صلى الله عليه وسلم، ثم هي تزيدك يقينًا بالخوارق التي أخضعها الله جل جلاله له عليه الصلاة والسلام, مما يزيدك تبصرًا ويقينًا بشخصيته النبوية، فقد كان من السهل الطبيعي بالنسبة لذلك المشرك، وقد أخذ السيف ورفعه فوق النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعزل غارق في غفلة النوم، أن يهوي به عليه في***ه، وإنك لتلمس من ذلك المشرك هذا الاعتداد بنفسه والزهو بالفرصة الذهبية التي أمكنته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: من يمنعك مني؟ فما الذي طرأ بعد ذلك حتى عاقه عن ال***؟([23]).
ليس لهذا تفسير إلا العناية الإلهية، والإعجاز الإلهي، الذي يتخطى العادات والسنن، ويتجاوز قوى الناس، لنصرة نبيه، والذود عن دعوته([24]). فقد كانت العناية الإلهية كافية لأن تملأ قلب المشرك بالرعب وأن تقذف في ساعديه تيارًا من الرجفة، فيسقط من يده السيف ثم يجلس متأدبًا مطرقًا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما حدث مصداق لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )[المائدة: 67], فليست العصمة المقصودة في الآية أن لا يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لأذى أو محنة من قومه، إذ تلك هي سنة الله في عباده كما قد علمت, وإنما المراد من العصمة ألا تطول إليه أي يد تحاول اغتياله و***ه لتغتال فيه الدعوة الإسلامية التي بعث لتبليغها([25]).
2- معاملته صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله:
قال جابر بن عبد الله t: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي ضعيف, فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جعلت الرفاق تمضي، وجعلت أتخلف، حتى أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما لك يا جابر؟» قال: قلت: يا رسول الله أبطأني جملي هذا، قال: «أنخه» فأنخته، وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال «أعطني هذه العصا من يدك، أو اقطع لي عصا من شجرة» قال: ففعلت، قال: فأخذها رسول الله فنخسه بها نخسات، ثم قال: «اركب» فركبت، فخرج -والذي بعثه بالحق- يواهق ناقته مواهقة (أي يسابقها ويعارضها في المشي لسرعته).
في هذه القصة صورة جميلة ورفيعة لخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من حيث لطف الحديث، والتواضع الرفيع، الوقوف على أحواله ، فقد شعر الرسول صلى الله عليه وسلم أن سبب تأخر جابر عن الركب هو ضعف جمله الذي لا يملك غيره لبؤس حاله، حيث إن والده مات شهيدًا في أحد وترك له مجموعة من البنات والأولاد ليرعاهم، وهو مقل في الرزق.

* * *






([1]) البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع (5/62) رقم 4128.
([2]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/225).
([3]) انظر: المغازي للواقدي (1/395).
([4]) انظر: الطبقات لابن سعد (2/61).
([5]) انظر: فقه السيرة النبوية، ص194.
([6]) نفس المصدر، ص194، 195.
([7]) انظر: غزوة الأحزاب لأبي فارس، ص14.
([8]) انظر: غزوة الأحزاب، محمد أحمد باشميل، ص77، 78.
([9]) انظر: حديث القرآن الكريم عن غزوات الرسول (1/309)
([10]) انظر: صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة، ص170.
([11]) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع (5/145).
([12]) انظر: السيرة في ضوء المصادر الأصلية، ص425.
([13]) مسلم (2/576) رقم 311.
([14]) انظر: فقه السيرة النبوية للبوطي، ص207.
([15]) انظر: التربية القيادية (3/303، 304). (2) انظر: السيرة في ضوء المصادر الأصلية، ص427.

([17]) انظر: غزوة الأحزاب لأبي فارس، ص30، 31.
([18]) انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص428.
([19]) انظر: غزوة الأحزاب لأبي فارس، ص32.
([20]) انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص426.
([21])المصدرنفسه، ص427.
([22]) انظر: فتح الباري (15/317) نقلا عن السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص427.
([23]) انظر: فقه السيرة للبوطي، ص200.
([24]) انظر: دروس وعبر من الجهاد النبوي في المدينة، ص178.
([25]) انظر: فقه السيرة للبوطي، ص200.
__________________
رد مع اقتباس