عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 25-07-2015, 11:55 AM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,998
معدل تقييم المستوى: 38
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

معجزة إنقاذ معبدي أبو سمبل



الكاتب: رياض توفيق
خمسون عامًا على إنقاذ آثار النوبة


بمناسبة مرور خمسين عامًا على إنقاذ آثار النوبة, أقيم إحتفال كبير فى الفترة من 21 حتى 25 مارس 2009م بمتحف النوبة فى أسوان حضره الدكتور د. زاهى حواس, الذى أنابه السيد وزير الثقافة, لتكريم الحاضين. وكان هذا الاحتفال تحت رعاية هيئة اليونسكو برئاسة, الدكتور طارق شوقى, والذى بذل جهودًا مضنية فى تقديم الأداء المميز للحفاظ على التراث الحضارى بالنوبة. وقد حضر الإحتفال حشد من المسئولين والمتخصصين من مسئولى الآثار واليونسكو, والذين شاركوا فى الإحتفالية بمجهوداتهم المخلصة التى آلت إلى نجاح هذا الاحتفال.





وتقول تستنزا الخبيرة الإيطالية بهيئة اليونسكو إنها تشكر كل من شارك فى هذه الإحتفالية لأنهم أساس هذا النجاح الذى توج كل من ساهم فيه, كما أضافت: “بهذه المناسبة يسعدنى أن أقول أنه خلال مسيرتي الطويلة فى مجال التشييد والبناء الهندسي أدهشنى أنه في بعض الأحيان تتزاحم عدسات المصورين وتنهال أقلام المفكرين لتسجيل حدث معين أو إعلان عن الإنتهاء من احد المشاريع, ثم بعد ذلك يتضاءل بريقه رويدًا رويدًا حتى يصبح فى طى النسيان. ولكن على النقيض, هناك أحداث وأعمال نجد أنها لا تتوارى أبدًا, سواء كانت فى الماضى أو الحاضر, ذلك لأنها تعبر لنا عن الأسلوب الأمثل والأداء المتميز لتحقيق هدف مرموق. هذه الأحداث هي التي يسجلها التاريخ, ويشهد على عظمتها الأجيال، ولحسن الحظ اننا أمام أحد هذه المعجزات, ألا وهى عملية نقل معبدى أبو سمبل من الموقع الأصلي إلى الموقع الحالي, والذي تم خلال الستينيات.”




والسؤال الذى يطرح نفسه هنا أنه إذا كان هناك تميز قد حدث فى بناء هام منذ قديم الزمان، فكيف, وأين, ومتى يكون التميز المستجد فيه الآن؟ .. وللإجابة عن هذا السؤال يسعدنا أيها القارىء العزيز أن نصحبك فى رحلة عبر هذا التميز بالكلمة والصورة لمشاهدة التحدى والإعجاز الخاص بمشروع نقل معبدي أبو سمبل.

نبذة عن معبدى أبو سمبل


يقع المعبدان, المحفوران داخل جبلين شامخين, على الضفة الغربية لنهر النيل بجمهورية مصر العربية جنوب مدينة أسوان على بعد حوالى 300 كيلو متر, شيده الملك رمسيس (الأسرة التاسعة عشر) معبدي أبو سمبل فى مكانين متقاربين, يطلان على نهر النيل فى مواجهة فلكية لشروق أشعة الشمس, وقد تم تشييد إحدهما للملك والآخر لزوجته, الملكة نفرتارى. وقد تم إكتشاف معبدي أبو سمبل سنة 1813م حيث كانت الرمال تغطيهما إلى قمتيهما فى منطقة أبو سمبل ببلاد النوبة.




فن هندسة الواجهات


تم إنشاء الواجة بتشكيل رائع من التماثيل والنقوش التى تعبر عن مدى رقي وتطور الفنون في هذا الوقت. ويتميز المعبد الكبير, المخصص للملك, بواجهة عريضة طولها 35 مترًا تتضمن أربع تماثيل للملك رمسيس الثانى بإرتفاع عشرين مترًا ووزن 1000 طن للتمثال الواحد. ويقع المدخل الرئيسى للمعبد بين التمثال الثاني والثاني حيث ستبهرك مدى ضخامة تماثيل الواجهة, المحفورة فى مقدمة الجبل, ولكن مع الأسف, فقد سقط التمثال الثالث بفعل الزلازل, تركا فراغا كبيرا.


يشهد هذا العمل على قدرة الفنانون والمهندسون, فى ذلك الوقت, على تشكيل الحجارة والضخور بزوايا ومناسيب وارتفاعات, بدقة بلغت حد الإعجاز، حيث تبرز هذه المهارة الفائقة فى إختلاف التعبير على وجوه التماثيل الأربعة والتدرج فى ملامحهم, حيث ترى الصرامة فى وجه التمثال الأول ثم تنفرج سماته بدرجات متفاوتة حتى تصل إلى الإبتسامة على وجه التمثال الأخير, فبالرغم من أن الشكل واحد, إلا إن التعبير مختلف. ومن طرائف معبدي أبو سمبل أن يعلوه 24 قردا, يقال انهم وضعوا فى هذا المكان المرتفع لإستقبال شمس كل صباح, فيقوموا بالتصفيق والتهليل إبتهاجا بميلاد يوم جديد.




المعبد من الداخل


المعبد تم حفره داخل جبل من الحجر الرملى, وهو مكون من صالات وحجرات ضخمة نقشت على جدرانها الأحداث التاريخية التى عايشها الملك فى لوحات فنية زخرفية ذات ألوان جميلة ونقوش جذابة. كما توجد ثمانية تماثيل, كل منهم بارتفاع عشرة أمتار, مصفوفة بالصالة الكبيرة عند المدخل, تم نحتهم في جسم المعبد. وهذا, ويقع قدس الأقداس على بعد 65 مترًا من المدخل حيث يتصدرها تماثيل للملك رمسيس الثانى.


ولقدس الأقداس قيمة دينية وأسطورية هامة, حيث يقام بها طقوس خاصة عند دخول أشعة الشمس من فتحة في واجهة المعبد لمدة دقائق محدودة, في يومان محددان كل سنة خلال شهري أكتوبر وفبراير. وهنا لنا وقفة مع هذا الإعجاز، فالمعجزة الفلكية لا تقل أهمية عما قام به المهندسون المعاصرون لإنقاذ معبدى أبو سمبل من الغرق, والحفاظ على الأسطورة التاريخية لدخول الشمس بنفس الزوايا, وفى نفس اليومين رغم تغيير مكان الموقع.




كيف تحققت معجزة الإنقاذ؟ ولماذا؟


تنفيذ هذا المشروع جاء نتيجة إنشاء مشروع السد العالى وما ترتب عليه من خطورة إرتفاع منسوب المياه المخزنة خلفه، حيث نما الخوف من أن يؤدى ذلك إلى غرق معبدى أبو سمبل وعليه كان هذا هو الدافع الرئيسى لإنقاذهما خلال الستينيات حيث تكلف المشروع حينذاك حوالى 40 مليون دولار أمريكي. ومن أجل الحفاظ على هذا التراث الثمين, والذى يعتبر ملكا للجميع, بادرت هيئة اليونسكو بحملتها الدولية لدعم مشروع إنقاذ معبدى أبو سمبل ومساندته والجانب الهندسى. وقد لخص المهندس مدحت عبد الرحمن إبراهيم, أحد مستشاري المشروع, طبيعة وتحديات المشروع بقوله “كيف تستخرج معبد منحوت داخل جبل، وتشيد جبل آخر يتضمنه من الداخل؟” طبعا هذه معجزة فى حد ذاتها حققها المهندسون الذين دأبوا على دراسة الحلول وطرح بعض الأفكار. أحد هذه المقترحات كان نقل المعبد كتلة واحدة على غرار المعابد الصغيرة عن طريق تحزيمها بالجسور الخرسانية ورفعها بواسطة روافع هيدروليكية ونقلها إلى الموقع الجديد, وقد تم رفض هذه الفكرة نظرا لتكاليفها الباهظة.
الأقتراح الأخر كان تفريغ وإزالة ما حول المعبد من مكونات الجبل الحجرية والترابية, ثم تقطيع السقف والحوائط بسمك معين إلى كتل يتم ترقيمها وتحميلها على سيارات بعناية تامة وتخزينها فى مكان أمين ثم إعادة بنائها فى الموقع الجديد مع الحفاظ على شكل ومكونات الجبلين شاملا المعبدين, مع المحافظة على أسطورة دخول أشعة الشمس فى مواعيدها بالموقع الجديد, وقد حازت هذه الفكرة على القبول. ولكن كيف؟




إعادة البناء


حفاظا على سلامة العمل من خطر إرتفاع مفاجئ في مخزون المياه السد العالي, أنشأ سد واق بطول حوالى 370 مترًا وإرتفاع حوالى 30 مترًا حول منطقة العمل حيث كان بناء هذا السد سباقا من الزمن. أول خطوة كانت تغطية واجهة المعبد بكثبان رملية ناعمة لحماية التماثيل من تأثيرات عمليات حفر الجبل, هذا وقد تم حفر نفق للدخول والخروج من المعبد, بالإضافة إلى نظام صرف تتجمع فيه مياه الرشح ثم تضخ خارجا. ثم تم تحميل السقف على سقايل هيدروليكية, مع تغطية أعلاى هذه السقايل بعوازل لحماية الرسومات من التلف.



جرت أعمال الحفر فوق المعبد بواسطة المعدات الثقيلة, مثل البلدوزرات, ولكن قبل اقتراب الحفر من سقف المعبد بثمانية أمتار, تم استخدام آلات الحفر اليدوية , مثل الشواكيش الكهربائية, لإستكمال الحفر, ذلك لحماية طبقات السقف, المطلوب تقطيعها, من الإنهيار بسبب إرتفاع وزن المعدات الثقيلة. وعند الوصول إلى سمك 80 سم من أسفل السقف, تم استخدام المناشير الكهربائية لبداية عملية تقطيع سقف المعبد إلى كتل بعمق70سم, وبسمك 4 مم, ثم أستخدمت مناشير الصلب اليدوية لقطع الجزء المتبقى من كتل السقف بعمق 10 سم وسمك 1مم, حرصا على ان يكون خط القطع المار بالرسومات والزخارف ضئيلا جدا. وبعد تقطيع الأسقف إلى كتل متماثلة الحجم, تم ترقيمها ونقلها إلى أماكن التخزين. وقد تم تحديد 80 سم لسمك الحوائط, حيث تم حفر وتفريغ ما خلفها وترقيمها بنفس الطريقة المتبعة فى تقطيع كتل السقف. وقد بلغ عدد الكتل بالمعبد الكبير حوالى 800 قطعة والمعبد الصغير حوالى 200 قطعة, تراوحت أوزانها بين 20 طنا إلى 30 طنا للكتلة الواحدة.











الموقع الجديد


على إرتفاع 70 مترا, وإمتداد افقي بلغ مائتي متر من الموقع الأصلى، أختير موقع المعبد الجديد, بعد أن أعدت الدراسات الخاصة بالتربة والتوجيه السليم وفقا للمحاور الأصلية التى تلتقى مع أشعة الشمس. وقد بنيت الحوائط أولا ثم غلفت من الخلف بغطاء من الخرسانة المسلحة لتقوية تماسكها, ثم وضعت كتل السقف وغلفت, بعد إعادة بنائها, بغطاء من الخرسانة المسلحة مثل الحوائط تماما, وذلك لضمان متانة البناء الجديد, حيث تم ربط الكتل الحجرية, سواء كانت كتل السقف أو الحوائط, مع الخرسانة المغلفة لها بواسطة أسياخ حديدية تم زرعها فى الكتل الحجرية بواسطة مادة الايبوكسى. وقد روعيت فى أعمال الترميم أهمية الحفاظ على الرسومات والزخارف المنقوشة, كما أضيف مسحوق ناعم من مخلفات تقطيع الكتل الحجرية لمواد الترميم, لتكسب اللحامات اللون الأصلى، حيث أن الناظر لن يستطيع التعرف على أماكن التقطيع.





معجزة تشكيل الجبل


طبعا لا يمكن إعادة وضع الكتل الجبلية مرة أخرى فوق سقف المعبد الجديد لأنه لن يتحملها, لذا أحيط جسم المعبد بقبة خرسانية مسلحة بسمك 1.4 متر لتتحمل وجود ثقل الجبل فوقها, وقد تم صب الخرسانة المسلحة للقبة على أجزاء صغيرة لتقليل تأثير الضغوط الحرارية, والإنكماش, ثم تم إضافة الأتربة, والحجارة, لتكون شكلا مشابه للشكل الأصلى. وقد تم توصيل أسلاك تمتد لداخل القبة, تصل إلى نقطة القياس محددة, لمراقبة أنواع الضغوط والتمدد ومدى استقرار القبة ودرجة الحرارة داخها. أما بخصوص تشكيل الواجة الجديدة, فقد تم استقطاع واجة الجبل الأصلية بسمك 80 سم, تم تغليف واجهة المعبد الجديد بها، وذلك للحفاظ على الشكل العام كما كان الوضع السابق. هذا, وأعيد تركيب وبناء تماثيل الواجهة الأصلية ثم جرى تقويتها من الداخل بالخرسانة المسلحة, مع ترميم خطوط القطع الخارجية بنفس طريقة الحوائط والأسقف.



إن القبة الخرسانية التى تم تنفيذها تعد أكبر قبة خرسانية مسلحة فى العالم, فهى بسمك 1.4 متر فى أعلى نقطة, تصل إلى 2.1 متر عند القاعدة. اما قواعد الأساسات الخرسانية المحيطة بالمعبد أسفل القبة الحاملة يبلغ عمقها 17 مترًا تحت الأرض. وقد بدأ العمل فى المشروع فى نوفمبر 1963م وإنتهى فى سبتمبر 1968م
رد مع اقتباس