التواصل
تمهيد
من طبيعة المعارف الإنسانية أن لها مفاهيمها ومصطلحاتها وأسسها ومبادئها الخاصة بها
، فهناك المفاهيم العلمية ، والمصطلحات الطبية ، والأسس الاقتصادية ، والمبادئ
السياسية ، … وهذه العناصر تعرف بمكونات البناء المعرفي أو محتواه .
ويعتبر علم الإدارة واحدا من مجالات المعرفة الإنسانية الغنية بالمفاهيم ، وقد
ازداد الطلب على هذا العلم بدرجة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني لما حققه
هذا العلم من انجازات وانتصارات على مستوى الأفراد والدول والمؤسسات ، لدرجة أنه
بات يقال : " أن أزمة الدول المتخلفة هي أزمة إدارية " .
ويقول ابن خلدون في مقدمته : " أن الاجتماع الإنساني ضروري " بمعنى أن حياة الإنسان
لا تستقيم إلا بتعاونه مع أبناء جنسه ؛ لتوفير الغذاء والملبس والمأوي ، ولدفع
الأعداء من وحوش كاسرة ، وطيور جارحة ، ومن هنا تتجلى أهمية التواصل بين الأفراد في
المجتمع سواء أكانوا تابعين أو متبوعين ، رؤساء أو مرؤوسين ، وذلك من أجل حفظ
النوع وتأمين البقاء ..
إن التواصل في اللغة مأخوذ من الصلة ، كالتي جاء ذكرها في شكوى صحابي لرسول الله
صلى الله عليه وسلم : "يا رسول الله : إن لي قرابة ؛ أصلهم ويقطعونني ، …"
والتواصل إصطلاحا هو تبادل الرسائل المنطوقة أو المكتوبة أو المرمَّزة (بالشيفرة أو
بالإشارة ) ، بحيث تتضمن هذه الرسائل الحقائق والأفكار والمشاعر .
إن فعالية المسئول في أي مستوى ، إنما يتوقف على قدرته على التواصل مع من هم تحت
إمرته أو في نطاق مسئوليته ، إذ يتوقف على هذا التواصل كم الإنتاج ونوعه في
المؤسسات ، وتحقيق الرضي الوظيفي للعاملين ، وزياد التحصيل للمتعلمين ، …
وفي العرف الإداري هناك فرق بين الاتصال و التواصل
، فالاتصال يعني توجيه رسالة من
طرف لآخر دون تلقي أي رد عليها ، كما هو الحال في المحاضرات التي لا يشارك فيها أحد
من المستمعين ، أو خطب الأئمة للمصلين ، أو خطب الرؤساء للجماهير ،
بينما التواصل
يعني الرد على المحاضرين والأئمة والرؤساء .
والاتصال إما أن يكون كاملا ، إذا فهم المستمع الرسالة فهما تاما ورد عليها ردا
علميا ، منطقيا ، مقنعا ،
وقد يكون الاتصال جزئيا إذا كان الفهم ناقصا ، وكان الرد
ليس شافيا أوتضمن دعوة للإعادة ، أو احتمل التأويل ،
ويمكننا ملاحظة هذين النوعين
من التواصل في المواقف الحياتية المختلفة ؛ كالمواقف الصفية ،
وفي لجان مقابلات
الموظفين
، وفي مكاتب الاستشارات الهندسية والقضائية والفنية ، …
وفي هذا المقال سوف نجيب عن التساؤلات التالية : لماذا يتواصل المتواصلون ؟ بماذا
يتواصلون ؟ وما المعوقات التي تعترضهم ؟ كيف نحقق التواصل الأمثل ؟
أولا : لماذا يتواصل المتواصلون ؟
من سمات عملية التواصل أنها تسعى إلى نقل الحقائق والأفكار والمشاعر
للآخرين ، والسؤال الآن : لماذا يسعى الناس إلى نقل هذه الأفكار والحقائق والمشاعر
لغيرهم ؟
سوف تقتصر الإجابة هنا على التواصل في المؤسسات الإدارية حيث الصفة
الاعتبارية لأفرادها إما مديرا أو عضوا في الهيئة الإدارية أو موظفا أو عاملا في
المؤسسة ،
وفي هذه الحال هناك أربعة دوافع للتواصل :
- إعطاء معلومات ؛ يقوم المدير من آن لآخر بتزويد المساعدين ، والموظفين ،
والعاملين بالحقائق والأفكار الجديدة المتعلقة بالعمل لضمان المحافظة على مستويات
متقدمة من الإنجاز .
- إعطاء تعليمات ؛ يقوم المدير من آن لآخر بتزويد المساعدين ، والموظفين ،
والعاملين بالأنظمة والتعليمات الجديدة المتعلقة بالعمل لضمان المحافظة على مستويات
متقدمة من الانضباط .
- إثارة الدافعية ؛ يقوم المدير من آن لآخر بإحداث تغييرات في سلوك المساعدين ،
والموظفين ، والعاملين لضمان المحافظة على مستويات متقدمة من الرضى الوظيفي
والانسجام لديهم .
- طلب معلومات ؛ يقوم المدير وبحسب الحاجة بطلب توضيحات وتفسيرات وحقائق جديدة من
المساعدين ، والموظفين ، والعاملين لتعميق معارفه ، وتعزيز قراراته ، وتطوير خطط
العمل الذي ينوي القيام بها .
ثانيا : بماذا يتواصل المتواصلون ؟
يتواصل الناس فيما بينهم - بصورة تكاد تكون مطلقة - بالكلمات ؛ سواء أكانت
منطوقة أو مكتوبة
، وفي أحوال خاصة يتواصل الناس بدون كلمات فيما يعرف بالتواصل غير
اللفظي أو التواصل بالإشارة ،
وفي كل صورة من صور التواصل هناك الغديد من الأشكال
التي يتميز بها هذا التواصل عن ذاك :
:-
- التواصل بالكلمات المنطوقة
o محادثة فرد لفرد بصورة غير مخططة ؛ كسائح في المنطقة يبحث عن عنوان ، هنا يتوجب
أن نتواصل معه بما يعكس أخلاقنا وقيمنا النبيلة .
o محادثة فرد لفرد بصورة مخططة ؛ كاستدعاء المدير لموظف جديد ، هنا يتوجب أن
يتركز التواصل معه حول طبيعة العمل ، وعن استعداداته ، وحاجاته ، والإجابة عن
تساؤلاته واستفسارته .
o محادثة فرد لجماعة بصورة غير مخططة ؛ كمجموعة من أولياء الأمور جاؤوا ليسألوا
عن مستويات أبنائهم التحصيلية ، هنا يتوجب استقبالهم كضيوف ، وتعريفهم بدور المدرسة
في خدمة أبنائهم ، وتوثيق العلاقة بهم لدعم المدرسة من خلال العناية المثلى
بأبنائهم ، ثم العمل على رفع معنوياتهم بحيث يعودوا متفائلين واثقين من أن أبناءهم
في أيد أمينة …
o محادثة فرد لجماعة بصورة مخططة ؛ كاجتماع مدير المدرسة بالهيئة التدريسية ،
وهنا يجب أن يحترم المدير المعلمين بحيث يقدم لهم المعلومات أو التعليمات ، ويتلقى
منهم الرد والملاحظات بما يعكس احترامه لقدراتهم ، وتقديره لأوقاتهم ، وتطلعاتهم .
o المحادثة بالهاتف ؛ هذا النوع من التواصل – كبقية الأنواع الأخرى - له آدابه ؛
كطلب الإذن في طرح الموضوع ، والاعتذار على المفاجأة ، وأن تدع الطرف الآخر يتحكم
في زمن المحادثة إذا كنت أنت الذي بدأ بها ، والافتتاح بالتحية والاختتام بالتحية ،
…
- التواصل بالكلمات المطبوعة
وضع مقترحات في صندوق الاقتراحات .
وضع ملاحظات على لوحة الإعلانات .
إرسال رسائل أو تقارير .
كتابة مقالات في مجلة أو صحيفة .
المهم في هذا الأسلوب من التواصل أن يحرص الفرد على اعتماد مجموعة من المعايير
ليزيد من فاعلية التواصل الذي يكون طرفا فيه
- أن تختار الكلمات بعناية .
- أن تساعد الرسالة في طرح الموضوع أو توضيحه بشكل دقيق وموضوعي .
- أن تكون موجهة للجهة المعنية بها في الوقت المحدد .
- أن تعبر عن المشاعر والأفكار بدون تأثير من طرف ثالث .
- التواصل بدون كلمات
o في هذه الحالة يجب الالتفات إلى نغمة الصوت فهي تمثل تعبيرا محمولا بالكلمات ،
وذلك لتمييز القول المعبر عن الحرص والاهتمام من القول المعبر عن الاستهتار
واللامبالاة ، أو الازدراء والاحتقار ، ومثال على ذلك المدير الذي يرفض منح الموظف
إجازة طارئة ، فيقول الموظف له : حاضر ، إن هذه الكلمة يمكن أن تحمل أي معنى من
المعاني المذكورة أعلاه .
o وكذلك يلزم الالتفات إلى الصمت الذي يتخلل عملية التواصل ، ومثال على ذلك
المدير الذي يسأل المعلمين عن أحد جرحى الانتفاضة من الطلاب في مدرسته : فيصمت
المعلمون ، فيضطر أن يسأل : ألا يزال على قيد الحياة ؟
ثالثا : ما المعوقات التي تعترض المتواصلين ؟
هناك العديد من المعوقات التي تعترض عملية التواصل بين المتواصلين ، ومن
أبرز هذه المعوقات :
- عدم وضوح الرسالة ؛ غموض الأفكار ، استخدام كلمات جوفاء أو كلمات رنانة.
- التقديم غير المناسب للرسالة ؛ وسيط غير مناسب ، قنوات غير قانونية ، …
- القدرة المحدودة للمستقبل ؛ لغة المرسل فوق مستوى لغة المستقبل …
- اختلاف الأطر المرجعية للمتواصلين ؛ الاختلاف في تفسير المصطلحات والقيم.
- اختلاف وجهات النظر (مع الاتفاق في الإطار المرجعي) ؛ كاتخاذ مواقف متباينة من
قضية جديدة مطروحة أمام أعضاء تنظيم معين ، فهناك المؤيد ، وهناك المعارض ، وهناك
الواقف بين بين … " كل حزب بما لديهم فرحون "
- التمويه / والزيف ؛ هناك من يجد أن من مصلحته أن يخفي ما يجيش في صدره من
مشاعر أو أفكار مما يجعل نتيجة التواصل محفوفة بالمخاطر
.
بقلم / محمد أحمد مقبل
رئيس مركز التطوير التربوي
الوكالة - غزة
|