43/ قِصَّةُ المَسْيِحِ الدَّجَّالِ ويَأْجُوجِ ومَأْجُوجِ
-- عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟»
«قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ».
«فَقَالَ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ العُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا».
«قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟»
«قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ».
«قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟»
«قَالَ: لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ».
«قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ؟»
«قَالَ: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى القَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي القَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُـلُهُ»؛
«ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ اليَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ».
رَوَاهُ مُسْلِمٌ (4/ 2937) واللَّفْظُ لَهُ؛ وابْنُ مَاجَةَ (2/ 4075).
- (فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ): حَقَّرَهُ وعَظَّمَ وفَخَّمَ أَمْرَهُ، فَمِنْ تَحقِيرِهِ وهَوَانِهِ عَلَى اللهِ تَعَالَى عَوَرهُ وأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ إِلاَّ ذَلِكَ الرَّجُل ثُمَّ يَعجَزُ عَنْهُ، وأَنَّهُ يَضْمَحِلَّ أَمْرُهُ ويُقْتَـل بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ وأَتْبَاعِهِ؛ ومِنْ تَفْخِيمِهِ وتَعظِيمِ فِتْنَتِهِ: هَذِهِ الأُمُورُ الخَارِقَةُ لِلعَادَةِ وأَنَّهُ مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وقَد أَنْذَرَ قَوْمَهُ.
- (قَطَطٌ): شَدِيْدُ جُعُودَةِ الشَّعْرِ.
- (إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالعِرَاقِ): مَوْضِعُ حَزْنٍ وصُخُورٍ بَيْن البَلَدَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ.
- (فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا): العَيْثُ هُوَ: أَشَدُّ الفَسَادِ والإِسْرَاعِ فِيْهِ؛ وعَبَّرَ بِالمَاضِي تَأْكِيدًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ.
- (اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ): يَعنِي أَنَّهُ إِذَا مَضَى بَعد طُلُوعِ الفَجْرِ قَدرِ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الظُّهْرِ كُلُّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ، ثُمَّ إِذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وبَيْنَ العَصْرِ فَصَلُّوا العَصْرَ، وإِذَا مَضَى بَعْدَ هَذَا قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وبَيْنَ المَغْرِبِ فَصَلُّوا المَغْرِبَ، وكَذَا العِشَاءُ والصُّبْحُ ثُمَّ الظُّهْرُ ثُمَّ العَصْرُ ثُمَّ المَغْرِبُ؛ وهَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِي ذَلِكَ اليَوْم.
- (فَتَرُوحُ): تَرجِعُ آخِرَ النَّهَارِ.
- (سَارِحَتُهُمْ): السَّارِحَةُ هِيَ المَاشِيَةُ الَّتِي تَسْرَحُ، أَيْ تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَى المَرْعَى.
- (فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ): أَصَابَهُم الجَدْبُ والقَحْطُ مِنْ قِلَّةِ المَطَرِ ويَبَسِ الأَرْضِ مِنَ الكَلأِ.
- (كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ): اليَعَاسِيْبُ هِيَ ذُكُورُ النَّحْلِ.
- (جَزْلَتَيْنِ): قِطْعَتَيْنِ.
- (فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ): هَذِهِ المَنَارَةُ مَوْجُودَةٌ اليَوْم شَرْقَيْ دِمَشْقٍ.
- (بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ): لاَبِسٌ مَهْرُودَتَيْنِ، أَيْ: ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِوَرْسٍ ثُمَّ بِزَعْفَرَانٍ.
- (تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ): الجُمَانُ هُوَ حَبَّاتٌ مِنَ الفِضَّةِ تُصْنَعُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّؤْلُؤِ الكِبَارِ، والمُرَادُ: يَتَحَدَّرُ مِنْهُ المَاءُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّؤْلُؤِ فِي صَفَائِهِ، فَسُمِّيَ المَاءُ جُمَانًا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي الصَّفَاءِ والحُسْنِ.
- (فَلَا يَحِلُّ): لاَ يُمْكِن ولاَ يَقَعُ.
- (بِبَابِ لُدٍّ): بَلْدَة قَرِيبَة مِن بَيْتِ المَقْدِسِ.
- (فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ): تَبَرُّكًا وبِرًّا، وهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى كَشْفِ مَا هُمْ فِيْهِ مِنْ الشِّدَّةِ والخَوْفِ.
- (لَا يَدَانِ): لاَ قُدْرَة ولاَ طَاقَة.
- (فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ): ضُمّهُم إِلَيْهِ واجعَلَهُ لَهُم حِرزًا.
- (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ): مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مُرتَفَعٍ يَمْشُونَ مُسْرِعِيْنَ.
- (فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ): يَدعُونَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ.
- (النَّغَفَ): هُوَ دُودٌ يَكُونُ فِي أُنُوفِ الإِبِلِ والغَنَمِ.
- (فَرْسَى): قَتْلَى.
- (زَهَمُهُمْ): دَسَمُهُم.
- (البُخْتِ): هِيَ الإِبِلُ الخُرَاسَانِيَّةُ، طُوَالُ الأَعْنَاقِ.
- (لَا يَكُنُّ مِنْهُ): لاَ يَمْنَع مِنْ نُزُولِ المَاءِ.
- (مَدَرٍ): الطِّيْنِ الصَّلْبِ.
- (كَالزَّلَفَةِ): كَالمِرْآةِ، وشَبَّهَهَا بِالمِرْآةِ لِصَفَائِهَا ونَقَائِهَا.
- (العِصَابَةُ): الجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ.
- (بِقِحْفِهَا): مُقَعَّر قِشْرِهَا.
- (الرِّسْلِ): اللَّبَنِ.
- (اللِّقْحَةَ): النَّاقَة الصَّغِيرَة المَوْلُودَة قَرِيبًا.
- (الفِئَامَ): الجَمَاعَة الكَثِيرَة مِنَ النَّاسِ.
- (الفَخِذَ مِنَ النَّاسِ): الجَمَاعَة مِنَ الأَقَارِبِ.
- (يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ): يُجَامِعُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ عَلاَنِيَّةً بِحُضْرَةِ النَّاسِ كَمَا يَفْعَلُ الحَمِيْرُ ولاَ يَكْتَرِثُون لِذَلِك!
آخر تعديل بواسطة Mr. Hatem Ahmed ، 20-09-2016 الساعة 07:11 PM
|