عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 17-06-2017, 02:04 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي

: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قراءة القرآن،

واستماعه، وخشوعه، وبكائه عند قراءته، واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك
1-كان له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِزب يقرؤه، ولا يُخِلُّ به،


2- وكانت قراءتُه ترتيلاً لا هذَّا ولا عجلة، بل قِراءةً مفسَّرة حرفاً حرفاً.

3- وكان يُقَطِّع قراءته آية آية، وكان يمدُّ عند حروف المد، فيمد (الرحمن) ويمد (الرحيم)، وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فى أول قراءته، فيقول: "أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَجِيم"، ورُبَّما كان يقول: "اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم من هَمْزِهِ ونَفْخِهِ، ونَفثِهِ ". وكان تعوّذُه قبلَ القراءة.
4-وكان يُحبُّ أن يسمع القراَنَ مِن غيره، وأمر عبد الله بن مسعود، فقرأ عليه وهو يسمع. وخَشَع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسماع القران مِنه، حتى ذرفت عيناه.


5-وكان يقرأ القراَن قائماً، وقاعداً، ومضطجعاً ومتوضئاً، ومُحْدِثاً،ولم يكن يمنعه من قِراءته إلا الجنابة.
6-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتغنَّى به، ويُرجِّع صوتَه به أحياناً كما رجَّع يوم الفتح في قراءته {إنَّا فتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً} [الفتح: 1]. وحكى عبد الله بن مغفَّل ترجِيعَه، آ ا آ ثلاث مرات، ذكره البخاري.


الترجيع فى القراءة
7-وإذا جمعت هذه الأحاديثَ إلى قوله: "زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم". وقوله: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن ". وقوله: "ما أَذِنَ اللهُ لِشَيء، كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْان". علمت أن هذا الترجيعَ منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان اختياراً لا اضطراراً لهزِّ الناقة له، فإن هذا لو كان لأجل هزِّ الناقة، لما كان داخلاً تحت الاختيار، فلم يكن عبدُ الله بن مغفَّل يحكيه ويفعلُه اختياراً لِيُؤتسى به، وهو يرى هزَّ الراحلة له حتى ينقطع صوتُه، ثم يقول؟كان يُرجِّعُ في قراءته، فنسب التَّرجيع إلى فعله. ولو كان مِن هزِّ الراحلة، لم يكن منه فعل يسمى ترجيعاً.



8-وقد استمع ليلةً لقراءة أبي موسى الأشعري، فلما أخبره بذلك، قال: لوْ كنتُ أعلم أنك تسمعه، لحبَّرْته لَكَ تَحْبِيراً. أي: حسَّنته وزيَّنته بصوتي تزييناً

الترجيع والفصل فى المسالة

،1- فقالت طائفة: تكره قراءة الألحان، وممن نص على ذلك أحمد ومالكٌ وغيرهما، فقال أحمد في قراءة الألحان: ما تعجبُني وهو محْدَث. وقال : القراءةُ بالألحان بدعة لا تسمع، : القراءةُ بالألحان لا تُعجبني إلا أن يكون ذلك حُزناً، فيقرأ بحزن مثلَ صوت أبي موسى

-، عن مالك، أنه سئل عن الألحان في الصلاة، فقال: لا تُعجبني، وقال: إنما هو غناءٌ يتغنَّون به، ليأخذوا عليه الدراهم،

: وقالت طائفة: التغنِّي بالقران، هو تحسينُ الصوت به، والترجعُ بقراءته : ذكر الطبري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يقول لأبي موسى: ذكِّرنا ربَّنا، فيقرأ أبو موسى ويتلاحن، وقال: من استطاع أن يتغنى بالقرآن غِناء أبي موسى، فليفعل، : وكان عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد، يتتبَع الصوتَ الحسن في المساجد في شهر رمضان


قال المجوِّزون - واللفظ لابن جرير-: الدليلُ: على أن معنى الحديث تحسينُ الصوت، والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامعَ قراءته، كما أن الغناء بالشعر هو الغناءُ المعقولُ الذي يُطرب سامعه -: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "مَا أذنَ اللهُ لشيء مَا أذنَ لنبيٍّ حسن التَّرنُّم بالقُرْآن" ومعقول عند ذوي الحِجا، أنَ الترنُّم لاَ يكًون إلا بالَصوت إذا حسَّنه المترنم وطرَّب به. وروي في هذا الحديث "ما أذِنَ الله لشيء ما أذن لنبي حسنِ الصوت يتغنى بالقراَن يجهرُ به". قال الطبري: وهذا الحديث من أبين البيان أن ذلك كما قلنا،




قال المانعون من ذلك: الحجة لنا من وجوه. أحدها: ما رواه حُذيفة بن اليمان، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إقرؤوا القُرْآن بِلحُونِ العَرَبِ وأصْوَاتِها، وإيَاكُم وَلُحُونَ أَهْلِ الكِتَابِ وَالفِسْق، فإنَّهُ سَيَجيء فى مِنْ بَعْدِي أَقوَامٌ يُرَجِّعُونَ بِالقُرْآنِ تَرْجِيعَ الغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهم، مَفتُونَةً قُلُوبُهُم، وَقُلُوبُ الَذِينَ يُعْجِبُهُم شَأْنُهُم"

- واحتج معه بحديث آخر، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر شرائطَ الساعة، وذكر أشياء، منها: "أن يُتخذ القرآنُ مَزاميرَ، يُقدِّمونَ أَحَدَهُم لَيْسَ بِأَقْرَئِهِم وَلا أَفْضَلِهِم ما يُقَدِّمُونَهُ إلا لِيُغَنِّيَهُم غِنَاءً".
قالوا: وقد جاء زياد النهدي إلى أنس رضي الله عنه مع القراء، فقيل له: إقرأ، فرفع صوته وطرَّب، وكان رفيعَ الصوت، فكشف أنس عن وجهه، وكان على وجهه خِرقة سوداء، وقال: يا هذا! ما هكذا كانوا يفعلون، وكان إذا رأى شيئاً يُنكره، رفع الخِرقة عن وجهه.


قالوا: وقد منع النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤذِّن المُطَرِّبَ في أذانه من التطريب ، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤذِّن يطرِّب، فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الأذان سَهْلِّ سمح.، فإن كان أَذَانُكَ سَهْلا سَمْحاً، وإلاَّ فَلا تُؤذِّن"

وفصل النزاع،

أن يقال: التطريب والتغنِّي على وجهين، أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خُلّي وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين، كما قال أبو موسىالأشعري للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَو علمتُ أنّكَ تَسمَع لَحَبَّرْتُه لَكَ تحبِيراً" والحزين ومَن هاجه الطرب، والحبُ والشوق لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع، وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبِّع، وكَلفٌ لا متكلَف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامعُ، وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة،




: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عيادة المرضى



1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعودُ مَنْ مَرِضَ من أصحابه، وعاد غلاماً كان يَخدِمه مِن أهل الكتاب، وعاد عمَّه وهو مشرك، وعرض عليهما الإِسلام، فأسلم اليهودي، ولم يسلم عمُّه.
2-وكان يدنو من المريض، ويجلِسُ عند رأسه، ويسألُه عن حاله، فيقول: كيف تجدُك؟
3-وذكر أنه كان يسأل المريضَ عما يشتهيه، فيقول: "هَل تَشْتَهِي شَيئاً"؟ فإن اشتهى شيئاً وعلِم أنه لا يضرّه، أمر له به.


4-وكان يمسح بيده اليُمنى على المريض، ويقول: " اللهُمَّ رَبَّ النَّاس، أَذْهِبِ البأْسَ، واشْفِه أَنتَ الشَّافي، لا شِفَاءَ إلا شِفاؤكَ، شِفاءً لا يُغادرسَقَماً".
5-وكان يدعو للمريض ثلاثاً كما قاله لسعد: "اللهم اشْفِ سَعْداً، اللهُمَّ اشْفِ سَعْداً اللهُمَّ اشْفِ سَعْداً".
6-وكان إذا دخل على المريض يقول له: " لا بَأسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ الله".
7-وربما كان يقول: " كَفَّارَةٌ وَطَهورٌ "


8-وكان يَرْقِي مَن به قَرحة، أو جُرح، أو شكوى، فيضِع سبَابته بالأرض، ثم يرفعها ويقول: "بِسْمِ الله، تُرْبَةُ أرْضِنا، بِرِيقَةِ بَعضِنا يُشْفى سَقِيمُنَا، بإذْنِ رَبِّنا" هذا في "الصحيحين"،

تصحيح حديث سبعون الاف بغير حساب

- وهو يبطل اللفظة التي جاءت في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأنهم لا يرْقُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ فقوله في الحديث: "لا يرقون" غلط من الراوي، سمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول ذلك. قال: وإنما الحديث "هم الذين لا يَسْتَرْقُونَ".

قلت: وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنةبغير حساب، لكمال توحيدهم، ولهذا نفى عنهم الاسترقاء، وهو سؤالُ الناس أن يرقوهم. ولهذا قال:." وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" ، فلكمال توكُّلهم على ربهم، وسُكونهم إليه، وثقتهم به، ورِضاهم عنه، وإنزال حوائجهم به، لا يسألون الناس شيئاً، لا رُقيةً ولا غيرها، ولا يحصُلُ لهم طِيرَةٌ تصدُّهم عما يقصِدونه، فإن الطِّيَرَةَ تَنْقُصُ التوحيد وتُضْعِفُه.

قال: والراقي متصدِّق مُحسن، والمسترقي سائل، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَى، ولم يسترق، وقال : "مَنْ اسْتطاع منكم أَنْ يَنْفَعَ أَخاه فَلْيَنْفَعْه".



9-ولم يكن مِن هديه عليه الصلاة والسلام أن يَخُصَّ يوماً من الأيام بعيادة المريض، ولا وقتاً من الأوقات، بل شرع لأمته عيادة المرضى ليلاً ونهاراً، وفي سائر الأوقات. وفي "المسند" عنه: "إذا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ المُسلِمَ مَشَى في خُرفَةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ، غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإن كَانَ غُدوَةً، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإن كَانَ مَسَاءً، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ". وفي لفظ "ما مِنْ مُسْلِم يَعُودُ مُسْلِماً إلا بَعَثَ اللَهُ لَه سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يصَلّونَ عَلَيه أَيَّ ساعةٍ مِنَ النَّهار كانت حتَّى يُمْسِيَ، وأيَّ ساعَةٍ مِن الليلِ كانت حتَّى يُصْبِحَ ".



10-وكان يعود من الرمد وغيره، وكان أحياناً يضع يده على جبهة المريض، ثم يمسحُ صدره وبطنه ويقول: "اللهُمَّ اشْفِهِ" وكان يمسح وجهه أيضاً.وكان إذا يئس من المريض قال: "إنا للهِ وإنَّا إليه رَاجِعُون".



: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنائز والصلاة عليها،

واتباعها، ودفنها، وما كان يدعو به للميت في الصلاة الجنازة وبعد الدفن وتوابع ذلك



1-كان هديُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنائز أكملَ الهدي، مخالفاً لهدي سائر الأمم،

2- وكان مِن هديه في الجنائز إقامةُ العبوديةِ للربِّ تبارك وتعالى على أكمل الأحوال، والإِحسان إلى الميت، وتجهيزه إلى الله على أحسن أحواله وأفضلِها، ووقوفه ووقوف أصحابه صفوفاً يحمَدون الله ويستغفرون له، ويسألون له المغفرةَ والرحمةَ والتجاوزَ عنه،

3- ثم المشي بين يديه إلى أن يُودِعُوهُ حفرته، ثم يقوم هو وأصحابه بين يديه على قبره سائلين له التثبيت أحوجَ ما كان إليه، ثم يتعاهدُه بالزيارة له في قبره، والسلام عليه، والدعاء له كما يتعاهدُالحيُّ صاحِبَه في دار الدنيا.



-فأول ذلك: تعاهدُه في مرضه، وتذكيرُه الآخرة، وأمرُه بالوصية، والتوبة، وأمرُ مَنْ حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه، ثم النهى عن عادة الأمم التي لا تؤمِنُ بالبعث والنُّشور، مِن لطم الخدُود، وشقِّ الثياب، وحلقِ الرؤوس، ورفع الصوت بالنَّدب، والنِّياحة وتوابع ذلك.

4-وسَنَّ الخشوعَ للميت، والبكاءَ الذي لا صوت معه، وحُزْنَ القلب، وكان يفعل ذلك ويقول: "تَدْمَعُ العينُ وَيَحْزَنُ القَلبُ وَلاَ نَقولُ إلا ما يُرضِي الرَّبَّ".
5-وسَنَّ لأمته الحمد والاسترجاعَ، والرضى عن الله، ولم يكن ذلك منافياً لدمع العين وحُزنِ القلب، ولذلك كان أرضى الخلقِ عن الله في قضائه،


6-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِسراعُ بتجهيز الميت إلى الله، وتطهيره، وتنظيفِه، وتطييبه، وتكفيِنه في الثياب البيض، ثم يؤتى به إليه، فيُصلِّي عليه بعد أن كان يُدعى إلى الميت عند احتضاره، فيُقيم عنده حتى يقضي، ثم يحضر تجهيزه، ثم يُصلِّي عليه، ويشيِّعه إلى قبره، ثم رأى الصحابةُ أن ذلك يشقُ عليه، فكانوا إذا قض الميتُ، دعوه، فحضر تجهيزه، وغسله، وتكفينَه. ثم رأوا أن ذلك يشقُّ عليه، فكانوا هم يُجهِّزون ميتهم، ويحملونه إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سريره، فيُصلي عليه خارِج المسجد.


7-ولم يكن من هديه الراتب الصلاةُ عليه في المسجد، وإنما كان يُصلي على الجنازة خارج المسجد، ورُبما كان يصلي أحياناً على الميت في المسجد، كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد ولكن لم يكن ذلك سنتَه وعادتَه،،،


قال الخطابي: وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما صُلِّىَ عليهما في المسجد، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما، وفي تركهم الإِنكار الدليلُ على جوازه



8-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسجيةُ الميت إذا مات، وتغميضُ عينيه، وتغطيةُ وجهه وبدنه، وكان رُبما يُقبِّل الميت كما قبَّل عثمانَ بن مظعون وبكى وكذلك الصِّدِّيقُ أكبَّ عليه، فقبَّله بعد موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

9-وكان يأمر بغسل الميت ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر بحسب ما يراه الغاسِل، ويأمر بالكافور في الغسلة الأخيرة، وكان لا يُغسَل الشهَداءَ قَتلَى المعركة، وذكر الإِمام أحمد، أنه نهى عن تغسيلهم، وكان ينزع عنهم الجلودَ والحديدَ ويَدفِنُهم في ثيابهم، ولم يُصلِّ عليهم.
10-وكان إذا مات المُحرِمُ، أمر أن يُغسل بماء وسِدْر، ويُكفن في ثوبيه وهما ثوبا إحرامه: إزاره ورداؤه، وينهى عن تطييبه وتغطية رأسه


11- وكان يأمرمن ولي الميتَ أن يُحسن كفنه، ويُكفنه في البياض، وينهى عن المغالاة في الكفن، وكان إذا قصَّرَ الكفنُ عن سَتر جميع البدن، غطَّى رأسه، وجعل على رجليه من العُشب.

12-وكان إذا قُدِّم إليه ميت يُصلِّي عليه، سأل: هل عليه دَين، أم لا؟ فإن لم يكن عليه دَين، صلَّى عليه، وإن كان عليه دين، لم يصل عليه، وأذِن لأصحابه أن يُصلوا عليه، فإن صلاته شفاعة، وشفاعتُه موجبة، والعبد مرتَهَنٌ بدَينه، ولا يدخل الجنة حتى يُقضى عنه، فلما فتح الله عليه، كان يُصلي على المدِين، ويتحمَّل دينه، ويدع ماله لورثته



13-فإذا أخذ في الصلاة عليه، كبر وحَمِدَ الله وَأَثنَى عَليْهِ، وصلى ابن عباس على جنازة، فقرأ بعد التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب جهراً، وقال: "لِتَعْلَمُوا أنها سُنَّة"


14-ومقصودُ الصلاة على الجنازة: هو الدعاء للميت، لذلك حفظَ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونُقِلَ عنه ما لم يُنقل مِنْ قراءة الفاتِحة والصلاة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



من ادعيتة للميت


1-فحُفِظَ من دعائه: "اللهُمَّ اغفِرْ لَهُ، وارْحَمْهُ، وعَافِهِ، واعَفُ عَنهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَه، وَوَسِّعْ مَدْخَلَه، واغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، ونَقِّهِ مَنَ الخطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وأَبْدِلْهُ دَارَاً خَيْراً مِنْ دَارِه، وَأَهْلاً خَيْراً مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وأَدْخِلْهُ الجَنةَ، وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَارِ".
2-وحُفِظَ من دعائه: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا، وَمَيِّتِنَا، وَصَغِيرِنَا، وكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا، وأُنْثَانَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبنَا، اللهُمَّ مَنْ أَحيَيْتَهُ مِنَّا، فأَحْيهِ عَلَى الإِسْلاَم، وَمَنْ تَوفَّيْتَهُ مِنَّا، فَتَوَفَّه عَلَى الإِيمَانِ، اللهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تَفتِنَّا بَعْدَهُ".
3-وحُفِظَ مِن دعائه: "اللهُمَّ إنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ في ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مَنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّار، فأَنْتَ أَهْلُ الوَفَاءِ وَالحَق، فَاغفِرْ لَهُ وَارْحَمهُ، إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ".
4-وحُفِظَ مِن دعائه أيضاً: "اللهُمَّ أَنْتَ رَبهَا، وَأَنْتَ خَلَقْتَهَا، وَأَنتَ رَزَقْتَهَا، وأَنْتَ هَدَيْتَهَا للإِسْلامِ، وَأَنْتَ قَبضْتَ رُوحَهَا، وتَعْلَمُ سِرَّهَا وَعَلانِيَتَهَا، جئْنَا شفَعَاءَ فَاغفِرْ لَهَا".


15-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بإخلاص الدعاء للميت،

صفة الصلاة على الجنازة

1-وكان يُكبرِّ أربعَ تكبيرات، وصح عنه أنه كبَّر خمساً، وكان الصحابة بعده يُكبِّرون أربعاً، وخمساً، وستاً، ، والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمنع مما زاد على الأربع، بل فعله هو وأصحابُه من بعده.



هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التسليم من صلاة الجنازة.

1-فروي عنه: إنه كان يسلِّم واحدة. وروي عنه: أنه كان يسلم تسليمتين.



وأما رفع اليدين،

فقال الشافعي: ترفع للأثر، والقياس على السنة في الصلاة، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع يديه في كل تكبيرة كبَّرها في الصلاة وهو قائم.



16-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فاتته الصلاة على الجنازة، صلى على القبر، فصلى مرة على قبر بعد ليلة، ومرة بعد ثلاث، ومرة بعد شهر، ولم يُوقت في ذلك وقتاً.



- فحدَّ الإِمام أحمد الصلاة على القبر بشهر، إذ هو أكثر ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى بعده، -وحدَّه الشافعي رحمه الله، بما إذا لم يَبْلَ الميت، ومنع منها مالكٌ وأبو حنيفة رحمهما الله إلا لِلوليِّ إذا كان غائباً.
17-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان يقومُ عند رأس الرجل وَوَسْطِ المرأة.




الصلاةُ على الطفل

18-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاةُ على الطفل، فصح عنه أنه قال: "الطِّفْل يُصَلى عَلَيْهِ".
وفى رواية ، "صلُوا على أَطْفَالِكُم، فإنَّهم مِنْ أَفْراطِكُم".
: سأل ُ أحمد: متى يَجِبُ أن يُصلى على السِّقط؟ قال: إذا أتى عليه أربعة أشهر، لأنه يُنفخ فيه الروح.



19-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّه لا يُصلِّي على مَن *** نفسه، ولا على مَنْ غَلَّ من الغنيمةُ.
20-واختلف عنه في الصلاة على المقتُولِ حداً، كالزاني المرجوم، فصح عنه أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على الجهنية التي رجمها، فقال عمر: تُصلِّي عليها يا رسولَ الله وقد زَنَتْ؟ فقال: " لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بين سَبْعِينَ مِن أهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهم، وهَل وَجَدْتَ تَوْبَةً أفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لله تعالى ". ذكره مسلم.
وذكر البخاري في "صحيحه"، قصة ماعِز بنِ مالك وقال: فقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْراً وَصَلَّى عَلَيْهِ


وقال بُريدة بن الحصيب: إنه قال: "اسْتَغْفِروا لِمَاعِز بن مَالِك". فقالوا: غَفَرَ اللهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. ذكرهما مسلم. وقال جابر: فصلَّى عليه، ذكره البخاري،



21-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلَّى على ميت، تبِعه إلى المقابر ماشياً أمامه.وهذه كانت سنة خلفائه الراشدين مِن بعده،

22- وسنَّ لمن تبعها إن كان راكباً أن يكون وراءها، وإن كان ماشياً أن يكون قريباً منها، إمَّا خلفها، أو أمامها، أو عن يمينها، أو عن شمالها.

23-وكان يأمر بالإِسراع بها، حتى إن كانوا ليَرمُلُون بها رَمَلاً، وأما دبيب الناسِ اليومَ خُطوة خُطوة، فبدعة مكروهة مخالِفة للسنة، ومتضمِّنة للتشبُّه بأهل الكتاب اليهود. وكان أبو بكر يرفع السوطَ على من يفعل ذلك، ويقول: لقد رأيتنا ونحنُ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَرْمُلُ رملاً.قال ابن مسعود رضي الله عنه: سألنا نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المشي مع الجنازة، فقال: "ما دُونَ الخَببِ" رواه أهل السنن

24- وكان يمشي إذا تَبعَ الجنازة ويقول "لم أكُن لأَركَبَ والمَلائِكَةُ يَمْشون". فإذا انصرف عنها، فربَّما مشى، وربَما ركِب.
25-وكان إذا تَبِعها، لم يجلِسْ حتى تُوضع، وقال " إذا تَبِعتُم الجِنَازَة، فلا،: تَجْلِسُوا حتى توضعَ ".
- ابن تيمية رحمه الله: والمراد: وضعُها بالأرض.


26-ولم يكن مِن هديه وسنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة على كُلِّ ميت غائب.
فقد مات خلق كثيرٌ من المسلمين وهم غُيَّب، فلم يُصلِّ عليهم،


27- وصح عنه: أنه صلَّى على النجاشي صلاته على الميت، فاختلف الناس في ذلك على ثلاثة طرق،

أحدها: أن هذا تشريعٌ منه، وسنةٌ للأمة الصلاة على كل غائب، وهذا قولُ الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقال أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به، وليسَ ذلك لغيره،

وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية: الصواب: أن الغائبَ إن مات ببلد لم يُصلّ عليه فيه، صُلِّيَ عليه صلاة الغائب، كما صلَّى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النجاشي، لأنه مات بين الكفار ولم يُصلَّ عليه، وإن صلِّيَ عليه حيثُ مات، لم يُصلَّ عليه صلاة الغائب، لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

صلى على الغائب، وتركه، وفِعلُه، وتركُه سنة، وهذا له موضع، وهذا له موضع، والله أعلم، والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد، وأصحها: هذا التفصيلُ، والمشهور عند أصحابه: الصلاة عليه مطلقاً.



28-وصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قام للجنازة لما مرَّت به، وأمرَ بالقيامِ لها، وصح عنه أنه قعد، فاخْتُلِفَ في ذلك، فقيل: القيامُ منسوخ، والقعودُ آخر الأمرين، وقيل. بل الأمران جائزان، وفِعلُه بيان للاستحباب، وتركُه بيان للجواز، وهذا أولى من ادعاء النسخ.



29-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألاَّ يدفن الميت عند طلوع الشَّمس، ولا عند غروبِها، ولا حين يَقُوم قائمُ الظهيرة وكَانَ مِن هديه اللَّحدُ وتعميقُالقبر وتوسيعُه مِن عِند رأس الميت ورجليه، ويُذكرُ عنه، أنه كان إذا وضع الميِّتَ في القبر قال "بسْمِ اللهِ، وَبِاللهِ، وَعَلى مِلَّةِ رَسُولِ الله". وفي رواية: "بِسْم اللَهِ، وَفي سَبِيلِ اللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ"
30-ويُذكر عنه أيضاً أنه كان يحثُوا التراب على قبر الميت إذا دُفِنَ مِنْ قِبَلَ رأسِه ثلاثاً.
31-وكان إذا فرغ من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه، وسَأَلَ له التَّثبِيتَ، وأمَرَهُم أن يَسْأَلُوا لَهُ التَّثبِيتَ.
ولم يكن يجلِس يقرأ عند القبر، ولا يُلقِّن الميت كما يفعله الناس اليوم،


32-ولم يكن من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تعليةُ القبور ولا بناؤها بآجر، ولا بحجَر ولَبِن، ولا تشييدُها، ولا تطيينُها، ولا بناءُ القباب عليها، فكُلُّ هذا بدعة مكروهة، مخالفةٌ لهديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ000 وقد بَعثَ عليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه إلىَ اليمن، ألاَّ يَدَع تمْثًالاً إلا طمَسَه، وَلاَ قَبْرَاً مُشْرِفاً إلا سَوَّاه، فسنتُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسويةُ هذه القبور المُشرفة كلِّها، ونهى أن يُجصص القبرُ، وأن يُبنى عليه، وأن يكتبَ عليه.



33-وكانت قبور أصحابه لا مُشرِفة، ولا لاطئة، وهكذا كان قبرُه الكريمُ، وقبرُ صاحبيه، فقبرُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّم مَبْطوحٌ ببطحاء العرَصة الحمراء لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه

34-كان يعلم قبرَ مَنْ يريدُ تعرَّفَ قَبرِه بصخرة.



35-ونهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اتخاذ القبورِ مساجد، وإيقادِ السُّرج عليها،واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعله، ونهى عن الصلاة إلى القُبور، ونهى أمته أن يتخِذوا قبرَه عيداً، ولعن زوَّراتِ القبور وكان هديُهُ أن لا تُهان القبورُ وتُوطأ، وألا يُجلَس عليها، ويُتكأ عليها ولا تُعظَّم بحيث تُتَّخذُ مساجِدَ فيُصلَّى عندها وإليها، وتُتخذ أعياداً وأوثاناً.

: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زيارة القبور


1-كان إذا زار قبور أصحابه يزورُها للدعاء لهم، والترحُّم عليهم، والاستغفارِ لهم، وهذه هي الزيارةُ التي سنها لأمته، وشرعَها لهم، وأمرهم أن يقُولوا إذا زارُوها: "السَّلامُ عَليكُم أَهْلَ الدِّيار مِنَ المُؤمِنِينَ والمُسْلِمِينَ، وإنَّا إن شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُون، نَسْألُ اللهَ لَنَا وَلَكُم العَافِيَةَ".
2-وكان هديُه أن يقولَ ويفعلَ عند زيارتها، مِن *** ما يقولُه عندالصلاة على الميت، من الدِعاءِ والترحُّمِ، والاستغفار.


- فَأبَى المشركون إلا دعاءَ الميت والإِشراك به، والإِقسامَ على الله به، وسؤاله الحوائج، والاستعانة به، والتوجُّهَ إليه، بعكس هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت، وهديُ هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم، وإلى الميت،

-وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعوا الميت، أو يدعوا به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجبَ وأولى من الدعاء في المساجد، ومن تأمل هديَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابِه، تبيَّن له الفرقُ بين الأمرين وبالله التوفيق.


التعزية


3-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تعزية أهلِ الميت، ولم يكن مِن هديه أن يجتر للعَزاء، ويُقرأ له القرآن، لا عندَ قبره ولا غيره، وكُل هذا بدعة حادثة مكروهة.
4-وكان من هديه: السكونُ والرضى بقضاء الله، والحمد للّه، والاسترجاع، ويبرأ ممن خرق لأجل المُصيبة ثيابَه، أو رفع صوتَه بالندب والنياحة، أو حلق لها شعره.


5-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أهل الميت لا يتكلَّفون الطعام للناس، بل أمر أن يصنع الناسُ لهم طعاماً يُرسلونه إليهم وهذا من أعظم مكارم الأخلاق والشِّيم، والحملِ عن أهل الميت، فإنهم في شغل بمصابهم عن إطعام الناس.
6-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تركُ نعي الميت، بل كان ينهى عنه، ويقول: هو مِن عمل الجاهلية، وقد كرِه حذيفةُ أن يُعلم به أهلُه الناسَ إذا مات وقال: أخاف أن يكون من النعي.




صلاة الخوف

1-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في صلاة الخوف، أن أباحَ اللهُ سبحانَه وتعالى قصرَ أركانِ الصلاة وعددِها إذا اجتمع الخوفُ والسفرُ، وقصرَ العدد وحدَه إذا كان سفرٌ لا خوف معه، وقصرَ الأركان وحدَها إذا كان خوفٌ لا سفرَ معه وهذا كان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبه تُعلم الحِكمة في تقييد القصر في الآية بالضرب في الأرض والخوف.
2-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الخوف، إذا كان العدوّ بينهَ وبين القبلة، أن يَصُفَّ المسلمين كلَّهم خلفَه، ويكبِّرُ ويكبرون جميعاً، ثم يركع فيركعون جميعاً، ثم يرفعُ ويرفعون جميعاً معه، ثم ينحدِرُ بالسجود والصفُّ الذي يليه خاصة، ويقوم الصفُّ المؤخَّر مواجِهَ العدُوِّ، فإذا فرغ من الركعة الأولى، ونهَض إلى الثانية، سجدَ الصفُّ المؤخَّر بعد قيامه سجدتين، ثم قاموا، فتقدَّموا إلى مكان الصفِّ الأول، وتأخَّر الصفُّ الأولُ مكانَهم لتحصُلَ فضيلةُ الصفِّ الأولِ للطائفتين، ولِيُدرِكَ الصفُّ الثاني مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السجدتين في الركعة الثانية، كما أدرك الأول معه السجدتين في الأولى، فتستوي الطائفتانِ فيما أدركوا معه، وفيما قَضَوْا لأنفسهم، وذلك غايةُ العدل، فإذا ركع، صنع الطائفتان كما صنعوا أوَّل مرة فإذا جلس للتشهد، سجد الصفُّ المؤخَّر سجدتين، ولحقوه في التشهد، فيسلِّم بهم جميعاً.




3-وإن كان العدُو في غير جهة القبلة، فإنَّه كان تارةً يجعلُهم فِرقتينِ: فِرقةً بإزاء العدوِّ، وفِرقةً تُصلي معه، فتُصلي معه إحدى الفرقتين ركعةً، ثم تنصرِف في صلاتها إلى مكان الفرقة الأخرى، وتجيءُ الأخرى إلى مكان هذه، فتُصلي معه الركعة الثانية، ثم تُسلم، وتقضي كلُّ طائفة ركعةً ركعةً بعد سلام الإِمام.



4-وتارة كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعة، ثم يقوم إلى الثانية، وتقضي هي ركعة وهو واقف، وتُسلم قبل ركوعه، وتأتي الطائفة الأخرى، فتصلي معه الركعة الثانية، فإذا جلس في التشهد، قامت، فقضت ركعةً وهو ينتظرها في التشهد، فإذا تشهدت، يُسلم بهم.
5-وتارة كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعتين، فتُسلم قبله، وتأتي الطائفة الأخرى، فيُصلي بهم الركعتين الأخيرتين، ويُسلم بهم، فتكون له أربعاً، ولهم ركعتين ركعتين.


6-وتارة كان يُصلي بإحدى الطائفتين ركعتين، ويسلم بهم، وتأتي الأخرى، فتصلي بهم ركعتين، ويُسلم فيكون قد صلى بهم بكلِّ طائفة صلاة.
8-وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعةَ، فتذهب ولا تقضي شيئاً، وتجيء الأخرى، فيُصلي بهم ركعة، ولا تقضي شيئاً، فيكون له ركعتان، ولهم ركعة ركعة، وهذه الأوجه كُلُها تجوز الصلاة بها.



قال الإِمام أحمد: كلُّ حديث يُروى في أبواب صلاة الخوف، فالعمل به جائز.
وقال: ستةُ أوجه أو سبعة، تُروى فيها، كُلُّها جائزة، وقال : أنا أقولُ: من ذهب إليها كلِّها، فحسن




: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الصدقة والزكاة


1-هَدْيُه فى الزكاة، أكملُ هَدْى فى وقتها، وقدْرِها، ونِصابها، وَمَنْ تَجِبُ عليه، ومَصْرِفِها. وقد راعى فيها مصلحةَ أربابِ الأموال، ومصلحة المساكين، وجعلها الله سبحانه وتعالى طُهرةً للمال ولصاحبه، وقيَّد النعمة بها على الأغنياء، فما زالت النعمةُ بالمال على مَن أدَّى زكاتَه، بل يحفظُه عليه ويُنميه له، ويدفعُ عنه بها الآفاتِ، ويجعلُها سُوراً عليه، وحِصناً له، وحارساً له.
2-ثم إنه جعلها فى أربعة أصناف من المال: وهى أكثرُ الأموال دَوَراناً بين الخلق، وحاجتُهم إليها ضرورية.أحدها: الزرع والثمار.
الثانى: بهيمةُ الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم.
الثالث: الجوهران اللَّذان بهما قِوام العالم، وهما الذهب والفضة.
الرابع: أموالُ التجارة على اختلاف أنواعها.


3- ثم إنه أوجبها مَرَّةً كلَّ عام،

4-وجعل حَوْل الزروع والثمار عند كمالِها واستوائها، وهذا أعدلُ ما يكون، إذ وجوبُها كلَّ شهر أو كُلَّ جمعة يضُرُّ بأرباب الأموال، ووجوبُها فى العمر مرة مما يضرُّ بالمساكين، فلم يكن أعدلَ مِن وجوبها كُلَّ عام مرة.
5-ثم إنه فاوَتَ بين مقادير الواجب بحسب سعى أرباب الأموال فى تحصيلها، وسهولةِ ذلك، ومشقته، فأوجب الخُمس فيما صادفه الإنسان مجموعاً محصَّلاً من الأموال، وهو الرِّكاز. ولم يعتبر له حَوْلاً، بل أوجب فيه الخُمسَ متى ظفر به.



5-وأوجب نصفه وهو العُشر فيما كانت مشقةُ تحصيله وتعبه وكُلفته فوقَ ذلك، وذلك فى الثمار والزروع التى يُباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها، ويتولَّى الله سقيها مِن عنده بلا كُلفة من العبد، ولا شراء ماءٍ، ولا إثارة بئرٍ ودولابٍ.
6-وأوجب نِصف العُشر، فيما تولى العبد سقيَه بالكُلفة، والدَّوالى، والنواضِح وغيرها.



7-وأوجب نِصف ذلك، وهو ربعُ العُشر، فيما كان النَّماء فيه موقوفاً على عمل متصلٍ مِن رب المال، بالضرب فى الأرض تارة، وبالإدارة تارة، وبالتربص تارة، ولا ريبَ أن كُلفة هذا أعظم من كُلفة الزرع والثمار،

8- وأيضاً فإن نمو الزرع والثمار أظهرُ وأكثر من نمو التجارة، فكان واجبُها أكثرَ من واجب التجارة، وظهورُ النمو فيما يُسقى بالسماء والأنهار، أكثرُ مما يُسقى بالدوالى والنواضح، وظهورهُ فيما وجد محصلاً مجموعاً، كالكنز، أكثر وأظهر من الجميع.
9-ثم إنه لما كان لا يحتمل المواساةَ كلُّ مال وإن قلَّ، جعل للمال الذى تحتمله المواساة نُصُباً مقدَّرةً المواساة فيها، لا تُجْحِفُ بأرباب الأموال، وتقع موقِعها من المساكين،


10- فجعل للوَرِقِ مائتى درهم، وللذهب عشرين مثقالاً، وللحبوبِ والثمار خمسةَ أوسق، وهى خمسة أحمال من

أحمال إبل العرب،

11-وللغنم أربعين شاة، وللبقر ثلاثين بقرة، وللإبل خمساً، لكن لما كان نِصابها لا يحتمل المواساة من جنسها، أوجب فيها شاة. فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمساً وعشرين، احتمل نصابُها واحداً منها، فكان هو الواجب
12-ثم إنه لما قَدَّرَ سِنَّ هذا الواجب فى الزيادة والنقصان، بحسب كثرة الإبل وقلَّتِها من ابن مَخاض، وبنت مَخاض، وفوقه ابنُ لَبُون، وبنت لَبون، وفوقه الحِقُّ والحِقَّة، وفوقَه الجَذَعُ والجَذَعَة، وكلما كثُرت الإبلُ، زاد السِّن إلى أن يصل السِّنُ إلى مُنتهاه، فحينئذٍ جعل زيادة عدد الواجب فى مقابلة زيادة عدد المال.



13-فاقتضت حكمته أن جعل فى الأموال قَدْراً يحتمل المواساة، ولا يُجحِفُ بها، ويكفى المساكين، ولا يحتاجُون معه إلى شئ، ففرض فى أموال الأغنياء ما يكفى الفقراء، فوقع الظلمُ من الطائفتين، الغنيُّ يمنعُ ما وجب عليه، والآخذ يأخذ ما لا يستحقه، فتولَّد من بين الطائفتين ضررٌ عظيم على المساكين


وفاقةٌ شديدة، أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف فى المسألة.


14-والربُّ سبحانه تولَّى قَسْمَ الصدقة بنفسه، وجزَّأها ثمانيةَ أجزاء، يجمعُها صِنفانِ من الناس، أحدهما: مَن يأخذ لحاجة، فيأخذ بحسب شدة الحاجة، وضعفها، وكثرتِها، وقِلَّتها، وهم الفقراءُ والمساكين، وفى الرقاب، وابن السبيل. والثانى: مَن يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها، والمؤلَّفةُ قلوبُهم، والغارِمون لإصلاح ذاتِ البَيْن، والغُزاةُ فى سبيل الله، فإن لم يكن الآخِذُ محتاجاً، ولا فيه منفعة للمسلمين، فلا سهم له فى الزكاة.

[فى مَن هو أهل لأخذ الزكاة]



1-وكان من هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا علم من الرجل أنه مِن أهل الزكاة، أعطاه، وإن سأله أحدٌ من أهل الزكاة ولم يَعْرِفْ حاله، أعطاه بعد أن يخبره أنه لا حظَّ فيها لِغنى ولا لِقوى مكتسِب.

2-وكان يأخذها من أهلها، ويضعُها فى حقها.
3-وكان من هَدْيه، تفريقُ الزكاة على المستحقين الذين فى بلد المال، وما فضلَ عنهم حُمِلَت إليه، ففرَّقها هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك كان يبعث سُعاته إلى البوادى، ولم يكن يبعثُهم إلى القُرى، بل أمر معاذ بن جبل أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن، ويُعطيها فقراءهم، ولم يأمره بحملها إليه.



4-ولم يكن من هَدْيه أن يبعث سُعاته إلا إلى أهل الأموال الظاهرة مِن المواشى والزروع والثمار، وكان يبعثُ الخارِصَ فيخرُصُ على أرباب النخيل تمرَ نخيلهم، وينظر كم يجئ منه وَسْقاً، فَيحْسِبُ عليهم من الزكاة بقدره،

5-وكان يأمر الخاَرِصَ أن يدعَ لهم الثلثَ أو الرُّبعَ، فلا يخرصه عليهم لما يعرُو النخيلَ مِن النوائب، وكان هذا الخرصُ لكى تُحصى الزكاةُ قبل أن تؤكل الثمارُ وتُصْرَمَ، وليتصرَّف فيها أربابها بما شاؤوا، ويضمنوا قدرَ الزكاة، ولذلك كان يبعث الخارِصَ إلى مَن ساقاه من أهل خيبر وزارعه، فيخرُص عليهم الثمارَ والزروع، ويُضمِّنُهم شطرًها،

6- وكان يبعثُ إليهم عبد الله بن رَواحة، فأرادوا أن يَرشُوه، فقال عبد الله: تُطعمونى السُّحتَ؟، واللهِ لقد جئتكم من عند أحبِّ الناس إلىَّ، ولأنتُم أبغضُ إلىَّ من عِدَّتِكم مِن القِردةِ والخنازير، ولا يحمِلُنى بُغضى لكم وحُبِّى إياه، أن لا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السمواتُ والأرض.


7-ولم يكن من هَدْيه أخذُ الزكاة من الخيل، والرقيق، ولا البغال، ولا الحمير، ولا الخضروات ولا المباطخ والمقاتى والفواكه التى لا تُكال ولا تُدَّخر إلا العنب والرُّطب فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملة ولم يُفرِّق بين ما يبس منه وما لم ييبس.


وقال الشافعى: ، أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة. وإلى هذا ذهب مالك، والشافعى.



8-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جاءه الرجل بالزكاة، دعا له فتارة يقول: "اللهم بارك فيه وفى أبله ". وتارة يقول "اللهم صل عليه".

9-ولم يكن منهديه أخذ كرائم الأموال فى الزكاة بل وسط المال، ولهذا نهى معاذاُ عن ذلك.

يتبع ان شاء الله تعالى

رد مع اقتباس