عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 10-08-2010, 01:53 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

مداعبة النبي صلى الله عليه وسلم لأهله ..
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الأزواج في معاملة أهله ، كيف لا وهو الذي يقول لأصحابه كما في الحديث الصحيح الذي أورده ابن ماجة في سننه ( 2 / 158 ) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خيركم ، خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي .

ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يعمل مع أهله في مهنة البيت حتى تحضر الصلاة ، فإذا حضرت الصلاة لم يُقدّم عليها شيئاً ، روى البخاري في صحيحه ( 8 / 17 ) من حديث الأسود قال : سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله ؟ قالت : كان في مهنة أهله ، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة .

وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمارس هذا النوع من المداعبة في بيته ومع أهله وخاصته ، والقصص في ذلك كثيرة وهي أيضاً ذات جانب تربوي واضح ، كما وأن فيها بث لروح جديدة داخل الأسرة ، والتي تساعد بدورها على استمرار الحياة الزوجية وتدفقها .

بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر اصحابه بزواج البكر ويعلل ذلك بقوله : تلاعبها وتلاعبك ، وتضاحكها وتضاحكك . الإرواء برقم ( 1785 ) .

ومن الأمثلة على حسن معاشرته صلى الله عليه وسلم لأهله ما كان يداعب به زوجاته ، مدخلاً بذلك السرور على أنفسهم .
1- ما أخرج الإمام أحمد في مسنده (6/ 39 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن – أي لم تسمن - ، فقال للناس : تقدموا فتقدموا ثم قال لي : تعالى حتى أسابقك ، فسابقته فسبقته ، فسكت عن حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت ، خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس : تقدموا ، ثم قال : تعالي حتى أسابقك ، فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك ويقول : هذه بتلك .

سبحان الله !! إن السفر مجهد مضني ، والنفوس فيه متعبة ، وإدخال السرور على الناس وخاصة الزوجة في مثل هذا الموطن من العشرة الحسنة ، بل هي من كريم الطبع وحسن الخلق .

ونظرة متفحصة إلى واقعنا اليوم و إلى حال الأزواج مع زوجاتهم وخاصة في السفر تجد العجب العجاب ، تجهم و تكشير وعبوس وكأنه أمر بأن يحمل زوجته على رأسه وأن يسافر بها ، ما كأن الطائرة أو السيارة هي التي تحمل وتنقل .. أين التطبيق العملي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟! لا نطلب منك أن تسابق زوجتك ، ولكن الانبساط في الحديث وأن ينفتر الوجه عن ابتسامة حنان كفيلة بأن تدخل السرور على الزوجة والأهل .. وهي بدورها – أي الابتسامة – تريح الأعصاب وتبدل من حال إلى حال .

2 – روى ابن ماجة في سننه ( 2/ 158 ) من حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : قالت عائشة : ما علمت حتى دخلت عليّ زينب بغير إذن ، وهي غضبى – أي أنها فوجئت بدخول زينب عليها رضي الله عنها – ، ثم قالت : يا رسول الله ! أحسبُكَ إذا قَلَبَت لك بُنَيَّةُ أبي بكر ذُرَيْعَتَيْها – تصغير الذراع والمقصود ساعِدَيها – ؟ ثم أقْبَلَتْ عليّ فأعْرَضْتُ عنها ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : دونك فانتصري ، فأقْبَلْتُ عليها ، حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها ، ما تَرُدُّ عليّ شيئاً ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه .

الذي نفهمه من هذا الموقف العظيم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ي*** زينب لكونها دخلت عليهما دون إذن ، وخاصة لمن كانت له أكثر من زوجة ، وفي المقابل طلب من عائشة أن تتصرف في هذا الموقف لترد على زينب هذا التصرف بأسلوب فيه تربية وإرشاد ، فحصل المطلوب ..

3 – أخرج الإمام أحمد في مسنده ( 4 / 272 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : جاء أبوبكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاذن له ودخل فقال : يا ابنة أم رومان ! وتناولها ، أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها ، قال : فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يترضاها : ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك ؟ قال : ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها ، قال : فأذن له ، فدخل فقال له أبو بكر : يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما .

موقف عظيم من رجل عظيم ، ألا وهو موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فهو لم يتمالك نفسه أن يرى أحداً يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ولو كان هذا الشخص ابنته ، فكان تصرفه من دافع المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي المقابل كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم موقف الصابر الذي يتفهم الأمر ولا يعطيه أكثر من حقه ودن تضخيم لهذا الموقف .. فبمجرد أن تم فض الاشتباك وانصرف الصديق رضي الله عنه عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مداعبة عائشة و الحديث معها وكأن شيئاً لم يكن ..

4 – روى أبو يعلى في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحريرة قد طبختها له – أي أنها أتته بنوع من الطعام - ، فقالت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينهما : كلي ، فأبت ، فقلت : لتأكلين أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فوضعت يدي في الحريرة ، فطليت وجهها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، فوضع بيده لها ، وقال لها : إلطخي وجهها - أي أنه وضع من تلك الحريرة في يده لسودة لتلطخ وجه عائشة رضي الله عنها - ، فلطخت وجهي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها .

وهذا الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على مدى عدله بين زوجاته رضوان الله عليهن أجمعين ، فكما أن عائشة قامت بتلطيخ وجه أم المؤمنين سودة بنت زمعة ، أعان الرسول صلى الله عليه وسلم سودة على تلطيخ وجه عائشة ، بأسلوب لطيف ، وكأنه يقول لها هذه بتلك .. ودون أن يترك هذا التصرف منه صلى الله عليه وسلم في النفوس شيء بين زوجاته ..

5 – أخرج أبو داود في سننه ( 3/ 209 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سَهْوَتِها سِتْرٌ ، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لي – لُعَبٍ – فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي ! ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس ! قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان ، قال : فرس له جناحان ؟! قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟! قالت : فضحك ، حتى رأيت نواجذه .

موقف عظيم .. وتبسط في الحديث .. فهو صلى الله عليه وسلم يرى ويعلم ما في هذا الستر ، لكنه أحب أن يداعب عائشة و يلاطفها .. فسألها سؤال متحبب ..

6 – أخرج البخاري في صحيحه برقم ( 6078 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعرف غَضَبكِ من رضاكِ ، قالت : قلت وكيف تعرف ذاك يا رسول الله ؟ قال : إنك إذا كنت راضية قلتِ بلى ورب محمد ، وإذا كنت ساخطة قلت : لا ورب إبراهيم ، قالت : أجل ، لا أهجر إلا اسمك .

هنا النبي صلى الله عليه وسلم أحب أن يداعب عائشة رضي الله عنها .. واحب أن يطلعها على شيء قد تكون هي غير منتبه له .. وهو قسمها أثناء غضبها .. فمن خلال هذا القسم كان صلى الله عليه وسلم يعرف ما إذا كانت غاضبة أم راضية .. وكان جوابها رضوان الله عليها : بأنها لا تهجر إلا اسم النبي صلى الله عليه وسلم وليس شخصه .. وهذا من شدة حبها له رضوان الله عليها ..

7 – وأخرج البخاري في صحيحة برقم ( 5211 ) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ، فطارت القرعة لعائشة وحفصة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث ، فقالت حفصة : ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنظر ، فقالت : بلى ، فركبت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم عليها ثم سار حتى نزلوا وافتقدته عائشة ، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول : رب سلط عليّ عقرباً أو حية تلدغني ولا أستطيع أن أقول له شيئاً .

إلى غيرها من المواقف العظيمة في التربية النبوية بالمداعبة ..

مداعبته صلى الله عليه وسلم لأصحابه ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-

انتهينا في الحلقة الماضية من الحديث عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله و تقرير مبدأ التربية بالمداعبة .. واليوم نتناول مداعبة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه .. يحدونا قوله عليه الصلاة والسلام كما أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع ( 1 / 247 ) : إن من أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا ، أو تطعمه خبزا .

والآن إلى تلك المواقف التربوية ..
1- كان صهيب الرومي رضي الله عنه كثير المزاح ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلاطفه ويدخل السرور على نفسه ، وكان وقتها – أي صهيب - يأكل تمراً وبه رمد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له كما روى ذلك ابن ماجة في سننه (2/253 ) : أتأكل التمر وبك رمد ؟! فقال يا رسول الله : إنما أمضغ على الناحية الأخرى !! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لقد راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحالة التي كان عليها صهيب رضي الله عنه ، فقد كان مصاباً في عينيه بالرمد ، وهو في حاجة إلى المواساة والملاطفة التي تدخل السرور على نفسه ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يأكل التمر : أتأكل التمر وبك رمد ؟! سبحان الله وما دخل أكل التمر بالرمد ؟! وهل الإنسان يأكل بفمه أم بعينه ؟ وليس في سؤاله صلى الله عليه وسلم إلا الحق ، فإنه مجرد استفهام لا يغير الحقيقة ، فكان جواب صهيب وقد كان مزاحاً يحمل دعابة جميلة ، فقال : يا رسول الله إنما أمضغ على الناحية الأخرى !! سبحان الله ، ومادخل المضغ على أحد الجانبين بالرمد في العين ؟! ولكنها سرعة البديهة التي أجابت على قدر السؤال ، فإذا حق لنا أن نقول : ما العلاقة بين أكل التمر وبين الرمد في السؤال ؟ جاز لنا أن نقول : وما العلاقة بين الرمد وبين الأكل على أحد الجانبين من الفم ، على أن صهيباً رضي الله عنه حين قال ما قال ، فإنه لم يقل إلا حقاً فإنه عند الأكل إنما كان يمضغ على أحد جانبيه .

2- كان من بين الصحابة الذين اشتهروا بكثرة المزاح نعيمان البدري رضي الله عنه ، فقد ذكر ابن حجر في الإصابة ( 6 / 367 ) : أن أعرابياً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأناخ ناقته بفنائه ، فقال بعض الصحابة لنعيمان : لو عقرتها فأكلناها ، فإنا قد قرمنا من اللحم ، فخرج الأعرابي وصاح : واعقراه يا محمد ! فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : من فعل هذا ؟ قالوا : نعيمان ، فأتبعه يسأل عنه حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد ، فأشار رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث هو ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : الذين دلوك لي يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويضحك ثم غرمها للأعرابي .

هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم يشيرون على نعيمان رضي الله عنه بعقر الناقة ليأكلوا منها ، فلما كُشف أمره دلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ، فاستخرجه صلى الله عليه وسلم من بين الأعواد ومسح التراب عن وجهه وهو يضحك متعجباً من فعله رضي الله عنه ، وجرأته على ناقة الأعرابي ، وقد عالج صلى الله عليه وسلم الموقف بغرم ناقة الأعرابي من ماله .

3- ذكر ابن حجر في الإصابة (6 /366 ) مزاح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معه ، فقال : قال الزبير : وكان نعيمان لا يدخل المدينة طرفة – أي طعاماً – إلا اشترى منها ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول ها أهديته لك ، فإذا جاء صاحبها يطلب نعيمان بثمنها ، أحضره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أعط هذا ثمن متاعه ، فيقول : أولم تهده لي ، فيقول إني والله لم يكن عندي ثمنه ، ولقد أحببت أن تأكله ، فيضحك – أي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل - ، ويأمر لصاحبه بثمنه .

ووقفة متأنية مع نعيمان رضي الله عنه تجعلنا نجل له كل تلك الموقف .. فهو على الرغم من كثرة مزاحة واشتهاره بين الصحابة بذلك .. فقد كان يضفي على جو المدينة شيئاً من الدعابة والمرح يتقبلها الرسول صلى الله عليه وسلم بصدر رحب رغم ما قد تسببه هذه المداعبات من حرج له صلى الله عليه وسلم كما في حادثة ناقة الأعرابي .. ومع هذا نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم يتقبل هذه المداعبات منه رضي الله عنه ، ولا يغضب منها بل تدخل البسمة عليه صلى الله عليه وسلم ويتعجب منها .. و على الرغم من كثرة ما روي عنه رضي الله عنه من قصص طريفة ومزاحات طاهرة عفيفة إلا أنه كان فوق ذلك كله صاحب عبادة وجهاد وجد وعمل ، ومن القلائل الذين يسارعون لكل غزوة ومعركة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقد شهد بدراً وأحد والخندق وبقية المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في خلافة معاوية رضي الله عنه انظر الإصابة ( 3 / 540 ) .

4 – ومن المواقف العجيبة في حياته صلى الله عليه وسلم وهو يمازح أصحابه موقفه من العجوز الصالحة الصوامة القوامة ، فقد روى الترمذي في الشمائل ( ص 128 ) أن عجوزاً أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله : ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال : يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز ، فولت تبكي ، فقال : أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول { إنا أنشأناهن إن شاء فجعلناهن أبكارا عرباً أترابا }[الواقعة/35-36] .

هنا الرسول صلى الله عليه وسلم يمازح هذه العجوز الصالحة قائلاً لها : يا أم فلان ، وهذا من حسن أدبه صلى الله عليه وسلم في إدخال السرور على الناس ، فإن تكنية الإنسان مما يدل على التقدير والاحترام الذي أمر به الإسلام .

ثم إنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يقرر حقيقة من حقائق الآخرة ، وهو النعيم الخالد لأهل الجنة ، في إنشاء النساء إنشاء وجعلهن عرباً أترابا .

5- ومن مزاحه عليه الصلاة والسلام أنه كان ينادي أحد الصحابة بـ ( ياذا الأذنين ) ورسول الله صلى الله عليه وسلم صادق في وصفه إياه بذلك .. فمن منا ليس له أذنان ؟!

6- وأتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعد للجهاد ، فقال له : احملني يارسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا حاملوك على ولد الناقة ، فقال الرجل : وما أصنع بولد الناقة ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وهل تلد الإبل إلا النوق ؟!

7 – وعن أنس رضي الله عنه قال : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : يا أبا عمير ! ما فعل النغير ؟ مختصر الشمائل المحمدية (ص 200) .

ففعل النبي صلى الله عليه وسلم هنا إنما كان من باب التخفيف من حزن الصبي حيث أنه كان له طائر فمات ، فأراد أن يمازحه فساله : يا أبا عمير ما فعل النغير ؟

ومما تقدم نلاحظ أن مزاح النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه تعليم وتهذيب وتربية .

8 – وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً .. وكان صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلاً دميماً ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه ، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال : من هذا ؟ أرسلني فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من يشتري هذا العبد ؟ - وهو بلا شك عبد الله – فقال : يارسول الله إذن والله تجدني كاسداً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ولكن عند الله لست بكاسد . مختصر الشمائل ( ص 203 ) .

9 – وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم ، فسلمت فرد وقال ادخل ، فقلت : أكلّي يارسول الله ؟ قال : كلك ، فدخلت . سنن أبي داوود ( 3 / 228 ) .

10- أخرج البخاري في صحيحه برقم ( 6084 ) من حديث عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلّق امرأته فبتّ طلاقها ، فتزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير ، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إنها كانت عند رفاعة فطلقها ثلاث تطليقات ، فتزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة – لهدبة أخذتها من جلبابها – قال وأبو بكر جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم وابن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة ليؤذن له ، فطفق خالد ينادي أبا بكر ، يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم ، ثم قال : لعلك تريدين إن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عُسيلته ويذوق عُسيلتك .

11 – وأخرج البخاري في صحيحه برقم ( 6085 ) من حديث محمد بن سعد عن أبيه قال : استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب ، فاذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل والنبي يضحك .. الحديث .

12 – وأخرج البخاري في صحيحه برقم ( 6086 ) من حديث عبد الله بن عمر قال : لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف قال : إنا قافلون غداً إن شاء الله ، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نبرح أو نفتحها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فاغدوا على القتال ، قال : فغدوا فقاتلوهم قتالاً شديداً وكثر فيهم الجراحات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قافلون غداً إن شاء الله ، قال : فسكتوا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

للمزيد من هذه المواقف انظر صحيح البخاري كتاب الأدب باب التبسم والضحك .

وقبل أن أختم أذكر هذه القصة وهذا الموقف التربوي العظيم .. وهي قصة خوات بن حبير مع الرسول صلى الله عليه وسلم والتي يرويها فيقول : نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، فخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن فأعجنبي ، فرجعت فأخذت حلة لي من حبرة فلبستها ، ثم جلست إليهن .. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته فقال : يا أبا عبد الله ما يجلسك إليهن ؟ فهبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يارسول الله جمل لي شرود أبتغي له قيداً ..! قال خوات فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالقى رداءه ، ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ ثم جاء فقال : يا أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في منزل إلا قال لي : السلام عليك يا أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ .. قال : فتعجلت المدينة ، فتجنبت المسجد ومجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما طال ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد فجعلت أصلي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره فجاء يصلي فصلى ركعتين خفيفتين ثم جاء فجلس ، وطولت رجاء أن يذهب ويدعني ، فقال صلى الله عليه وسلم : طول يا أبا عبد الله ماشئت فلست بقائم حتى تنصرف .. فقلت : والله لأعتذرن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبردن صدره .. قال : فانصرفت فقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ما فعل شراد جملك ؟ فقلت : والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك منذ أسلمت .. فقال عليه الصلاة والسلام : رحمك الله ( مرتين أو ثلاثاً ) ثم أمسك عني فلم يعد . مجمع الزوائد ( 9 / 401 ) وقال الهيثمي رجالها رجال الصحيح .

في هذه القصة جانب تربوي هام وهو المعاتبة بالمداعبة وتكرار ذلك إلى أن يؤتي ثمرتها ، كما أن فيها جانب من الطرفة لا يخفى .

ومن هنا يخلص الداعية إلى أن أسلوب الممازحة والمداعبة من الأساليب التي قررتها التربية الإسلامية ، وجعلت فيها من الدروس التربوية والتدابير الوقائية ما هو كفيل بصياغة الشخصية الإسلامية صياغة متزنة في كل جانب من جوانب حياتها .
رد مع اقتباس