عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12-02-2017, 09:53 PM
هامييس هامييس غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 1,039
معدل تقييم المستوى: 16
هامييس is on a distinguished road
افتراضي



قال
فما قطع العبد عن كماله وفلاحه وسعادته العاجلة والاجلة قاطع اعظم من الوهم الغالب على النفس والخيال الذي هو مركبها بل بحرها الذي لا تنفك سابحة فيه وإنما يقطع هذا العارض بفكرة صحيحة وعزم صادق يميز به بين الوهم والحقيقة وكذلك إذا فكر في عواقب الامور وتجاوز فكره مباديها وضعها مواضعها وعلم مراتبها فإذا ورد عليه وارد الذنب والشهوة فتجاوز فكره لذته وفرح النفس به الى سوء عاقبته وما يترتب عليه من الالم والحزن الذي لا يقاوم تلك اللذة والفرحة ومن فكر في ذلك فإنه لا يكاد يقدم عليه وكذلك إذا ورد على قلبه وارد الراحة والدعة والكسل والتقاعد عن مشقة الطاعات وتعبها حتى عبر بفكره الى ما يترب عليها من اللذات والخيرات والافراح التي تغمر تلك الالام التي في مباديها بالنسبة الى كمال عواقبها وكلما غاص فكره في ذلك اشتد طلبه لها وسهل عليه معاناتها استقبلها بنشاط وقوة وعزيمة وكذلك إذا فكر في منتهى ما يستعبده من المال والجاه والصور ونظر الى غاية ذلك بعين فكره استحى من عقله ونفسه ان يكون عبدا لذلك كما قيل :
لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه
وكذلك إذا فكر في آخر الاطعمة المفتخرة التي تفانت عليها نفوس اشباه الانعام وما يصير امرها اليه عند خروجها ارتفعت همته عن صرفها الى الاعتناء بها وجعلها معبود قلبه الذي اليه يتوجه وله يرضى ويغضب ويسعى ويكدح ويوالي ويعادي كما جاء في المسند عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال [إن الله جعل طعام ابن آدم مثل الدنيا وإن قزحه ملحه فإنه يعلم الى ما يصير] او كما قال صلى الله عليه و سلم
فإذا وقع فكره على عاقبة ذلك وآخر امره وكانت نفسه حرة ابيه ربأبها ان يجعلها عبدا لما آخره انتن شيء واخبثه وافحشه
فصل إذا عرف هذا فالفكر هو احضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما
معرفة ثالثة ومثال ذلك إذا احضر في قلبه العاجلة وعيشها ونعيمها وما يقترن به من الافات وانقطاعه وزواله ثم احضر في قلبه الاخرة ونعيمها ولذته ودوامه وفضله على نعيم الدنيا وجزم بهذين العلمين اثمر له ذلك علما ثالثا وهو ان الاخرة ونعيمها الفاضل الدائم أولى عند كل عاقل بايثاره من العاجلة المنقطعة المنغصة ثم له في معرفة الاخرة حالتان
احداهما ان يكون قد سمع ذلك من غيره من غير ان يباشر قلبه برد اليقين به ولم يفض قلبه الى مكافحة [أى موجهة] حقيقة الاخرة وهذا حال أكثر الناس فيتجاذبه داعيان احدهما داعي العاجلة وايثارها وهو أقوى الداعيين عنده لانه مشاهد له محسوس وداعي الاخرة وهو اضعف الداعيين عنده لانه داع عن سماع
لم يباشر قلبه اليقين به ولا كافحه حقيقته العلمية فإذا ترك العاجلة للاخرة تريه نفسه بانه قد ترك معلوما لمظنون اومتحققا لموهوم فلسان الحال ينادي عليه لا ادع ذرة منقودة لدرة موعودة وهذه الافة هي التي منعت النفوس من الاستعداد للاخرة وان يسعى لها سعيها وهي من ضعف العلم بها وتيقنها وإلا فمع الجزم التام الذي لا يخالج القلب فيه شك لا يقع التهاون بها وعدم الرغبة فيها ولهذا لو قدم لرجل طعام في غاية الطيب واللذة وهو شديد الحاجة اليه ثم قيل له إنه مسموم فإنه لا يقدم عليه لعلمه بأن سوء ما تجنى عاقبة تناوله تربو في المضرة على لذة اكله فما بال الايمان بالاخرة لا يكون في قلبه بهذه المنزلة ماذاك الا لضعف شجرة العلم والايمان بها في القلب وعدم استقرارها فيه وكذلك اذا كان سائرا في طريق فقيل له إن بها قطاعا ولصوصا ي***ون من وجدوه ويأخذون متاعه فانه لا يسلكها الا على احد وجهين اما ان لا يصدق المخبر وإما ان يثق من نفسه بغلبتهم وقهرهم والانتصار عليهم والاف فمع تصديقه للخبر تصديقا لا يتمارى فيه وعلمه من نفسه بضعفه وعجزه عن مقاومتهم فإنه لا يسلكها ولو حصل له هذان العلمان فيما يرتكبه من ايثار الدنيا وشهواتها لم يقدم على ذلك فعلم ان إيثاره للعاجلة وترك استعداده للاخرة لا يكون قط مع كمال تصديقه وإيمانهابدا الحالة الثانية ان يتيقن ويجزم جزما لا شك فيه بأن له دارا غير هذه الدار ومعادا له خلق وان هذه الدار طريق الى ذلك المعاد ومنزل من منازل السائرين اليه ويعلم مع ذلك انها باقية ونعيمها وعذابها لا يزول ولا نسبة لهذا النعيم والعذاب العاجل اليه إلا كما يدخل الرجل اصبعه في اليم ثم ينزعها فالذي تعلق بها منه هو كالدنيا بالنسبة الى الاخرة فيثمر له هذا العلم ايثار الاخرة وطلبها والاستعداد التام لها وان يسعى لها سعيها وهذا يسعى تفكرا وتذكرا ونظرا وتأملا واعتبارا وتدبرا واستبصارا وهذه معان متقاربة تجتمع في شيء وتتفرق في آخر ويسمى تفكرا لانه استعمال الفكرة في ذلك واحضاره عنده ويسمى تذكرا لانه احضار للعلم الذي يجب مراعاته بعد ذهوله وغيبته عنه ومنه قوله تعالى [ إن الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون] ويسمى نظرا لانه التفات بالقلب الى المنظور فيه ويسمى تأملا لانه مراجعة للنظر كرة بعد كرة حتى يتجلى له وينكشف لقلبه ويسمى اعتبارا وهو افتعال من العبور لانه يعبر منه الى غيره فيعبر من ذلك الذي قد فكر فيه الى معرفة ثالثة وهي المقصود من الاعتبار ولهذا يسمى عبرة وهي على بناء الحالات كالجلسة والركبة وال***ة ايذانا بأن هذا العلم والمعرفة قد صار حالا لصاحبه يعبر منه الى المقصود به وقال الله تعالى [إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ]وقال[ إن في ذلك لعبرة لاولي الابصار] ويسمى تدبرا لانه نظر في ادبار الامور وهي اواخرها وعواقبها ومنه تدبر القول قال تعالى [افلم يدبروا القول افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ]وتدبر الكلام ان ينظر في اوله وآخره ثم يعيد نظره مره بعد مرة
نتابع...
رد مع اقتباس