عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25-04-2014, 02:17 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وأمّا عن استعمالاتها فيقول الشيخ أحمد رضا: (الأدب: ملكة تقصى من قامت به عن كل ما يشينه، ويقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان من فضيلة من الفضائل: حسن الخلق، فعل المكارم، الظرف، حسن التناول، وهذا كله أدب النفس. والأدب: درس العلوم العربية مولد، وهذا أدب الدرس)[10].
ولهذا قال الجوهري[11]: (الأدب: أدب النفس والدرس، تقول منه: أدب الرجل بالضم فهو أديب وأدّبته فتأدّب)[12].
ومعنى ذلك أنّ لكلمة الأدب استعمالين: حسن الخلق ودرس العلوم العربية.
وهذا ما عبّر عنه ابن هذيل [13] بالأدب الطبيعي والأدب الكسبي، حيث قال:
فالطبيعي: ما يفطر عليه الإنسان من الأخلاق الحسنة السنية والاتصاف بالصفات المرضية مثل الحلم والكرم وحسن الخلق والحياء والتواضع والصدق وغير ذلك من الصفات الحميدة.
والكسبي: فهو ما يكتسبه الإنسان بالدرس والقراءة والحفظ والنظر، وهو عبارة عن ستة أشياء: الكتاب والسنة والنحو، واللغة والشعر، وأيام الناس)[14].
والاستعمال الأول هو الشائع ولهذا قال الجواليقي: (والأدب الذي كانت العرب تعرفه هو ما يحسن من الأخلاق وفعل المكارم مثل ترك السفه، وبذل المجهود وحسن اللقاء)[15].
وأمّا الاستعمال الثاني: فهو اصطلاح مولد جاء بعد الإسلام.
يقول الجواليقي: (واصطلح الناس بعد الإسلام بمدة طويلة على أنّ يسمّوا العالم بالنحو والشعر وعلوم العربية أديبًا، ويسمون هذه العلوم أدبًا. وذلك كلام مولد، لأنّ هذه العلوم حدثت في الإسلام).
وخلاصة القول أنّ كلمة الأدب كانت تطلق عند العرب على الأخلاق الحسنة، وأمّا بعد الإسلام فقد أطلق بجانب ذلك على الكلام الحسن والجيد من الأقوال سواء كان نثرًا أو شعرًا.
والاستعمال الأول هو الذي يتمشى مع مقامنا هذا.
ولهذا نقول: إنّ كلمة الأدب في بحثي هذا تعني الأخلاق الحسنة والاتصاف بالصفات الحميدة.
وعلى ضوء معنى الأدب المذكور يمكن فهم المراد من التأدّب لأنّهما من أصل واحد، ويشتركان في معانٍ كثيرة مع ملاحظة ما بين الصيغتين تركيبًا ومعنى؛ لأنّ الأولى من المجرد، والثانية من المزيد. لأنّه يقال: إنّ الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى غالبًا.
وكلمة تأدّب وزنها تفعّل، في الميزان الصرفي، وهي تأتي لعدة معان ولكن المعنى الذي يتمشى مع مقامنا هذا هو أنّها مطاوع أدّب على وزن (فعّل) لأنّه يقال: أدّبته فتأدّب أي تلقى الأدب، والتأدّب مصدرها. وعلى هذا فمعنى التأدّب: المبالغة في التخلق بالصفات الحسنة والمكارم الجميلة.
ب الأدب في اصطلاح الشرع:
وكلمة الأدب في اصطلاح الشرع لا تخرج عن المعنى اللغوي الذي أشرنا إليه آنفًا.
ولهذا قال الجرجاني[16]: (الأدب عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ، وأدب القاضي، وهو ما ندب إليه الشرع من بسط العدل ورفع الظلم وترك الميل)[17].
ويقول صاحب البحر الرائق[18]: (كتاب أدب القاضي: أي ما ينبغي للقاضي أن يفعله وما ينبغي أن ينتهي عنه، والأولى التعبير بالملكة؛ لأنها الصفة الراسخة للنفس فما لم يكن كذلك لا يكون أدبًا كما لا يخفى)[19].
وكلمة الأدب في التعريفين السابقين تعني الاتصاف بالأخلاق الجميلة، والاحتراز عما يقابلها من سفاسف الأمور.
وهذا هو المعنى المتبادر من إطلاقها إلاّ أنّها قد تطلق على المظهر الخارجي للخلق.
يقول محمد جمال الدين رفعت في التفريق بين الأدب والخلق: (فكلمة الآداب تعني السلوك كما تعني الأسلوب الذي يسير عليه الإنسان في تصرفاته الشخصية أو حين يتعامل مع الناس.. أمّا كلمة الأخلاق فتطلق لغة على الطبع والسجية والعادة بل وعلى غريزة الإنسان العاقلة)[20].
وخلاصة القول، أنّ كلمة الأدب تعني المظهر الخارجي للأخلاق الجميلة أو السلوك الذي ينبغي أن يراعي الشخص مع غيره.
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (وحقيقة الأدب استعمال الخلق الجميل)[21].
وأما كلمة التأدّب في عنوان رسالتنا فنقصد بها ـ استنتاجًا مما سبق من معنى كلمة الأدب ـ ما ينبني أن يفعله المسلم تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبًا وإيجابًا مما يدخل في حقوقه على الأمة من احترام وتقدير وطاعة وأتباع وغير ذلك والاحتراز مما يخالف ذلك من مخالفة ورفع الصوت وغيرها.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (فرأس الأدب معه صلى الله عليه وسلم كمال التسليم له والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولاً أو يحمله شبهة أو شكًا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما وحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما توحيد المرسل وتوحيد متابعة الرسول فلا يحاكم إلى غيره ولا يرضى بحكم غيره ولا يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه)[22].

__________________
رد مع اقتباس