الموضوع: السيره حياه
عرض مشاركة واحدة
  #84  
قديم 14-06-2018, 08:55 AM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي







وصايا ودروس من حجة الوداع

الوصية الأولى:
دستور هذه الأمة هو القرآن والسنة



"وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا
بَعْدِي أَبَدًا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ".

الله أكبر على الوضوح والجلاء!
هذا وعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته
بعدم الضلال أبدًا إن هي تمسكت، واعتصمت
بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

كثيرًا ما تضل الأمة وتضطرب، وتدخل في متاهات لا نهاية لها،
والسبب هو التخلي عن بند من بنود الشريعة،
والإعراض عن أصل من الأصول التي جاءت في الكتاب والسنة.

إن الله تعالى حفظ لهذه الأمة دستورها،
ووعد باستمرار حفظه إلى يوم القيامة،
وهذا لخيرها، وخير الأرض بكاملها.
كم تخسر الأرض، وكم يخسر العالم بأسره،
وكم يخسر المسلمون، وغير المسلمين بتغييب
شرع الله تعالى عن واقع الناس!!



كثيرًا ما يُفتن المسلمون، بمناهج الأرض الوضعية،
فينبهرون تارة بشيوعية، وتارة برأسمالية، وتارة بعلمانية،
ينبهرون بهذه المناهج الأرضية، وينسون أن لديهم منهجًا
حُقَّ لأهل الأرض جميعًا أن ينبهروا به، ذلك منهج رب العالمين،
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

والشرع الإسلامي صيغ بدقة فائقة؛ ليناسب كل زمان، وكل مكان،
وبه من المرونة الكافية ما يسمح بتطبيقه في أي ظرف،
والشرع الإسلامي شرع شامل، ما ترك صغيرة، ولا كبيرة
إلا غطاها، ولا تقوم دولة إسلامية قيامًا صحيحًا بغير تطبيق
للشرع في سياستها، واقتصادها، وحروبها، ومعاهداتها،
وقوانينها، ومناهجها، وكل أمورها، دستور كامل متكامل،
يقول الله تعالى:
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}

[النحل: 89].



الوصية الثانية:
الوَحْدة والمساواة بين المسلمين



وصية في غاية الأهمية وتأتي مباشرة في الأهمية
بعد الاعتصام بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
وهي الوحدة بين المسلمين، ومع كثرة التوصيات بالوحدة
في كل حياة رسول الله عليه الصلاة والسلام،
إلا أنه كان لا بد من إعادة التوصية في الأيام الأخيرة،
وإعادة التركيز عليها والتذكير بها.

إن الأمة المتفرقة لا تقوم أبدًا،
لا ينزل نصر الله تعالى على الشراذم،
يقول عليه الصلاة والسلام في خطبة في حجة الوداع:
"تَعْلَمُنَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أُخْوَةٌ".



إنه التأكيد على حقيقة حرص عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم من أول أيام الدعوة،
في فترة مكة، وفي فترة المدينة، واذكروا عتق العبيد في مكة،
واذكروا المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار،
واذكروا الميثاق بين الأوس والخزرج،
لقد كانت علاقة مُمَيِّزة فعلاً للدولة الإسلامية أن الجميع فيها أُخْوة؛
الحاكم أخو المحكوم، والقائد أخو الجندي، والكبير أخو الصغير،
والعالم أخو المتعلم، إنها أخوة حقيقية بلغت إلى حد الميراث
في أوائل فترة المدينة، ثم نسخ الحكم وبقيت الأخوة في الدين.



ثم إنه التأكيد على معنى آخر من معاني الأخوة
كان واضحًا في خطبة الوداع،
وهو أن هذه الأخوة ليست خاصة بعرق معين،
أو نسب معين، أو عنصر معين، أو قبيلة، أو دولة، أو طائفة؛
إنها المساواة بين المسلمين جميعًا من كل الأصول،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ،
أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لَعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ،
وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى"
.
الله أكبر! هل في العالم مثل ذلك؟!




الوصية الثالثة:
العدل



وآهِ لو ظَلَمَتْ دولة ممكَّنة في الأرض! سلطانها ظاهر،
وكلمتها مسموعة، إن دوائر الظلم تتسع في هذه الحالة
حتى تشمل أحيانًا الأرض بكاملها.
الظلم كارثة إنسانية، الظلم ظلمات يوم القيامة،
الظلم مهلك للأمم في الدنيا مهما كانت قوية،
قال الله تعالى:
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ}
[الأنبياء: 11].



لقد كانت نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأمته بالعدل واضحة تمامَ الوضوح:
"إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلَقْوَنْ رَبَّكُمْ
كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا".
ينهى الرسول عليه الصلاة والسلام أمته عن التساهل في الدماء،
وعن التساهل في الأموال والممتلكات، إن سفك الدماء حرام،
وإن نهب الأموال بأي صورة من الصور حرام،
هو حرام مهما تفننت الدولة في تجميله أو تسميته بغير اسمه،
سيظل الظلم ظلمًا، وسيبقى الحرام حرامًا،
وصدق ابن تيمية رحمه الله حين قال:
"الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة،
ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".



وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخطب
على ترسيخ معنى العدل في كل دوائر الحياة الإسلامية
والمجتمع المسلم، فليس العدل في إطار التعاملات الدولية،
أو في إطار الحدود والحرب، والقضايا الضخمة فقط،
إنما العدل في كل الأطر حتى في إطار الأسرة الصغيرة،
ومع أقرب الأقربين لك، لا يجوز لك أن تظلمه،
ومن هنا جاءت الوصية العظيمة بالنساء،
فالقوي المُمَكَّن قد يَغترّ بقوته فيظلم الضعفاء،
فينقلب الرجل على زوجته، أو ابنته، أو أخته، فيظلمها
في معاملة، أو في ميراث، أو إنفاق، أو في غير ذلك من أمور.
كما أن الوصية كذلك للنساء، لا تظلموا أزواجكم بمنع حقهم،
فالله مطلع ومراقب، ويحصي أعمالكما معًا.




يقول عليه الصلاة والسلام في توازنٍ رائع:
"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقًّا".
ويوم يسعى كل طرف إلى الحفاظ على حق الطرف الآخر،
يوم تسعد الأسرة فعلاً، ليس في الدنيا فقط، ولكن في الآخرة أيضًا.
رد مع اقتباس