عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-01-2018, 08:43 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp شهادات المنصفين لجهود المسلمين في فلسفة التاريخ

لقد كشَفَ الكثيرون مِن المفكرين المنصفين زيفَ الدعاوى التي يُراد من خِلالها تشويهُ الإسلام وتاريخه، وأعلامِ المسلمين وجهودِهم، وبيَّنوا أنَّها دعاوى خبيثة مأجورة لا تمتُّ إلى الواقع بأدنى صِلَةٍ.
*
يقول الدكتور عمر فروخ[1]: "إنَّه من دواعي الأسف أن يعرف الغربيُّون فَضْلَ ابنِ خلدون قبل أن يعرفه الشرقيُّون أنفسُهم، ولكن الذي يؤسف له حقًّا أنْ يقومَ بعض الشرقيِّين بالحَطِّ مِن قَدْر ابن خلدون بعد أنْ جهد الغربيون أنفسُهم كلَّ الجهد في نشرِ فضائله وإظهارها".
*
لقد اعترف الباحثون الغربيون المنصفون بسَبْق ابن خلدون في وضع أسس فلسفة التاريخ والاجتماع والاقتصاد، مع أنَّ بينهم وبينه ستةَ قرونٍ كاملة - تقريبًا - حيث أكَّدوا أنَّ آراءه لم تكن مجرَّد جمعٍ لمعارفَ متنوعةٍ، ولكنها جاءت كعملٍ منظَّم مرتَّب ينطبق عليه لفظ (العلم) في معناه الدقيق.
*
يقول المستشرق "أيف لاكوست" في كتابٍ له عن ابن خلدون: "إنَّ المهمَّ أن يكون قَدْ صَدَر عن ابن خلدون في القرن 14م تصوُّرٌ للتاريخ لا يزال يحتفظ إلى يومنا هذا بطابعه العلميِّ".
*
ويقول المفكِّر الإسبانيُّ "التاميرا" في كتابه "تاريخ إسبانيا والحضارة الإسبانيَّة": "يكفي ابنَ خلدون عظمةً أن يكتب مقدمةَ تاريخه في القرن 14م حين كانت الدراسات التاريخيَّة غايةً في النقص والبعد عن الموضوعيَّة، وأن يدرس في مقدمته كلَّ المسائل التي غَدَت فيما بعد أهمَّ ما يَشغَلُ المؤرِّخين المحْدَثين".
*
ثم يصف مقدمةَ ابن خلدون بقوله: "إنها مؤلَّف في الاجتماع والفلسفة التاريخيَّة لم يَفُقْهُ حتى يومنا هذا أيُّ مؤلَّف آخَر"[2].
*
ويقول المستشرق الإيطالي "إستيفانو كولوزيو": "إنَّ هذا المؤرِّخ العربيَّ العظيم ابنَ خلدون اكتشف مبادئ العدالة الاجتماعيَّة والاقتصاد السياسي قبل ماركس[3] بعدَّة قرون، وأنَّ ما يعزوه من شأن كبير إلى دور العمل والأجرة الملكيَّة يجعله إمامًا لاقتصاديِّي هذا العصر"[4].
*
ويقول المستشرق البريطاني الفيلسوف والمؤرخ "أرنولد توينبي"[5]: "إنَّ ابن خلدون في المقدِّمة التي كتبها لتاريخه العام قد أَدْرَك وأنشأ فلسفةَ التاريخ، وهي - بلا شك - أعظمُ عملٍ مِن نوعه أبدعه أيُّ عقل بشريٍّ في أيِّ زمان ومكان".
*
ويقول "جورج سارتون"[6]: "إنَّه لمن المدهش أن يكون ابن خلدون قد توصَّل في تفكيره إلى اصطناع ما يسمَّى اليوم بطريقة البحث التاريخيِّ، وأسمِّي العصرَ الذي سبق العصور الحديثة في العالم كلِّه عصرَ ابن خلدون"[7].
*
ويقول المستشرق "دي بور"[8] عن دور المؤرِّخين السابقين على ابن خلدون ومنهجه: "إنَّ الأوائل لم يوفوا المشكلة التاريخيَّة حقَّها من الدرس العميق، فلقد أورثونا مؤلفاتٍ تاريخيَّةً ضخمةً جديرةً بمكان بين الآثار الفنيَّة، لكنهم لم يورثونا التاريخ علمًا من العلوم يقوم على أساس فلسفيٍّ، ثم جاء ابن خلدون فكان أول مَن حاول أن يربِط بين تطوُّر الاجتماع الإنسانيِّ وبين علله القريبة، مع حسن الإدراك لمسائل البحث وتقريرها مؤيَّدةً بالأدلَّة المقنعة؛ فهو ينظر في تاريخ أحوال ال*** والهواء ووجوه الكسب ونحوها، ويعرضها مع بيان تأثيرها في التكوين ال***يِّ والعقليِّ في الفرد والمجتمع"[9].
*
وعلى هذا، يكون التاريخ خاضعًا لأفكار كتابه وميولهم، ونزعاتهم ونِحَلِهم، يميل معها حيث تميل، ويعتدل معها حين تعتدل، يرفعون مَن يشاؤون ويخفضون مَن يريدون، ويُنطِقون مَن يحبُّون، ويُسكِتون مَن يكرهون، ويفلسفون الأخطاء أحيانًا، ويعظِّمون الحسناتِ أحيانًا أُخْرى، ولا يطلب من أحدهم أي سندٍ، أو وثيقة، أو دليل في غالب الأحوال[10].
*
وإذا كان ابن خلدون قد صَدَرَ عنه هذا التصوُّر العلميُّ لفلسفة التاريخ بشهادةِ هؤلاء المنصفين من أبناء الغرب، فإنَّه قد وضع أساسًا لعلمٍ جديدٍ كل الجدَّة، ذلك هو "علم الاجتماع"، وهو مدار بحثه في كتابه "العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في تاريخ العرب والعَجَم والبربر، ومَن عاصَرَهم من ذوي السلطان الأكبر"، الذي يعده هو نفسه علمًا مستقلًّا قائمًا بذاته، وموضوعه "العمران البشري والاجتماع الإنساني".
*
وهكذا كانت مباحث ابن خلدون في علم الاجتماع سابقةً ومتقدِّمةً على تفكير عصرِه، فلم يتابعه أحد من المفكِّرين في آرائه، أو يستمد منها آراء جديدة تعمل على إنمائها وذيوعها، فتوقَّفت حيث هي، وظلَّت مجهولةً من الباحثين على مدى قرونٍ من الزمان في الشرق والغرب على السواء، فلم يكد يعرف الغرب عنه شيئًا إلا في أوائل القرن 19م؛ حيث نَشَرَ المستشرق الفرنسيُّ "دي ساسي"[11] ترجمة لابن خلدون مع ترجمةٍ لبعض أجزاء من المقدمة.
*
وأعقب ترجمة "دي ساسي" ما قام به "كاترمير"[12] من نشر المقدمة كاملةً بنصِّها العربيِّ في منتصف القرن 19م.
ثم قام "دي سلان"[13] بترجمةٍ كاملةٍ لها باللغة الفرنسيَّة.
ومنذ ذلك الحين بدأ الاهتمام الحقيقيُّ بابن خلدون، وبالتاريخ الإسلاميِّ.
*
وهكذا، أجمع المنصفون من الشرق والغرب على أنَّ ابن خلدون هو مؤسِّس علم التاريخ ومقنِّن علم الاجتماع، مما جعل للتاريخ مكانةً مرموقةً في الثقافة الإسلاميَّة، ينبغي أن يهتمَّ بها أبناءُ الإسلام في كلِّ زمان ومكان.

[1] وهو عالم سوري، له كثير من الأنشطة في مجال الدعوة الإسلاميَّة، وقد اشتهر بكتابه "التبشير والاستعمار".
[2] انظر: ابن خلدون مقنِّن التاريخ ومؤسِّس علم الاجتماع، عزت محمد إبراهيم (ص93).
[3] كارل ماركس، كان فيلسوفًا ألمانيًّا سياسيًّا وصحفيًّا ومنظِّرًا اجتماعيًّا، ولد بمدينة (ترير) في ولاية (رينانيا) الألمانيَّة سنة 1818م، وهو صاحب مقولة: "الدين أفيون الشعوب؛ لأنَّ الدين لا يشجِّع الفكر الحرَّ الذي ينتج؛ بل يبقيهم كالمخدَّرين دون طموحٍ للتقدُّم والتغيير"، وقد توفي في 14مارس 1883م، ودُفنَ في مقبرة (هاي غيت) بلندن.
[4] انظر: ابن خلدون مقنن التاريخ ومؤسِّس علم الاجتماع، عزت محمد إبراهيم (ص87).
[5] أرنولد جوزيف توينبي، ولد في 14أبريل 1889م في لندن، وتوفِّي في 22 أكتوبر 1975م، وأهم أعماله: "دراسة التاريخ"، وكان من أشهر المؤرِّخين في القرن العشرين، وعمل مديرًا لدائرة الدراسات في وزارة الخارجية البريطانيَّة حتَّى وفاته.
[6]جورج ألفريد ليون سارتون، صيدلي ومؤرخ بلجيكي، يعتبر مؤسس علم تاريخ العلوم، ولد بمدينة (خنت) ببلجيكا، في 31 أغسطس 1884م، وكانت له محاضرات عديدة عن فضل العرب على الفكر الإنسانيِّ، وكان موته في 22 مارس 1956م.
[7] انظر: ابن خلدون مقنن التاريخ ومؤسس علم الاجتماع، عزت محمد إبراهيم (ص87 - 88).
[8] دي بور، مستشرق هولندي من أساتذة الفلسفة في جامعة أمستردام، له كثير من الكتب والمؤلَّفات؛ منها: "تاريخ الفلسفة في الإسلام"، "الغزالي"، "ابن رشد"، وقد عاش في الفترة ما بين 1866 م إلى 1942 م [راجع المستشرقون ج2 ص317].
[9]انظر: تاريخ الفلسفة في الإسلام؛ دي بور، تحقيق: محمد عبدالهادي أبو ريدة (ص410) الطبعة الخامسة - مكتبة النهضة المصريَّة بالقاهرة (بلا تاريخ).
[10] انظر: الحضارة الإسلاميَّة مقارنة بالحضارة الغربية، د/ توفيق يوسف الواعي، ص86 - 87.
[11] أنطوان إسحاق سلفستر دي ساسي، (1758 - 1838مـ) مستشرق فرنسي، لُقِّبَ بشيخ المستشرقين الفرنسيين، دَرَس اليونانيَّة واللاتينيَّة ثم العربيَّة والعبريَّة، كما أتقن عدَّة لغاتٍ أوربيَّة.
[12] أتيين مارك كاترمير، (1782 - 1857م) مستشرق فرنسي، اهتمَّ بالتاريخ الإسلاميِّ، وبنشر العديد من المخطوطات العربيَّة، كما ترجم بعض كتابات تقي الدين المقريزي ورشيد فضل الله الهمذاني.
[13] ماك جوكان دي سلان، وشهرته البارون دي سلان، (1801 - 1879 م) مستشرق فرنسي، من أصل إيرلندي، تتلمذ على يدي دي ساسي، ومِن تلاميذه: جان فرانسوا شامبليون.

د. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن
__________________
رد مع اقتباس