الموضوع: السيره حياه
عرض مشاركة واحدة
  #86  
قديم 14-06-2018, 08:59 AM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي




الوصية السابعة:
تأصيل مبدأ التيسير في الدين



فعلى الرغم من أنه قام عليه الصلاة والسلام بالمناسك بترتيب معين،
وعلى الرغم من تكراره لكلمة "خذوا عني مناسككم"،
إلا أنه أقر بمبدأ التيسير في الدين،
فقال لكل من سأله في يوم النحر:
"افْعَلْ وَلا حَرَجَ، افْعَلْ وَلا حَرَجَ".
وليت المسلمين يفقهون طبيعة هذا الدين،
إن طبيعته الحقيقية هي اليسر،
روى النسائي في سننه عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ".



وليس هناك أعبد من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولا أحرص منه على قواعد الشريعة، ولا أرغب منه في العبادة،
ولكنه الفقه العميق الذي يجمع ولا يفرق، والذي ييسر ولا يعسر،
كل قواعد الدين يسر، وكلها في استطاعة العوام من الناس،
ولم يأتِ الدين -كما يعتقد بعض الجهال- لخواص الخواص،
بل جاء لعموم البشر، جاء لقويهم وضعيفهم،
وجاء للبلغاء والخطباء، كما جاء للعوام البسطاء،
وجاء لأبي بكر، وعمر، كما جاء لنا ولمن هو دوننا.
والذي يخرج بالدين الإسلامي عن هذه الطبيعة ينفر الناس،
وهو يحسب أنه يرشدهم، ويقصيهم عن طريق الله
وهو يظن أنه يدعوهم إليه، وليس هناك منهج في الدعوة
أعدل من منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.



الوصية الثامنة:
السمع والطاعة لأمير المسلمين



"اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ
عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ"
.
هذه وصية فذة من رسول الله عليه الصلاة والسلام،
وهي وصية عجيبة بالنسبة للمجتمع العربي آنذاك،
بل هي وصية عجيبة حتى بمجتمعنا الآن،
وليس العجيب في الوصية هو السمع والطاعة،
فكل المجتمعات على اختلاف توجهاتها، وقوانينها وتشريعاتها
تؤمن بأن العمل الجماعي لا بد له من قائد،
وأن القائد لا قيمه لتوجيهاته أو أوامره إلا إذا كان هناك طاعة،
كل الناس يؤمن بذلك، لكن ليس كل الناس يقبل بإمارة العبيد،
أو بإمارة الفقراء، أو بإمارة من لا نسب أصيل له،
هذا القبول يحتاج إلى نفس خاصة، وإلى تربية معينة،
والرسول عليه الصلاة والسلام أكَّد هذا المعنى كثيرًا في حياته،


فهو أولاً زَهّد الناس في الإمارة حتى جعلها تكليفًا لا تشريفًا،
ومسئولية لا عطية، حتى أصبح عموم الأمة يخشى من الإمارة،
ولا يقبلها إلا مضطرًّا، وقبل ذلك كان عليه الصلاة والسلام
قد زَهّد الناس في الدنيا بكاملها، ومن ثَمَّ ليس هناك معنى
لتحمل مسئولية ضخمة لتحصيل جزء من دنيا لا قيمة لها،
ثم إنه عليه الصلاة والسلام ساوى بين المسلمين،
فلم يعُدْ هناك تفاضل بينهم بعنصر، أو عرق، أو نسب، أو مال،
إنما صار التفاضل بالتقوى، وقد يكون العبد الذي يُباع
ويُشترى أتقى من الحُرِّ الذي يشتري العبيد.



كانت هذه تربية صعبة ودءوبة،
جاهد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا،
ولا نقول أنها وجدت قبولاً عند العموم بسهولة،
بل استلزم الأمر تدريبات كثيرة، ومحاورات،
ومجادلات متعددة، ولقد طعن الناس في إمارة
زيد بن حارثة رضى الله عنه،
والذي كان عبدًا يُباع ويشترى،
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أصر على توليته
عدة مرات على سرايا حربية مُهمة،
كان أهمها وأعظمها السرية الأخيرة في حياته،
وهي سرية مؤتة، حيث لقي ربه شهيدًا بعد كفاح مشرف،
وكان قد ولاه قبل ذلك إمارة المدينة في إحدى غزواته
صلى الله عليه وسلم، كل ذلك ليمهد المسلمين نفسيًّا إلى
قبول ولاية أي مسلم ما دام يقيم فيهم حكم الله،
وهذه حكمة نبوية راقية، وتشريع إسلامي محكم،
فلا شك أن الأمة قد تقاد في يوم من الأيام بإنسان
ذي نسب بسيط، أو عائلة ضعيفة، أو قبيلة فقيرة،
فماذا يحدث في هذا الحالة؟
لو خرج عليه المسلمون ستكون فتنة في الأرض وفساد كبير،
فلا بد من طاعته حتى تستقيم حياة الناس، وحياة الأمة،


لكن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد شرطًا أساسيًّا
لهذه الطاعة، وهذا الشرط يوضح لنا غاية الحكم في
الإسلام ووسيلته، فقد علق عليه الصلاة والسلام الطاعة
للأمير على قيامه بأمر الله في المسلمين،
قال: "مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ".
فالأمة الإسلامية مهمتها تعبيد الناس لرب العالمين،
أو على الأقل دعوتهم إلى عبادة رب العالمين،
ولا يكون ذلك إلا بمنهج صحيح غير محرف،
ومهمة الحاكم الأولى هي أن يُحَكِّم شرع الله تعالى فيمن يَحْكُم.
قال تعالى:
{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ}

[المائدة: 49].



والأحكام المتعارضة مع شرع الله أحكام جاهلية،
يجب ألا تتبع، ولا سمع فيها، ولا طاعة،
قال تعالى:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}
[المائدة: 50].
وروى مسلم عن علي رضي الله عنه:
"لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ".
ويخطب الصديق رضى الله عنه أول تسلُّمه للحكم فيقول:
أطيعوني ما أقمت فيكم كتاب الله،
فإن عصيته، فلا طاعة لي عليكم.

كل هذه الآيات، والأحاديث تثبت شيئًا واحدًا مهمًّا،
بل في غاية الأهمية، وهو أنه ليس المهم من هو الذي يحكم،
ولكن المهم أن يحكم بكتاب الله تعالى،
وبسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.



الوصية التاسعة:
الشرع يطبق على الحاكم كما يطبق على المحكومين



لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته
التي ألقاها في حجة الوداع أروع الأمثلة
في الشفافية في تطبيق القوانين،
لقد علمنا أن الحاكم واحد من الشعب، لا فضل له عليه،
والكل أمام القانون يتساوى، وليس هناك ما يُسمى
بالحصانة ضد القانون، أو عدم القدرة على المساءلة.



إن التفرقة بين الحاكم والمحكومين في القانون،
لهي من أهم أسباب انهيار الأمم، فهذا -ولا شك-
يورث الضغينة في قلوب الناس،
ويفقدون بالتالي مصداقية القانون،
فيشعرون أن هذه تمثيلية مقيتة تعرض على الشعب،
يلعب فيها أقوام دور المعاقَب دومًا،
وينجو فيها فريق آخر من العقاب دومًا.



ولا شك أن ذلك يهز قيمة القانون، ويضعف تمامًا من سلطانه،
وهذا يؤدي إلى هلاك الأمة، واذكروا كلمه الرسول عليه الصلاة
والسلام الحكيمة -وكل كلامه حكيم- التي قالها يوم فتح مكة،
ويوم قطع يد المخزومية الشريفة التي سرقت،
قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري
عن عائشة رضي الله عنها:
"إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهُمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ،
وَإِذَا سَرَقَ فِيهُمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ".



ورأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبق القانون
في حجة الوداع أول ما يطبق على نفسه، وعلى أقاربه
ورحمه وقبيلته، قال عليه الصلاة والسلام:
"وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ".
وترك الثأر الذي حدث في الجاهلية
أصبح أمرًا واجبًا لازمًا للمسلمين.
ثم قال:
"وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا، دَمُ
ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ".

ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكان مسترضعًا في بني سعد، ف***ته هذيل.
فهذا قتيل لبني عبد المطلب يتنازل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن دمه، والجميع يعلم أهمية
الثأر في تلك البيئة العربية القبلية،
لكن تطبيق القانون على النفس أولاً يشجع
الجميع على تطبيقه، والتفاني في عدم مخالفته.




__________________
رد مع اقتباس