الموضوع: الفن التشكيلي
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-06-2009, 02:39 AM
الصورة الرمزية .. Mysterious ..
.. Mysterious .. .. Mysterious .. غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشاركات: 2,367
معدل تقييم المستوى: 19
.. Mysterious .. will become famous soon enough
افتراضي لمحة عن الفن التشكيلى فى القرن العشرين

لمحة عن الفن التشكيلى فى القرن العشرين
بين التقليد والإبداع وبين الموضوعية والذاتية.

إستمر الفن التشكيلى خلال عصور الفن المختلفة لمئات السنين كلغة بصرية تعتمد فى الأساس على "الطبيعة الخارجية" كمصدر ومرجع للأفكار الفنية التشكيلية، وكتقليد ثابت وموروث تقاس جودة الأعمال الفنية بالإقتراب منه وتوصف بالضحالة كلما ابتعدت عنه.

كان تقليد الطبيعة ومحاكاتها هو البطل.

حتى أنه وصل الى تقليد ونقل غاية فى الدقة والإتقان المذهل لتفاصيل تفاصيل الموجودات كما يظهر بوضوح فى أعمال فنانى ما قبل القرن العشرين من إبراز لأدق صغائر الأشياء الحياتية مثال نسيج الأقمشة وتفاصيل الأرض والسقف وتجاعيد الوجه و خصلات الشعر وغيرها. وربما يظهر ذلك بوضوح فى أعمال فنانين مثل: "هانز هولبين" (1497 – 1543) و"فرانز هالز" (1580 – 1666) وحتى بعدها بقليل مع"فانسنت فنجوخ" (1853 – 1890) صاحب المدرسة "التأثيرية" التى لم تخرج من إطار الفن كتقليد يستلهم لوحاته من نماذج موجودة أمامه فى الطبيعة: كلوحة "غرفة نومه" و"عباد الشمس" و"الحقول المختلفة" و"صوره الشخصية" وغيرها...


كانت الطبيعة إذن هى الأم والمصدر والرحم الذى أنتج أفكار اللوحات التشكيلية فى تلك الفترة وبخاصة قبل إختراع الكاميرا الفوتوغرافية.

هكذا كان فنان تلك العصور يعتقد بأن الحقيقة الفنية موجودة "خارج" كيانه الإنسانى.. فهو يبحث عنها ويكتشفها ويسجلها كحقيقة بصرية لا تخطئها عين المتلقى.

ووصلت تلك الحقيقة البصرية الى ذروتها بوصولنا الى عصر النهضة الإيطالية فتكشفت قواعد المنظور والظل والنور وبدأت اللوحات تظهر ثلاثية الأبعاد. ومن شهود هذا العصر الفنانين: "مايكل أنجلو(1475-1564) و"ليوناردو دافنشى" (1452-1519) و"رامبرانت" (1606-1669).

وبالرغم من ذلك لا يمكن لأى متأمل أن يدعى أن تلك الأعمال كانت خالية من الإبداع لمجرد كونها أعمال تسجيلية لحقائق بصرية. وإنما بوسعنا ان نقول انها كانت اعمال فنية طغت عليها الحرفة والتقنية فأبعدت الفنان عن حريته التشكيلية وسجنته فى قالب من القواعد والأصول الرصينة والألوان المحددة والمتوارثة من الأساتذة السابقين بتعليمات لا يسمح فيه للتلاميذ بالإبداع وانما كان دائما الأصل بان يلتزم التلميذ بالمنهج الأكاديمى لإبراز الحقيقة البصرية الواقعية للحياة كما لو كانت صورا فوتوغرافية.

خلاصة القول أن الفن كتقليد كان يعنى محاولة محاكاة المرئيات فى العالم الخارجى والنقل الأمين لتفاصيلها.
ولكن عند الوصول الى مشارف القرن العشرين بدا للفنانين حقيقة جديدة وهى أن ريشة الفنان حينما تسجل الأشياء "بالعين" دون "الوجدان" فانها حتما تنتهى الى مجرد عملية تسجيل تتفوق عليها الكاميرا وآلة السينما بلا منافس.

وحيث أن الفنان هو فى الأصل إنسان لديه مشاعر ووجدان وردود أفعال ومواقف متباينة فقد أصبح يعتمد على ذاتيته واعتبرها اساس جديد ومنهل صادق فى التعبير والإبداع الفنى فى الفن التشكيلى.

و بعد أن كانت اللوحة هى "لقطة واقعية" أصبحت "فكرة إنطباعية".
وبعد ان كانت "رؤية بصرية" أصبحت "رؤية وجدانية".
ويستدل على ذلك بتجربة قام بها الباحثون على رسوم الأطفال:

فقد وضعوا طفلا أمام أطفال آخرين فى سن الثانية عشرة ليرسموه فلم يهتموا الا بالإنطباع الأولى دون تدقيق ولوحظ ان عددا كبيرا منهم اخذوا يرسمون من عقولهم وعند تحليل ما رسموه وجد أن عددا منهم رسموا زميلهم واقفا مع انه كان جالسا ورسموه ايضا بوجه جانبى الى اليسار وآخرين رسموه بوجه جانبى الى اليمين والرسوم فى مجملها غلب عليها الطابع الرمزى أكثر منه الواقعى.

وبدا أن ما رسمه كل طفل هو فى الحقيقة المضمون الفكرى والوجدانى كما يظهر فى مخيلة كل منهم، وهو ما يطلق عليه "منطق الإدراك الكلى".

وهذا المبدأ مطبق بوضوح فى الفن المصرى القديم – والفن الفارسى – والفن المكسيكى القديم.

وقد بدأ الفن الحديث فى القرن العشرين باعتناقه كمدخل لكشف الحقيقة الفنية من منظور جديد.

ودعنا نتصور مغذى الحقيقة الفنية المبنية على الإدراك الحسى البصرى وتلك المبنية على الإدراك الكلى.

لو رسمنا مثلا "المنضدة":

فاذا رسمناها وفقا للإدراك البصرى فسيظهر سطحها العلوى ووجهيها الأمامى والجانبى، اى ما نراه حين نطبق قاعدة المنظور.

أما الطفل حين يرسمها بادراكه الكلى فسوف يجمع بين السطح والجوانب المختلفة والأرجل الأربعة فى صورة واحدة. وبحسب منطقه هو انه يرسم المنضدة بشكل أكثر شمولا كما يراها حين يتحرك حولها..لأن الحقيقة لديه قد برزت متعددة الجوانب وكلها صحيحة.

ولهذا تحرر الفنان "بيكاسو" من الإدراك الحسى البصرى فى رسمه للوجه من زاوية واحدة، فرأيناه يرسم الوجه من أكثر من زاوية الأمام والجانب فى آن واحد، وكانت تبدو هذه المحاولات غريبة وصادمة حين بدأها خاصة لأولئك الذين تعودوا على الإدراك الحسى البصرى.

وربما انه من هنا قد بدأ التمهيد للتحول الى الرمزية فى الفن التشكيلى.
وبرز هنا التضارب بين ما يسمى "الحقيقة البصرية" و"الحقيقة الفكرية".
فالأولى ترتبط بميكانيزم الإدراك البصرى (ما تراه عينى)
والثانية تتعلق بالأفكار ( ما يراه وجدانى وعقلى).
والفرق بينهما كبير...

فالأولى مقيدة .. والثانية محررة.

الأولى منقولة .. والثانية مؤلفة.

الأولى ملتزمة بالأصل .. والثانية تحمل الإبداع.

..........................................


ولعلنا نصل بهذا التصور الى أن القرن العشرين قد اتجه الى الحقيقة الفكرية أكثر من اتجاهه الى الحقيقة البصرية التى ***ت بحثا وتمحيصا وتسجيلا خلال العصور السابقة.

أى الى "المفهوم" أكثر من "الملموس". وبرزت هنا المدارس التى تدعو الى "الرمزية" والتجريبية" و"التجريدية" و"الخداع البصرى" و"التكعيبية" وغيرها من المدارس الفنية التى قامت على أبجدية حديثة للمفاهيم والأفكار والمشاعر وبعيدا عن الأبجدية القديمة للمرئيات والمدركات الحسية الملموسة.
وهنا يبرز سؤال مهم: هل الفن حقيقة موضوعية أم ذاتية؟

بمعنى هل يجب على الفنان أن يكون "موضوعى" فى ترجمة واقعه ام يكون "ذاتى" فى التعبير عن وجدانه وأفكاره؟

ونستطيع أن نجيب بسرعة عن هذا التساؤل بان الحقيقة الفنية هى"ذاتية موضوعية" فى آن واحد

لأن الفن لو إقتصر على "الذات" دون "الموضوع" قد لا يستطيع المتلقى من الجمهور ان يدرك الرسالة الموجهة من المبدع وقد يسبب ذلك نوع من الثرثرة والغموض داخل عقل المتلقى حيث ان رسالة الفنان لابد وان تنتقل فى قوالب يعرفها الناس وتمثل بين الجميع أرضية مشتركة.

وأيضا ليس بالضرورة ان استخدام النظرة "الموضوعية" دون "الذاتية" فى العمل الفنى ان ذلك يعنى النقل الحرفى الخالى من الإبداع، وانما الحل يكمن فى إنصهار "الموضوعية" من ناحية مع "ذاتية" الفنان من ناحية أخرى.

وبهذه المعادلة المتوازنة فقط تقوم العلاقة الصحية بين المبدع والمتلقى وكلما أحكم الفنان هذه المعادلة المتوازنة كلما ادى هذا الى راحة المتلقى والتأثير فيه. فالأعمال الفنية تنجح بقدر ما تؤثر وتستثير مشاعر الجمهور وهذا لا يتم الا بالجمع بين الحقيقة الموضوعية من أشكال ومرئيات وبين الحقيقة الذاتية من معانى دفينة فى عقل ووجدان الفنان .. أى بين الواقع الملموس وبين الإيحاء.


وللإستدلال على ذلك دعونا نتصوران فنان يرسم الشمس كمجرد "دائرة" دون التعبير عن وجدانه ومشاعره الذاتيه تجاه تلك الشمس، فسوف تصبح الدائرة فى هذه الحالة غير محددة الخصائص وليس لها دور وقد يتوه المتلقى بين التفسيرات المجردة للدائرة اهي قمر ام كرة ام بالونة ام برتقالة؟!.

فما لم يضع الفنان بصمته ومشاعره ورؤيته على هذه الدائرة فهو لا يحقق فنا وانما ينتج اشكالا مجردة بلا معنى ولا هدف سوى نوع من الإدعاء والتعالى.
ويجدر بك أن تتسائل هنا..
أى مشاعر تلك التى ينقلها الفنان التشكيلى؟

انها بالتأكيد ليست كتلك المشاعر التى ينقلها لنا الشاعر أو الموسيقى أو الراقص، لأن مشاعر الفنان التشكيلى تتعلق بمعانى الأشكال التى يرصها ويحاورها وينظم بها تكوين عمله الفنى فوق سطح اللوحة.

ولهذه المشاعر "أدوات" تحركها و"قواعد" تنظمها و"لغة" تنطق بها و"معنى" يدل عليها.

ولو وصفنا طبيعة كل شكل ومعناه بشكل مستقل ومنفرد خارج نطاق اللوحة لكان ذلك وصفا جزئيا ومسطحا.
لأن الشكل يأخذ معناه وذاتيته وتأثيره من خلال السيناريو أو الإطار الموضوع فيه داخل العمل.

فمثلا إذا تناولنا شكل "المقعد" منفردا وكذلك شكل "القمر" و"الرجل" و"النافذة" لن يوحى لنا ذلك شيء يذكر لأنها خالية من المشاعر، وإنما عندما تترابط تلك الأشكال داخل مسطح اللوحة وبإيقاع والوان وتأثيرات خاصة يضع فيها الفنان بصمته الذاتية، يطل المعنى والمضمون ويكتسب الشكل قيمته ويسهل للمتلقى التعرف على ايديولوجية العمل الفنى، كيف يفكر الفنان وما هى فلسفته ورؤيته الخاصة: وبهذا نرى المشهد متكامل.. وقد نشعر حينئذ أن "الرجل" الجالس فوق "المقعد" أمام "النافذة" المطلة على "القمر" حزينا أو متأملا أو مفكرا أو ساكنا الخ.. حسب الرسالة والمضمون الذى يقصده الفنان ويلخصه فى لحظة واحدة مكثفة جامعا بين "الموضوعية" و"الذاتية".

وقد يفسر ذلك ما سبق وأشرنا اليه فى تعريف الحقيقة الفنية بأنها "ذاتية وموضوعية" فى آن واحد.

وقد يكون الجهل بنظرية الموضوعية والذاتية تلك فى الفن التشكيلى هو المسئول عن وقوع المتلقى والدارس للفن فى فخ "الإستغراب" أو "النفور" أو الإحساس بصعوبة قراءة الأعمال الفنية.

وما يقع فيه طلبة الفنون من تضليل هو فى "الخديعة" التى يشعرون بها حينما يفسرون العمل الفنى المعروض أمامهم من ذاوية "الموضوعية" الناقلة للواقع الحرفى فقط دون أن يجتهدوا بوعى وتأمل للبحث عن إنفعالات الفنان "الذاتية"، فبصرف النظر عن محتويات العمل سواء هو جسم بشرى أو حيوان أو آنية زهور، فانفعالات الفنان هى التى تشكل العلاقة والرسالة والإنطباع وتمثل رؤيته الذاتية والفريدة التى قد تختلف عن رؤية فنان آخر لنفس ذات العناصر المستخدمة فى اللوحة.
فلكل فنان رؤية جمالية ذاتية.
ولكل فنان مدخل جديد للتعبير عن واقعه الخارجى.

نصل بهذا أن الفن التشكيلى فى القرن العشرين أصبح أكثر وعيا بالحقيقة الفنية وطبيعتها على أساس انها ليست "تقليدا" للعالم الخارجى بقدر ما هى "أفكار" و"انطباعات" و"إبداعات ذاتية".

ولكن..
يظل عالمنا العربى على شواطئ ساخنة وقضايا شائكة لمفاهيم مختلطة حول:

"التذوق الفنى" و"التربية الفنية" و"قضايا الحلال والحرام فى الفن" و"مفهوم إستخدام الفن التشكيلى كعنصر أساسى فى الديكور" وإنصراف المجتمع العربى عن معارض الفن التشكيلى" و"سيطرة ثقافة القبح"....
وغيرها من المفاهيم والقضايا ... تحت الدراسة والجدل ...

__________________

...

if i die don't cry just look at the sky and say bye bye

آخر تعديل بواسطة .. Mysterious .. ، 09-06-2009 الساعة 02:44 AM
رد مع اقتباس