عرض مشاركة واحدة
  #41  
قديم 16-09-2014, 12:46 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

2- دار الأرقم بن أبي الأرقم (مقر القيادة):
تذكر كتب السيرة أن اتخاذ دار الأرقم مقرًا لقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعد المواجهة الأولى, التي برز فيها سعد بن أبي وقاص t. قال ابن إسحاق: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا في الشعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد بن أبي وقاص t في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شِعب من شعاب مكة إذ ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بلَحي بعير فشجه، فكان أول دم أهريق في الإسلام» ([1]).
أصبحت دار الأرقم السرية مركزًا جديدًا للدعوة يتجمع فيه المسلمون، ويتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جديد من الوحي، ويستمعون له –عليه الصلاة والسلام– وهو يذكرهم بالله، ويتلو عليهم القرآن، ويضعون بين يديه كل ما في نفوسهم وواقعهم فيربيهم, عليه الصلاة والسلام على عينه. كما تربى هو على عين الله عز وجل، وأصبح هذا الجمع هو قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم([2]).
رابعًا: أهم خصائص الجماعة الأولى التي تربت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كانت الجماعة الأولى التي تربت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد برزت فيها خصائص مهمة جعلتها تتقدم بخطوات رصينة نحو صياغة الشخصية المسلمة، التي تقيم الدولة المؤمنة، وتصنع الحضارة الرائعة، فمن أبرز هذه الخصائص:
1- الاستجابة الكاملة للوحي، وعدم التقديم بين يديه:
إن العلم والفقه الصحيح الكامل في العقائد والشرائع, والآداب وغيرها لا يكون
إلا عن طريق الوحي المنزل, قرآنـًـا وسنة؛ والتزام الدليل الشرعي هو منهج
الذين أنعم الله عليهم بالإيمان الصحيح([3]) قال تعالى: ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ )[الأعراف:181].

لقد كان الصحابة رضي الله عنهم أعظم من غيرهم انتفاعا بالدليل والوحي، وتسليمًا له، لأسباب عديدة، منها:
أ- نزاهة قلوبهم، وخلوها من كل ميل أو هوى غير ما جاءت به النصوص، واستعدادها التام لقبول ما جاء عن الله ورسوله والإذعان والانقياد له انقيادا مطلقا، دون حرج ولا تردد، ولا إحجام.
ب- معاصرتهم لوقت التشريع ونزول الوحي، ومصاحبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم, ولذلك كانوا أعلم الناس بملابسات الأحوال التي نزلت النصوص فيها، والعلم بملابسات الواقعة أو النص من أعظم أسباب فقهه وفهمه وإدراك مغزاه.
ج- وكانت النصوص –قرآنـًا وسنة– تأتي في كثير من الأحيان لأسباب تتعلق بهم –بصورة فردية، أو جماعية– فتخاطبهم خطابًا مباشرًا، وتؤثر فيهم أعظم التأثير؛ لأنها تعالج أحداثًا واقعية، وتعقب في حينها، حيث تكون النفوس مشحونة بأسباب التأثر متهيئة لتلقي الأمر والاستجابة له.
فكانوا إذا سمعوا أحدا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارهم، كما يقول ابن عباس t([4]).
2- التأثر الوجداني العميق بالوحي والإيمان:
كان الصحابة يتعاملون مع العلم الصحيح ليس كحقائق علمية مجردة يتعامل معها العقل فحسب، دون أن يكون لها علاقة بالقلب والجوارح، فقد أورثهم العلم بالله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله: محبته والتأله إليه، والشوق إلى لقائه, والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم في جنة عدن، وأورثهم تعظيمه، والخوف منه، والحذر من بأسه وعقابه، وبطشه ونقمته وأورثهم رجاء ما عنده، والطمع في جنته ورضوانه، وحسن الظن به، فاكتملت لديهم بذلك آثار العلم بالله والإيمان به، وهذه المعاني الوجدانية هي المقصود الأعظم في تحصيل العلم، وإذا فقدت، فلا ينفع مع فقدها علم، بل هو ضرر في العاجل والآجل([5]).
وكان الصحابة فرسانـًا بالنهار، ورهبانا بالليل، لا يمنعهم علمهم وإيمانهم وخشوعهم لله من القيام بشؤونهم الدنيوية، من بيع، وشراء، وحرث، ونكاح، وقيام على الأهل والأولاد وغيرهم فيما يحتاجون.



([1]) انظر: ابن هشام (1/236). (3) انظر: التربية القيادية (1/198).


([3]) انظر صفة الغرباء، سلمان العودة ص83. (2) نفس المصدر ص94.

([5]) انظر: صفة الغرباء ص97.
__________________
رد مع اقتباس