عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 10-08-2010, 01:56 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الآثار التربوية للتربية بالمداعبة ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-

انتهينا في الحلقة الماضية من الحديث عن النتائج التي تترتب على هذا النوع من التربية ، بمعنى آخر : المحصلة النهائية للتربية بالمداعبة .. واليوم مع الآثار التربوية للتربية بالمداعبة ..

أسلوب المداعبة من أنجع الأساليب التربوية التي لها أبلغ الأثر في تربية النفوس ، كما أنها تعد من حسن الخلق ، وسماحة النفس ، وكرم الطبع ، ولين الجانب ، ومحبة الآخرين ..

إن المربي الناجح هو الذي يسخّر كل طاقاته وإمكانياته لخدمة رسالته التي يحملها ، حتى وهو يداعب غيره ويلاطفه ، حين يستغل هذه الفرصة التي تتهيأ فيها النفوس لاستقبال النصيحة ، وهذا ما أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يربي أصحابه بآيات الله والحكمة ، فقد كان يداعبهم ويمازحهم ويدخل السرور على أنفسهم ، حتى ثار في أنفسهم العَجب من ممازحته صلى الله عليه وسلم لهم ، فقال قائلهم : إنك تداعبنا يا رسول الله ! فكان الجواب يتضمن تقرير هذا المبدأ ، مع زيادة في الجواب تبين أن صاحب الرسالة وهو يداعب غيره من زوجة وأهل وولد وصديق ، لا يتنازل عن مبادئه التي يحملها ، فلا يكون جاداً في مواطن الجد متهتكاً في مواطن المزاح ، بل إن مواطن المزاح والمداعبة لتستغل في التوجيه والتربية والإصلاح استغلالاً يجعل الحياة كلها لله تعالى ..

إن المحصلة النهائية من الدعابة تكمن فيما يلي :-
1- إدخال السرور على النفس .
2- تزيل الملل الذي ربما يعلق بالنفس نتيجة لما قد يعترض الإنسان في حياته من الهموم والأحزان .
3- تبعث على النشاط والمرح والضحك الذي يغير روتين الحياة .
4- تثير في النفس محبة الناصح والراحة النفسية عند لقائه .
5- تَقَبُّل النصيحة والموعظة والتربية ، بنفسية منشرحة .

على أن القصة التي ترد وفيها من صور المداعبة ما فيها ، تشتمل على جوانب تربوية أخرى ، يحددها طبيعة الشخص والمواقف والملابسات والظروف التي تصنع هذا الحدث ..

وعوداً على بدء .. ففي قصة خوات بن جبير رضي الله عنه ، جوانب تربوية عظيمة ، فبالإضافة إلى أنها أسلوب رائع من الأساليب التي تشرح الصدر وتثير مكامن السرور في النفس ، فإنها قد تضمنت عدد من الأثار :-
1- التعامل مع الإنسان في تربيته على أنه عرضة للوقوع في الخطأ .
2- التعامل مع الإنسان على أنه كائن له غرائز وشهوات .
3- نظرة الإسلام إلى الإنسان على أنه غير معصوم من الخطأ .
4- دعوة المسلم إلى حسن المظهر ، ليكون في وجوه الناس كأنه شامة .
5- الحذر من الكذب الذي يهدي إلى الفجور ، ثم إلى النار .
6- التعريض في الحديث حين لا يريد الإنسان الإدلاء بالحقيقة لمصلحة ما ، فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب .
7- التكرار – المعتدل – في عرض أسلوب التربية والتوجيه لتتحقق الفائدة المرجوة منه .
8- الدعاء للمسلم المخطئ وتكرار ذلك .
9- الحذر من التكرار الممل الذي يبعث السآمة في النفوس ، أو لربما كان سبباً في تبلد الإحساس .

وختاماً :-
من روعة الإسلام في تربيته لأتباعه ، أنه ما جعل طرائق التربية وأساليبها على صورة واحدة ، لأنه ربما تملها النفوس ، وتسأمها القلوب ، وإنما جعل لذلك أساليب متعددة ، وطرائق متجددة ..

- فتارة يربي بالقدوة التي هي من أعظم الأساليب التربوية على الإطلاق – وما أحوجنا إلى القدوات – ؛ لكونها ترسل إلى الغير رسالة صامتة على أن هذا هو الحق وأن تطبيقه ليس بالأمر المستحيل ، بل هو في متناول الجميع ، وفي مقدور كل أحد ، وليست الأمة اليوم في حاجة إلى شيء أكثر من حاجتها إلى قدوات في كل ميدان .

- وتارة يربي بالقصة التي ترسل إلى الآخرين رسالة مؤثرة بما تشتمل عليه من الدروس والعبر والمواقف ، مع ما تشتمل عليه من قوة التأثير ، حين تشد الإنتباه وترحك الوجدان ، وتثير الانفعال وتحدث الإقناع .

- وتارة يربي بضرب الأمثال حين يربط بين معنيين أحدهما غائب عن النفس والآخر حاضر مشاهد ، فتقريب صورة الغائب عن الحس إلى عالم المحسوس المشاهد ، مثيرة للعقل والقلب والعاطفة على حد سواء .

- وتارة يربي بالأحداث ، فيستغل كل حدث يقع ليعطي فيه صورة مؤثرة من التربية والتوجيه ، فتظل تعلق بخفايا النفس فترة طويلة من الزمن .

- وتارة يربي بالترغيب والترهيب في موازنة مدروسة ، لتقارن النفس حين تسمع الخير ونتائجه وآثاره ، ثم تنتقل إلى الجانب الآخر فتسمع الشر ونتائجه وآثاره ، لتقارن بين الحالتين .

- وتارة يربي بالمداعبة التي تدخل السرور إلى النفس وتمهد الطريق للنصح والتوجيه في أسلوب محبب .

- وقد يدعو الإسلام إلى التربية بالعقوبة !! حين تستنفد كل الوسائل التربوية السالفة الذكر ، فجعل للوالد سلطة في ضرب – الغير مبرح - أولاده ، وجعل للزوج سلطة في ضرب زوجته ، وجعل العقوبات والتعازير لكل من تسول له نفسه العدوان على الأفراد أو المجتمعات وكل ذلك بالضوابط الشرعية التي قررها الإسلام .

إلى غير ذلك من الأساليب الكثيرة التي حفلت بها التربية الإسلامية ، وإنما كان السر في ذلك – أي السر في تنوع هذه الأساليب - حسب تصوري حتى لا تمل النفس ويتبلد إحساسها حين يتكرر عليها أسلوب واحد من هذه الأساليب التي ذكرت آنفاً ، فتفقد على أثر ذلك تربيتها الصحيحة .

و الله أعلم والحمد لله رب العالمين ..
أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..
رد مع اقتباس