عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 06-06-2016, 08:17 AM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي


آية الإنسان والبيئة في القرآن

مقدمة
من إعجاز القرآن الكريم أن تصف آية واحدة ما أصاب البيئة اليوم من تلوُّث وفساد، وللمرة الأولى نجد أن الإنسان قد أسهم في تغيير مناخ العالم، والآية المعجزة هي قول الحق تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

وقبل أن نشير إلى أساسيات الحفاظ على البيئة من منطلق إسلامي، يلزم توصيف حال البيئة على مستوى النشاط البشري، وما أعقبه من ظهور التلوث في منازلنا وكافة أوجه أنشطتنا؛ من إسراف في استخدام الماء، وإنتاج الطعام المحور وراثيًّا، ولعل من أخطر المشاكل التي تهدد المناخ على مستوى العالم مشكلة الاحتباس الحراري وأثرها على التنمية والزراعة.

مكونات البيئة:
خلَق الله الأرض بأغلفتها المختلفة؛ فمنها ما يتعلق ببنية الأرض من قشرة ووشاح ولُب، ومنها الغلاف الهوائي والغلاف المائي، والغلاف الحياتي، وخلق الله الأرض وجعلها صالحة للحياة؛ في ذاتها، ولغيرها من الخلائق.

ولأول مرة في تاريخ البشرية يسعى الإنسان سعيًا حثيثًا لتخريب تلك البيئة الصالحة، ويُغير من مناخها، ولقد كرَّم الله بني آدم، وجعلهم خلائف في الأرض.

وقد جعل الله الأرض مهدًا وقرارًا، وفراشًا وبساطًا، وجعل السماء سقفًا محفوظًا، وبناءً مخصوصًا، وسخَّر الله للإنسان كل شيء؛ السماء وأجرامها، والأرض وخيراتها، كل مسخر للإنسان؛ يقول تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 29]، ويقول أيضًا: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13].

ثم أفاض الله على عباده، وفصل في كتابه العزيز أوجه التسخير، سخر الشمس والقمر، وسخر الفلك تجري في البحر لمنفعة الإنسان، وسخر الأنهار، وسخر الليل والنهار.. إلخ.

الإنسان يفسد المناخ:
يعد القرن العشرون أدفأ قرن خلال الألفية الأخيرة؛ حيث زادت الحرارة بمقدار يتراوح بين 0،3: 0،6 درجة سيليليزية، وقد صاحب ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر من 10 إلى 15 سنتيمترًا، ولسوف يصاحب هذا التغيير تداعيات خطيرة في حياة البشر اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وسيؤدي البخر إلى تكوين المزيد من السحب، ومن ثَمَّ هطول الأمطار، كما سيؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى ذوبان الجليد، وارتفاع مستوى الماء في البحار.

ويؤدي التغير المناخي بفعل الإنسان إلى زحزحة خطوط العرض المناخية للأرض الطبيعية، وتغيير حدود الرعي، وزيادة تآكُل التربة، وقسوة التصحُّر، وتقلُّص الجليد، وتآكل الشواطئ، وغرق المناطق الساحلية، وزيادة عدد الوفيات والأمراض بسبب موجات الحر، ويرجع السبب الرئيس في ذلك إلى الإنسان ذاته لما أفسده من الأرض.

وقد أثبتت الإحصاءات أن أكثر من 70 % من الكوارث الطبيعية التي تصيب العالم، لها علاقة بالطقس والمناخ، وتظهر دراسات مجموعة ميونخ للتأمين أن تلك الكوارث أدت في الفترة من 1950 - 1999م إلى خسائر اقتصادية بلغت قيمتها 960 بليون دولار، وخسرت شركات التأمين 141 بليونًا من الدولارات.

فمنذ الستينيات من القرن التاسع عشر أضيف إلى الجو حوالي 180 بليون طن من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن النشاط البشري، فزاد تركيز الغاز بنسبة 31 %، الأمر الذي حول الغلاف الجوي إلى صوبة زجاجية أدَّت إلى دفء مناخ العالم.

هكذا يسعى الإنسان ليفسد الهواء، ثم بعد ذلك يحاول التخلص من تلك الغازات التي تحبس حرارة الأرض والمعروفة بغازات الاحتباس الحراري، ويتخلص من ثاني أكسيد الكربون بصبه في البحار، أو في جوف الأرض (شكل: 2)، والذي ما يلبس أن يكون بمثابة قنابل غازية تنفجر في البحار واليابسة بعد حين.

الإسلام والحفاظ على البيئة:
إن الله استخلف الإنسان في الأرض؛ ليستمتع بكل ما فيها وَفْق شرع الله، ومِن ثَمَّ يجب على الإنسان أن يحفظ أمانة الاستخلاف، فيراعي التوسط والاعتدال، ولا يفسد في الأرض، وينهى عن الفساد، ويحرص الإسلام على مبدأ هام، ألا وهو عمارة الأرض، والسعي فيها بجد ونشاط، ويأمر بالتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، ويحرص الإسلام أشد الحرص على المحافظة على ثروات الأرض المختلفة؛ زراعية، وصناعية، ومائية.

إن الإنسان أعلى قيمة يحرص عليها الإسلام، ويحرص على الموارد البشرية، والإسلام يدعو إلى إصلاح الأرض وعدم الفساد، والإسلام ينهى عن الفساد في الأرض، ويتَّضح ذلك في آيات كثيرة، والفساد نوعان: فساد معنوي يتعلق بالظلم والبغي والمنكر،.. إلخ، وفساد مادي في الأرض ذاتها؛ في مائها، وهوائها، وتربتها.

والشق الأخير هو الذي يعبر عنه اليوم بتلوث البيئة وهو موضوعنا؛ يقول تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، ويقول أيضًا: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 85].

وقد خلق الله كل شيء في الأرض صالحًا في ذاته، صالحًا لغيره من الخلائق، وللأسف فإن الإنسان تدخل بنفسه في إفساد الأرض، يفسد مناخ الأرض، يقدم على تحويل مساحات واسعة من الغابات إلى أراضي زراعية أو رعوية، ويجرف الأرض الزراعية، ويستنزف موارد المياه الجوفية، ويسبب تصحر الأرض، ويسيء خزن الماء خلف السدور، ويبالغ في استهلاك الوقود الحفري، هكذا جاء الإنسان اليوم فأفسد بما كسبت يداه الأرض الصالحة، وظهرت الآية واضحة جلية: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

ونعم الله لا تُعد ولا تُحصى؛ يقول تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، ألم يجعل الله ألأرض مهادًا وفراشًا وقرارًا وكفاتًا؟ ألم ينزل للناس من السماء ماءً طهورًا مباركًا بقدر معلوم؟ من أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته؟ من يحيي الأرض بعد موتها؟ فلينظر الإنسان إلى طعامه وكيف تشق الأرض شقًّا،ويصب الماء فيها صبًّا، فتخرج منها ثمرات كل شيء نعمةً من الخالق الرازق!

سبحانك يا إلهي، يا من صرفت الرياح، وأجريت السحاب، فأنزلت الماء العذب الفرات، وأنزلت الرزق من السماء، سبحان من خلَق من كل شيء زوجين، وأعطى كل شيء خلقه، وخلق الإنسان في أحسن تقويم، وجعل الأرض للأنام، وسخر له ما في السموات والأرض.

الكون بكامله مسخر للإنسان:
سماوات سبع شداد، وسقف محفوظ، وشمس وقمر، ونجوم مسخرات، معين من طاقة السراج الوهاج، وشجرة للطاقة أنشأها الله، وسحاب مسخر بين السماء والأرض، وطير يمرح في جو السماء، وقبة سماوية تبهج البصر، وبناء محكم للسماء، وغلاف جوي تستنشق منه الخلائق الأوكسجين، وتأخذ منه النباتات ثاني أكسيد الكربون، وتُحوله إلى خشب يكون مصدرًا للطاقة، وتحترق فيه الشهب فلا تصيب الأرض، وسماء ذات رجع للماء وللأشعة الضارة بالإنسان.

وعلى وجه العموم سماء بل سماوات؛ بأبراجها ومجراتها وعوالمها، ما عرَفنا منها وما لم نعرف، مسخرة لذلك المخلوق الذي استخلفه ربه في الأرض؛ ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾ [الملك: 3].

انظر النظرة الأولى، وأتبعها بالثانية، ثم أتبع النظرتين بنظرات، نظرك عليل وحسير، فلا يوجد في خلق الرحمن من تفاوت، بل استواء منزَّه عن كل نقص وعيب.

ولكنا نرى في السماء صراعًا بين البشر على حرب النجوم، وتجارب نووية مهلكة في الأرض وفى السماء، وثقبًا لطبقة هامة من طبقات الغلاف الجوي، وسمومًا من الغازات تُلوِّث الهواء، وفسادًا في الهواء بما كسبت أيدي الناس.

أما الأرض فقد وضعها الله للأنام، وكل شيء فيها بمقدار، جعلت فيها الرواسي، وبورك فيها، وأودَع فيها خالقها العظيم أقواتها، وأخرج منها الماء والمرعى، وشق فيها الأنهار، وسخر فيها البحار، وألقى فيها الرواسي، وذرأ فيها الثروات، فهي الفراش والمهاد، وهي المستقر والمستودع، وعليها وفيها بُثَّت الدواب، أنعامها دفء ومتاع، وأثاث ومأكل ومشرب، ومن دوابها ركوب، فيها من كل زوج بهيج، ماؤها هو الحياة.

خلق الله كل ما في الأرض صالحًا، فلماذا أفسدت أيها الإنسان ذلك الصلاح، فاستنزفت ثرواتها استنزافًا، ولوثت هواءها ومياهها تلويثًا، وها أنت أيها الإنسان تغير في مخلوقات الله.

أمرك ربك ألا تفسد فيها فأفسدت، فظهر الفساد في البر والبحر، وكنت أنت السبب، فتجرع صنيعك، ذُقْ ما كسبت، وأي كسب جعلك تضحي بالهواء فتلوِّثه، وبالماء العذب فتُفسده، وبأزواج النبات البهيج فتحرقه، وتقطع الأشجار والغابات، وتأتي على التربة الخيرة فتجرفها.

خير ربنا إلى الناس نازل، وشرهم إليه صاعد.

أيها الإنسان الكادح البائس، هل لك غير الأرض موئل؟ ليس أمام المفسدين إلا أن يمدُّوا بسبب إلى السماء؛ حتى ينقطع غيظهم، فما هو المخرج من ذلك النفق المظلم الذي يحفره الإنسان لنفسه؟ المخرج والعودة إلى الله.

وها نحن في تلك السطور نلقي الضوء على مشاكل تلوث البيئة، وطرق إصلاحها في هدْي القرآن وضوء العلم.

فساد البر والبحر في أقوال المفسرين:
يقول تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، قال المفسرون: إن المراد بالبر هو البر المعروف، وبالبحر هو البحر المعروف، واختلفت تفسيرات بعضهم في معنى ظهور الفساد ومعنى البر والبحر، فهم وهم الصالحون لم يتصوروا أن يصل الفساد إلى تلوث الهواء بالغازات السامة، بفعل الوقود الحجري والأسلحة الكيميائية التي لم يكن لها وجود في أيامهم، ولا أن يلوث الماء بمخلفات المصانع من الكيماويات، ولا أن تدفن النفايات الذرية في البر والبحر.

ولم يخطر على بال هؤلاء الصالحين أن الناس سوف يعثيون في الأرض فسادًا، ويستخدم الأسلحة الكيميائية والبيولوجية الفتاكة.

نعم لم يخطر ببال الصالحين من القرون السابقة أن يلوث الإنسان الهواء الذي يتنفسه والماء المخزون في جوف الأرض الذي يشربه.

تحدث القرآن عن فساد البر والبحر في وقت لم تكن حدود البر على مستوى الأرض جميعًا معروفة لدى السابقين، وكذلك حدود البحر؛ لذلك اختلف المفسرون في معنى البر والبحر، فقال ابن عباس: المراد بالبر هنا الفيافي، وبالبحر الأمصار والقرى، وفي رواية عنه: البحر الأمصار، والقرى ما كان منها على جانب نهر، وقال آخرون كما ذكر من قبل: بل المراد البر هو البر المعروف، والبحر هو البحر المعروف، وقال مجاهد: فساد البر *** ابن آدم، وفساد البحر أخذ السفينة غصبًا، وقال عطاء: المراد بالبر ما فيه من المدائن والقرى، وبالبحر جزائره.

وعن معنى ظهور الفساد ذكر المفسرون أنه عصيان الله في الأرض، وقالوا: قلة الغيث وغلاء السعر، وظهور الجدب في البوادي والقرى ومدن البحر، وقوله تعالى: ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ [الروم: 41]؛ أي: يَبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات؛ اختبارًا منه، ومجازاة على صنيعهم؛ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]؛ أي: يتوبون.

وظهور الفساد قد يشير إلى وجوده مستترًا مختفيًا، أو ظهوره علنًا، والأرض في أصلها خلقت صالحة، والإنسان هو الذي أحدث فيها الفساد، ونهانا رب العالمين عن الفساد في الأرض، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56]، سبحانه، سخَّر البر والبحر للإنسان، فلا شبهة إذًا في إيداع الفساد في البر والبحر.

وينص معنى ظهور الفساد لا عن فساد في الأصل، ولكن عن ظلم الإنسان، وظهور الفساد قد يأتي مفاجئًا، وقد يأتي متدرجًا، وقد يأتي متداخلاً وفقًا لدرجة إفساد الناس؛ فإلقاء النفايات الذرية في البحر ينتج عنه فساد أسرع وأخطر من إلقاء مخلفات مياه الصرف الصحي، وتسرُّب النفط في المياه يفسد الماء ويهلك الأحياء، والإفساد المتدرج - مثل التسرب طويل الأجل للمواد السامة إلى مياه الأنهار والمياه الجوفية، وما نُسميه الآن بتلوث البيئة - يمثل مرحلة من الفساد في البر والبحر.

وحينما يعم التلوث، ويصبح الصدر ضيقًا حرجًا، وحينما يصبح الماء لا يطفئ ظمأً؛ لأنه أصبح أجاجًا، وحينما تصبح مياه الأنهار قاتلة للأسماك، ومياه البحار مميتة لأحياء البحار لكثرة السموم بها - حينئذ لن يجد البشر سوى مصطلح ظهور الفساد، ولولا رحمة الله ما استطاع الناس العيش في ظل تلوث البيئة وفسادها من حولهم بسبب إفسادهم في البر والبحر، وسبحانه وتعالى رؤوف رحيم بعباده وبمخلوقاته؛ يقول - عز وجل -: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ﴾ [الكهف: 58].

لا يستوي إفساد البيئة مع إصلاحها؛ فالفساد تلوُّث ودمار، والمحافظة على البيئة أمنٌ وأمان وجمال، والإصلاح يعني المحافظة على البيئة مما أفسده الإنسان بصنيعه بكامل قواه العقلية، والقاعدة الأساسية في ذلك هي أن رب العاملين أودع في الأرض الصلاح، وأن الأرض والسموات مسخرة لصالح الإنسان، ولكن الإنسان الظلوم الجهول، أَلِفَ العادة ولم يطع أمر المنعم بسبب العُلُو والكِبْر والجهل، فضيَّع أمانة الاستخلاف في الأرض، فأفسد الهواء الذي يتنفسه، والماء الذي يشربه، والبحر المسخر لأجله، والنتيجة أن ظهر الفساد، وفي الآونة الأخيرة تيقَّن الجميع من ظهور الفساد، وأين ظهر الفساد؟ الإجابة التي لا يختلف عليها اثنان هي في البر والبحر معًا.

الإنسان وفساد البيئة إصلاحها:
ما السبب في ظهور تلوث البيئة اليوم؟ السبب الذي لا سبب غيرها الإنسان، فلم يعرف عن مخلوق غير الإنسان أنه السبب، حتى إبليس وجنوده من الشياطين قد يقدرون على فساد النفوس، ولكن ليس لهم القدرة الحقيقية على إحداث الفساد المادي في البر والبحر، فليس للشيطان قدرة على تغيير مناخ الأرض مباشرة، فالشيطان يزيِّن لأوليائه من الإنس تخريب الأرض وعناصرها اللازمة للحياة، ونحن نناقش الفساد المادي للأرض، إنما نعني ما يسمَّى بلغة اليوم "تلوُّث البيئة"، كان لزامًا علينا أن نشير إلى مضمون آيات القرآن التي تتحدث عن الفساد والصلاح، باعتبارهما ركنين متناظرين لقضية واحدة:
أولاً: وردت مادة كلمة الفساد في آيات القرآن نحو خمسين موضعًا، مشيرة إلى عدة معاني؛ منها: صفات المفسدين، ومنها: نزعتهم إلى الفساد وعدم الإصلاح، وأن الله لا يحبهم ويلعنهم، وأنهم مفسدون ولكن لا يشعرون، وأن الله عليم بهم، وأن عاقبتهم السوء، وأنهم لا يتساوون مع المصلحين، وأيضًا ترد مفردات الكلمة تنهى نهيًا قطعيًّا عن الإفساد في الأرض؛ كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 27].

• ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56].
• ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [القصص: 77].
• ﴿ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 74].
• ﴿ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 142].
• ﴿ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [هود: 85].
• ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].
• ﴿ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [العنكبوت: 36].
• ﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء: 151، 152].

وأرجى آية في كتاب الله تعبر عن حال البيئة اليوم وهي قوله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]؛ حيث يتضح من التدبر في الآية أربعة ملامح رئيسة:
أولاً: ظهور الفساد في البر والبحر: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [الروم: 41].
ثانيًا: سبب ظهور الفساد: الناس بما كسبت أيديهم: ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41].
ثالثًا: انعكاس آثار الفساد سلبا على الناس: ﴿ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾ [الروم: 41].
رابعًا: طريق الإصلاح والعودة إلى الله: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72].

وعن الصلاح نشير إلى بعض الآيات:
• ﴿ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105].
• ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117].
• ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81].
• ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 205].
• ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].
• ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60].

الإسراف أساس الداء:
ما أشد حاجة البشرية اليوم إلى تطبيق الأمر القرآني في قوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، ومع أن الرزاق قدر في الأرض أقواتها قبل أن يعمرها الإنسان بآلاف الملايين من السنين، إلا أن سَفَهَ الإنسان وعبثَه بتلك الأقوات بلغ حدًّا خطيرًا، فعلى الرغم من التقدم الحضاري، فإنه ما يزال نصف شعوب العالم يعاني خدمات مائية متدنية تقل في حوزتها عن المسموح بها، فهل تسعى الدول الغنية - بدلاً من الإنفاق العسكري المدمر - إلى توفير كوب من الماء النظيف لأكثر من بليون شخص لا يمكنهم الحصول على المياه النظيفة للشرب، ومساعدة 2،5 بليون من البشر لا تتوفر لهم خدمات الصرف الصحي، وإنقاذ ما بين 10 -20 ألف طفل تقريبًا بسبب الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه الملوثة.

وقد استعملت المياه عبر التاريخ كغايات عسكرية وسياسية، وكسلاح للحرب، فتنازعت دول كثيرة على تقسيم مياه الأنهار، ووصلت الدرجة إلى أنه في جنوب إفريقيا سنة 1990م قطع أحد المجالس البلدية الموالية للبيض الماء عن 5،000 مواطن أسود في مدينة وبستلون، وأوقف حلف شمال الأطلنطي إمدادات المياه في يوغوسلافيا سنة 1999م، وفجر الجسور فوق نهر الدانوب، وسرقت إسرائيل وخربت المياه الجوفية في فلسطين المحتلة، وزاد الفساد في الموارد المائية إلى الدرجة التي تجعل الحروب القادمة هي حروب على مصادر المياه في العالم.

الفساد وإهلاك الحرث والنسل:
يقول الحق - تبارك وتعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 204، 205].

ومن الأسف أن العالم مهدد اليوم بحروب بيولوجية، وأخرى كيميائية، وثالثة نووية، دمار شامل بما كسبت أيدي الناس، وظهرت في العالم ما يعرف بسياسة الأرض المحروقة من جراء الحرب الكيماوية ضد المحاصيل الزراعية، ونظرة على ما يدور في العالم تؤكد أن الكثير من الناس فقدوا أو كادوا يفقدون رشدهم، وهكذا يتحقق قول الحق - تبارك وتعالى -: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

هكذا تضع الآية علم البيئة في الميزان، واصفة مشكلات البيئة وصفًا معجزًا في أربعة محاور كما أسلفت من قبل:
أولاً: ظهور الفساد في البر والبحر هو ما نعبر عنه اليوم بالتلوث البيئي.
ثانيًا: المسبب لذلك التلوث هم الناس بما قدمت أيديهم.
ثالثًا: آثار ذلك الفساد وما يسببه من أذًى للناس يذوقونه يوميًّا.
رابعًا: علاج ذلك التلوث البيئي أن يقلع الناس عن الفساد ويعودون إلى ربهم.

أرض العرب دليل مناخ العالم:
نطرح سؤالين: الأول منهما نوجهه إلى علماء الجيولوجيا والجغرافيا: منذ متى نشأ علم البيئة القديمة وعلم الجغرافيا القديمة؟ وهل يوجد دورات مناخية مكررة عبر الزمن الماضي؟ والسؤال الثاني موجه لعلماء البيئة: ما هو تنبؤكم بمناخ العالم في المستقبل؟ وما وضع مناخ بلاد العرب في المستقبل؟

هنا فليُصغِ العلماء إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يحمل خبر بما كان، وأنبأ بما يكون، روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لن تقوم الساعة حتى تعود بلاد العرب مروجًا وأنهارًا)، ويتضمن الحديث حقيقة جيولوجية ونبوءة مناخية، أما الحقيقة فهي أن شبه الجزيرة العربية - (أرض العرب في الحديث) - كانت في الماضي أرضًا ذات مراع وغابات، تجري خلالها الأنهار، وتنتشر بها البِرَك والمستنقعات، والنبوءة أنها ستعود في المستقبل كما كانت.

والحقيقة أصبحت معلومة لدينا اليوم بعد تطور علم الجيولوجيا في القرن الثامن عشر، ويخبرك الجيولوجيون اليوم بمنتهى الثقة أن أرض منطقة المغارة - تقع جنوب مدينة العريش بستين كلم - كانت في العصري الجوراسي منذ حوالى.. مليون سنة تغطيها غابات وأشجار، وتشقها جداول الماء، وتنتشر فيها المستنقعات بدليل وجود رواسب الفحم الحجري الذي هو في الأصل نباتات قد طمرت في طين الأرض مدة ملايين السنين بعد موتها ودفنها، وهكذا كانت أرض العرب، فمن أدرى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بذلك، لا بد أنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، وقد دلت الآثار التي سجلها العلماء، وتحليل الصور الجوية - على وجود مجرى نهر قديم كبير يخترق شبه الجزيرة العربية من الغرب إلى الشرق، تشغل دلتاه دولة الكويت، وقد كشف عن قلعة تُعرف بـ"حصن الغراب" على مقربة من عدن، وعثر في أطلال القلعة على قطعة من الرخام نقش عليها التالي: "لقد قضينا دهورًا بين أفنية هذه القلعة في عيشة راضية، لا يشوبها ضيق أو عسر، وتحيط بنا مياه البحر في حالة طغيان المد، وأنهارها تفيض مندفعة غزيرة، وبين النخل الباسقات كان حارسها يغرس الرطب الجني على ضفاف الجداول الدافقة بالماء أو الجافة، وكنا نصيد صيد البر بالحبال والغاب، كما كنا نخرج الأسماك من أعماق البحار، وكنا نختال في مشيتنا، رافلين في ملابسنا الحريرية الموشاة عند أطرافها، وثياب سندسية خالصة، وأردية ملونة بخطوط خضراء، وكان الملوك الذين يحكموننا منزهين عن الدناءة، أشداءَ على أهل الخديعة والغدر، وقد اختاروا لنا شريعة مستمدة من ديانة هود، وكنا نؤمن بالمعجزات والبعث وإحياء الموتى".

وهنا ننتبه إلى أن من أُوتي جوامع الكلم - صلى الله عليه وسلم - لخص جيولوجية أرض العرب وآثرها في فترة مضت من الزمن الجيولوجي في كلمتين اثنتين (حتى تعود)؛ لأن الإعادة تقتضي أنها كانت، كما كشفت دراسات الآثار في منطقة سشعر في ظفار بمنطقة الربع الخالي عن وجود طريق للقوافل مدفون تحت رمال الكثبان الرملية، وكشفت الحفريات عند تقاطع طريق القوافل على مكمن مائي قديم، وكانت المفاجأة هي اكتشاف قلعة مثمنة الأضلاع، ذات أبراج وجدران شاهقة يصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار، وتضم عددًا من غرف التخزين، وأماكن السكنى، وظهرت مدينة أسطورية وصفها مكتشفوها بأن "ليس لها مثيل في البلاد"، وأسموها مدينة أوبار، وأيضًا اكتشفت قرية الفاو التي يرجع تاريخها إلى القرن الثاني الميلادي، فمن أخبر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بأن أرض العرب كانت مروجًا وأنهارًا، علمًا بأن علم الجيولوجيا لم تقم له قائمه إلا بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقرابة ألف عام.

استمطار السحب شرٌّ وبيلٌ:
قامت في أوائل الستينيات هيئة استشارية علمية جوية، عينتها الحكومة الأمريكية وتُدعى مشروع ستورم فيوري (Project storm fury)، بسلسلة من التجارب الجريئة، (أو ربما المتهورة الطائشة)، لتعديل طرق تكاثف المطر باستخدام تقنيات تلقيح السحب بهدف ترويض الأعاصير. استهدف مشروع ستورم فيوري تهدئة الإعصار، وإبطاء تطوره عبر رفع معدلات الأمطار في حزام المطر خارج عين الإعصار من خلال تلقيح السحب هناك، عبر نفث جسيمات يوديد الفضة بوساطة الطائرات؛ حيث تقوم هذه الجسيمات بدور النواة اللازمة لتشكيل الثلج من بخار الماء.

لقد كانت نتائج مشروع ستورم فيوري مبهمة غامضة في أحسن حالاتها، ويبدو لي أن الدول المتقدمة حينما تحاول إجراء مشاريع استمطار المطر في الدول النامية، إنما تحاول أن تتخذ من تلك البلدان حقلاً للتجارب فيما هو خطير، لمحاولة استخدام العواصف كأسلحة دمار شامل عن طريق التحكم في العواصف، وإذا كان من شأن التحكم في الأرصاد الجوية أن ينجح في نقطة ما في المستقبل، فسوف تظهر في الأفق مشكلات سياسية خطيرة، فماذا لو قادت هذه التدخلات إلى أن يدمر الإعصار أراضي دولة أخرى؟ ومع أنه تم تحريم استخدام التدخل في الظروف الجوية كسلاح، من خلال اتفاقية لهيئة الأمم المتحدة في أواخر السبعينيات، فإن بعض الدول يمكن أن يغريها هذا الموضوع.

وسوف أنتقل إلى مناقشة موضوع تلقيح السحب، بهدف إنزال المطر من تلك السحب reinforeing feed back process) Self) في ضوء آيات القرآن في النقاط التالية:
1- إنزال الماء من السماء نعمة عظيمة من نعم الله؛ حيث ينزل الماء طاهرًا طهورًا، مباركًا عذبًا فراتًا برحمة الله، ولو شاء لجعله ملحًا أُجاجًا بما كسبت أيدي الناس من ذنوب؛ يقول تعالى في سورة الواقعة:

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68 - 70].

2- تدخل الإنسان في إنزال المطر يؤدي إلى جعل الماء أجاجًا:
إن موضوع استمطار السحب عن طريق إضافة مواد كيميائية - مثل: يوديد الفضة أو غيرها - من شأنه أن يدخل في ماء المطر ما ليس منه، فتتغير صفات ومكونات الماء.

3- تزداد حمضية مياه الأمطار أضعافًا مضاعفة، قد تصل إلى مائة أو ألف أو عشرة آلاف ضعف، خاصة في الدول الصناعية، وتلعب غازات الانبعاث الحراري دورًا مهمًّا في أن يصبح الماء أجاجًا، وتشمل تلك الغازات ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الجو عند احتراق الوقود الحفري؛ كالفحم، والبترول، وكذلك غازات ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين، وتؤدي كثرة تلك الغازات في الجو بفعل الإنسان إلى ازدياد نسبة أحماض الكربونيك والكبريتيك والنيتريك في الجو؛ مما يجعل الأمطار حمضية، وتؤدي الأمطار الحمضية إلى *** الأشجار، وموت الأسماك في البحيرات والأنهار، وقلة المحاصيل الحقلية، وتآكل الأصباغ وحديد الكباري، كما تؤدي الأمطار الحمضية إلى زيادة معدل التجوية الكيميائية؛ مما يؤثر سلبًا على المنشآت والمباني، خاصة التي تُبنى بالأحجار الجيرية.

وتقدَّر تكاليف حماية البيئة من الأمطار الحمضية في الولايات المتحدة الأمريكية بعدة ملايين من الدولارات كلَّ عام.

4- تصريف الماء المنزل من السماء آية من آيات الله، ويَعجِز البشر عن إعادة توزيعه؛ يقول تعالى عن الماء المنزل من السماء:
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50].

5- ترجع أسباب العجز البشري عن تصريف الماء إلى سببين: أولاهما عجزهم عن تصرف الرياح، وثانيهما عجزهم عن خلق الظروف اللازمة لإنزال المطر، وتدبر معنى الآية التالية منتبهًا إلى أن تصريف الرياح والسحاب يتأثر بكل الآيات السابق ذكرها في نفس الآية؛ حيث يقول تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].

كما أن الإنسان يَعجِز عن تهيئة المراحل التي ينزل بها المطر من السماء؛ من جمع وتأليف وتراكم، وتشقق وتكوين الودق وجبال البرد، بل إن الإنسان مع تقدم العلوم اليوم لم يفهم جيدًا المحتوى العلمي لمفردات تلك الآية المعجزة:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 43].

6- إن العلاقة بين الرياح والسحاب والمطر علاقة معقدة تشمل عناصر لا يقدر على تشكيلها إلا الله، تتضمَّن:
1- إرسال الرياح: يرسل الله الرياح فتتحلَّل إلى مركبتين: أفقية تظهر السحاب، والأخرى تنشره أفقيًّا بهدف تكوين قطع من السحاب يخرج منها المطر؛ يقول تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الروم: 48].

2- إرسال الرياح المبشرات: تحمل تلك المبشرات سحابًا، وُصِف في القرآن بأنه ثقال، يسوقه الله إلى حيث يشاء، فينزل منه مطرًا تحيا به الأرض الميتة؛ يقول تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57].

3- أشياء موقوفة على الله وحده: من يبحث في فعل "يرسل" في القرآن، يجده يستعمل في أشياء موقوفة على الله تضم: ﴿ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ ﴾ [الروم: 46]، و﴿ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ... ﴾ [النمل: 63]، و﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ ﴾ [الروم: 46]، و﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ ﴾ [الروم: 48]، و﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ [هود: 52]، و﴿ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ ﴾ [الرعد: 13]، و﴿ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ﴾ [الإسراء: 68]، و﴿ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ ﴾ [الإسراء: 69]، و﴿ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [الكهف: 40]، و﴿ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى ﴾ [الزمر: 42]، و﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا ﴾ [الشورى: 51]، و﴿ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ ﴾ [الرحمن: 35]، و﴿ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ﴾ [الإسراء: 68].


رد مع اقتباس