عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-08-2014, 11:09 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وتحدث عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم منذ دخوله المدينة إلى وفاته, وبين فقه النبي صلى الله عليه وسلمفي إرساء دعائم المجتمع وتربيته ووسائله في بناء الدولة، ومحاربة أعدائها في الداخل والخارج، فيقف الباحث على فقه النبي صلى الله عليه وسلم في سياسة المجتمع ومعاهداته مع أهل الكتاب التي سجلت في الوثيقة, وحركته الجهادية، ومعالجته الاقتصادية والارتقاء بالمسلم نحو مفاهيم هذا الدين, الذي جاء لإنقاذ البشرية من دياجير الظلام، وعبادة الأوثان، وانحرافها عن شريعة الحكيم المتعال، وقد حاولت أن أعالج مشكلة اختزال السيرة النبوية في أذهان الكثير من أبناء الأمة، ففي العقود الماضية ظهرت دراسات رائعة في مجال السيرة النبوية، وكتب الله لها قبولاً وانتشارًا، كالرحيق المختوم، لصفي الدين المباركفوري، وفقه السيرة للغزالي، وفقه السيرة النبوية للبوطي، والسيرة النبوية لأبي الحسن الندوي، وكانت هذه الدراسات مختصرة، ولم تكن شاملة لأحداث السيرة، واعتمدت بعض الجامعات هذه الكتب، وظن بعض طلابها أن من استوعب هذه الكتب فقد أحاط بالسيرة النبوية، وهذا – في رأيي-خطأ فادح وخطير في حق السيرة النبوية المشرفة، وقد تسرب هذا الأمر إلى بعض أئمة المساجد وبعض قيادات الحركات الإسلامية، وانعكس ذلك على الأتباع فأحدث تصورًا ناقصًا للسيرة عند كثير من الناس، وقد حذر الشيخ محمد الغزالي من خطورة هذا التصور في نهاية كتابه فقه السيرة فقال: قد تظن أنك درست حياة محمد صلى الله عليه وسلم إذا تابعت تاريخه من المولد إلى الوفاة، وهذا خطأ بالغ. إنك لن تفقه السيرة حقًّا إلا إذا درست القرآن الكريم والسنة المطهرة، وبقدر ما تنال من ذلك، تكون صلتك بنبي الإسلام([1]).
ففي هذه الدراسة يجد القارئ تسليط الأضواء على البعد القرآني الذي له علاقة بالسيرة النبوية، كغزوة بدر، وأحد، والأحزاب، وبني النضير، وصلح الحديبية، وغزوة تبوك، فبيَّن الباحث الدروس والعبر، وسنن الله في النصر والهزيمة، وكيف عالج القرآن الكريم أمراض النفوس من خلال الأحداث والوقائع؟
إن السيرة النبوية تعطي كل جيل ما يفيده في مسيرة الحياة، وهي صالحةٌ لكل زمان ومكان ومُصلِحةٌ كذلك.
لقد عشت سنين من عمري في البحث في القرآن الكريم والسيرة النبوية, فكانت من أفضل أيام حياتي، فنسيت أثناء البحث غربتي وهجرتي، وتفاعلت مع الدرر والكنوز والنفائس الموجودة في بطون المراجع والمصادر، فعملت على جمعها وترتيبها وتنسيقها وتنظيمها حتى تكون في متناول أبناء أمتي العظيمة، وقد لاحظت التفاوت في ذكر الدروس والعبر والفوائد والأحداث بين كتاب السيرة قديما وحديثا، فأحيانًا يذكر ابن هشام ما لم يذكره الذهبي، ويذكر ابن كثير ما لم يذكره أصحاب السنن هذا قديما، أما حديثا فقد ذكر السباعي ما لم يذكره الغزالي، وذكر البوطي ما لم يذكره الغضبان، وهكذا.
ووجدت في التفسير، وشروح الحديث، كفتح الباري، وشرح النووي، وكتب الفقهاء ما لم يذكره كُتَّاب السيرة قديمًا ولا حديثًا؛ فأكرمني الله تعالى بجمع تلك الدروس والعبر والفوائد، ونظمتها في عقد جميل يسهل الاطلاع عليه، ويساعد القارئ على تناول تلك الثمار اليانعة بكل سهولة.
إن في هذا الكتاب حصيلة علمية وأفكار عملية جمعت من مئات المراجع والمصادر، وقد أثرى هذا الجهد بالحوار والنقاش والندوات، فأفاد بعضهم في الإشارة إلى بعض المراجع والمصادر النادرة وعمل على توفيرها، والبعض الآخر أرشد إلى ضرورة التركيز على السنن والقوانين التي تعامل معها النبي صلى الله عليه وسلم في حركته المباركة، كقانون الفرصة في فتح خيبر، وفتح مكة، وأشار البعض إلى أهمية ربط السيرة التاريخية بالسيرة السلوكية, والسيرة المعبر عنها بحديث شريف أو فعل نبوي والسيرة كما يقررها القرآن الكريم- ببعضها ومزجها في منهجية متناسقة- تمد أبناء الجيل بعلم غزير، وفقه عميق، وعاطفة جياشة، فهي غذاء للروح، وتثقيف للعقول وحياة للقلوب، وصفاء للنفوس.
إن السيرة النبوية غنية في كل جانب من الجوانب التي تحتاجها مسيرة الدعوة الإسلامية، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يلتحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك سوابق كثيرة لمن يريد أن يقتدي به في الدعوة والتربية والثقافة والتعليم والجهاد، وكافة شؤون الحياة، كما أن التعمق في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يساعد القارئ على التعرف على الرصيد الخلقي الكبير الذي تميز به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل البشر ويتعرف على صفاته الحميدة التي عاش بها في دنيا الناس فيرى من خلال سيرته مصداق قول حسان بن ثابت t عندما قال:
وأجمل منك لم تر قط عيني --- وأفضل منك لم تلد النساء



خُلقت مبرءا من كل عيبٍ --- كأنك قد خلقت كما تشاء




هذا ولا أدعي أني أتيت بما لم تستطعه الأوائل، فشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبير، وتوضيح بعض معالم سيرته يحتاج إلى نفس أرق، وفقه أدقّ وذكاء أكبر وإيمان أعمق، كما أنني لا أدعي لعملي هذا العصمة أو الكمال، فهذا شأن الرسل والأنبياء، ومن ظن أنه قد أحاط بالعلم فقد جهل نفسه، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)[الإسراء:85].
فالعلم بحر لا شاطئ له وما أصدق الشاعر إذ يقول:
وقل لمن يدّعي في العلم فلسفة --- حفظت شيئًا وغابت عنك أشياء




يقول الثعالبي: لا يكتب أحد كتابا فيبيت عنده ليلة إلا أحب في غيرها أن يزيد فيه أو ينقص منه، هذا في ليلة، فكيف في سنين معدودة؟
وقال العماد الأصبهاني: إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غده، لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر..
وأخيرًا أرجو من الله تعالى أن يكون عملاً لوجهه خالصًا, ولعباده نافعًا, وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكافة ما يملكون من أجل إتمام هذا الكتاب قال الشاعر:
أسير خلف ركاب القوم ذا عرج --- مؤملا جبر ما لاقيت من عوج



فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا --- فكم لرب السماء في الناس من فرج



وإن ظللت بقفر الأرض منقطعا --- فما على أعرج في ذاك من حرج




سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك

الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورضوانه


علي محمــــــد الصلابي


18رجب 1421هـ 16 أكتوبر 2000م


-----------------




([1]) انظر: فقه السيرة للغزالي، ص476.
__________________
رد مع اقتباس