عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 21-06-2015, 09:08 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

كيف يستقبل البغداديون شهر رمضان المبارك




مرشد الحيالي






رِفَ العراقيون عامَّة، والبغداديون خاصَّة بحسن استقبالهم لشهر رمضان الكريم، وشعورهم بلذَّة العبادة والطاعة في رمضان المبارك، فقد كانت المساجدُ تمتلئ برُوادها، شأنها شأن مساجد العالم الإسلامي والعربي، وخاصَّة في صلاة التراويح في شهر رمضان، ولهم من التقاليد والعادات عند الإفطار والسحور ما يتميَّزون به ربَّما عن تقاليد غيرهم، مما يدُلُّ على اعتزازهم بدينهم وإسلامهم، وفي الفترة الأخيرة وقبل الاحتلال أخذ الاستقبالُ والاستعداد لشهر رمضان طابعًا آخر، تميز بانتشارِ التعليم والوَعي الصَّحيح من خلال إلقاء الدروس والمحاضرات، وقيام دورات تحفيظ القرآن بين البنين والبنات، حتى أضحت المساجد في بغداد وفي عموم القطر منارات هدى تُضيء للناس طريقهم.


وإذا أطلَّ شهر رمضان، ترى أهل الإسلام يتسابقون إلى الصلاة في المساجد، وفي الساعات المتأخرة من الليل طوال الشهر الكريم، وتفتح المساجد أبوابَها طوال اليوم، وترى أهل الخير والمال والإحسان يتنافسون في إطعام الفُقراء والصائمين، وموائد الإفطار في المساجد يجتمع حولها الصائمون فرحين بفطرهم.
وبحلول 18 مارس من عام 2003 ودخول التتار الجدد - الأمريكان ومعهم غوغائية العصر الرافضة قبَّحهم الله - وبعد أنْ دنَّس الغزاة أديم أرض الرافدين وحولها إلى خراب، واغتصبت المساجد، وحُوِّلت إلى حسينيَّات، وأودع أئمتها غياهبَ السجون، و*** من ***، وأحرق من أحرق، ومنع الأذان من بقية المساجد - خاصة مساجد الرصافة تمامًا - أصبح العراقيون يعيشون واقعًا لم يتعودوا عليه في حياتهم، ولم يألفوه طوال عقود من الزمن.

ولم يصب العراقيون بفترة مثخنة بالجراحات والهموم والأحزان مثل تلك الفترة - اللهم إلا يوم سقوط بغداد بأيدي التتار عام 656هـ - فقد أغلقت المساجد أبوابها، وأصبحت تبكي وتَئِنُّ من ظلم من أحرقها وأغلقها، واتَّسخت بالسواد من نار الحرق والتدمير، وانتشرت عبارات السب والطَّعن لأصحاب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على جدرانها، اللهم إلا في بعض المناطق التي يقطنها السُّنة - وهي قليلة - ويكثرون فيها، وخاصَّة في مناطق الكرخ التي يوجد فيها فسحة من الأمل للصلاة في المساجد، مع شيء من الجراءة والتَّحدي.
أمَّا أحوالُ الصائمين في بيوتهم، فليس أحسن حالاً في مساجدهم، فأزمة الكهرباء في ظل الحر الشديد طوال الصيف؛ حيثُ يَجد الصائمون من المشقة والتعب في مقاومة الحر مع غياب وسائل التكييف المفقودة، ربَّما إلى جانب ذلك أزمة المياه الصالحة للشرب، والتي ربَّما لا تأتي لنصف أهالي بغداد، مع عدم صلاحيتها للشرب، مع أزمة الحصول على ما يكفي من الطعام والزاد في بلد يُعدُّ من أغنى بلاد العالم في مخزونه النفطي، إنَّها حقيقة مُرَّة، وكابوس مرعب، ذلك الحال الذي يعانيه الصائمون في العراق الجريح، ربَّما لا يشعر به إلاَّ أهل الإصابة والوجع، ويلقي عدة أسئلة: إلى متى هذا الحال المزري، والأمر المبكي؟!
صور مشرقة من أحوال الصائمين:
رغم الظروف المؤلمة التي يَمر بها أهل الإيمان في بغداد السَّلام في رمضان وغيره، فهناك بشائر من النَّصر والفرج في خضم تلك الظروف تلوح للنَّاظر تتمثل فيما يلي:
— الوعي الصحيح المبني على العقيدة السليمة، المتمثل في الفهم الصحيح للدين الإسلامي، وتصحيح الكثير من الأخطاء العقديَّة المتعلقة بالعقائد والعبادات وغيرها، والتبصر الحق بالإسلام، ومن خلال ما عايشه العراقيون من التَّجارب والظروف المرَّة، والمعرفة الحقة لسنن الله وقوانينه في خلقه وعباده، والتي علمتهم أنواعًا من الصبر والتحمُّل، وفقه معنى التوكل على الله، وأعطتهم فرقانًا ونورًا يميزون به بين الحق والباطل، وعرفتهم بدين الرافضة وما هم عليه من شرك ووثنية.
— التحدي والإصرار للالتزام بالدين، وفرائض الإسلام، وروح الاعتزاز بالدين رغم كلِّ ما يحيط من ظروف صعبة للغاية، فدويُّ الانفجارات والمفخَّخات التي تحصد أرواح العشرات يوميًّا، لا يهدأ له قرار، والخوف والرعب الذي يَملأ القلوب والصدور يسيطر على الصغير والكبير، والرجل والمرأة، ورغم ذلك ترى المساجد تكتظُّ في رمضان خاصَّة في المناطق الآمنة نسبيًّا، وإصرار الشباب على الذهاب للمساجد - خاصة في القرى والأرياف - ومن أماكن بعيدة ولو كلفهم أرواحهم، ألا يدُلُّ ذلك وحدَه على قوة العقيدة، والحب الصحيح لله ورسوله؟!
— العودة الحقَّة الصحيحة لله، ومن مُختلف الشرائح، والتضرُّع والبكاء الذي يقشعرُّ له الحجر والشجر، الصادر من أصوات المصلين في صلاة التراويح والوتر، وهم يسألون أن يرفع الله عنهم الغمة والبلاء، وأن ينصرهم الله على من ظلمهم، وناهيك من دعاء قد امتزج بدموع الخشوع والذل والاستكانة، والتضرع الحق ورُؤية البلاء، كيف تكون لذته وحلاوته؟! ثم التكاتف الاجتماعي في أعظم صوره، وأبهى أشكاله، من خلال الإعانة والمساعدة ورفع المظالم، ومن خلال جمعيَّات أهلية ومحلية يشرف عليها مَن تفضل الله عليه من أهل الغنى والميسرة، لإطعام الصَّائمين، والذي قَرَّب بين القلوب، وألَّف بين النُّفوس على اختلاف مشاربهم.
— أمَّا أهل الجهاد الحق، فعندهم من روح الاعتزاز بالدين، وحب الشهادة في سبيل الله، وبذل النفس رخيصة في جنب الله، رَغْمَ مشقة الصيام، وقلة الزاد، وفقدانه في بعض الأحيان - ما يجعلهم في سعادة غامرة وشوق عظيم للجنان، ومعانقة الحسان - الحور العين - رغم ما يُحيط بهم من ظروف، ويكتنفهم من مخاطر.

دروس مستفادة مما قدمناه:
هذا الوضع والحال مدعاة للمسلم في بلادٍ انتشر فيها الأمان والرَّخاء، وفَتَحت فيها المساجد أبوابَها للمصلين في رمضان وغيره - في ألاّ يُقصِّرَ في حقها، وأن يشمر عن ساعد الجد؛ للإكثار من الطاعة والبر والإحسان، وتلاوة القرآن، وقيام الليل، فإذا كان في بغداد مَن يقيم الليل ويتلو القرآن ويختمه مرارًا في الشهر الفضيل، مع وجود مثل تلك المخاطر، فلا يليق بمن أنعم الله عليه بنعمة الأمان والاستقرار - أنْ يقصر ويفتر، بل يحمد الله على نعمه، ويشكره على آلائه؛ قال الرسول: ((مثل المؤمنين في توادُّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))؛ (رواه النعمان بن بشير مسلم، المسند الصحيح، الصفحة أو الرقم: 2586).

— ومن هذا المنطلق ينبغي على المسلم وهو ينعم بنعمة الأمان، ويؤدي صلاةَ التراويح والقيام في المساجد، وربَّما في أطهر بقاع المعمورة - مكة والمدينة - وأن يأكل من لذيذ الطعام - ألا ينسى له إخوانًا وأحبابًا إلى قلبه ربَّما لا يُمكنهم الصلاة في المساجد، ولا يجدون ما يفطرون عليه - أنْ يدعو لهم بظهر الغيب، وخاصَّة في ظلمة الليل البهيم، وهو من شأنه أن يقوي الروابط الأخوية في نفوس أبناء الإسلام، وإنْ تباعدت بينهم الديار، وأن يزيد نبت روح التعاون والتآلُف؛ لكي يتحقق قوله - سبحانه -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
— ينبغي على المسلم أن يفقه سنن الله، وألا يأمنَ مَكْرَ الله، فما أصاب غيره يُمكن أن يصيبه، فعليه أن يدفع البلاء بأداء الفرائض - صيام الشهر الكريم - والانتهاء عما حرم الله، والاجتماع على الكلمة، وطاعة مَن ولاَّه الله أمر المسلمين في البلاد، وتجنب الخلاف والشقاق، الذي يعصف بالقلوب ويفرق بين الأمة.
— يستفاد مما قدمناه أنَّ الأمَّة بعد البلاء ربَّما تكون أحسن حالاً مما قبله؛ لما للبلاء من فوائد في التمحيص ورفع الدرجات، وزيادة الإيمان، وأن البلاء ليس شرًّا كله، وأن البلاء هو إمَّا لزيادة الإيمان، وابتلاء النفوس، وإما للعقوبة، وكلاهما وارد في مصيبة العراق.
يراجع كتاب "نازلة العراق"، لشيخنا فتحي سلطان، على أن الابتلاء أورث الكثير من أبنائه الصبر والطاعة والجهاد، بل والشكر والتوكل وغيره من مقامات الإيمان والإحسان؛ قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، على أن رمضان يذكر الأمة بروح النَّصر والاستعلاء على شهواتها في كثير من المواقف والمحن، التي مرت بها على امتداد تاريخها الطويل، والله المستعان.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرفع عن أهل العراق وأمة الإسلام ما نزل بهم من ضُرٍّ وبلاء، وأن يدفع عنهم كيد الحاقدين، وظلم الظالمين، وأن يعيد له أمنه واستقراره المفقود، وأن يجعل حلول شهر رمضان سببًا لعودة الأمة إلى دينها عَودًا حميدًا.









رد مع اقتباس