عرض مشاركة واحدة
  #37  
قديم 16-09-2014, 12:37 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيًا: بدء الدعوة السرية:
بعد نزول آيات المدثر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله وإلى الإسلام سرًّا، وكان طبيعيًا أن يبدأ بأهل بيته، وأصدقائه، وأقرب الناس إليه.
1- إسلام السيدة خديجة رضي الله عنها:
كان أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من النساء، بل أول من آمن به على الإطلاق السيدة خديجة رضي الله عنها، فكانت أول من استمع إلى الوحي الإلهي من فم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكانت أول من تلا القرآن بعد أن سمعته من صوت الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وكانت كذلك أول من تعلم الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيتها هو أول مكان تُلي فيه أول وحي نزل به جبريل على قلب المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم بعد غار حراء([1]).
كان أول شيء فرضه الله من الشرائع بعد الإقرار بالتوحيد إقامة الصلاة، وقد جاء في الأخبار حديث تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم زوجه خديجة الوضوء والصلاة, حين افترضت على رسول الله؛ أتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين, فتوضأ جبريل عليه السلام, والرسول ينظر ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ، ثم قام جبريل عليه السلام فصلى به وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بصلاته، ثم انصرف جبريل عليه السلام فجاء رسول الله خديجة فتوضأ لها, يريها كيف الطهور للصلاة، كما أراه جبريل عليه السلام، فتوضأت كما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صلى به جبريل عليه السلام([2]).
2- إسلام علي بن أبي طالب t:
وبعد إيمان السيدة خديجة دخل علي بن أبي طالب في الإسلام، وكان أول من آمن من الصبيان، وكانت سنه إذ ذاك عشر سنين على أرجح الأقوال، وهو قول الطبري وابن إسحاق([3])، وقد أنعم الله عليه بأن جعله يتربى في حجر رسوله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام, حيث أخذه من عمه أبي طالب وضمه إليه.([4]) وكان علي t ثالث من أقام الصلاة بعد رسول الله وبعد خديجة رضي الله عنها([5]).
وقد ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيًا من أبيه، ومن جميع أعمامه, وسائر قومه, فيصليان الصلوات فيها, فإذا أمسيا رجعا, ليضمهما ذلك البيت الطاهر التقي بالإيمان, المفعم بصدق الوفاء وكرم المنبت([6]).
3- إسلام زيد بن حارثة t:
هو أول من آمن بالدعوة من الموالي([7]) حِبّ النبي صلى الله عليه وسلم ومولاه، ومُتَبنَّاه: زيد بن حارثة الكلبي, الذي آثر رسولَ الله على والده وأهله، عندما جاءوا إلى مكة لشرائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فترك رسول الله الأمر لحارثة فقال زيد لرسول الله: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، وأنت مني بمنزلة الأب والعم، فقال له والده وعمه: ويحك تختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم، وإني رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا([8]).
4- إسلام بنات النبي صلى الله عليه وسلم:
وكذلك سارع إلى الإسلام بنات النبي صلى الله عليه وسلم، كل من زينب، وأم كلثوم، وفاطمة ورقية، فقد تأثرن قبل البعثة بوالدهن صلى الله عليه وسلم في الاستقامة وحسن السيرة، والتنزه عما كان يفعله أهل الجاهلية، من عبادة الأصنام والوقوع في الآثام، وقد تأثرن بوالدتهن، فأسرعن إلى الإيمان([9])، وبذلك أصبح بيت النبي صلى الله عليه وسلم أول أسرة مؤمنة بالله تعالى منقادة لشرعه في الإسلام، ولهذا البيت النبوي الأول مكانة عظمى في تاريخ الدعوة الإسلامية, لما حباه الله به من مزايا وخصه بشرف الأسبقية في الإيمان وتلاوة القرآن وإقام الصلاة فهو:
أول مكان تُلي فيه وحي السماء بعد غار حراء.
وهو أول بيت ضم المؤمنة الأولى سابقة السبق إلى الإسلام.
وهو أول بيت أقيمت فيه الصلاة.
وهو أول بيت اجتمع فيه المؤمنون الثلاثة السابقون إلى الإسلام، خديجة وعلي وزيد بن حارثة.
وهو أول بيت تعهد بالنصرة، ولم يتقاعس فيه فرد من أفراده كبارا أو صغارا عن مساندة الدعوة([10]).
يحق لهذا البيت أن يكون قدوة، ويحق لربته أن تكون مثالاً ونموذجًا حيًّا لبيوت المسلمين ولنسائهم ورجال المؤمنين كافة، فالزوجة فيه طاهرة مؤمنة, مخلصة, وزيرة الصدق والأمان، وابن العم المحضون والمكفول, مستجيب ومعضد ورفيق، والمتبنى مؤمن صادق مساعد ومعين، والبنات مصدقات مستجيبات مؤمنات ممتثلات([11]).
وهكذا كان للبيت النبوي مكانته الأولى, والواجب يدعو إلى أن يكون قدوتنا والأنموذج الذي نسير على هديه في المعاشرة, ومثالية السلوك بالصدق والتصديق، في الاستجابة والعمل لكل من آمن بالله ربًّا وبمحمد نبيًّا ورسولاً([12]).
إن الحقيقة البارزة في المنهج الرباني تشير إلى أهمية بناء الفرد الصالح والأسرة الصالحة، كأول حلقة من حلقات الإصلاح، والبناء، ثم المجتمع الصالح، ولقد تجلت عناية الإسلام بالفرد المسلم وتكوينه ووجوب أن يسبق أي عمل آخر، فالفرد المسلم هو حجر الزاوية في أي بناء اجتماعي, ولما كانت الأسرة التي تستقبل الفرد منذ ولادته وتستمر معه مدة طويلة من حياته، بل هي التي تحيط به طوال حياته، فهي المحضن المتقدم الذي تتحدد به معالم الشخصية وخصائصها وصفاتها، كما أنها الوسيط بين الفرد والمجتمع، فإذا كان هذا الوسط سليمًا قويًّا أمد طرفيه -الفرد والمجتمع- بالسلامة والقوة([13]).
ولهذا اهتم الإسلام بالأسرة واتجه إليها, يضع لها الأسس التي تكفل قيامها ونموها نموًّا سليمًا، ويوجهها الوجهة الربانية لتكون حلقة قوية في بناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية التي تسعى لصناعة الحضارة الربانية في دنيا الناس([14]).
__________________
رد مع اقتباس