عرض مشاركة واحدة
  #163  
قديم 07-01-2015, 09:54 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خامسًا: محاولة المنافقين الطعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلمبالافتراء على عائشة- رضي الله عنها - بما يعرف بحديث الإفك:
حاك المنافقون في هذه الغزوة حادثة الإفك، بعد أن فشل كيدهم في المحاولة الأولى لإثارة النعرة الجاهلية، فقد ألمت بالبيت النبوي هذه النازلة الشديدة والمحنة العظيمة التي كان القصد منها النيل من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيته الأطهار. هذا وقد أجمع أهل المغازي والسير([1]) على أن حادثة الإفك كانت في أعقاب غزوة بني المصطلق، وتابعهم في ذلك المفسرون([2])، والمحدثون([3]).
وقد أخرج البخاري ومسلم حديث الإفك في صحيحيهما، وهذا سياق القصة من صحيح البخاري: قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه, فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها([4]) فخرج سهمي, فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي([5]) وأنزل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك, وقفل ودنونا من المدينة قافلين، آذن ليلة بالرحيل, فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش, فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جَزْعِ ظَفَارٍ([6]) قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط([7]) الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلهن اللحم, إنما نأكل العُلقة([8]) من الطعام, فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السنة فبعثوا الجمل، وساروا, فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داعٍ ولا مجيب, فأقمت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليَّ، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي([9]) ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج([10]) فأصبح عند منزلي, فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه([11]) حين عرفني, فخمرت([12]) وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه, حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها, فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين([13]) في نحر الظهيرة([14]), فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول.
1- انتشار الدعاية بالمدينة:
وقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرًا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك, وهو يريبني([15]) إني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: «كيف تيكم؟»([16]) ثم ينصرف, وذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت, فخرجت معي أم مسطح قِبَل المناصع([17]), وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف([18]) قريبًا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رُهم بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة([19]), فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا, فعثرت أم مسطح في مرطها([20]), فقالت: تعس مسطح, فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرًا؟ قالت: أي هنتاه([21]) أَوَ لَمْ تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بخبر أهل الإفك فازددت مرضًا على مرضي, قالت: فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -تعني فسلَّم- ثم قال: «كيف تيكم؟» فقلت: أتأذن لي أن آتي أبويَّ؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قِبلهما، قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجئت أبويَّ فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة([22]) عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها([23]), قالت: فقلت: سبحان الله لقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع([24]) ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي.
2- استشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه عند تأخر نزول الوحي:
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث([25]) الوحي يستأمرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود, فقال: يا رسول الله أهلك وما نعلم إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟» قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرًا أَغْمصه([26]) عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها, فتأتي الداجن([27]) فتأكله. فقام رسول الله فاستعذر([28]) يومئذ من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلاً([29]) ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
3- آثار فتنة الإفك:
قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج -وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا ولكن احتملته الحمية([30])- فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا ت***ه ولا تقدر على ***ه، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة: لن***نه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان([31]) الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت.
قالت: فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، قالت: فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويومًا، لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع, يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليَّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي، قالت: فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها.
4- مفاتحة الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة وجوابها له:
وقد لبث الوحي شهرًا([32]) لا يوحى إليه في شأني قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: «أما بعد: يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ([33]) , فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه» فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قَلُصَ([34]) دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن: إني والله لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت إني بريئة، والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني منه بريئة لتصدقن، والله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف([35]) قال: ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )[يوسف: 18]. قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزلٌ في شأني وحيًا يتلى, ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.
5- نزول الوحي ببراءة عائشة:
قالت: فوالله ما رام([36]) رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البُرحَاء([37]) حتى أنه ليتحدر منه مثل الجُمَان([38]) من العرق، وهو في يوم شات من ثقل القول الذي يَنْزِل عليه.
قالت: فلما سُرِّي([39]) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُري عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: «يا عائشةُ، أما الله عز وجل فقد برأك» فقالت أمي: قومي إليه، قالت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل. وأنزل الله: ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ` لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ` لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ` وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ` إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ ` وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ` يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ ` وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ` إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ` وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )[النور: 11-20].
6- موقف أبي بكر الصديق ممن تكلم في عائشة رضي الله عنها:
فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق t -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله ( وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[النور: 22].
قال أبو بكر: بلى، والله إني أحب أن يغفر الله لي، فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش([40]) عن أمري فقال: يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي([41]) سمعي وبصري، وما علمت إلا خيرًا، قالت: وهي التي كانت تساميني([42]) من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعصمها الله([43]) بالورع([44]) وطفقت([45]) أختها حمنة([46]) تحارب لها, فهلكت ممن هلك من أصحاب الإفك([47]).
كانت قصة الإفك حلقة من سلسلة فنون الإيذاء والمحن التي لقيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعداء الدين، وكان من لطف الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين أن كشف الله زيفها وبطلانها، وسجل التاريخ بروايات صحيحة مواقف المؤمنين من هذه الفرية, لا سيما موقف أبي أيوب وأم أيوب، وهي مواقف يتأسى بها المؤمنون عندما تعرض لهم في حياتهم مثل هذه الفرية، فقد انقطع الوحي، وبقيت الدروس لتكون عبرة وعظة للأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها([48]).
__________________
رد مع اقتباس