عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25-05-2015, 08:54 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

حاسة السمع بين القرآن الكريم والعلم الحديث(2)
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اهتم القرآن الكريم كثيرًا بالسمع وقدَّمه على باقي الحواس، وامتنَّ به على الإنسان، وفيما يلي بعض مظاهر الاهتمام وملامح الإعجاز في القرآن الكريم والسُّنة المطهرة.

معنى السمع في القرآن الكريم:
تتضمَّن كلمة السمع في القرآن مدًى واسعًا من المعاني كما يلي:
1 - الإحساس المجرد بالصوت بلا فَهمٍ؛ كقوله تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171].

2- الإحساس بالصوت مع الفَهم؛ كما في قوله جل وعلا:
﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75].

3- الإحساس بالصوت مع الفهم، بالإضافة إلى الاقتناع والإيمان والطاعة:
﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [الأنعام: 36].
﴿ وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [الروم: 53].

وهذه المعاني الثلاثة لكلمة السمع تتوافق مع ما هو معروف في علم وظائف الأعضاء من مراحل التعرف على الصوت، والتي تتضمن الإحساس sound perception والتمييزsound discrimination، ثم الوظائف العليا الأخرى للمخ، والتي تتضمن العواطف والإرادة والتصرفات.

كما فرَّق القرآن الكريم بين السمع والاستماع والإنصات، فالسماع قد يكون بقصد أو بدون قصدٍ، أما الاستماع، فهو قصد السماع بُغية فَهْم المسموع أو الاستفادة منه، وأما الإنصات فهو السكوت والسكون، وترْك الأشغال بقصد الاستماع؛ قال تعالى:
﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].

السمع في الآخرة:
يعد سماع التسليم والتحية من أفضل نعيم المؤمنين؛ كقول الله تعالى:
﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 24 - 26].

وكما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نعيم أهل الجنة فيما يرويه عن ربه عز وجل:
((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ، ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]))[1].

بينما يُعد الحرمان من السمع من أنواع العذاب المعدة للكافرين؛ كما في قول الله تعالى:
﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 100].

أهمية السمع:
ذكر القرآن الكريم وسائل العلم والمعرفة، فجعل في مقدمتها السمع، ثم البصر، ثم العقل:
﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].

وقد ورد ذكر كلمة (سمع) ومشتقاتها مائة وخمسة وثمانين مرة في القرآن الكريم، وقد تكرَّر تقديم السمع على البصر في جميع الآيات التي تتحدث عن خلق الإنسان، بل اكتفت بعض الآيات بذكر السمع والعقل عند الحديث عن وسائل الهداية؛ مثل قوله تعالى:
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44].

واكتفى البعض الآخر من الآيات بذكر السمع فقط؛ كقوله جل وعلا:
﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [الأنعام: 36].


وقد امتنَّ الله تبارك وتعالى على عباده بنعمة السمع بعد نعمة الخلق؛ لعلهم يشكرون نعمة ربهم، ولا يكفرونها.
﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الملك: 23].

وهذا التقديم لذكر السمع على بقية الحواس له دلالته، ولا شك في كتاب الله، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقدِّم ما قدَّم الله ذكره في كتابه، فبدأ في سعيه بين الصفا والمروة بالصفا قائلاً: ((أبدأ بما بدأ الله به))[2].

ولعل تقديم ذكر السمع على البصر؛ لكونه أهم منه في عملية التعلم، وكم رأينا من كفيف وصل إلى أعلى مراتب العلم، أما من ولد أصَمَّ لا يسمع، فإنه لا يتعلم الكلام، ومِن ثَمَّ لا يكـاد يتعلم شيئًا يُذكر.

ومن أجل أهمية السمع كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بالمعافاة في بدنه وسمعه وبصره عند نومه واستيقاظه، فعن عبدالرحمن بن أُبَيّ أنه قال لأبيه: "يا أبت، إني أسمعك تدعو كل غداة: اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت، تعيدها ثلاثًا حين تصبح، وثلاثًا حين تمسي، فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو بهن، فأنا أحب أن أستنَّ بسنت"[3].

كذلك كان من دعائه-صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم متِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوَّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منَّا))[4].

ومع كون المعافاة في البدن تتضمَّن المعافاة في السمع والبصر، إلا أن تخصيص السمع والبصر بالذكر بعد التعميم، يدل على الأهمية الزائدة لهاتين الحاستين.

ولعلنا نفهم من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (و اجعله الوارث منا)، إشارة إلى أن بعض الناس يصابون بضعف السمع نتيجة التقدم في السن، الأمر الذي أشار إليه قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ [يس: 68].

والمعروف علميًّا أنه يحدث ضَعف سمع عصبي مضطرد متماثل في كلتي الأذنين في بعض الناس فوق سن 60 سنة، وهذا الضعف يحدث في أكثر من ثلث البشر فوق 75 سنة.

ولذلك دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الله أن يحفظ عليه سمعه وبصره ويُمتعه بهما؛ حتى يكون هو الوارث منه؛ أي: ألا يفقد حواسه قبل موته، بل يموت وهو مكتمل لجميع الحواس.



يتبع
رد مع اقتباس