عرض مشاركة واحدة
  #35  
قديم 30-12-2009, 02:49 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

بر الوالدين
من مبادئ الإسلام السامية «مبادلة الإحسان بالإحسان» قال الله تعالى ( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ ) ([183])
انطلاقاً من هذا المبدأ الكريم حثت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الأولاد على الوفاء لوالديهم والاعتراف بفضلهم والبر بهم ورغبت في ذلك.
وبر الوالدين معناه التوسع في الإحسان إليهما وذلك بطاعتهما وإكرامهما والتواضع لهما والشفقة عليهما والتلطف بهما بأن يقول لهما قولاً حسناً وكلاماً طيباً مقروناً بالاحترام والتعظيم.
فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما قالت: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه شيخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {من معك؟ فقال: أبي، قال: لا تمش أمامه، ولا تقعد قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تستسب له ([184])} ([185])
وقد قرن الله سبحانه برَّ الوالدين بعبادته لبيان حقهما على الولد إذ أنهما السبب الظاهر لوجوده في الحياة الدنيا قال الله تعالى: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ([186]) وقال تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ([187]) .
كما قرن سبحانه شكرهما بشكره فقال : ( أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )([188]) .
وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه قال: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تُقْبَل منها واحدة بغير قرينتها؛
إحداها: قوله تعالى ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ س) ([189]) فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
الثانية : قوله تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) ([190]) فمن صلى ولم يزَّكِ لم يقبل منه.
الثالثة: قوله تعالى ( أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ) ([191]) فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه ([192])
والحق تبارك وتعالى أمر الأولاد بالبر بوالديهم، والرفق بهم، وخفض الجناح لهم، ولين القول والمؤانسة، والرحمة والملاطفة، والدعاء لهم والصدقة عنهم، وهذه آيات الإسراء تحدد النهج الذي يجب اتباعه في معاملة الوالدين ومعاشرتهما والتوصية بهما وخصوصاً حين يضعفان ويمرضان ويكبران ويحتاجان إلى العناية والخدمة.
  • يقول تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ) ([193])
فلو تدبر الأولاد هذه الآيات المحكمات وفهموا معانيها وعلموا أنهم سيجزون في كبرهم بما جازوا به آباءهم وأمهاتهم لما عقوهم ونهروهم.
والحياة دين ووفاء فمن برَّ والديه برّه أبناؤه قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : {عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلاً فليقبل ذلك محقاً كان أو مبطلاً، فإن لم يفعل لم يرد عليّ الحوض}([194])
واعلموا أيها الأبناء أن الله قد جعل لكل من الوالدين باباً من الجنة يتفتّح بالخير على الولد كلما خرج يسعى لهما، وتنـزل عليه رحمة الله ما دام حريصاً على إرضائهما، فإن أغضب أحدهما غضب الله عليه وأغلق دونه باب الخير وإن كان الولد مظلوماً ([195])
روى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتبساً إلا فتح الله له باببين من الجنة وإن كان واحد فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه، قيل: وإن ظلماه، قال: وإن ظلماه}([196])

برّ الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله
برّ الوالدين فرض عين على أولادهما، والجهاد فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين- إلا إذا غزى العدو بلاد المسلمين واغتصب أرضهم فإنه يصبح فرض عين، وفي هذه الحالة لا يجب على الولد أن يستأذنهما .
وفرض العين مقدم على الكفاية لذا قُدِّم برّ الوالدين على الجهاد، والأحاديث في ذلك كثيرة تذكر منها:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: {أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد} ([197])
فمع عظم فضل الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة فقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم برّ الوالدين وطاعتهما عليه حيث قال للرجل {ففيهما فجاهد} أي ابذل غاية جهدك في خدمتهما، واعمل أقصى ما تستطيع لإرضائهما.
وعنه رضي الله عنه قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال –أي النبي صلى الله عليه وسلم: {فهل من والديك أحد حيّ؟ قال –أي الرجل-: نعم، بل كلاهما. قال: أفتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما} ([198])
ما أحسن قول النبي صلى الله عليه وسلم {فأحسن صحبتهما}! ففيه حث على برهما وطاعتهما والتلطف بهما وخفض الجناح لهما وهذا يعدل أجر المجاهد في سبيل الله.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليمن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : {هجرت الشرك ولكنه الجهاد، هل باليمن أبواك؟ قال: نعم، قال: أذنا لك؟ قال: لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى أبويك فإن فعلا و إلا فبرهما} ([199]) .
ومقتضى هذا الحديث أنه لا يجوز للأبناء أن يخرجوا للجهاد ولا للسفر ولا لغيرهما إلا بإذن الآباء والأمهات.
وهنا نوجه دعوة للشباب الذين غُرِّر بهم وخُشِيت عقولهم بآراء منحرفة، وأفكار غريبة ، أن يقرءوا هذا الحديث ويعملوا به ويستأذنوا آباءهم وأمهاتهم قبل أن يخرجوا من بيوتهم لارتكاب أعمال التخريب والتفجير التي روّعت الآمنين وأفزعت المواطنين والمقيمين، وأزهقت أرواحاً، وأراقت دماء، وأهدرت أموالاً، وخربت دياراً.
فإن آباءهم سوف يبينون لهم الطريق ويهدونهم سواء السبيل، ويوضحون لهم الحق من الباطل، ويأخذون على أيديهم حماية لأنفسهم أولاً ثم لوطنهم ثانياً.
فأول ذنب ارتكبه هؤلاء هو عقوق الوالدين، والعاق في النار، فعن عليَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {من أحزن والديه فقد عقها} ([200])
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {بكاء الوالدين من العقوق} ([201]) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة؛ مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يُقرّ الخبث في أهله} ([202])
وإذا كانت الجنة محرمة عليه فإن النار هي مصيره وبئس المصير.
__________________
رد مع اقتباس