عرض مشاركة واحدة
  #73  
قديم 26-09-2014, 03:44 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيًا: المفاوضات مع بني عامر:
اختار الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجري مفاوضات مع بني عامر قامت تلك المفاوضات على دراسة وتخطيط، فالرسول وصاحبه أبو بكر كانا يعلمان أن بني عامر قبيلة مقاتلة كبيرة العدد وعزيزة الجانب، بل هي من القبائل الخمس التي لم يمسها سباء ولم تتبع لملك ولم تؤد إتاوة([10]) مثلها مثل قريش وخزاعة([11]) كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن هنالك تضادًا قديمًا بين بني عامر وثقيف، فإذا كانت ثقيف امتنعت عليه من الداخل فلماذا لا يحاول أيضا تطويقها من الخارج، والاستفادة في من بني عامر بن صعصعة، فإذا استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرم حلفًا مع بني عامر فإن موقف ثقيف سيكون على حافة الخطر([12]) يذكر أصحاب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أتى بني عامر بن صعصعة، فدعا إلى الله, وعرض عليهم نفسه، قال له رجل منهم يقال له بَيْحَرة بن فِراس: «والله لو أني أخذت هذا الفتى لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: «الأمر لله يضعه حيث يشاء» قال: فقال له: أَفَنُهدفُ نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمير لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه ([13]).
ثالثًا: المفاوضات مع بني شيبان:
ففي رواية علي بن أبي طالب t قال: لما أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه.. إلى أن قال: ثم دفعنا إلى مجلس آخر, عليه السكينة والوقار فتقدم أبو بكر فسلم فقال: من القوم؟ قالوا: شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بأبي وأمي, هؤلاء غُرَر الناس, وفيهم مفروق قد غلبهم لسانًا وجمالاً، وكانت له غديرتان تسقطان على تريبتيه، وكان أدنى القوم مجلسًا من أبي بكر، فقال أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لا نزيد على الألف ولن تغلب ألف من قلة، فقال أبو بكر: وكيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضبًا حين نلقى. وأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد, والسلاح على اللقاح, والنصر من عند الله يديلنا مرة, ويديل علينا أخرى, لعلك أخو قريش؟ فقال أبو بكر: إن كان بلغكم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فها هو ذا، فقال مفروق: إلام تدعونا يا أخا قريش؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني عبد الله ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشًا قد تظاهرت على الله، وكذبت رسوله، واستغنت بالباطل عنالحق، والله هو الغني الحميد» فقال مفروق، وإلام تدعو أيضًا يا أخا قريش؟ فوالله ما سمعت كلامًا أحسن من هذا, فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )[الأنعام:151].
فقال مفروق: دعوت والله إلى مكارم الأخلاق, ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك, وظاهروا عليك، ثم رد الأمر إلى هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا, وصاحب ديننا, فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش, وإني أرى تركنا ديننا, واتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا, لا أول له ولا آخر لذل في الرأي, وقلة نظر في العاقبة أن الزلة مع العجلة، وإنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقدًا، ولكن نرجع وترجع, وننظر, ثم كأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى –وأسلم بعد ذلك–: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش, والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة, في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك وإنا إنما نزلنا بين صَرَيَين أحدهما اليمامة والآخر السَّمامة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذان الصريان» قال: أنهار كسرى, ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى, فذنب صاحبه غير مغفور, وعذره غير مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى, أن لا نحدث حدثًا ولا نؤوي محدثًا, وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكره الملوك, فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب, فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم ويفرشكم نساءهم، أتسبحون الله وتقدسونه؟» فقال النعمان بن شريك: اللهم فلك ذاك([14]).
رابعًا: فوائد ودروس وعبر:
كانت النصرة التي طلبها النبي صلى الله عليه وسلم ذات صفة مخصوصة، وذلك على النحو التالي:
1- كان طلب الرسول صلى الله عليه وسلم للنصرة من خارج مكة إنما بدأ ينشط بشكل ملحوظ بعد أن اشتد الأذى عليه, عقب وفاة عمه أبي طالب, الذي كان يحميه من قريش؛ وذلك لأن من يحمل الدعوة لن يستطيع أن يتحرك التحرك الفعّال والنشاط في حمل الدعوة، وتوفير الاستجابة لها، في جو من ال***، والضعف والإرهاب.
2- كان عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل يطلب منهم النصرة، إنما هو بأمر من الله عز وجل له في ذلك، وليس مجرد اجتهاد من قبل نفسه, اقتضته الظروف التي وصلت إليها الدعوة.
3- حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب النصرة بزعماء القبائل، وذوي الشرف والمكانة ممن لهم أتباع يسمعون لهم، ويطيعون؛ لأن هؤلاء هم القادرون على توفير الحماية للدعوة وصاحبها.
5- رفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي القوى المستعدة لتقديم نصرتها أي ضمانات بأن يكون لأشخاصهم شيء من الحكم والسلطان, على سبيل الثمن، أو المكافأة لما يقدمون من نصرة, وتأييد للدعوة الإسلامية؛ وذلك لأن الدعوة الإسلامية إنما هي دعوة إلى الله، فالشرط الأساسي فيمن يؤمن بها, ويستعد لنصرتها أن يكون الإخلاص لله، ونشدان رضاه، هما الغاية التي يسعى إليها من النصرة والتضحية، وليس طمعًا في نفوذ أو رغبة في سلطان، وذلك لأن الغاية التي يضعها الإنسان للشيء، هي التي تكيف نشاط الإنسان في السعي إليه، فلا بد إذن من أن تتجرد الغاية المستهدفة من وراء نصرة الدعوة، عن أي مصلحة مادية لضمان دوام التأييد لها، وضمان المحافظة عليها من أي انحراف، وضمان أقصى ما يمكن من بذل الدعم لها، وتقديم التضحيات في سبيلها([15]) فيجب على كل من يريد أن يلتزم بالجماعة التي تدعو إلى الله، ألا يشترط عليها منصبًا أو عرضًا من أعراض الدنيا؛ لأن هذه الدعوة لله، والأمر لله يضعه حيث يشاء، والداخل في أمر الدعوة إنما يريد ابتداء وجه الله، والعمل من أجل رفع رايته، أما إذا كان المنصب هو همه الشاغل، فهذه علامة خطيرة تنبئ عن دخن في نية صاحبه([16]) لذا قال يحيى بن معاذ الرازي: «لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة»([17]).
5- ومن صفة النصرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبها لدعوته من زعماء القبائل, أن يكون أهل النصرة غير مرتبطين بمعاهدات دولية, تتناقض مع الدعوة, ولا يستطيعون التحرر منها، وذلك لأن احتضانهم للدعوة والحالة هذه, يعرضها لخطر القضاء عليها من قبل الدول التي بينهم وبينها تلك المعاهدات، والتي تجد في الدعوة الإسلامية خطرًا عليها وتهديدًا لمصالحها([18]).
إن الحماية المشروطة أو الجزئية لا تحقق الهدف المقصود فلن يخوض بنو شيبان حربًا ضد كسرى لو أراد القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمه، ولن يخوضوا حربًا ضد كسرى، لو أراد مهاجمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وبذلك فشلت المباحثات([19]).
6- «إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه» كان هذا الرد من النبي صلى الله عليه وسلم على المثنى بن حارثة حين عرض على النبي صلى الله عليه وسلم حمايته على مياه العرب دون مياه الفرس، فمن يسبر أغوار السياسة البعيدة, يرَ بُعد النظر الإسلامي النبوي الذي لا يسامى([20]).
7- كان موقف بني شيبان يتسم بالإريحية والخلق والرجولة، وينم عن تعظيم هذا النبي، وعن وضوح في العرض، وتحديد مدى قدرة الحماية التي يملكونها، وقد بينوا أن أمر الدعوة مما تكرهه الملوك، وقدر الله لشيبان بعد عشر سنين أو يزيد, أن تحمل هي ابتداء عبء مواجهة الملوك بعد أن أشرق قلبها بنور الإسلام، وكان المثنى بن حارثة الشيباني صاحب حربهم وبطلهم المغوار, الذي قاد الفتوح في أرض العراق، في خلافة الصديق t([21])، فكان وقومه من أجرأ المسلمين بعد إسلامهم على قتال الفرس، بينما كانوا في جاهليتهم يرهبون الفرس ولا يفكرون في قتالهم، بل إنهم ردوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بعد قناعتهم بها لاحتمال أن تلجئهم إلى قتال الفرس، الأمر الذي لم يكونوا يفكرون به أبدا، وبهذا نعلم عظمة هذا الدين الذي رفع الله به المسلمين في الدنيا، حيث جعلهم سادة الأرض مع ما ينتظرون في أخراهم من النعيم الدائم في جنات النعيم([22]).

* * *






([1]) انظر: الأنساب للسمعاني، (1/36). (2) المقريزي في إمتاع الأسماع (1/30، 31).
(3) انظر: المحنة في العهد المكي، ص 53.

([4]) انظر: المحنة في العهد المكي، ص53.
([5]) تاريخ إسلام النجيب آبادي (1/129) نقلا عن الرحيق المختوم.
([6]) السيرة النبوية لابن هشام (2/44، 52) السيرة النبوية جوانب الحذر والحماية، ص116.
([7]) البداية والنهاية لابن كثير، (3/140).
([8]) السيرة النبوية قراءة لجوانب الحذر والحماية، ص116.
([9]) نفس المصدر، ص116، 117.
([10]) انظر: أصول الفكر السياسي، ص182، سباء: لم تُسبَ نساؤها في الحروب.
([11]،4) نفس المصدر، ص182.

([13]) انظر: سيرة ابن هشام، (2/38).
([14]) انظر: البداية والنهاية (3/143: 145) وفيها زيادات ليست عند الصالحي في سُبُل الرشاد (2/596: 597)
([15]) انظر: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية، لمحمد خير (1/411)
([16]) انظر: وقفات تربوية من السيرة النبوية، عبد الحميد البلالي، ص72.
([17]) انظر: صفة الصفوة (4/94).
(4) انظر:الجهاد والقتال في السياسة الشرعية (1/412).


([19]) انظر: التحالف السياسي في الإسلام، منير الغضبان، ص53.
([20]) نفس المصدر، ص64.
(3) انظر: التربية القيادية (2/20).
([22]) انظر: التاريخ الإسلامي للحميدي (3/69).
__________________
رد مع اقتباس