عرض مشاركة واحدة
  #167  
قديم 31-01-2015, 12:36 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثالثًا: اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالجبهة الداخلية:
1- لما علم النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم جيش الأحزاب وأراد الخروج إلى الخندق أمر بوضع ذراري المسلمين ونسائهم وصبيانهم في حصن بني حارثة, حتى يكونوا في مأمن من خطر الأعداء، وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم لأن حماية الذراري والنساء والصبيان لها أثر فعال على معنويات المقاتلين؛ لأن الجندي إذا اطمأن على زوجه وأبنائه يكون مرتاح الضمير هادئ الأعصاب, فلا يشغل تفكيره أمر من أمور الحياة, يسخر كل إمكاناته وقدراته العقلية والجسدية
للإبداع في القتال، أما إذا كان الأمر بعكس ذلك فإن أمر الجندي يضطرب
ومعنوياته تضعف ويستولي عليه القلق، مما يكون له أثر في تراجعه عن القتال؛ وبذلك تنزل الكارثة بالجميع([25]
).
2- ومن الأمور التي ساهمت في تقوية وتماسك الجبهة الداخلية مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم جنده أعباء العمل، فقد شارك الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة في العمل المضني, فأخذ يعمل بيده الشريفة، في حفر الخندق، فعن ابن إسحاق قال: سمعت البراء يحدث قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر([26]).
فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة بهمة عالية لا تعرف الكلل، فأعطى القدوة الحسنة لأصحابه حتى بذلوا ما في وسعهم لإنجاز حفر ذلك الخندق.
3- وكان صلى الله عليه وسلم يشارك الصحابة -رضي الله عنهم- في آلامهم وآمالهم، بل كان يستأثر بالمصاعب الجمة دونهم, ففي غزوة الأحزاب نجد أنه صلى الله عليه وسلم كان يعاني من ألم الجوع كغيره، بل أشد، حيث وصل به الأمر إلى أن يربط حجرًا على بطنه الشريف من شدة الجوع([27]), ثم إنه صلى الله عليه وسلم شاركهم في آمالهم فحين وجد ما يسد رمقه بعد هذا الجوع الذي استمر ثلاثًا، لم يستأثر بذلك دونهم, وهذا ما سوف نعرفه بإذن الله عند الحديث عن وليمة جابر بن عبد الله t.
4- رفع معنويات الجنود وإدخال السرور عليهم: اقترن حفر الخندق بصعوبات جمة، فقد كان الجو باردًا، والريح شديدة والحالة المعيشية صعبة، بالإضافة إلى الخوف من قدوم العدو الذي يتوقعونه في كل لحظة، ويضاف إلى ذلك العمل المضني، حيث كان الصحابة يحفرون بأيديهم وينقلون التراب على ظهورهم، ولا شك في أن هذا الظرف بطبيعة الحال يحتاج إلى قدر كبير من الحزم، والجد، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينسَ في هذا الظرف أن هؤلاء الجند إنما هم بشر كغيرهم، لهم نفوس بحاجة إلى الراحة من عناء العمل، كما أنها بحاجة إلى من يدخل السرور حتى تنسى تلك الآلام التي تعانيها فوق معاناة العمل الرئيسي. ولهذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل التراب:
ولا تصدقنا ولا صلينا --- اللهم لولا الله ما اهتدينا


وثبت الأقدام إن لاقينا --- فأنزلن سكينة علينا


وإن أرادوا فتنة أبينا --- إن الأعادي قد بغوا علينا



ثم يمد صوته بآخرها([28]).
وعن أنس t أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون يوم الخندق:
على الإسلام ما بقينا أبدًا --- نحن الذين بايعوا محمدًا



أو قال على الجهاد والنبي يقول:
فاغفر للأنصار والمهاجرة([29]) --- اللهم إن الخير خير الآخرة



لقد كان لهذا التبسط والمرح في ذلك الوقت أثره في التخفيف عن الصحابة مما يعانونه نتيجة للظروف الصعبة التي يعيشونها، كما كان له أثره في بعث الهمة والنشاط بإنجاز العمل الذي كلفوا بإتمامه، قبل وصول عدوهم([30]).
5- تقدير ظروف الجند والإذن بالانصراف عند الحاجة: كان الصحابة رضي الله عنهم على قدر كبير من الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم, فكانوا يستأذنونه في الانصراف إذا عرضت لهم ضرورة، فيذهبون لقضاء حوائجهم، ثم يرجعون إلى ما كانوا فيه من العمل، رغبة في الخير واحتسابًا له, فأنزل الله فيهم: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[النور: 62].
ومعنى الآية الكريمة: إذا استأذنك يا محمد الذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك في هذه المواطن لقضاء بعض حاجاتهم التي تعرض لهم فأذن لمن شئت منهم في الانصراف عنك لقضائها، واستغفر لهم([31]), فكان النبي صلى الله عليه وسلم بالخيار، إن شاء أذن له إذا رأى ذلك ضرورة للمستأذن، ولم ير فيه مضرة على الجماعة، فكان يأذن أو يمنع حسب ما تقتضيه المصلحة ويقتضيه مقام الحال([32]).
6- تقسيم الصحابة إلى دوريات للحراسة: قسم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى مجموعات للحراسة ومقاومة كل من يريد أن يخترق الخندق، وقام المسلمون بواجبهم في حراسة الخندق وحراسة نبيهم صلى الله عليه وسلم, واستطاعوا أن يصدوا كل هجوم حاول المشركون شنه، وكانوا على أهبة الاستعداد جنودًا وقيادة، حتى أنهم استمروا ذات يوم من السحر إلى جوف من الليل في اليوم الثاني، ويفوت المسلمون الصلوات الأربع، ويقضونها لعجزهم عن التوقف لحظة واحدة أثناء الاشتباك المباشر للقتال، واستطاع علي بن أبي طالب مع مجموعة من الصحابة أن يصدوا محاولة عكرمة ابن أبي جهل، بل تصدى علي لبطل قريش عمرو بن عبد ود و***ه([33])، وكانت هناك مجموعة من الأنصار تقوم بحراسة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة على رأسهم عباد بن بشر t، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو القائد الأعلى وهو المشرف المباشر على إدارة المعركة فهو الذي يرسم الخطط ويراقب تنفيذها فهو الذي:
أ- أمر بحفر الخندق بعد أن تمت المشاورة في ذلك، فاختار مكانًا مناسبًا لذلك, وهي السهول الواقعة شمال المدينة، إذ كانت هي الجهة الوحيدة المكشوفة أمام الأعداء.
ب- قسَّم أعمال حفر الخندق بين الصحابة، كل أربعين ذراعًا لعشرة من الصحابة، ووكل بكل جانب جماعة يحفرون فيه.
ج- سيطر صلى الله عليه وسلم على العمل، فلا يستطيع أحد ترك عمله إلا بإذن منه صلى الله عليه وسلم.
د- قسم صلى الله عليه وسلم واجبات احتلال الموضع بنفسه, بحيث تستمر الحراسة على كل شبر من الخندق ليلاً ونهارًا، ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم بمهمة الإشراف العام على الجند بتشجيعهم ورفع معنوياتهم.
هـ- استطاع صلى الله عليه وسلم لما يتمتع به من حنكة وبراعة سياسية مستمدة من شخصيته النبوية أن يمسك بزمام الأمور، وينقذ المؤمنين من الموقف الحرج الذي حدث لهم عندما وصلت الأحزاب إلى المدينة، وأصبح الخطر يهدد المدينة وما حولها([34]), فقد توحدت قيادة المسلمين تحت زعامته صلى الله عليه وسلم, فكان ذلك من أسباب كسب المعركة والفوز بها.

* * *






([1]) انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص443.
([2]) انظر: المغازي (2/440) بدون إسناد.
([3]) الطبقات (2/65، 73) بإسناد متصل.
([4]) انظر: البداية والنهاية (4/105).
([5]) انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص443.
([6]) انظر: جوامع السيرة، ص185.
([7]) انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص444.
([8]) انظر: دلائل النبوة للبيهقي (3/396).
([9]) انظر: الفتح (3/396).
([10]) انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص444.
([11]) انظر: زاد المعاد (2/288) (2) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/237).

([13]) انظر: التاريخ السياسي والعسكري، د. علي معطي، ص310.
([14]) انظر: تاريخ اليهود في بلاد العرب، ولفنسون، ص142.
([15]) انظر: تاريخ اليهود في بلاد العرب، ولفنسون، ص310.
([16]) انظر: غزوة الأحزاب، محمد احمد باشميل، ص141.
([17])المصدرنفسه، ص144، 145.
([18]) انظر: مغازي الواقدي (2/444), والطبقات الكبرى (2/66).
([19]) ذباب: أكمة صغيرة في المدينة يفصل بينها وبين جبل سلع ثنية الوداع.
([20]) راتج: حصن من حصون المدينة لأناس من اليهود.
([21]) جبل سلع: هو أشهر جبال المدينة، انظر: معجم البلدان (3/236).
([22]) هي حرة المدينة الشرقية: انظر: معجم معالم الحجاز(2/283، 285)
([23]) انظر: العبقرية العسكرية في غزوات الرسول، ص442.
([24]) انظر: القيادة العسكرية في عهد الرسول، ص426.
([25]) انظر: غزوة الأحزاب، د. محمد عبد القادر أبو فارس، ص98.
([26]) انظر: البخاري،كتاب المغازي، باب غزوة الأحزاب، (5/57) رقم 4106.
([27]) انظر: غزوة الأحزاب، د. محمد أبو فارس، ص116، 117.
([28]) البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق (5/57) رقم 4106.
([29]) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب (3/1432) رقم 129.
([30]) انظر: القيادة العسكرية في عهد الرسول، ص482.
([31]) انظر: صفوة التفاسير للصابوني (2/351).
([32]) أحكام القرآن لابن العربي (3/1410).
([33]) انظر: فقه السيرة لمنير الغضبان، ص504.
([34]) انظر: القيادة العسكرية في عصر الرسول، ص11.
__________________
رد مع اقتباس