عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-05-2015, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي علم الأجنّة في القرآن

علم الأجنّة في القرآن



د. عفيفي محمود
المصدر: مجلة حضارة الإسلام، العدد 8، السنة 5، ص68-82، 143







"يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً".

أشار القرآن الكريم في محكم آياته إلى كثير من فروع العلم، وبخاصة العلوم الفلكية، وعلوم الحياة. وآيات القرآن – وإن كانت لا تدخل في التفاصيل، إلا أنها في إجمالها وإيجازها وشمولها، تتضمن إشارات بارعة إلى أدق الحقائق العلمية في مختلف فروع العلم.

فأهم الحقائق الفلكية التي ترجع إليها معظم ظواهر الكون المحيطة بنا، تجمعها آية جامعة شاملة هي قوله تعالى:

"وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)".

وأدق عمليات الكيمياء الحيوية، يشير إليها قوله تعالى:

"وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)".

وأسس علم تصنيف الحيوانات يشير إليها قوله تعالى:

"وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ".

ومن بين العلوم التي تناولها القرآن الكريم: علم الأجنة، وأول ما أشار إليه الذكر الحكيم في قوله تعالى:

"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)".

والآيات الكريمة التي أشارت إلى خلق الإنسان أكثر من أن تحصى، إلا أنها بوجه عام يمكن تقسيمها تقسيماً موضوعياً إلى ثلاث مجاميع:

1- المجموعة الأولى: آيات تتناول خلق الإنسان الأول الذي تنتهي عنده سلسلة الآباء والأجداد، فليس له أب ولا أم، فكان لابد لخلقه من مادة البناء الأولى وهي عناصر الأرض. ومن هذه الآيات قوله تعالى: "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)".

وقوله تعالى: "خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)". وقوله تعالى: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)".

2- والمجموعة الثانية: آيات تتناول خلق الفرد من بني الانسان الذي يولد أمامنا كل يوم، وتولد ذريته من بعده نتيجة لعمليات محددة معروفة نحن وسيلتها، هي التزاوج والحمل والولادة. من هذه الآيات قوله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)"، وقوله تعالى: "فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)" وقوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)". وقوله تعالى: "إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)". وقوله تعالى: "أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (39)".

3- والمجموعة الثالثة من الآيات: تشير إلى خلق الإنسان الأول من عناصر الأرض الميتة، ثم إلى خلق ذريته من بعده، من نطفة مستقطرة أو مستلة من جسمه الحي، ومن هذه الآيات قوله تعالى: "ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)"، وقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)"، وقوله تعالى: "هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ".

فأما الآيات من المجموعة الأولى، وهي التي تتناول خلق الإنسان الأول من عناصر الأرض، فإنها لا تتصل بعلم الأجنة من قريب أو بعيد، وإنما تتصل أكثر بفرعين آخرين من فروع العلم، أحدهما هو الكيمياء الحيوية والآخر هو أصل الأنواع. وكل منهما يحتاج إلى بحث مستقل.

وأما الآيات من المجموعة الثانية، وأواخر الآيات من المجموعة الثالثة، وهي التي تتناول التطور الجنيني لكل فرد من بني الانسان، فهي التي سأتعرض لها. لأنها هي التي يدخل في نطاقها موضوع هذا البحث.

ما هو علم الأجنة ؟

وعلم الأجنة: هو ذلك الفرع من علوم الحياة، الذي يتناول بالدراسة تلك التطورات التي تعتري بويضة الأم منذ ساعة اخصابها إلى أن يخرج منها ذلك الكائن الحي المكتمل الأعضاء، المعقد التركيب، والذي يعتبر بحق إحدى آيات الخالق سبحانه وتعالى.

حجر الأساس:

وأول عملية في التطور الجنيني لأي كائن حي – باستثناء بعض الكائنات الدنيا – هي عملية الاخصاب، وهي تتم في الانسان – كما في كل حيوان متزاوج – باندماج الحيوان المنوي للذكر مع بويضة الأنثى، لتتكون منها نطفة مزوجة هي حجر الأساس في بناء كل فرد منا. وعملية الاخصاب شيء آخر غير عملية التزاوج المعروفة، والتي ليست إلا مجرد عملية نقل للقاح الذكر إلى جسم الأنثى، دون أن يستتبع ذلك بالضرورة حدوث اخصاب فعلي.

البويضة:

وبويضة الأنثى خلية دقيقة الحجم، لو تجمعت منها الآلاف لما زادت في حجمها مجتمعة على رأس الدبوس، وهي تتكون من نواة تحمل خصائص الأم، تحيط بها كتلة من الزلال تسمى ((السيتوبلازم))، وتتناثر في ((السيتوبلازم)) حبيبات المح التي منها تتغذى البويضة في أول مراحل تطورها، إلى أن يتم التصاقها بجدار الرحم. ومن ثم تستمد من دم الأم غذاءها اللازم لاستمرار نمو الجنين وتطوره.

وتخرج البويضة عادة من أحد المبيضين مرة في كل شهر قمري وتسقط في فوهة القناة المبيضية التي تؤدي إلى الرحم.

وقبل نضج البويضة وخروجها من المبيض بحوالي أسبوع، تكون قد طرأت على جدار الرحم تغيرات خاصة، تعده لاستقبال الجنين المرتقب إذا تكون، فتتضخم خلايا الغشاء المخاطي المبطن للرحم، وتتسع الشعيرات الدموية التي تغذيه، وتنشط فيه غدد خاصة... وبهذا يتم حرث الأرض وتسميدها قبل بذر البذور فيها.

وتعيش البويضة بعد انفصالها من المبيض يومين أو ثلاثة، تكون خلالها متحفزة قابلة للتخلق إذا ما صادفها حيوان منوي، فإذا لم يحدث ذلك – وغالباً مالا يحدث – فإن البويضة تتحلل، كما تتساقط الرقعة المتضخمة من جدار الرحم، وتنمو مكانها رقعة جديدة، ويصحب ذلك تمزق في الشعيرات الدموية يسبب النزيف المعروف.

الحيوان المنوي:

أما الحيوان المنوي فهو شيء أدق من البويضة إلا أنه أكثر منها تخلقاً، فله رأس وعنق وذنب، إذا جاز التصوير، والرأس وحده هو الجزء الفعال في الحيوان المنوي، فهو الذي يحتوي على النواة التي تحمل خصائص الأب، وهو وحده الذي يندمج مع البويضة ويشترك معها في تكوين بذرة الجنين.

وبينما لا تفرز الأنثى إلا بويضة واحدة كل شهر، تحتوي الدفقة المنوية للذكر على أكثر من 200 مليون حيوان منوي، تسبح في سائل خاص تفرزه الغدة الملحقة بالخصية وتسمى ((البروستاتا)). وهذا السائل له درجة معينة من الحرارة والرطوبة واللزوجة والحموضة، تناسب معيشة هذه الكائنات الحية بعد انفصالها عن جسم الأب.

الطريق إلى البويضة:

وعندما تستقر الدفقة المنوية في مهبل الأنثى، تسعى الحيوانات المنوية في أفواج بواسطة أذنابها الدائمة الحركة، فتمر من عنق الرحم، ثم تجتاز فراغ الرحم، فتدخل في قناة المبيض، حتى تصل إلى فوهتها حيث تنتظرها البويضة.

هذا الطريق الوعر الملتوي المظلم، كيف يسلكه الحيوان المنوي وليس له عين يبصر بها، ولا حواس ترشده، ولا حتى عكازة يتوكأ عليها؟!.

إن ((عنق)) الحيوان المنوي يحتوي على جسيم صغير اسمه ((السنتروزم)) والمعتقد أن هذا الجسيم هو الذي يوجه حركة الحيوان المنوي إلى إتجاه البويضة، ثم ينفصل عنه بعد وصوله إليها، ويتحلل بعد أن إنتهت مهمته، كما ينفصل الذنب ويتحلل بعد أن انتهت مهمته أيضاً.

الإخصاب:

ومن بين هذه الملايين من الحيوانات المنوية – أو على الأقل من بين الآلاف التي تصل منها – ينجح واحد فقط في إخصاب البويضة.. واحد فقط لابد أنه أقواها وأسبقها في الوصول.

وعندما يخترق هذا الحيوان المنوي الواحد جدار البويضة، فإنها تفرز حول نفسها جليداً مانعاً، يصد باقي الحيوانات المنوية، التي تعود من حيث أتت، وتموت وتندثر في طريق العودة.

أما وقد اخترق الجزء الفعال من الحيوان المنوي جدار البويضة، فإنه يندمج معها إندماجاً تاماً، وبهذا تتم عملية الاخصاب، وينقطع الحيض بعد ذلك كأول علامة من علامات الحمل..

النطفة الأمشاج: ونتيجة لعملية الاخصاب تتكون نطفة مزدوجة تسمى ((الزيجوت))، وهي عبارة عن كتلة من ((السيتوبلازم))، في داخلها نواة تحمل خصائص الأب والأم معاً..

وهذه الخصائص التي تحملها نواة (الزيجوت))، ليست في الوقائع خصائص الأب والأم وحدهما، فكل منهما قد نشأ أيضاً من نطفة مزدوجة تحمل خصائص أبيه وأمه وهكذا... فالزيجوت إذن هو سلالة مستخلصة من مجموعة أخلاط من كافة خصائص الآباء والأجداد جميعاً.. وكل خليط من هذه الخصائص يتكون من أخلاط وراءها أخلاط. سواء في ذلك الحيوان المنوي وحده، أم البويضة وحدها، أم (الزيجوت) الذي يتألف منهما معاً... ولعل هذا يعنينا على أن نفهم جانباً آخر من جوانب الاعجاز في قوله تعالى: "إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)".

بذرة الانسان:

ولو جاز التعبير لقلت إن (الزيجوت)، أو النطفة الأمشاج: هو بذرة الإنسان الجديد، تحتوي في قلبها على كل العناصر اللازمة لخلق الإنسان الكامل بكل أعضائه وأحشائه، وأعصابه ودمه وإفرازاته، كما تحتوي على كل العوامل والمقومات التي تشكل خصائصه المميزة بأبعاده وملامحه، بلون بشرته ولون عينيه، ولون شعره، بكل دقائقه وصفاته كما شاء الخالق أن يصوره.

التفلج والهجرة إلى الرحم:

وبعد عملية الاخصاب مباشرة تبدأ النطفة في الانقسام أو التفلج، فتنقسم إلى نصفين متشابهين، ينمو كل منهما ثم ينقسم.. وتكرر عملية الانقسام هذه حتى تتكون كتلة من الخلايا تسمى التويته – نظراً لشبهها بثمرة التوت مصغرة، ثم تنتظم خلايا التويته على شكل كرة تسمى المفلجة.

وفي أثناء مرحلة التفلج تهاجر النطفة من مكانها، متخذة من قناة المبيض طريقاً إلى الرحم، إلى أن تدخل فراغ الرحم بعد حوالي أربعة أيام وهي في دور المفلجة.

ويكون الرحم في هذه الأثناء قد تهيأ لاستقبال النطفة، فتستقر في تلك الرقعة المتضخمة من جداره، وتنغرس فيها كما تنغرس البذرة في التربة قبل أن ينفذ رصيدها من الغذاء اللازم لاستمرار تطورها.

تكوُّن المشيمة:

وفي أحد قطبي المفلجة تظهر ندبة صغيرة من الخلايا هي التي ستكون الجنين كما سيأتي بعد، أما باقي خلايا المفلجة فإنها تنمو وتحيط بهذه الندبة على شكل غلاف يسمى الغلاف الاكِال – إشارة إلى وظيفته، وهي امتصاص الغذاء من الشعيرات الدموية المنتشرة في جدار الرحم.

ولكي يتم امتصاص الغذاء على أحسن وجه، تتضخم خلايا الغلاف الأكال في الرقعة الملاصقة لجدار الرحم، وتمتد منها حملات تخترق هذا الجدار وتتشعب بداخله، كما تتشعب جذور البذرة في داخل التربة، وبهذا تتكون المشيمة من طبقتين متماسكتين متعشقتين: طبقة من الغلاف الأكال، وطبقة من جدار الرحم.

ومن المشيمة تمتد قنوات إلى الندبة الجنينية.. وهكذا يبدأ صراعنا في سبيل القوت في هذا الطور المبكر من حياتنا.

كيف يتغذى الجنين:

والطريقة التي نحصل بها على حاجتنا من الغذاء ابتداء من هذا الطور حتى ساعة الولادة طريقة تدعو إلى التأمل، ذلك أن دم الأم لا ينكسب بذاته داخل جسم الجنين، وإنما تتسرب عناصر الغذاء وذرات الأوكسجين اللازمة للتنفس من خلال جدر الشعيرات الدموية المتناهية في الرقة – من الأم إلى المشيمة، ومنها إلى الجنين، وبذلك يحصل الجنين على حاجته دون أن يمتزج دمه بدم الأم، كما يحصل النبات على حاجته من التربة دون أن يختلط طينها بعصارة النبات نفسه.

ويتخلص الجنين من فضلاته الضارة بنفس الطريقة.. ولكي يتم التنظيم المحكم لهذه العملية – عملية تبادل العناصر بشقيها بين الأم والجنين – تتكون الأوعية السرية من وعاءين واردين ينقلان الغذاء من الأم إلى الجنين ووعاء صادر يحمل فضلات الجنين في الطريق المضاد.. فلو جاز التعبير، فهذه الأوعية تشبه أنابيب المياه والمجاري: تلك تحمل إلينا الماء النظيف، وهذه تحمل عنا الماء المتسخ، وتمتدان جنباً إلى جنب في باطن الأرض دون أن تختلط محتوياتهما.

من نطفة إلى علقة:

ونعود إلى تلك الندبة الصغيرة من الخلايا التي سيتكون منها إنسان المستقبل، فنجدها قد نمت وتحولت إلى قرص يسمى القرص الجنيني، وبانقسام خلايا القرص الجنيني تتكون طبقتان من الخلايا: الخارجية، ستكون الأدمة، والداخلية، ستكون المعي.. ثم تنشأ بينهما طبقة ثالثة، هي التي ستكون الحشا والعظام واللحم والدم.

في ظلمات ثلاث:

وفي هذه الأثناء يكون الجزء الظاهر من الغلاف الأكال، وأقصد به الجزء الذي لا يسهم في تكوين المشيمة، قد تحول إلى غلاف واق يحيط بالقرص الجنيني ويحميه، ويسمى هذا الغلاف (بالكوريون).

وبداخل هذا الغلاف يتطور القرص الجنيني، وتتكون طبقات الجسم التي أشرت إليها ويتخذ الجنين شكل دودة صغيرة طولها مللييمتران، معلقة في جدار الرحم بواسطة الحبل السُّري، ومحاطة (بالكوريون)، وهكذا يدخل الانسان في دور العلقة وعمره عشرون يوماً.

وقبل أن يبدأ تخلق العلقة، تتخذ استحكامات جديدة لوقايتها، فيتكون حولها تحت (الكوريون) غشاء آخر يحيط بها إحاطة كاملة، إلا حيث يتصل بها الحبل السري، ويسمى هذا الغشاء (بالأمنيون) أو الرهل. وتحت هذا الغلاف يتجمع سائل مصلي لا يمكنه التسرب، وبذلك تحاط العلقة بغلاف مائي واق تتكسر فيه أية صدمة أو رجة قد تصيب جسم الأم.

وبهذا يكون مجموع الأغلفة التي تحيط بالعلقة ثلاثة: جدار الرحم الذي تنغرس فيه النطفة عند دخولها في دور المفلجة، ثم (الكوريون) الذي يتخلق بداخله القرص الجنيني، ثم (الأمنيون) الذي تتخلق بداخله العلقة، وبداخل هذه الأستار والحجب الثلاثة التي لا يخترقها الضوء تشكلنا يد الله!، ولعل هذا المفهوم يتفق مع قوله تعالى: "يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ".





وللموضوع تتمة
رد مع اقتباس