عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 13-11-2018, 06:09 AM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي







حجة الوداع
وصايا ودروس وعبر
**************
لكل شيء نهاية، ولكل أجل كتاب، ولكل قصة خاتمة،
وكثيرًا ما ينتهي عمر إنسان دون أن يرى حلمه يتحقق،
ودون أن يشاهد خطته تنجح،
ولكن من سعادة الإنسان حقًّا أن يطيل الله سبحانه وتعالى
في عمره حتى يرى ثمار عمله، ونتيجة جهده،
فيسعد بذلك أيَّما سعادة، ويشعر أن تعب السنين
لم يذهب هباءً منثورًا، ولا يشترط للإنسان المخلص
أن يرى نتيجة كَدِّه وتعبه، لكن لا شك أنها نعمة
من الله سبحانه وتعالى، ومِنّة عظيمة لا تقدر بثمن.
وانظروا إلى قول الله تعالى:
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ
وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}

[التوبة: 14].



فمع أنه ليس من الضروري لكل مقاتل في سبيل الله
أن يرى النصر، والتمكين، وهزيمة أعداء الإسلام،
إلا أنه مما لا شك فيه أن رؤية هذه الأمور نعمة من الله
سبحانه وتعالى يَمُنّ الله تعالى بها على بعض عباده.
وحيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى،
فإنه شاء ألا يموت الرسول عليه الصلاة والسلام
حتى تقرّ عينه برؤية ثمار جهده الطويل،
وتعبه المضني، وجهاده الذي لم ينقطع.



لقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم حتى رأى
الجزيرة العربية بكاملها تقريبًا تدخل في الإسلام،
وتُقِرُّ به بعد حرب ضروس، ومقاومة عنيفة.
ها قد دخل الناس في دين الله أفواجًا،
وها قد وصلت الدعوة إلى معظم أماكن المعمورة،
ها قد مُكِّن للإسلام، وارتفعت رايات التوحيد في كل مكان،
ها قد عادت الكعبة المشرفة إلى حقيقتها،
رجعت كما كانت أيام إبراهيم عليه السلام،
بيتًا يُوحَّد فيه الله، ولا يُشرك به أحدًا.



لا أستطيع وصف سعادة الرسول صلى الله عليه وسلم
بكل هذا الخير، لقد كان يسعد عليه الصلاة والسلام
إذا آمن رجل واحد، وكان يقول:
"لأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
وها هو الآن، لا يرى رجلاً ولا رجالاً يؤمنون فقط،
بل يرى الجموع الغفيرة، والقبائل العظيمة،
والبلاد الكثيرة تدخل في دين الله أفواجًا،
سعادة لا تدانيها سعادة في الدنيا،
أن تجد الأفراد والشعوب يختارون طريق الهدى،
ويَنْعَمون باتباع شرع الله رب العالمين.



لكن في الوقت نفسه، فإن رؤية كل هذا التمكين،
وكل هذا الفتح المبين كان يحمل معنى آخر
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولعموم المسلمين،
وهو أن مهمَّة الرسول عليه الصلاة والسلام
كرسول قد انتهت، أو أشرفت على الانتهاء.
إن مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام كانت البلاغ،
وها قد تحققت مهمته على الوجه الأكمل،
فوصلت الرسالة بيضاء نقية إلى كل أهل الجزيرة العربية،
بل تجاوزت ذلك إلى ممالك العالم القديم،
فوصلت الدعوة إلى فارس والروم ومصر واليمن
والبحرين وعُمان وغيرها، واكتملت كل
-أو معظم- بنود الشرع الحكيم.
وإذا كان قد حدث ذلك، فمعناه أن حياة الرسول
عليه الصلاة والسلام قد قاربت هي الأخرى على الانتهاء.
ومع كل الألم الذي يصاحب النفس عند تخيل ذلك،
إلا أن الواقع يقول -كما ذكرنا قبل ذلك- أنه لكل شيء نهاية،
ولكل أجل كتاب، ولكل قصة خاتمة.

رد مع اقتباس