عرض مشاركة واحدة
  #67  
قديم 17-08-2010, 07:04 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الشباب الملتزم بين الفردية والجماعية


أولا : مقدمة لا بد منها :
المتأمل لأحوال الشباب الملتزم بدينه يجد فوجاً منهم يميلون إلى العيش فراداً ، فإذا نظرت في حال أحد هؤلاء وجدته مستقلاً برأيه متمسكاً بحظوظ نفسه ، لا يحرص على الجلوس مع أقرانه وأترابه ولا يهتم بذلك .
وفي المقابل ، تجد أفواجاً آخرين ارتموا في أحضان الجماعة فإذا أحسنوا أحسنت وإن أساءوا فهم في ذوبان كامل مع هذه الصحبة ، وبين هؤلاء وأولئك تجد من يوازن بين الفردية والجماعية ويأخذ من إيجابيات هذه وتلك فيحصل على غنيمة من كل الواديين ، وفي هذا يقول الأستاذ محمد قطب :
( الفردية والجماعية من الخطوط المزدوجة في كيان الإنسان ، هذان الخطان المرتبطان المتناقضان : إحساس الإنسان بفرديته ، وإحساسه بالميل إلى الاجتماع بالآخرين ، والحياة معهم كواحد منهم ، وهذه الظاهرة لها أثر بالغ في الحياة البشرية .. والتناقض يحدث في باطن النفس كما يحدث الاضطراب في واقع الحياة ، حين تزيد النسبة المقررة لكل واحد فينحرف عن مساره ويتعدى على مسار الآخر ويشده إليه ، أما حين يأخذ كل منهما مداره الصحيح فلن يحدث التنافر بين الفرد والجماعة أو يحدث الشقاق )) منهج التربية الإسلامية ( 1 / 162 ، 163 ) باختصار يسير
ثانياً : الآثار الإيجابية للفردية :
ونعني بالفرد أن يقيم المرء الإسلام في نفسه ويسعى جاهداً لإقامته في الناس ولكن بجهود فردية مستقلة عن التعاون والتشاور مع بقية الدعاة .
ولهذا الأسلوب آثار عديدة إيجابية وسلبية ، أما الإيجابية فمنها ما يلي :
1 - التفكير في الواقع بنظرة شخصية .
فتجد الشاب الملتزم الذي يحس بفرديته يجول ببصره هنا وهناك ويتفكر فيما حوله ، ويحاول جهده أن يطوعه وينتفع به مرضاة لله أولاً ثم حفاظاً على هذه الذاتية أو الفردية ثانياً .
ولكن هذه النظرة الفردية ، ولأنها تتأثر بشخصية صاحبها فإنها قد لا تكون صحيحة بالضرورة ، وقد يعتريها المبالغة أو النظرة السوداء ، ومن ذلك أن يقول بعد تفكير ضيق إن الناس هلكوا أو لم يهتدوا ونحوه .
2- مضاعفة النشاط الذاتي :
فإن المرء وبسبب فرديته ، يشعر أنه إذا لم يتحرك ولم يبذل فإن ما يريد تتغيره لن يتغير وسيبقى ما كان على ما كان ، ولذا لا حل بين يديه إلا أن ينطلق للتغيير بنفسه وهذا يعني مضاعفة النشاط الذاتي ، إلا أن دوام هذا النشاط أو توقفه يرجع إلى طبيعة الشخص وجلده . إضافة إلى أن هذه الانطلاقة قد تكون حكيمة وقد لا تكون
3- إعمال الذهن :
فتجد الشاب يقلب النظر في مواقفه حتى يخرج برأي فعال وفي هذا مِرَان لذهنه وشحن لعقله ، وقد يخطئ مرة ويصيب مرة والشخص الإيجابي هو من يستفيد من تجارب وتجارب الآخرين .
4- الجرأة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
ذلك إن الداعية إذا رأى أن الجهل قد فشا وشاع ، ولم يجد من الآخرين تعليماً ونصحاً فإنه سينبري لذلك ولن يتكل على غيره وهكذا إذا رأى المنكر ولم يجد من ينكره أحس بمسؤوليته في إزالته فيصدع عندها بالحق وينكر المنكر بكل جرأة ، وما كان ليفعل ذلك لولا فرديته .
5- متابعة محاسبة النفس :
فما دام هذا الإنسان ضعيف الخلطة بالآخرين ، فإنه من المتوقع أن تزل به القدم ويقع في الأخطاء ولأنه لا يجد الناصح يندفع إلى محاسبة نفسه وإصلاحها ذاتياً ، لكن يبقى أن بعض الزلات والعيوب لن يشعر بها وستدوم معه إلا أن يشاء الله .
ثالثاً : الآثار السلبية للفردية :
1- حب الانزواء عن الناس :
ومن ذلك اعتياد الشباب الملتزم العزلة عن الآخرين واستحسان ذلك لأوقات طويلة ، وينبني على ذلك ضياع حقوق الناس من القيام بواجب النصيحة لهم وكذا التقصير في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ودعوتهم إلى الله تعالى وتعليمهم ما جهلوا من أمور دينهم .. ، كما أن اعتزال الآخرين يُضيع على المرء استفادته من خبرات غيره وتجاربهم
2- الكسل والخمول والفتور :
فإن الغالب أن المرء الوحيد يجتهد فترةً وينشط في صلاح نفسه وإصلاح غيره ثم يتعب ويصاب بالملل ، ولعدم وجود من يسنده ويشجعه يكون على شرف هاوية الانقطاع أو الإصابة بالفتور والضعف .
3- السقوط والانتكاس :
فإن من الشباب الملتزم من ينفصلون عن صحبتهم لأسباب معينة ، ثم تجرفهم الشهوات والشبهات فإذا بهم ينقلبون على أعقابهم وينكصون عن التزامهم بدينهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )) .
4- الإصابة بآفات عظيمة من أعظمها :
الأنانية ، الاستبداد بالرأي والتكبر على النصيحة ، كثرة الجدال مع الآخرين ، الإغراق في المباحات ، النظرة المثالية ... وغيرها .
رابعاً : الآثار الإيجابية للجماعية :
1- اكتشاف قدرات النفس ومواهبها :
يحتاج كل إنسان إلى آخرين يختلطون به ويتعايشون معه ، ومن إيجابيات ذلك أن يكتشفوا ما وهب الله له من قدرات ويساعدوه على الارتقاء بمواهبه .
ولذلك أمثلة عديدة ، منها :
1- القدرة على ضبط النفس عند الحوار مع الآخر .
2- الجراءة على إلقاء الكلمات .
3- حسن التعامل مع الشخصيات مختلفة الطبائع .
4- التضحية والإيثار والكرم .
5- العفو والصفح .
6- حفظ السر .
2- اكتشاف عيوب النفس وآفاتها :
فإن المرء إذا خالط الآخرين اكتشف الآفات بنفسه أو كشفها له أصحابه وعلى سبيل المثال لا الحصر لا يستطيع الإنسان أن يكتشف ما في شخصيته من أثره وأنانية أو حسد للآخرين إلا إذا عاش في جماعة وخالط أفرادها ورأى المحتاجين منهم والمتفوقين .
وهكذا الحال بالنسبة لعيوب كثيرة مثل : الفوضوية ، الحمق ، العجلة ، الخور ، البخل ، الكذب ، الخيانة ، الغلظة مع المخالف وغيرها .
وبهذا نعلم أن الإنسان مهما كان ذكاؤه ، ومهما تكن فطنته لا يمكنه أن يعرف أبعاد ومعالم شخصيته معرفة دقيقة ، ولربما فعل الشر أو ترك الخير وهو يظن أنه يحسن صنعاً ، وهكذا تُعد الجماعة الصالحة حقلاً تجريبياً يطّلع المرء من خلاله على ما في نفسه من تقصير وضعف ، فيسهل بعدها أن يعمل على علاج نقاط ضعفه ويحرص على الارتقاء بنفسه .
وقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم الأنظار إلى دور الجماعة جين قال : (( المؤمن مرآة أخيه والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه )) رواه أبو داود .
3- الاستفادة من خبرات الآخرين ونصحهم :
فإن الجماعة الناصحة تتعهد من معها بإصلاح عيوبه ، كما أنها تحرص على تطوير قدراته وتنمي مواهبه وتهدي إليه الخبرات من خلال مرافقة القدوات وطرح الدروس التربوية المتتابعة ، وتارة يلجأ إلى العتاب واللوم من خلال النصيحة الشخصية ، وغير ذلك من أساليب ترتقي بشخصية المرء إلى ما يليق به .
4- توظيف الطاقات :
فمن خلال الجماعة يتم توظيف سائر طاقات المرء وهذا يعني استغلال اهتماماته وتفريغ حماسه فيما ينفعه ، وكل ذلك يؤدي إلى التوازن والتكامل في شخصيته ، ويقضي على أيِّ فراغ يمكن أن يستغله الشيطان وأعوانه أو تحدثه به شرور نفسه عند انفراده .
5- التثبيت وتجديد النشاط :
فالداعية إذا تحرك مع الجماعية في الميدان الدعوي ، كان ذلك معيناً له على الثبات على طريق الدعوة من خلال القرناء القدوة ، أو من خلال التشجيع ودفع اليأس ، وحاصل ذلك أن يشعر الداعية أنه ليس وحيداً ، وهذا يزيد من ثقته ويجدد نشاطه .
6- استيعاب المشاريع الدعوية الكبرى :
فإن الداعية مع الجماعية طاقة وقدر يمكن معها تحمل المشاريع الدعوية الكبرى ، وهذا لا يتسنى للعمل الفردي ولا يطيقه الداعية لوحده ، ولذا كان الأمر الرباني : ((انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )) التوبة آية 41 .
ومن أمثلة المشاريع الدعوية الكبرى :
1- إقامة مركز صيفي لدعوة الشباب وحفظهم من آفات الفراغ فمثل هذا النشاط لا يستطيع الفرد أن يستوعبه مهما كانت مواهبه .
2- إقامة معرض لجمع التبرعات لصالح قضية من قضايا المسلمين ، فمثل هذا العمل الجبار لا يطيقه فرد مهما كانت علاقاته وطاقاته .
3- إقامة دورة مكثفة في العلوم الشرعية مع وضع حوافز تشجيعية وتوفير البيئة المناسبة للطلاب الملتزمين لهذه الدورة ، كل ذلك لا بد له من اجتهاد جماعي ليظهر بصورة ناجحة .
7- تيسير أبواب الأجر والثواب :
فإن المرء مع الجماعة يجد الفرص الكثيرة لبذل المعروف وإنكار المنكر وعمل المستحبات ، فتراه يؤدي سنة السلام وإجابة الدعوة وعيادة المريض والقيام بواجب النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم ويبذل الصدقة ويذكِّر ويُعلم ، أما إذا كان لوحده فأنَّى له أن يحصل على أجور هذه الأبواب الفضيلة ؟
خامساً : الآثار السلبية للجماعية :
1- الاتكالية على الآخرين ورمي المسئوليات عليهم :
فتجد الشاب الملتزم لا يتحرك دعوياً ، ولا يشتغل بتعليم الآخرين وكل ذلك لشعوره بأن الآخرين قد كفوه مسئولية ذلك .
2- *** الإبداع والطموح في الشاب ، فلقد ترك التفكير للجماعة .
فمن الشباب الملتزم من أصيب بجمود الذهن فالجماعة هم الذين يقررون له كيف ومن يدعو ؟ وتأتيه الفرص الدعوية العديدة ، لكنه يضيعها بسبب عدم اعتياده حسن التفكير الدعوي .
3- الانشغال بالمخالطة عن الحرص على النافع .
فتجد الشاب يزور هذا ، ويجالس ذاك ، ويهاتف هؤلاء ، وهم بالمثل يردون الزيارة بزيارة والاتصال باتصال ، فتضيع الأوقات ويفوت الانتفاع بالعمر .
4- التعلق والتأثر ببعض الصفات السلبية في بعض أفراد الجماعة التي تحتضن الشخص في أنشطتها .
فإن الواقع يشهد بأن من الشباب الملتزم من يمتلك صفات جيدة كالجدية والحرص والتنظيم ، ولكن حين يخالط بعض الصالحين ممن ينقصهم هذه الصفات الإيجابية تجده يتأثر بهم ويضعف معهم إلى هزل كهزلهم أو لا مبالاة بالمسئوليات ونحوها ، فيكون اجتماعه بهؤلاء سبباً لضعفه لا قوته وهذا أثر سلبي ظاهر عند البعض .
سادساً : كيف نحقق التوازن بين الفردية والجماعية ؟
من خلال ما تم استعرضاه من سلبيات للفردية والجماعية ، وما ذكرناه من إيجابيات لهما .. نعلم أن ترك الفردية بالكلية تفوت على المرء الكثير ، وتجاهل الحاجة للجماعة فيه من المفاسد ما فيه .
ولذا يأتي السؤال المهم : كيف نحقق التوازن بين الفردية والجماعية .
ويمكن الإجابة عليه من خلال بيان النقاط التالية :
1- تذكر المرء دائماً أنه هو المسئول الأول عن نفسه قال تعالى ( كل نفس بما كسبت رهينة ) المدثر آية 38 .
وقال تعالى ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) القيامة آية 15 .
ولذا ، حريٌّ بالشاب الملتزم بدينه أن يحرص على نفسه ، فيحاسب نفسه على الإخلاص والمتابعة ، ويجاهد نفسه ، على تقوى الله في السر والعلن ويبذل ما في وسعه من النوافل تقرباً إلى الله ، والجماعة قد تدعو المرء إلى الإخلاص والتقوى ، وقد تعظ بالمسابقة إلى الخيرات وتشجع عليها لكن أن تفرض ذلك على المنتمين إليها ، فهذا محال ! وهكذا الحال بالنسبة لأعمال فردية كثيرة ينبغي على الجاد في التزامه أن يصدق في تحقيقها ومنها : ( بر الوالدين ، غض البصر ، تجنب السماع المحرم ، تلاوة الورد اليومي من القرآن ، الاستغفار ودوام الذكر ، الحرص على صلاة الجماعة ... إلخ ) .
2- تحديد المرء أهدافه من ارتباطه بالجماعة الصالحة :
فالشاب الملتزم بدينه يحرص على الصحبة لغاية شرعية لا لمجرد اللهو و*** أوقات الفراغ ..
ولعل من أهم الأهداف للارتباط بالجماعة الصالحة ما يلي :
1- الثبات على دين الله .
2- التفقه في الدين .
3- التعاون على البر والتقوى .
4- التناصح والتعاضد في سبيل ارتقاء إيماني .
5- تحصيل الأجر والثواب والمشاركة الفعالة في الدعوة .
6- توظيف طاقة المرء فيما ينفع .
3- العيش مع الجماعة الصالحة مطلب شرعي .
فالمتأمل للنصوص الشرعية الكثيرة يجد الدعوة الصريحة للعيش مع الجماعة الصالحة والصبر عليها وعدم التفرق عنها ، ومن ذلك :
- قوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا )
- قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( إياكم والفرقة ، وعليكم بالجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، ومن أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة ) رواه الترمذي .
والعيش مع الجماعة لا يعني أن يلغي الشاب الملتزم أوقاتاً كان يقضيها في محاسبة نفسه أو تقرب إلى الله بعبادة أو طلب للعلم أو دعوة للآخرين . ومن ذلك قول الفاروق رضي الله عنه : ( خذوا حظكم من العزلة ) والمطلوب تحقيق التوازن وأن يعطي لكل ذي حقٍّ حقه ، وحول هذا المعنى يقول الشافعي : ( الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة ، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين المنقبض والمنبسط ) . وأوصى وهب بن منبه رجلاً أراد الانفراد عن الناس فقال له : لا تفعل إنه لا بد لك من الناس ولا بد لهم منك ، ولكن كن فيهم أصم سميعاً سكوتاً نطوقاً .
من كتاب ( كلمات في الالتزام الجزء الثاني ) ص 6- 16 .
رد مع اقتباس