عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-06-2018, 06:34 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

خطبة عيد الفطر 1439هـ
(الدِّين الغالب)
*
الحمد لله مسبغ نعمائه، وضامنِ الزيادة بشكر عطائه، وجاعل الفرج قرين بلائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في صفاته وأسمائه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأوليائه.
*
أما بعد، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً.

أيها المؤمنون والمؤمنات!
ليَهنكم تمام موسمكم، وما أودعتموه من صالح عملكم، وشهود عيدكم. ووهب الله لنا في عطاياه أجزل الثواب والنصيب، وجعل عملنا في الخير ديمة، ورزقنا القبول وحسن الختام.
*
عباد الله!
كان الناس قبل بزوغ شمس الإسلام في ظلام الجاهلية الدامس ومستنقعها الآسن؛ يأكل القويُّ الضعيف، وتُخفر الذمام، ويفشو فيهم الشرك والمنكر والرذيلة، أنهكهم تطاحن النعرات، وقسّمت مجتمعهم، وقزّمت عقولهم واهتماماتهم؛ يعيشون في هامش الحياة مؤخرين في ذيل الأمم؛ لا يُرقب فيهم عهد، ولا يُحسب لهم حساب. وبينا هم كانوا غارقين في سفحٍ هابطٍ من الضلال والبؤس إذ بعث الله فيهم نبياً منهم يعرفون نسبه وخُلقه؛ ليكون هو المنقذ؛ وليترقّوا في سلم هداه من سفح ﴿ ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ إلى سامق قمة ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، والتي لم تبلغها أمة غير أمته صلى الله عليه وسلم، وذلك خلال ثلاث وعشرين عاماً؛ انقلبت فيها بنور الهدى موازين تلك الأمة وقيمها؛ فانقلبت نظرةُ الأمم إليها وتعاملُها معها من ازدراء وتهميش إلى رعب وتحريش. إنها أعظم منّة ربانية سابغة عليها؛ ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]. حتى إذا ما أتمّ النبي صلى الله عليه وسلم البلاغ، وأُكمل الدين، وتمّت النعمة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وشهد له ربه والخلق بنجاح البلاغ وأداء الرسالة؛ ترحّل بعد أن أقام مجتمعاً ربانياً لم يُعرف له في تاريخ البشرية نظير، مجتمع مؤتَمن على نشر الدين والذود عن حياضه؛ فترامت أطراف رقعة الدولة الإسلامية بفتوح الكتاب المنير والسِنان الشهير حتى عمّت ما بين المحيطين، وغدت دولة الإسلام أعظم دولة عرفها التاريخ ديناً، وقيماً، وحضارةً، وشكيمةً، رغم ضراوة خصومة الأعداء الفجّار ومكرهم الكُبّار؛ إذ كان المؤمنون لازمين غرز النبوة، والآخرة غاية قصدهم. وبدأ النقص الغالب يدخل على الأمة بقدر ما تركت من دينها، وأخلدت إلى الأرض، حتى آل حالها إلى زراية يُرثى لها، أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: « يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها »، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: « بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن »، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: « حب الدنيا، وكراهية الموت » رواه أبو داود وصححه الألباني.
*
عباد الله!
ومع جثوم غاشية الضعف على واقع المسلمين، وإغراقهم من قبل أعدائهم بما يصدهم عن دينهم، إلا أن هؤلاء الأعداء يخشون - أيما خشية - يقظة القلوب بحياة الإيمان، وحنينَها للأوبة إلى عز دينها، واستعادة مجدها المفقود، بعد أن ذاقت مرارة هوان الترك والتفريط، وسئمت من ذل التسول على موائد اللئام لاستعادة شيء من حقوقها المسلوبة. فطفق أولئك الأعداء الأشرار على الحيلولة دون تمسك الأمة بدينها الحق؛ من خلال أساليب ماكرة تنقط خبثاً، تتفتق عن خبرات ومراكز أبحاث ودراسات، كان من أخطرها أسلوب تفريغ الدين من محتواه، والإبقاء على مسماه وبعض المظاهر التعبدية المحرفة، والفصل بين الإيمان والعمل الصالح، وزعزعة الثوابت، وتصدير أهل الزيغ والمنافقين عليمي اللسان، واستحداث الشعارات والمصطلحات العائمة وشيطنتها لمحاربة الإسلام؛ لعلمهم أن محاربة الدين مكاشفة سبب للفشل. فلهم في كل مرحلة شعار أو مصطلح يحارب الإسلام من خلاله حتى إذا استهلك استعيض بآخر. ولا عجب من كيد الكافرين؛ إذ قد أبان الله دافعه بقوله: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109].
*
أيها المؤمنون والمؤمنات!
إن انتصار دين الإسلام حتميّ الاطراد في الحجة والبرهان وإن تخلّف السيف والسنان؛ ولذا فإن كيد الكافرين والمنافقين لا يزيد الإسلام إلا قوة ونصاعة وانتشاراً؛ إذ هو الدين الذي تكفل الله بحفظه وهيمنته؛ فهو القائل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 7، 8]، ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر " رواه أحمد وصححه ابن حبان. والتاريخ والواقع شاهدان على هذه الحقيقة؛ فأين من ناصب الإسلام العداء من الأشخاص والجماعات والدول السابقة؟! لقد فنوا واضمحلوا وبقي الإسلام - كما نزل - حياً شامخاً محفوظاً، وهو الأكثر تبعاً. بل غدا من إرهاص عودة أهله إليه شراسة المقاومة والكيد ضده؛ إذ قوة المقاومة دالة على قوة الأثر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل، فيدمغه؛ فإذا هو زاهق ".
*
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون والمؤمنات!
إن اليقين بانتصار الدين وحفظِ الله له يسكب الطمأنينة في قلب المؤمن، ويمدّه بالطاقة المتجددة في نشره والذود عنه والاعتزاز به، ويجعله دائم الوصول بخالقه، محاسباً نفسه تجاه التفريط في جنب مولاه، منكسراً لربه، مفتقراً إليه في جميع شأنه، ويمده بزاد الصبر الذي لا تستنفده وساوس اليأس، وسوس الانهزامية، واستخفاف المستهزئين، وعجلة المتعجلين، ويغذيه ببلسم رحمةٍ تجاه الخلق، ويكون سبباً للتجرد ونسيان حظوظ النفس، ودافعاً للين في أيدي إخوانه الذين يشاركونه واجب البلاغ المبين للناس أجمعين في أي مجال من مجالات دعوة الخير وعطاءاته. وهؤلاء الشرفاء هم أجلّ أسباب حفظ الله للدين، فإن هم تخلوا عن ذلك الواجب، وركنوا للإخلاد إلى الأرض، وتفرقوا في إقامة الدين؛ جرت عليهم السنة الإلهية في الاستبدال التي لا تحابي أحداً؛ ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].
*
أيها المؤمنات!
إنكن مرتكز أساس في حفظ الملة؛ لعظيم الأثر الذي تتركنه في نفوس الناشئة إن أجدتم تربيتها، فاستقامة العود باستقامة غرسه، ووراء كل أمّة طيّبة أم مربية، وزوجة صالحة، وداعية مباركة، وامرأة محتشمة واعية.

د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
__________________
رد مع اقتباس